مناظرة كاشفة بين المسرح الجاد والتجاري تشهدها الندوة الفكرية للدورة الثامنة من مهرجان المسرح العربي في دورته الثامنة بالكويت 2016

المسرح نيوز ـ الكويت ـ صفاء البيلي

تصوير: إدارة المهرجان

ـ

شهدت الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي مناظرة  فكرية هامة بين المخرج التونسي توفيق الجبالي ونجم الكوميديا الفنان طارق العلي تحت عنوان “المسرح الجاد والمسرح التجاري” أدارها  الدكتور حسن عطية  وهو  أكاديمي مصري تولى العديد من المناصب الأكاديمية وله حضور فاعل في الساحة المسرحية المصرية والعربية

في البداية تحدث مقدم المناظرة الدكتور حسن عطية   مشيرا إلى أن المناظرة بين فكرين ورؤيتين حول فن المسرح مطالبا المتناظرين بطرح مفهوم كل منهما حول المسرح والإبداع والرسالة التي يريد إيصالها إلى المتلقي لافتا إلى أن عنوان المناظرة يعني انتزاع الجدية عن المسرح التجاري وأن المسرح الجاد هو الملتزم والمتجهم الذي يخاطب النخبة بعيدا عن الجماهير ثم يقول الدكتور عطية هل المسرح التجاري أو الخاص هو الكوميدي أو الجماهيري وهل الجماهير واحدة أم هناك شرائح مختلفة ومتعددة من هذا الجمهور هذه أسئلة وأطروحات سوف نتناولها خلال المناظرة عبر المتناظريْن

فتحدث أولا الفنان توفيق الجبالي الذي أكد أن المناظرة بين مسرحين مجحفة لهما معا وهناك مقولة تقول المسرح الجاد يبدو وكأنه امرأة عانس والتجاري كعاهرة ونحن ليست لدينا هذه المقاربة في تونس يمكن المصريين لديهم هذه النبرة التجارية لكن المسرح الخاص في تونس يعتمد على التجريب ويلعب هذا الدور الطليعي متجاوزا التقليدية والمسرح بشكل عام ليس دائما فنا تربويا والحقيقة يعيش العالم العربي مأزقا أخلاقيا وفكريا ويعيش فترة تحول كبير لأن من يحاكم العالم اليوم يعيد صياغته زفق رؤيته ومصالحه الآجلة والعاجلة وبجميع قواه المتضاربة والسؤال الآن هل نحن واعون بخطورة مايجدث في العالم أم لا؟ وهذا المجتمع هل هو واع بالخطوات التي يتبعها؟ وهل لديه مشروع وطني مستقبلي يخطط له وفق منهجية وإستراتيجية ؟ أم أننا نأكل ونشرب فقط ونذهب إلى النوم ؟ أين نحن من هذه الأمم التي تخطط لمستقبلها؟ هذا السؤال الذي يطرح أين خبراء الاجتماع ؟ ورجال التعليم والمؤسسات التربوية والصحية ؟ كل الأطراف معنية والمسرح شريك من جملة شركاء ولعله أقل المعنيين بالإصلاح لأنه فن والفن فيه فكرة استباق الواقع ، المسرح ليس فن بناء بل هدم وإحياء لقيم جديدة أو إلغاء قيم منهارة يجب أن تنمحي فالمسرح إذن هو الكاشف والراصد لما فعلته الثقافة الفردانية المحكومة بالاعتباطية والانفعالية في المجتمع الطغياني من هدم وتدمير للوجود الأصلي للإنسان

ثم أعطى د. حسن عطية الكلمة للفنان طارق العلي الذي أكد أنه ليس مناظرا ولكنه جاء ليقدم رؤيته البسيطة وهى  أن المسرح هو المسرح والجدية في الطرح مطلوبة سواء كان جادا أو كوميديا  والسؤال كيف تجذب الجمهور لأن المسرحي في المهرجانات يطرح ذاته وما في داخله ومصطلح التجاري أطلقه النقاد وطالما فتحت شباك للجماهير فأنت تتعامل مع أمور مالية وإنتاج ودعاية وإعلان وتسويق فالمسرح التجاري كما يسميه النقاد هو المسرح الجماهيري للعوام من الناس الذي يتحدث عن همومهم فنحن نعيش قضايا المجتمع الراهنه ونطرحها على خشبة مسرحنا فنحن اذا نلامس هموم المجتمع والأكثر قربا إلي الناس وبالطبع يختلف عن المسرح الجاد النخبوي الذي يلتقي خلاله النخبة التي تعرف بعضها

هنا تدخل د. حسن عطية قائلا: المسرح التجاري من الجمهور والى الجمهور ويناقش القضايا الاجتماعية لكن أي جمهور نقصد وما هي علاقة المسرح بقضايا المجتمع في المسرح الجاد

فعاد الفنان توفيق الجبالي قائلا: إن  فكرة تقديم العروض باللغة العربية أتحفظ عليها ، لأن اللهجة العامية هي لهجة حية والمسرح بطبعه حي وقد رأيت العمل السوري وتفاعلت معه لكن لم نشعر بالارتباط الحسي معه فالتعامل مع اللغة مفخخ وفيها مناطق مجهولة ولابد من الكشف عليها لكن لا أأخذ اللغة من الشارع وأضعها على المسرح شكسبير نفسه متهم باستخدام ألفاظ بذيئة واباحيه

فتساءل د .حسن عطية مستغربا: إذن لمن يتجه المسرح الجاد؟

فقال الفنان توفيق الجبالي : يقول كارميلو بني المسرحي الايطالي : إن وجود الجمهور في المسرح ضرورة لا مفر منها ليكون شاهدا على هذياني والا سيعتبرونني مجنونا لهذا فان لحظة الإبداع المجردة الخارجة عن العلاقة المحتملة مع الجمهور تكتسب متعة وصفاء لا مثيل لها لأن العمل عندما يخرج للناس ويشاهدونه فهو يخرج من يد صاحبه ويصبح عرضة للتأويل ويفقد الفنان أي نفوذ على عمله لذا فان وجود الجمهور هو جزء من المعادلة لأنه بدونه لن تكتمل اللعبة ولو كان دوره سلبيا مقتصرا على الحضور فقط

وإن المسرح اليوم هو مسرح الشعوب الفقيرة لأن الأغنياء لهم مجالات أخرى مثل القنوات الإعلامية والصراع اليوم بين المسرح المقاوم والمسرح الشائع الذي يستمد قوته من التلفزيون وانتشاره ، المسرح تحرر من قيود المحاكاة المطابقة للواقع هو يأخذ ويبني بشكل منفرد وتقييم أي نص مسرحي لابد أن يقام لا على ما هو مكتوب بل ما هو مشاهد وما هو معاش وكيف ينظر له المتفرج فالمتفرج لا يدخل ليفرج كربه أو يتحرر من الحيرة والاندهاش المتفرج هو شريك في العمل ويؤثر في العرض

وهنا تساءل د. د حسن عطية : هل بالفعل المسرح مهمته أن يلبي احتياجات الجمهور بحسب مقولة “الجمهور عاوز كده” هل هو سلعة تباع هدفها تحقيق الإرباح أم يلعب دورا ثقافيا واجتماعيا تنويريا؟

فقال الفنان طارق العلي: الجمهور عاوز كده وأنا أيضا عاوز كده لابد من أن تتفاعل مع مايلامس الجمهور والجماهير ليست جاهلة كما قد يتصور البعض بل تفهم جيدا لكن كل واحد يفهم بحسب ثقافته وتحصيله العلمي فنحن في المسرح التجاري نخلق أجواء مسرحية للجمهور جميلة وممتعة ولا نتعالى عليه نقدم له لهجة مبسطة ويمكن في مملكة البحرين اعتمدوا على المسرح النوعي كانت النتيجة أن الجمهور هجر مسرحهم فالجمهور العادي لا يعرف شكسبير ولا يعنيه فيهجرك والمسرح النخبوي الذي يتوجه للنخبة ينتهي سريعا لكن المسرح الجماهيري يظل على خشبة المسرح لسنوات وهذا لا يعنى أن الفنان المسرحي يتحول إلى مهرج أو بهلول لكن نجاحنا نابع من معرفتنا بطبيعة هذا الجمهور فالجبالي يتحدث في مسرحه عن تونس إذن أنت تخاطب بيئتك فكل دولة تختلف عن الأخرى فما يقال في تونس أو مصر أو غيرهما لا يصلح بالضرورة أن يقال في الخليج والإباحية في الألفاظ لها حد معين وكذلك الحركات والإيماءات والإشارات فنحن نقدم المسرح التجاري المهذب الذي يمنحك المعلومة بشكل ساخر لذلك يصل للناس أكثر من المسرح الجاد لأن من يدفع ثمن التذكرة جاء ليستمتع فالفن متعة بالأساس وأنا أقدم إباحية فنية في إطار المباح والمسموح بالنسبة لمجتمعي وما عرضته في عملك مرفوض عندنا نحن نقدم فكر وثقافة ولسنا دخلاء نحن أبناء هذا المجال ولو تشابهنا في عروضنا يملنا الجمهور فالمسرح التجاري لا يعني أنك داخل تقول كلمتين وتجمع فلوس ولكنى أقدم وجبة فكاهية ونقول قفشات وافيهات حتى عرضك كان فيه قفشات

وتساءل د حسن عطية:إذن المسرح بالمفهوم التجاري مثل الوجبة المشبعة بالبهارات  التي يستمتع بأكلها الجمهور فالمسرح التجاري هو الكوميدي الهزلي وله جماهير عامة وليست خاصة وقد أدان طارق العلي المسرح الجاد واعتبره مسرح مهرجانات نخبوي ولا يصل للجماهير العريضة

فيما قال الفنان توفيق الجبالي : لا أنتمي للمسرح الجاد أو التجاري أو الملتزم لأن فيها أحكام مسبقة ويجب أن نتخلص من عقدة المصطلحات فلنقل المسرح الشعبي وليس التجاري فنحن أبناء ييئة واحدة وأصولنا المسرحية واحدة من جورج أبيض وزكي طليمات الذين قالوا لنا هذا هو المسرح فلتصمدوا واليوم المتفرج التونسي أو الكويتي في صراع طويل المرجعية الأصلية لديه هي عادل إمام القيمة العربية فمن يجرؤ أن يقول عادل إمام لا يساوي قيمة مسرحية لكن هو فنان محترم ، المصريون ذهبوا إلى أوروبا واستقطبهم المسرح الكوميدي أو “الفارس” بينما كان هناك المسرح العبثي والسوريالي لكنهم لم يستوعبوا أهميته ، اليوم الحركات المسرحية الجديدة تحكي ما بعد الحداثة والواقع انتهينا من التماثل والسرد والذروة والانفراج ، المسرح الذي يعمم يمزج الأشخاص ويخلق النمطية هل هو مفيد بسبب المتعة الآنية ولا يخلق تواصل فالعمل يخلق سجال بعد المشاهدة ، المسرح الشعبي هو مايسمى بالمحتل الفردي هو الذي يمثل البديل تخلصنا من النجومية ليس هناك نجوم في المسرح فعادل إمام يصعد المسرح برصيده الشعبي وهذا يقتل الإبداع فهنا ممارسة فنية وليست إبداعية لا تستفز اللعبة المسرحية، عادل امام كان يمارس شؤونه الخاصة وليس الفكر كان سياسته تلميحات أو أخلاقيات.

ثم قال د حسن عطية: المسرح اختيار وليس حرفة كما يقول الجبالي وسؤالي لطارق العلي هل ترى المسرح هو ثلاث ساعات من الضحك المتواصل الذي يرفه عن الجماهير فتذهب إليه لترتاح من أزماتها، وقبيل تداعي المداخلات أكد د .حسن عطية أن المسرح هو المسرح .. تختلف الأساليب والإشكال لكن كل الزهور تتفتح وكل عليه أن يختار المسرح الذي يريده وان كنا نتمنى أن يكون هناك مسرحا جماهيريا جادا وقادرا على اثارة وعي الجمهور

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock