مقالات ودراسات

د. علي خليفة يكتب عن “مسرحية فاوست الجديد”.. لعلي أحمد باكثير


المسرح نيوز ـ  مقالات ودراسات ـ | القاهرة

ـ 

د. علي خليفة

فاوست حكاية شعبية ألمانية، تحكي عن عالم شعر أن العلم لم يأته بكل ما كان يبغيه، فأتاه الشيطان، وعقد معه اتفاقًا، ومضمونه أنه على الشيطان أن يرضي غرائزه ورغبته في المعرفة، ويكون للشيطان أن يأخذ روحه عند موته.
ويقال إن فاوست – في الحكاية الشعبية – اختفت جثته، ولم تُرَ.

وعالج الكاتب الإنجليزي كريستوفر مارلو هذه الأسطورة في مسرحية “الدكتور فاوست”، ثم عالجها الكاتب الألماني جوته في مسرحية “فاوست”، وتعد مسرحيته عنه أفضل ما كتب عن فاوست، وهى أيضًا ربما تكون أفضل ما كتب جوته.
وفي العصر الحديث كتب بول فاليري مسرحية عن فاوست، وكانت حكاية فاوست في خلفية مسرحية يوجين أونيل “أيام بلا نهاية”.

وفي أدبنا العربي كان توفيق الحكيم من أوائل الكتاب الذين اهتموا بهذه الحكاية، وتأثر بها في أكثر من عمل أدبي كتبه، فقد تأثر بها في أكثر من قصة كتبها في كتاب “عهد الشيطان”، لاسيما القصة التي عنون بها الكتاب، وكذلك تأثر بها في قصته التي بعنوان “امرأة غلبت الشيطان” المنشورة ضمن كتابه “أرني الله”.

وكتب علي أحمد باكثير مسرحية “فاوست الجديد” معالجًا فيها حكاية فاوست برؤية معاصرة.
ونلاحظ في الأعمال التي استلهمت حكاية فاوست في الأدب العربي أن فاوست ينتصر على الشيطان في نهايتها، وأن بطلها يستشعر الإيمان بعد أن مر بتجربة الخضوع للشيطان.

ونلاحظ هذا بوجه خاص في قصة توفيق الحكيم “امرأة غلبت الشيطان”، وفي مسرحية علي باكثير “فاوست الجديد”. كذلك نلاحظ أن هذه الأعمال ربطت حكاية فاوست الشعبية بالواقع المعاصر.

ومسرحية “فاوست الجديد” لعلي أحمد باكثير فيها إعادة معالجة لحكاية فاوست الألمانية، وتتلاقى كثيرًا مع معالجة جوته لها في مسرحيته “فاوست”.

وتقع مسرحية “فاوست الجديد” في أربعة فصول، وفيها يتم معالجة حكاية فاوست الشعبية بذكر شخوصها وأحداثها مع إضافة بعض أحداث لها – لاسيما في الفصلين الثالث والرابع – تشير لتلامسها مع العصر الحديث الذي وقعت فيه الحربان العالميتان الكبريان، وصار العالم بعد ذلك فيه قوتان عظيمتان في الشرق والغرب.
وفي رأيي أن بناء المسرحية فيه مشكلة كبيرة، فالفصلان الأولان يعالجان حكاية فاوست، وبخاصة يأس فاوست من حياته التي كلها ملل، فالعلم أبوابه مغلقة أمامه، وما وصل إليه منه لا يكفيه، وحبيبته مارجريت هجرته، وترهبنت في الدير، ولا يمكن أن يعوض حبها عنه أحد.

وحين هم بالانتحار؛ ليتخلص من الحياة جاءه الشيطان في صورة صديق له، ثم عرفه بنفسه أنه الشيطان، وقال له: إنه سيأتيه بحبيبته مارجريت، وسيحقق له مطامحه العلمية في كل الكشوف التي يرغب في تحقيقها، وفي المقابل عليه أن يعطيه روحه حين يموت، ويوافق فاوست على هذا، ويكتبان العقد على ذلك بدم فاوست.

وبعد ذلك يأتي الشيطان فاوست بفتاة شبيهة بمارجريت، ويظنها فاوست حبيبته مارجريت نفسها، فيفجر بها، ثم فجأة يزهد فيها، وينغمس في ملذات شهوانية مع نساء كثيرات، وفي الوقت نفسه يواصل كشوفه العلمية بمساعدة الشيطان.
ومع الفصل الثاني يكون فاوست قد ملّ المتع الشهوانية، وأصبحت لديه رغبة في أن يوظف العلم لتقوية إيمان الناس بالله، ولا يساعده الشيطان في هذا الأمر، فيعد فاوست هذا الرفض من الشيطان نقضًا للعهد المبرم بينهما، وهنا تنتاب فاوست مشاعر إيمانية عميقة بالله، فيقول: رأيت الله رأيت الله.

ولقد ظننت أن المسرحية انتهت بهذا، فقد كفر فاوست بالشيطان، وآمن بقدرة الله وعظمته، ولكنني أفاجأ أن هناك فصلين آخرين، لا يأتيان بجديد، سوى أن الشيطان يغري فاوست فيهما بفتيات حسناوات أخريات، ويأتي له بهن من التاريخ ككليوبترا، ويستجيب فاوست لهن، ويعود مرة أخرى للشهوات، ثم تأتيه مارجريت الحقيقية، وتعظه – ولا ندري لماذا تأتيه هى بالذات بعد أن ترهبنت؟! – ويظنها شبيهتها التي فجر بها، ويفجر بها أيضًا، وحين يتأكد من أنها كانت عذراء يندم، وتمرض مارجريت الحقيقية فجأة – لا ندري لماذا؟! – ثم تموت.

ويرفض فاوست في هذين الفصلين الخضوع للقوتين الكبيرتين – اللتين لا نرى أحدًا يمثلهما في المسرحية – وذلك بأن يدمر كل المنجزات العلمية التي اخترعها، وقد تؤدي لهلاك البشرية.

ثم يمرض ويحتضر، ويوصي بقصره لخادمه وخادمته، ويقسم لخادمه عند موته أنه لم يفجر بخادمته.
ويحاول الشيطان أن يأخذ روحه، ولكنه لا يستطيع؛ لأنه كان قد نبذه من قلبه وآمن.
أعود فأقول: إن الفصلين الأخيرين من هذ المسرحية يكادان يكونان مسرحية أخرى، فالأحداث وصلت لنهايتها مع نهاية الفصل الثاني، وأدرك فاوست خداع الشيطان وضعفه، وحينذاك آمن فاوست، وشعر بعظمة الله عز وجل. فما حاجتنا لأن تعود السلسلة من جديد مع الفصلين الآخرين – الثالث والرابع – فيعود فاوست للغواية بالنساء ولأبحاثه العلمية التي يساعده فيها الشيطان؟!

أما عن أهم المؤثرات التي أثرت على كاتبنا علي باكثير في صياغته لهذه المسرحية فهى أولاً حكاية فاوست الألمانية، وصياغة جوته لها – على وجه الخصوص – في مسرحية “فاوست”.
كذلك ألاحظ تأثر باكثير في هذه المسرحية لاسيما في الفصلين الثالث والرابع منها – بمسرحية “علماء الطبيعة” لفريدريش دورينمات، ففي مسرحية باكثير رفض فاوست أن يفيد الدولتين الكبيرتين بمخترعاته العلمية وحرقها خشية أن تكون سببًا في دمار البشرية، وفي مسرحية “علماء الطبيعة” لدورينمات ادعى أحد علماء الفيزياء الجنون؛ حتى لا يجبر على تقديم علمه لأي دولة من الدول العظمى، فتحوله إلى أسلحة مدمرة تؤذي العالم كله.
وفِي النهاية نقول: إن باكثير في هذه المسرحية قد برع في استخدام الحوار الرشيق، ورسم بجودة بعض الشخصيات، لا سيما شخصية الشيطان، وشخصية صديق فاوست الضعيف الإرادة.
أما شخصية فاوست فأرى أن هناك خللاً في بنائها، ولعل من أسبابه ما ذكرته من وجود عيب واضح في بناء هذه المسرحية. ويحسب لباكثير في هذه المسرحية توظيفه بعض الحكايات الشعبية فيها، ومحاولته إعطاء صورة عصرية لها في الربط بينها والواقع المعاصر، وإن كان هذا قد بدا بشكل غير مقنع في هذه المسرحية.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock