نصوص

حصريا ننشر.. “لَيْلَةُ السَّجِّين السَّعيدِة”.. مسرحية من فصل واحد للكاتب السوري: أحمد اسماعيل اسماعيل


 المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

لَيْلَةُ السَّجِّين السَّعيدِة

مسرحية من فصل واحد

 

أحمد اسماعيل اسماعيل

                                          

1-

 

(صالون متوسّط الحجم ذا سقف واطئ، يقع بابه المؤدي إلى الخارج في الجدار الأمامي المقابل لفتحة المسرح، وإلى يمينه باب آخر يؤدي إلى غرفة النوم. ثمة أريكة وطرابيزة عليها هاتفٌ ثابت، ومرآة كبيرة مثبتة في الجدار، وساعة حائط تشير إلى الثانية عشرة ليلاً، إضافة إلى مقعد حلزوني وكرسيّ ذي مسند. يرقص زوجان على أنغام موسيقى هادئة وشاعرية، إنهما آرام: رجل في نهاية العقد الرابع من العمر، له وجه ذو تقاسيم متقلّصة ومتوترة وعينان تومضان بنظرات ساهية. وشهناز: امرأة في بداية العقد الرابع من العمر. على وجهها الطيّب الجميل مسحة إرهاق قديم. إنهما عروسان في اللّيْلة الأولى من زواجهما. الوقت: منتصف اللّيْل)

شهناز : آرام.

آرام:    نعم.    

شهناز :  هل أنت سعيد؟

آرام:  (كمن انتبه من غفلة) نعم. طبعاً سعيد، وأنت؟

شهناز :  (برقة) لا أعتقد أن في هذه الليلة من هو أسعد مني، مَن كان يصدّق؟

آرام:  نعم، مَن كان يصدّق؟

شهناز :  (بفرحة لا تخلو من أسى) بعد كلّ هذه السنوات من الانتظار؛ كلُّ يوم فيها كان أطول من

سنة.

آرام:  (بحرقة) بل كلّ دقيقة، كلّ دقيقة فيها كانت سنة كاملة.

شهناز :   (مستدركة وممازحة) هذا ما كان في الماضي يا حبيبي، والماضي انتهى، ارْمِه خلفك. ارْمه

وانظرْ أمامك.

آرام:  (بسخرية مرّة) حاضر يا سيّدتي. لقد رميته.

شهناز :  (بدلال) والآن، مَاذا تشاهد أمامك؟

آرام:  (يبتسم، بحبّ) أشاهدُكِ، أقصد: أشاهد حبيبتي شهناز وقد أصبحت زوجتي.

شهناز :  (ممازحة) إذاً تابع النظر.          

         (يضحكان، تمرّ لحظات صمت وهما يرقصان، تلاحظ شهناز شرود آرام، فتؤدّي حركة

          رقيقة بقصد لفت انتباهه).

شهناز:(بعتب ودلال) نحن هنا.

آرام:   (بحرج) ماذا ؟

شهناز :   فليهنأ مَن يشغَلُ بال حبيبي.

آرام:   (باستغراب واستنكار) يهنأ؟! 

شهناز :   لابدّ أنْ يكون مَن يشغل بَالَ عريس في ليلة زواجه؛ عزيزاً جدّاً.

آرام:   (بحنق) بل حقيراً جداً.

شهناز :   ماذا ؟!

آرام:   ونَذْلاً.

شهناز :   (بتعاطف) لقد وعدتني بنسيان ما حدث لك، ووعد الحرّ دين.

آرام:   (بأسى ومرارة) حرّ؟!

شهناز :   طبعاً. إنك هنا يا آرام؛ ولست هناك،في القفص الذهبي، وليس هناك في ..(تستدرك)

يا لي من حمقاء! (يتابعان الرّقص بشاعريّة وحلم. بعد لحظات) آرام.

آرام:   نعم.

شهناز :   أجبني بصدق، حين كنتَ هناك، كم مرّة حَلِمت بهذه الليلة؟

آرام:   كم مرَّة؟  مرّة واحدة.

شهناز :   مرّة واحدة؟!

آرام:   نعم.

شهناز :   ماذا ؟! قلْ إنّها مزحة.

آرام:   إني جاد.

شهناز :   هكذا إذاً؟!

آرام:   هل أزعجَكِ كلامي؟

شهناز :   (بضيق) وكيف تراني؟

آرام:   أراكِ منزعجة.

شهناز :   بل قلْ مُغتاظة، وسأنفجر من الغيظ؛ حبيبي الذي كنت أفكّر فيه يوميّاً، مِئة مرّة في اليوم

الواحد، يقول لي: لم أفكّر فيك طوال تلك السنوات السبع التي قضيتها بعيداً عنك، سوى مرّة

واحدة، مرّة واحدة فقط ثم يستغرب أن أغتاظ ؟!

آرام:   قليلاً من الصبر يا حبيبتي.

شهناز :   لقد قلتها وانتهى الأمر.

آرام:   لا لم ينتهِ الأمر.

شهناز:   وهل من مزيد؟

آرام:   اعلمي أنك لم تغادري تفكيري قط. منذ ذلك اليوم المشؤوم؛ وحتى ساعة الإفراج عني.

شهناز :   (بدلال) حقاً؟

آرام:   نعم.

شهناز :   وما هو دليلك ؟

آرام:   وجودي الآن معك.

شهناز :   أريد إثباتاً على صدق مشاعرك، لا على وجودك.

آرام:   ماذا ؟!

شهناز :   وحالاً.

آرام:   هل هذا استجواب؟!

شهناز :   (بدلال) اعتبرني محققاً واعترف، وإلا سأسوطك بعنف.

آرام:   ماذا ؟!

         (تنتابه حالة من التوتّر. يبتعد عنها)

شهناز :   لا فائدة من الهرب. ستعترف بكل ما لديك.

آرام:   كفى يا شهناز.

شهناز :   اعترف.

آرام:   (بانفعال) قلتُ لك كفى. كفى..

شهناز :   (باندهاش) آرام، ماذا أصابك؟!

آرام:   لن اعترف. لن اعترف.

شهناز :   أنا آسفة يا حبيبي! لقد كانت مجرّد مزحة: دلع عرائس. أعلم جيداً مكانتي في قلبك.

 (ترفع صوت الموسيقى وتراقصه، يتجاوب معها ببرود. بشاعريّة)

طوال سنوات غيابك كنتَ فيها معي مثل ظلّي، ترافقني أنّى توجّهت، غرفة غرفة، وشارعاً

فشارع، وسوقاً فسوق. هل تعلم أنّني كنت طوال تلك السنوات أعيش في الحلم لا في الواقع؟

          (تصدر حركة ما من خلف الباب فينظر نحوه بخوف)

شهناز:   ما بك؟

آرام:   ثمة من يتجسس علينا.

شهناز:   يتجسس؟! إنهم أهلك.

آرام:   وماذا يفعل الأهل خلف باب غرفتنا في هذا الوقت المتأخر من اللّيْل؟!

شهناز:   هس. لا ترفع صوتك.

          (تطفئ النور، يسود الصمت للحظات، تصدر همهمات من خلف الباب. ينهض آرام

          فجأة وقد استبد به الفضول والقلق، يتوجّه نحو الباب ويسترق السمع)

آرام:   (بتوجس) هل هم عُزّل؟

شهناز :   ما هذا الكلام يا حبيبي؟! لابدَّ أنك تمزح؟

آرام:   (يسترق السمع) إنهم يروحون ويجيئون ويتحدثون؛ ولكن بماذا يتحدثون؟

شهناز :   نمْ الآن يا حبيبي. إنك مرهق جداً.

آرام:   أريد جواباً واضحاً. هل هؤلاء الذين يقفون خلف هذا الباب: أهلنا؟ نعم أم لا؟

شهناز :   لا أعرف بالضبط من هم، ولكن..

آرام:   (بريبة) ولكن أنا أعرف.

          (تنبعث أصوات من خلف الباب، يصمت للحظات وهو ينصت ويترقّب)

ها هو التاريخ يُعيد نفسه، اصبري قليلاً، وستسمعين صوت أبي حيدر وهو يصيح:

(هيه. يا زنزانة رقم واحد وأربعين، اخرجوا للطعام، بسرعة يا أبناء الساقطات) انتظري.

اسمعي ولا تردي، هل تسمعين؟

شهناز :   من هو أبو حيدر؟!

آرام:   المساعد أبو حيدر، كيف لا تعرفين من هو المساعد أبو حيدر؟!

شهناز:   إنك واهم يا حبيبي. نحن هنا، في البيت.

آرام:   هس. اسمعي. إنه يشتمنا.

(يقترب من الباب) إنّي أراكم، أرى العصي والسياط في أيديكم، هيا ابتعدوا.

 (يُطرق الباب، تهرع شهناز نحو آرام المنتصب قرب الباب وتجرّه بعيداً عنه)

نحن لسنا بحاجة إلى طعامكم، لسنا جياعاً.

شهناز :   (بخوف ورجاء) آرام، أرجوك يا حبيبي.

          (يُكرّر الطرق على الباب. تهم بفتح الباب. يجرها)

آرام:   حذار، حذار يا شهناز، لا تخرجي إليهم.

شهناز :   لا تخش شيئاً يا حبيبي، سأتناول الطعام من أيديهم وأعود.

آرام:   احذري. ما أن تفتحي الباب وتخرجي حتَّى ينهالوا عليك بالعصي.

شهناز :   العصي؟! ماهذا الكلام يا آرام؟!

آرام:   هس.

شهناز:    (باستسلام) حاضر.

             (تشغل آلة الموسيقى، تمسك بيده وترقص، يتجاوب معها شيئاً فشيئاً)

حبيبي،هل تعلم كم أحبّك؟ أحبّك كثيراً، أكثر من أيّ إنسان في هذه الدنيا، وسأبقى أحبّك

حتَّى آخر العمر. حبيبي، لماذا لا تتكّلم؟ قلْ شيئاً، قلْ أحبك يا شهناز.

             (يبتسم آرام ابتسامة غامضة وحزينة، تمضي لحظات وهما يرقصان بصمت. بحلم)

هل تعرف بماذا أحلم الآن؟

آرام:   بماذا؟

شهناز :   احزر.

آرام:   لا أحبّ الحزازير.

شهناز :   أرجوك.

آرام:   بسيّارة؟

شهناز :   لا.

آرام:   بشهر العسل؟

شهناز :   لا. بنسرين.

آرام:   نسرين؟!

شهناز :   (بشاعريّة) كم أنا مشتاقة إلى رؤيتها، مشتاقة إلى تلك اللحظة التي أسمع فيها كركرتها

وبكاءها.. لن أدعها تبكي لحظة واحدة، سأظلّ إلى جانبها ليل نهار، لن تبرح حضني

وصدري، سنقول لها: هيا يا نسرين قولي بابا، فتردّ وهي تلثغ: با. با. ثمّ نطلب منها أنْ تقول

ماما، فتردّ: ما. ما (بحلم) ماما.. ماما.

آرام:   (بحزم) كفى، كفى يا شهناز.

شهناز:   (تكفّ عن الرقص) ماذا؟! ماذا حدث؟!

آرام:   لا أريدها.

شهناز :   ماذا؟! لا تريد من؟! نسرين؟!

آرام:   لا أريد ابنة.

شهناز :   كيف تقول ذلك ببساطة؟ إنها نسرين، حلمنا المشترك!

آرام:   هل فكرت فيها حين تكبر وتصبح امرأة، بل قبل أن تصبح امرأة؟

شهناز:   طبعاً، إني لا أفكر سوى فيها، أراها كلَّ يوم وهي تكبر أمام عيني، وتدخل المدرسة وتذهب

بعدها إلى الجامعة؛ ومن ثم تتزوج، حينها سأرقص في حفلة زفافها كما لو كنتُ والدة العريس؛

لا والدة العروس.

آرام:   (يقاطعها) لا. لن أمنحهم فرصة للانتقام مني، إنهم كلاب. كلاب.

شهناز :   (بذهول)  مستحيل!

آرام:   (بسخرية مُرّة) مستحيل؟! هل قلت مستحيل يا آنسة؟ هل تعلمين أن هذه الكلمة بالذات؛

كلمة مستحيل، غير موجودة في قاموس هؤلاء؟ إنَّهم على استعداد لفعل أيّ شيء، أيَّ شيء.

هل تفهمين؟

شهناز :   كفى. كفى يا آرام.

       (ينظر إلى عينيها بقسوة فترتبك)

ما بك؟ لماذا تنظر إليّ هكذا؟!

(يمسك رأسه ويتأرجح وهو مغمض العينين. بجزع) آرام، ما بك يا آرام؟!

(يسقط أرضاً مغشيّاً عليه. بصوت عال وهلع)آرام!

 

                                                2-

 

          (الصالون، تجلس شهناز أمام المرآة وهي ذاهلة)

شهناز :   يا إلهي،لماذا كان ينظر إليّ بتلك النظرات؟! ما معنى نظرته تلك؟! يا رب، اجعل هذه اللّيْلة

تمضي بسلام. وامنحني القوة لأساعده.

          (تجمد للحظات وهي تحملق في المرآة، تلتفت خلفها وتشعل الضوء فيظهر خلفها وهو

          يتدلّى من حبل معلق بالسقف ورؤوس أصابعه بالكاد تلامس الكرسيّ الذي يتأرجح

          فوقه، تطلق صيحة فزع قويّة، يُقرع الباب بقوة، يتكرّر القرع مع همهمة غير مفهومة

          يرافقها اشتداد عتمة جوّ الغرفة)

 

 

 

 

3-

 

 

          (يجلس آرام الذي اصطبغ شعر رأسه ببعض الشيب، على كرسيّ وهو منهك القوى)

شهناز :   (بودّ وعتب) سامحك الله يا آرام، أتريد أن تحرمني منك بعد كلّ هذا الانتظار؟ حرمان

وفضيحة أيضاً؟!

          (تصمت قليلاً، آرام في حالة ذهول لا يقوى على الرد)

هل تعرف ما الذي كان سيقوله الناس عنّي لو.. لا سامح الله؟ ألا يقال: ابحث عن المرأة؟ وفي

حالتنا هذه لم يكونوا في حاجة للبحث عنها كثيراً، ولكن لماذا؟ لماذا فعلت ذلك يا آرام؟

يا أحب الأسماء إلى قلبي؟ هل تعلم أنني لا أملُّ من تكرار اسمك؟

(بهيام) آرام.. آرام..

آرام:   (بقهر وذهول) حرمونا من كلّ شيء، حتَّى من سماع اسمائنا، لقد حوّلوها إلى أرقام، مجرد

أرقام. السجين رقم 50، السجين رقم 20، السجين رقم 300 .

شهناز :   (برجاء) آرام.

آرام:   كلاب.

شهناز:   هل تذكر أيام زمان يا آرام؟ أيام الولدنة، حين كنت تلاحقني من مكان

إلى مكان أيها الشقي؟(تصطنع ضحكة) كم كنت شقياً! في البداية أخافتني شقاوتك، ولكن،

وفيما بعد، أصبحتُ أحبُ فيك تلك الشقاوة والجرأة.

          (يرنُّ جَرَسَ الهاتف، ترفع شهناز السمّاعة)

شهناز : (من خلال السماعة. بهدوء) ماما، أهلاً يا أمّي، ماذا؟ لا يا أمّي، اطمئني، كلَّ شيء سيكون

بخير، آرام بخير.

(يسحب السمّاعة من يدها ويغلق الهاتف. بضيق وخجل)

لماذا فعلت ذلك؟ إنّها أمّي.

(هدوء تام يستمر للحظات. يرنّ جرس الهاتف، فتلتقط شهناز السماعة)

شهناز :   (من خلال السماعة) ألو. ماما. آسفة يا أمي..لقد (تصمت بحرج) أهلاً يا عمي.

(تضع يدها على السماعة وتقدّمها لآرام. بهمس) إنّه والدك.

(يلتقط السماعة من يدها ويُعيدها إلى مكانها، ثمّ يفصل خطّ الهاتف)

شهناز :   عيب، لا يجوز.

آرام:   (بضيق) ولماذا لا يجوز؟

شهناز :   (بهمس) إنه والدك.

آرام:   (بحنق) هل تخشين أن يضربني بالعصا؟أو يصعقني بالكهرباء؟

شهناز : آرام، إنّك تتحدّث عن أبيك لا عن سجانك.

آرام:   سجاني!

شهناز :   آسفة. لم أقصد..

آرام:   لا فرق. لافرق بين أبي وسجاني.

شهناز :   (مصدومة) أقسم أنّك بدأت تهذي، وأخشى أن تقول بعد قليل: أكره أمّي، مَن يدري؟

هيا ادخل إلى غرفتك ونمْ قبل أن تقول: إنّي أكرهك يا شهناز.

  (تدفعه إلى غرفة النوم وتطفئ النور).

آرام:دعيه مشتعلاً.

شهناز :   لقد تأخر الوقت. تكاد الساعة.. (تنظر إلى الساعة في دهشة) غريب، لقد كانت الثانية

عشرة حين دخلنا إلى الغرفة!

آرام:  أشعليه.

شهناز :   (بتململ) ولكن..

آرام:   (بعصبيّة) أشعليه.

شهناز :   (برضوخ) حاضر

   (تشعل النور وتجلس على الكرسي بعيداً عنه، تهمهم) لا أعرف ماذا سأقول للناس

صباح الغد: يا جماعة، يا ناس، أنا آسفة، لقد قضينا ليلتنا بالحديث والهذيان؟

(بحيرة وعجز) أُقسم أنّني لا أعرف ماذا سأقول!

آرام:   تعالي.

شهناز :   (لاترد)..

آرام:   لماذا لا تردّين؟

شهناز :   (لا ترد)..

آرام:   صمتكم يقتلنا.    

شهناز :   وماذا عن عنفكم؟

آرام:   عنفنا! إذن لا نوم اليوم.

شهناز :   حتى النوم يا آرام؟!

آرام:   ممنوع.

شهناز :   أريد أن أنام.

آرام:   آسف.

شهناز :   سأصرخ بأعلى صوتي، هل أفعل؟

آرام:   لا، لا حاجة للصراخ. موافق.

شهناز :   شكراً .

   (تهم بالدخول إلى غرفة النوم)

آرام:   ولكن حذار من الأحلام الهدامة.

شهناز :   أمرك.

آرام:   لا تغمضي عينيكِ.

شهناز :   (تهم بالصراخ بشكل مفتعل) يا..

آرام:   (يَسدُّ فمها) هس. حسنٌ. حسنٌ. تفضلي ونامي.

شهناز:   يبدو أنّ إيصال صوتي للآخرين هو الحلّ الوحيد لإنهاء هذه الحال.

آرام:   بالعكس، هؤلاء هم أصل البلاء.

   (تدخل إلى الغرفة، يسود الصمت للحظات، يطفئ الكهرباء ويدخل إلى غرفة بهدوء)

 

4-

 

          (يتجوّل آرام في أرجاء الغرفة وهو يردّد مقاطع متفرّقة من قصيدة أيّتها الحرّيّة لبول إيلوار) أيّتها الحرّيّة.. أيّتها الحرّيّة..

(أكتب اسمك.

على الصور المذهّبة

على أسلحة المحاربين

على تاج الملوك..

أيّتها الحرّيّة..

إنّي خُلِقت لأعرفك..

لأسمّيك حرّيّة)

(يتّوجه نحو المرآة، يقف أمامها. بسخرية) هل تريد الحرية يا ولد؟

  • نعم يا سيدي.
  • هل تريد الحرية يا ولد؟
  • نعم يا سيدي.

           يتأمّل وجهه للحظات فتتقلّص أساريره وتنفرج وتنقلب إلى تعابير رعب، بما يشبه

 الهلوسة)

نعم، نعم يا سيدي.. لا يا سيّدي، لا أريد يا سيّدي، لا أريد، أريد الذهاب إلى المرحاض..

نعم المرحاض، أرجوك يا سيّدي، مثانتي ستنفجر.

(يبدأ بالانكماش على نفسه لمنع حدوث التبوّل) سيّدي. إني بحاجة. حاضر يا سيّدي،

كما تشاء، طز في الحرية يا سيدي، ولكنّني بحاجة إلى الذهاب..

(ينكمش أكثر ويكاد ينفجر من شدة ألم المثانة) لم أعدْ أستطيع التحمّل يا سيّدي، دقيقة

واحدة فقط يا سيّدي، ثانية واحدة.. أرجوك يا سيّدي، أرجوك..

(يبكي وهو يكرّر ذلك، تدخل شهناز قادمة من غرفة النوم مفزوعة،تتأمّله بذهول)

شهناز:   اهدأ يا آرام، اهدأ يا حبيبي..

  (يترافق طرق الباب مع ازدياد ارتفاع صوته)

آرام:   (برعب وهو لا يزال منكمشاً) أرجوك يا سيدي، اسمح لي بالذهاب يا سيّدي.

   (تهرع شهناز نحو قاطع الإنارة، تشعله، يستمر في الجري وسط الغرفة كالملسوع)

شهناز :   (باستغراب) ماذا تفعل؟ عمّ تبحث؟

آرام:   الباب. الباب.

شهناز :   (تلاحقه) هذا هو الباب. إنه هنا. هنا يا آرام.

آرام:   الباب..  أين الباب؟

شهناز :   إنّه أمامك، انظر إليه، اهدأ.

   (يتّجه نحو الباب، يحاول فتحه، وفجأة يبول عليه)

  (بذهول وخجل وهي تشيح بوجهها عنه)  آرام.. ماذا تفعل؟

 (ينتهي من قضاء حاجته، تمر لحظة صمت وهدوء، يتنهد بارتياح. بقرف وخجل)

يا ويلي، ما هذا الذي فعلته؟!

(تقدم له زجاجة مملوءة بالماء)

آرام:   ماذا أفعل بها؟

شهناز :   اسكبْها هناك، على فعلتك تلك.

آرام:   (يلتقطها من يدها) حاضر.                            

 (تشيح بوجهها عنه، ويسكب الماء على المكان الذي بال فيه، ثم يعود إليها، بعد

   تردّد) أنا آسف.

شهناز :   (بحيرة وخجل) إنني أتخيل حالنا غداً وقد أصبحنا مضغة في أفواه الجميع.

آرام:   اللعنة على الآخرين.

شهناز :   لماذا لم تخرج إلى المرحاض؟!

آرام:   لم يكن لدي حرية فعل ذلك.

شهناز :   حرية؟!

آرام:   نعم.

           (بعد صمت وهي تتأمله)         

شهناز :   ولماذا عبثت بأشيائي في الخزانة؟ هل فعلت ذلك بسبب هذه الحرية؟

آرام:   (ممازحاً) لعم. نعم ولا.

شهناز :(بضيق وعتب) كفّ عن السّخريّة رجاءً.

آرام:   ليست سخريّة.

شهناز :   (بحنق) أيتها الحرية، كم من جرائم ترتكب باسمك!

آرام:   هس. لا ترفع صوتك باسمها.

(تعود شهناز إلى غرفة النوم) إلى أين؟

شهناز :   سأعود إلى ترتيب الفوضى التي أحدثتها في غرفة النوم.

 

                                      5-

 

(تعود شهناز إلى الصالون منزعجة وفي يدها دفتر مذكّراتها)

شهناز :   هل التطفل على أسرار الآخرين حرية؟!

آرام:   ما هذا؟! دفتر حسابات؟

شهناز :   (بضيق) كفّ عن السخرية رجاءً وقلْ؛ لماذا أخرجت دفتر مذكّراتي؟

آرام:   مذكّراتك؟!

   (يلتقط الدفتر من يدها، يُقلب الصفحات بفضول ويقرأ بعض المقاطع على عجل،

  تراقبه شهناز بذهول واستنكار)

شهناز:   (بضيق) آرام! أرجوك. هذا لا يجوز.

آرام:   (يقرأ بعض المقاطع) (حبيبي الغالي.. ليلة أمس شاهدتك من خلال النافذة وأنت تسير في

شارعنا، لوّحت لك بيدي فلم ترني، حزنت كثيراً وبكيت، وفجأة وجدت أمي توقظني من

هذا الكابوس، أقول عنه كابوس لأنّك لم تردّ على تلويحة يدي بتلويحة من يدك، أو حتّى

بابتسامة صغيرة)

(ينظر إليها نظرة ارتباك، يقلّب صفحة أخرى. يتابع القراءة)

(اليوم قال لي جارنا الأستاذ سهيل: إنّك تنتظرين غودو، ورغم أنّني فهمت ما قصده ولكنّني

لم أجبه، قال: وغودوك هذا لن يرى النور حتى رحيل هذا النظام، وهذا النظام لن يسقط

حتّى ولو سقطت السماء فوق رؤوسنا) (بحنق) خسئت يا مرتزق. (لشهناز) وماذا قال هذا

التافه أيضاً؟

شهناز :   لقد قرأت ما قاله.

(يقلب الصفحات بعصبية)

آرام:   وماذا أيضاً؟ وماذا أيضاً؟

شهناز:   (بنفاد صبر) حبيبي، يا هوو.. يا عالم، أريد أنّْ أنام، أريد أن أنام بضع ساعات فقط،

غداً الصباحيّة يا آرام، ولابدّ أنّك تعرف ماذا تعني الصباحيّة؟ استقبلَ وودّعَ من أوّل

شروق الشمس وحتّى آخر النهار. بل وحتّى آخر الليل، وهات مجاملات وقبلات وكلام

نسوان. وليتك تعرف ماذا سيقولون عني حين يجدونني في حالة نعاس منذ بداية النهار!

آرام:   ما أنا مصمّم على معرفته الآن، وحالاً، هو ما جاء في هذا الدفتر من مذكّرات، هيا اقرئي،

مَن غير الحيوان سهيل طلب منك التخلّي عنّي؟ لا أعرف من أين سمع هذا الدبّ باسم

غودو؟ كاتب التقارير وهادم البيوت يتحدث عن غودو!

(تسحب شهناز الدفتر من يده )

شهناز :   (بضيق) هذا ما كان ينقصنا في هذه اللّيْلة! لقد تأخر الوقت يا حبيبي. نحن في آخر الليل.

  (تنظر إلى الساعة.باستغراب) انظر. غير معقول! لا يمكن أن تكون الساعة الآن الثانية

عشرة! لابدّ أن تكون معطلة.

آرام:   لا. ليست معطلة، بل الزمن هو الذي تعطل.

   (يضحك بسخرية) لا بدَّ أن أحداً ما قد سرق بطاريات الزمن.. وأعتقد أن من في الخارج هم

من فعل ذلك. ولكن هذا لا يهم، لدينا ديوك تصيح كل فجر: كوكوكوكو.

شهناز :   (بحرج) لا ترفع صوتك. عيب.

آرام:   (يصيح) كوكوكو..

شهناز :   آرام، ماذا أصابك يا رجل؟!الناس نيام.

آرام:   لقد نام الجميع مثل الدجاج، ولابدّ من ديك يصيح. (يصيح)

(تضحك، يستمر في الصياح والقفز. تشاركه الحركات وتؤدي دور الدجاجة، يقفزان

   ويدوران في المكان ويطلقان الأصوات. وهما يضحكان. وفجأة تقف. تنظر نحو الباب)

آرام:   ماذا هناك؟

شهناز :   ثمة أصوات، قد يكون أحد ما يتنصت علينا.

آرام:   أبو حيدر!

شهناز :   (تتجه نحو الباب، تلصق أذنها به، تنصت) لا أحد.

آرام:   دجاج.

   (يلتقط دفتر المذكرات، يتصفحه، تسرع نحوه، تنتزعه من يده)

شهناز :   لست ديكاً يا حبيبي. وهذا اعتداء على حرية الرأي.

آرام:   إذا سمحت، ومن فضلك، اقرئي لي ما جاء فيه.

شهناز :   لقد تأخر الوقت.

آرام:   لايهم.

شهناز :   لن ينتهي حتى طلوع الفجر.

آرام:   لن يطلع الفجر حتى أصيح، هل نسيت من أكون، (يصيح) كوكوكو.

شهناز :   حاضر. أمرك يا سيدي الديك.

 (تقلّب الصفحات، تتأمّل بعضها، ينظر آرام إليها بشكّ)

آرام:   لا تغشّي. الصدق أولاً.

شهناز :   حاضر يا مولاي.

   (تنظر في صفحة، تتأمّل السطور وتزفر بحسرة، تحاول تجاوزها فيعترض عليها

  بحركة من يده) إنها ذكرى أليمة، كلّها همّ وغمّ.

آرام:   وهو المطلوب.

شهناز:   (اليوم هو الثلاثاء 5-8-2007 (تصمت للحظات ثمّ تكمل) يوم حفلة خطوبة أختي لانا،

يعلم الله كم فرحت لها، ولولا ما حدث لي في الحفل، لكنت سعيدة جداً. ولكن، الناس لا

ترحم.

آرام:   الآخرون.

شهناز :   نعم.

آرام:   إنهم الجحيم.

شهناز:   دعني أكمل.

آرام:   تفضلي.

شهناز :   (تقرأ) لقد كانت البداية في المطبخ، عندما كنت هناك، قرصتني خالتي وهي تقول لي: (كان

يجب أن تكوني أنت العروس يا شهناز، فأنت أكبر منها سناً) قلت لها: نصيب يا خالة، ثم

لاتنسي أنّ لانا هي أختي. خرجتُ بعدها إلى الصالون وأنا أحمل صينية الضيافة؛ تحوّلت

نظراتكلّ الحاضرات إلى رصاص يخترق جسدي، وتناهت إلى أذنيّ بعض من أحاديثهن:

صوت يقول (تقلدها): (انظري إلى وجهها، ألا تلاحظين أنّها غير سعيدة؟)  فتردّ الأخرى:

(إنهاالغيرة، وكيف لا تغار وهي تشاهد خطبة أختها الأصغر منها سناً!)

(تتوتر) أنا أغار!! وممن؟ من أختي؟! للحظات أردت أن أردّ ولكن سمعت صوتاً آخر يقول:

(انظري بربّك يا روان، هل هذا زيّ خرّيجة معهد رسم؟) فتردّ الأخرى: نعم، إنّه زيّ معلمة

رسم عانس. ها ها ها.)لا أعرف ماذا حدث لي في تلك اللحظة؟ فجأة سقطت الصينية

من يدي وانكسر كلّ ما كان عليها من كؤوس، وتناثر حطامها واندلق ما كان فيها من

شرابوسال على أرضيّة الصالون. ومن فوري، وبدل أن أتدارك الموقف بكلمة اعتذار، أو

أسارعإلى تنظيف المكان، توجّهت إلى المطبخ وانخرطت في بكاء طويل..بكيت وبكيت..

(تبكي، يربت آرام على كتفها بتعاطف. لآرام)

لا أعرف كيف انقضت تلك الليلة، منذ ذلك الوقت أصبحت مثل الأرملة الشابة، أتجنّب

الظهور في ثياب أنيقة، كيف لا أفعل ذلك وأنا أعلم أن ارتداء ثوب جديد سيحتاج إلى

تبريرووضع المكياج إلى كتاب عرض حال، والذهاب إلى المزيّن لقصّ الشعر يحتاج هو الآخر

إلى كتابة تقرير طويل عريض لتقديمه للأمّ والأخت والعمّ والخال والجارة والصديقة وابن

الجيران والسّمان وابن الشارع وابن الكلب.. كلاب، كلاب، كلاب.

(تهدأ. تمرّ لحظات صمت، بمرارة وسخرية)

ويردّدون كالببغاء: (وإذا الموؤدة سُئلت، بأيّ ذنب قُتلت) حمقى، يزعمون أنّ عهد الوأد مضى

وانتهى، والموؤدات في كلّ مكان يصرخن: بأيّ ذنب نُقتل؟! تقتلنا العادات والأعراف؟ وتقتلنا

ذكورة بلا رجولة؟!

آرام:   اهدئي يا حبيبتي.

شهناز :(لا ترد)..

آرام:   أنا آسف.

شهناز :   لا، أنت لا ذنب لك، إنهم هم.

آرام:(ممازحاً) الآخرون، إنهم الجحيم.

شهناز :   نعم.

   (تنظر إلى الساعة. تهز رأسها باستغراب)

آرام:   دعي هذه الآلة اللعينة.

شهناز :   أريد أن أنام.

آرام:   تفضلي.

   (يطفئ النور ويدخلان إلى غرفة النوم)  

 

                                                          6-

 

           (يخرج آرام من غرفة النوم فجأة ويبدأ باستنشاق الهواء بحساسيّة وضيق. تتبعه شهناز وهي مرهقة)

شهناز :   ما بك؟

آرام:   ألا تشمّين رائحةً غريبة؟

شهناز :   (تستنشق) إنها تلك الرائحة.

آرام:   أيّة رائحة؟

شهناز :   (بخجل) تلك.

آرام:   لا، لا، إن هذه الرائحة مختلفة، شمّي.

شهناز :   شكراً.

آرام:   (بضيق) شكراً؟!

شهناز :   إنها رائحة نتنة وليست رائحة عطر يا آرام.

آرام:   (كمن تذكر) آه، العطر، أحسنت، العطر.             

   (يدخل إلى غرفة النوم ويعود وهو يحمل قارورة عطر، ويرشّ ما فيها في أرجاء الغرفة،

  يتّجه نحو الباب فيرشّ عليه أيضاً.. يستنشق للتأكّد)

والآن..ما رأيك؟

شهناز :   لا بأس.

 (يتّجه نحو الباب، يُلصق أذنه وينصت، تتقلص تقاسيم وجهه فيسدّ أنفه بقرف) 

ماذا؟ هل ثمة شيء مريب؟

آرام:   (بهمس) كصمت القبور.

شهناز:   ولماذا تسدّ أنفك هكذا؟

آرام:   (كمن يتذكر. برعب) القبور. نعم، إنها تشبه رائحة جثة متعفنة.

شهناز:   جثة؟! لسنا في مقبرة ولا مشرحة يا حبيبي.

آرام:  (يستنشق بحساسية) لحظة. بل تشبه رائحة، الرائحة التي كانت هناك، في القبو. رائحته.

شهناز :   أعوذ بالله. هذه الهلوسة سببها قلة النوم.

   (تقبض على يده وتقوده إلى غرفة النوم، يسمع بعد قليل صوته وهو مضطرب)

كفى، كفى، قلت كفى، أبعدوها عنّي. أرجوكم أبعدوها عنّي..أرجوكم.

 

7-

 

(يدخل إلى الصالون وهو يتعثر باللحاف الذي يغطي به جسمه، يطلق صيحات فزع،

      تقف شهناز أمام باب غرفة النوم بإرهاق وتعب، ويلاحظ اصطباغ شعرها بالشيب)

أبعدوها، ستنهش جسدي، إنّها تغرز أظفارها في وجهي، أبعدوها، أبعدوها.

      (يركض في أرجاء الغرفة، وينزع ثيابه في محاولة لإبعاد شيئ ما التصق به، برعب)

إنّها تنشب أظفارها في وجهي، إنها تنهشني. بس. بسبس.

(يقف فجأة صامتاً، وقد ازداد بياض شعره، يلتفت حوله بذهول)

أين هي؟ أين هي؟!

شهناز:   من؟

آرام:   القطط.

شهناز :   أيّة قطط؟ لا توجد هنا قطط.

(يلتفت حوله، يقف فجأة كمَن استيقظ من كابوس)

لماذا تنظرين إليّ هكذا؟

شهناز:   هل أنت بخير؟

آرام:   (بريبة) ماذا تقصدين؟

شهناز  :   لا شيء، إني أطمئن.

آرام:   اسمعي يا شهناز، لست مجنوناً، ولست جباناً، ولم أكن كذلك يوماً.

شهناز  :   ما هذا الكلام يا آرام؟!

  (تقترب منه. فينفر منها بعصبيّة)

ابتعدي عني، ابقي في مكانك.

(تقف مكانها جامدة حائرة)

آرام:   أجيبي بسرعة: هل أنا رجل أم لا؟

شهناز :   (برجاء) آرام!

آرام:   أجيبي.

   (تنظر إليه بذهول) حسن، كما تشائين، لست في حاجة لإجابتك، فأنا أعرف نفسي.

شهناز :   (برجاء) آرام؟!

  (تبكي بخفوت. تمرّ لحظات من الحيرة والحزن، يزداد الشيب في شعر رأسيهما،يَسدُّ أنفه

فجأة ويعود إلى غرفة النوم. تبقى في الصالون. تتأمل الساعة. تتصفح دفتر المذكرات

بحزنتمسح دموعها. تدخل إلى غرفة النوم)

 

8-

 

 (ينبعث صوت آرام من الداخل وهو يصيح بعصبية)

ص.آرام:   نتنة، نتنة، نتنة.

ص.شهناز :   كفى. كفى أرجوك.

   (يدخل إلى الصالون وهو يسدّ أنفه بقرف ويصيح كالممسوس)

آرام    :   نتنة. نتنة. نتنة. أنت نتنة.

                   (تدخل شهناز إلى الصالون وهي منهكة)

شهناز:  آرام!!

آرام    :   (يبتعد عنها) كيف لم أنتبه إلى ذلك منذ البداية؟!

(ينظر إليها بقرف ويبتعد عنها) يا للقرف!

شهناز   :   إن هذا لكثير، كثير جدّاً يا آرام.

       (تجلس في زاوية من الغرفة، يمر بعض الوقت، لنفسها)

أستحق كل ما يحدث لي، سددت أذنيّ عن كلمات وأحاديث كثيرة سمعتها عن فلان

وعنفلانة وعن وعن..وكنت دائماً أقول: لا بأس، كلّ شيء يهون من أجل عيون

حبيبي، لنأتخلّى عنه، سأنتظره حتى يغادر السّجن، واخيراً ها هو يقول عني: نتنة. أنا

نتنة؟!

آرام:   (بضيق ونفور) كفى، كفى.. لقد قلت لك فيما مضى: شكراً، ألف شكراً، مليون شكراً،

ماذا تريدين أن أفعل أكثر من ذلك؟ أعبّ هذه الرائحة؟ أبتلعها؟!

(تقترب منه، فيبتعد عنها بنزق) ابتعدي عني.

(يعود إلى غرفة النوم ويصفق الباب، تنزوي شهناز في أحد أركان الغرفة، يزداد لون

 البياضفي شعر رأسها، تستنشق بصعوبة ومن ثم بقرف)

شهناز :   سأختنق، سأختنق يا آرام.

 (تقترب من الباب وتبدأ بتحسسه، تخبط عليه وهي تصيح بصوت عال)

الباب، افتحوا الباب رجاء. الباب.. الباب.

(تلتقط دفتر مذكراتها، تمزقه، وتعود إلى طرق الباب، تجلس على الأرض بتهالك، تطرق

الباب بوهن وهي تغمغم يصوت مبهم. تزداد العتمة وتشتد، يخرج آرام من غرفته.يدور

في الظلمة كالأعمى وهو ينادي)

آرام:شهناز. أين أنت يا امرأة؟

شهناز. أين أنت يا امرأة ؟!

أين أنت يا شهناز؟!  شهناز. شهناز..

شهناز:   (بصوت واهن) الباب. الباب، افتحوا الباب.

(تستمر شهناز بالطرق وهي تغمغم، ويكرر آرام النداء وهو يدور وحيداً وسط العتمة

كالأعمى) 

النهاية

 

قامشلي شتاء2012

 

الرجاء عدم الاشتغال على النص بدون إذن الكاتب وذلك عن طريق موافقته بإذن خطي على البريد الألكتروني

a.smail1961@gmail.com

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock