الناقد الجزائري الكبير علاوة وهبي يكتب: عالم أحمد اسماعيل المسرحي.. المآسي الهادئة!

قراءة في مجموعته المسرحية "ليل القرابين" الصادرة مؤخرا في مصر

المسرح نيوزـ مقالات ودراسات ـ الجزائر| علاوة وهبي

ـ

الناقد الجزائري علاوة وهبي الكاتب السوري أحمد اسماعيل

من أين يمكنني الدخول إلى عالم أحمد اسماعيل اسماعيل المسرحي، من أي جانب يمكن لي أن أفتح أبواب عالمه الفني ؟

هذا رجل مشغول بهم المسرح، مقيم على حبه للكتابة الدائمة له، وهذا مفتاح.

أحمد اسماعيل اسماعيل من الأسماء التي تعمل في صمت، بعيداً عن الأضواء الباهرة، يطرح ما يشغله من هم دون الأخذ بعين الاعتبار سيف الرقابة الذي يتدلى على أبواب كل مسرح.

فرب كلمة تقال في المسرح والحياة أمضى من سيف الرقابة والسلطات،

منذ عرفته ذات لقاء عابر وكان ذلك في العاصمة الأردنية، كنا حينها ،أنا وهو، مشاركين في ملتقى (حول المسرح العربي:الواقع والآفاق) أذكر أنه حدثني حينها بحسرة عن نص مسرحي له تم السطو عليه، ومن يومها وأنا ألاحق وأتابع أعماله، سعياً مني للحصول على نتاجاته المسرحية لقراءة والمعرفة،

أذكر أيضاً أنني ، وحين كنت في لجنة قراءة النصوص في أحد المسارح الجزائرية، وجدت ضمن الأعمال المقدمة، لإجازتها للعرض، نصاً مسرحياً له، فقرأته بغبطة شديدة، وأشرت عليه بالقبول، ولكن لا أعرف ماالذي جعل هذا النص لا يرى النور على خشبة المسرح.

أحمد اسماعيل كاتب مسرحي مسكون بهم بلده ووطنه سوريا، ومسكون أكثر بهموم الأقلية الكردية التي ينتمي إليها، وما يؤلمه أكثر هو ما تتعرض له قوميته في القطر السوري من اضطهاد وغين على يد السلطة في البلاد، ولعل هذا هو حال كل الأقليات من كرد وأرمن في سوريا وما يحيط بها من دول أخرى، والملاحظ أن الكاتب أحمد اسماعيل قد أخذ على عاتقه تبني هذه القضية والدفاع عنها بالكتابة كما تشي كتاباته كلها، والتي يطرح فيها ذلك بشكل غير مباشر أو فج، وسيلمس القارئ المتابع ذلك بوضوح جلي.

ينتهج أحمد اسماعيل هذا المسار النضالي كتابة مسرحية، فلا يقف عنده، بل يوسع دائرته ليشمل كل ما هو إنساني، مدافعاً عن إنسانية الإنسان ضد أي غبن وإضطهاد، في دعوة للتساوي بين الجميع، مواطنين وشعوب، وهو بذلك يشكل، إلى جانب مواطنه الكاتب المعروف عبد الفتاح قلعجي، من أكثر الكتاب المشتغلين على هذه القضية الإنسانية في المنطقة.

ففي كتابه الصادر حديثاً، والذي يحمل عنوان (ليل القرابين) والذي يضم ست مسرحيات قصيرة، يتجلى هذا الهم في كل النصوص بوضوح وقوة كبيرين، حيث يعالج فيها وبأسلوب درامي متين، قضايا إنسانية ووطنية ساخنة، دونما أدلجة ومباشرة.

منذ النص الأول في الكتاب والذي يحمل عنوان : ليلة السجين السعيدة، وبدءاً ،في اعتقادي، من اختياره لاسماء الشخصيات، آرام وهو حفيد النبي نوح من ابنه الخامس وهو اسم أرمني، إلى اسم شريكة حياته شهناز، وهو اسم كردي على ما أعتقد، يهدم زبانية السلطة الحاكمة شخصية آرام في الأقبية وتحت التعذيب، لينعكس ذلك عجزاً على علاقته مع عروسه في ليلة الدخلة التي تطول سنوات وسنوات، وذلك بسبب طغيان ذاكرة السجن على ما عداها: فالرعب والتعذيب الجسدي والنفسي يسيطر عليه ويفسد عليه قضاء تلك الليلة، مثل أي عريس.

ونجد الثيمة نفسها في مسرحية القربان: السلطة المستبدة التي لا تقوم لها قائمة إلا على الدماء، حيث يتم اسقاط تمثال الزعيم والحاكم المنتصب في وسط ساحة البلد وما أن تهب رياح الثورة حتى يسقط، ولا يعود إلى سابق عهده، إلا حين يتم تقديم الفتى السجين الذي أسقطه قرباناً للتمثال، والسجين هنا رمز يمثل الأقلية التي يتحدث الكاتب عن معاناتها، والتي يتم تقديمها في كل مرة كبش فداء وقربان دون أن تجد من يناصرها. في الداخل أو الخارج، وكأني بأحمد هنا يشير إلى العواصف التي هزت مؤخراً البلدان العربية، والتي عرفت باسم الربيع العربي، والتي سفكت فيها دماء كثيرة وعزيرة.

وتكاد المسرحيات الأخرى تحمل الموضوع نفسه : مسرحية مزحة ومسرحية مصير وغيرهما، والتي يطرح فيها موضوع الوشايات والاتهامات في هذه البلدان دون أي سند وبرهان.

يحوي الكتاب أيضاً على نصين من نوع المونودراما، نص نسرين، ونص عجوز في الغابة، في نسرين يبرز الكاتب وبشكل قوي عجرفة النظام الحاكم في سوريا، وأسلوب تعامله المشين في المدارس، حيث يحول الطالب إلى رفيق حزبي، ومن يخطئ في مناداة زميله في المدرسة، وفي درس الطلائع، بغير هذه الصفة، فسينال أشد العقوبات، وفي النص الآخر: عجوز في الغابة، يطرح الأستاذ أحمد إشكالية الهجرة بسبب الحرب، وأثر ذلك على علاقة الآباء بالأبناء، ومصير العجائز في ظرف قاس كهذا، وأعتقد أنه يقصد هجرة أبناء الأقليات العرقية هرباً من الاضطهاد في الوطن، ومن دعوة ومسعى البعض إلى موت وصهر هذه الأقليات وقتل هويتها، وذلك في نوع من الترميز من خلال التابوت وطلب الكنة من الجد العودة للتابوت عندما يحاول الخروج منه، وذلك بتواطئ مع ابن العجوز نفسه.

أغلب نصوص هذا الكتاب مآس درامية عن مآس واقعية للأقليات القومية في الدول العربية وهي نتطبق على مآس القوميات والأقليات في الدول الأوربية أيضاً، إذ أن هذه الأقليات تعيش حالة تهديد لوجودها بسبب ما تتعرض له من قهر وغبن من قبل السلطات الحاكمة.

إن مآسي الصديق أحمد اسماعيل اسماعيل مآس إنسانية بامتياز، وأغنيات حزينة وهادئة رغم قساوة المواضيع التي تعالج واقع الأقليات المرير وتطالب بحقها في العيش بحرية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock