ننشر.. مسرحية Shaft and delete للكاتب: عمار سيف

المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص مسرحية

ـ

مسرحية

Shaft and delete

 

تأليف : عمار سيف

العراق الناصرية

تشرين الاول – 2018

ammarsaef@hotmail.com

 

الشخصيات

 

الكاتب

الرجل

المرأة

عزرائيل

 

المنظر

( غرفة في بيت داخلها مكتبة مرتبه شيء ما ، ومنضدة عليها جهاز للابتوب وآلة وطابعة مكتبية واوراق مبعثرة ، ونظارات طبية وعلبة سجائر ) ( تفتح الستار على هذا المنظر ، يدخل رجل بالأربعين من العمر ، توحي ملامحة بانه مشتت الفكر ومهوس نوعا ما ، يرتجف من شدة البرد، وهو يحاول غلق النوافذ ، قائلا:

الكاتب : الجو بارد بل شديد البرودة ، عليَ غلق النوافذ كي لا يدخل التيار البارد للغرفة

، ( يخرج صوت بغلق النافذة )

أشـــــــ ش يا غبي ، عليك غلق النوافذ برقة ، لان كل من في البيت نيام ، هل تريد ان توقظهم ، فالحبيبة من شدة تعبها قد غفت على الكرسي وهي تشاهد التلفاز، والأولاد كأنهم لم يعرفوا النوم منذ أيام ، فقد غفوا على كتبهم وأوراقهم المدرسية ، وها أنا ادخل الى غرفتي بهدوء مثل لص محترف ، كي امارس القراءة والكتابة في صومعتي مثل كل يوم ، حتى يهلكني التعب ويدخلني النوم واذهب للسرير تعب جدا مثل ميت

( يذهب الى المكتبة محاولا القراءة قبل ان يمد يده لأخذ كتاب )

اعتقد هذا البرد يحتاج فنجان قهوة

( يتجه الى الجهة الأخرى للمسرح ، يسكب القهوة من الغلاية الموجودة هناك يأخذ رشفة )

الله .. طعمها يجعلك تحس بالارتياح ، رغم انها تساعد على السهر ، لا يهم

فغدا عطلة نهاية الأسبوع ، وعلي ان اكمل ما بدأت ، فكل التفاصيل مكدسة

هنا في راسي ، احتاج ان ادونها فقط ، واسردها بطريقة رصينة ،

( يبدا بالكتاب على للابتوب )

لم تعد قريبا فانك تبتعد كثيرا حتى اراك أصبحت غريبا مخيفا ، مثل ليل دامس ، ملامحكَ تغيرت تبدو

كأنك غول تفترس كل الأشياء ، او قاتل ماجور بلا قلب او عاطفة ، حتى أصبحت ساديا او مثليا ،

( يفكر قليلا )

فصفاتك مركبة مثل ملامح وجهك سَمِج . ( يتوقف عن الكتابة ) اهووه .. ما هذه السخافات التي اكتبها ، لقد أفنيت عمري في هذا الكلام التافه .عشرون عاما مرت وانا امارس الترهات ، كل ما ابدا بكتابة شخصية ما ، تخرج كأنها مكررة ، سطحية واقعية ، تنتمي للشعارات المقيتة ، ربما لأن كل حياتي عبارة عن حروب وجوع ودمار وعوز .. و .. و ، لذلك حينما أحاول ان أكون مختلفاَ وابتعد بالكتابة عن الحروب اللعينة ، اجدني ادخل في نفق الشذوذ الجنسي ، او عوالم الوجود والالحاد ، كأن الحياة محصورة بين هذه المحاور فقط ، لا توجد مواضيع الأخرى في هذا الكون الكبير المرعب ، لذلك سأحذف كل ما كتبت وابدا من جديد.

( يبحث بالكيبورد عن كلمة delete)) )

اين الدليت ... delete” اين .. آها ..وجدتها

( يحاول ان يمسح كل ما كتبه من للابتوب فيسمع صوت رجل يخرج له من الكالوس القريب من المكتبة )

الرجل : هي انتظر .. ما بك يا رجل

الكاتب : ( متلعثما ) مــــــن انـــــــــــــت

الرجل : لا اعلم لماذا انت هكذا .
الكاتب : ( بخوف ) من انت ..؟
الرجل : لماذا تفعل بي هكذا .

الكاتب : ( بتعجب ) ماذا فعلت .؟

الرجل : الا تشفق عليه .

الكاتب : قلت من انت اجبني .؟

الرجل : ارحم بحالي ، فانت ارهقتني
الكاتب : ( بقلق وخوف ) ارهقتك .. ( بغضب ) من انت ، كيف جئت الى هنا .؟
الرجل : دعك من هذه الأسئلة ، وقل لي ماذا تريد مني .!
الكاتب : هل اعرفك كي اريدَ منك
الرجل : ها .. تخليت عني بسرعة
الكاتب : ( يكرر تساءله بغضب ) وهل اعرفك .؟ قل لي كيف دخلت الى هنا ، ومن انت ،

ولماذا انت هنا ، كل الأبواب مقفلة حتى النوافذ ، انت لص ، ام جئت الى هنا

لقتلي . ؟

الرجل : ( ينظر له بنظرة استغراب ) غضبك يبرهن خوفك وقلقك

الكاتب : لما أخاف .؟

الرجل : ( بحركة بهلوانية ) لأني ظهرت لك فجئت مثل الملائكة

الكاتب : ( صارخا ) جئت لقتلي اليس كذلك .؟

الرجل : أقول له مثل الملائكة يقول جنت لقتلي .؟

الكاتب : أي ملائكة تخرج بهيئتك العفنة

الرجل : ( يستمر بالنظر له باستغراب وهو يتفحص نفسه هل هو فعلا عفن )

الكاتب : ( بغضب ) تكلم من انت .؟

الرجل : ( بإيماءات استغراب وحركات توهي بتعجب لم يعرفه )

الكاتب : ( يتدارك غضبه ، محاولا جعل الرجل يشفق عليه ) ترغب بقتلي ، ولكن لم افعل

شيئا ، انا انسان بسيط وفقير جدا، اسير قرب الحائط ، ولا تربطني علاقة باي

جهة مهما كانت ، أأنت هنا لأني لم اقترب من أي جهة ، ام تعتقد اني مرتبط

بجهة ما ، وانت غير راضٍ عنها حتى تصورت اني عدو لك .. تكلم لماذا

الصمت .

الرجل : وهل سَكَتَ لأتحدث

الكاتب : ( يضع يده على فمه ) صَمَتْ

الرجل : ماذا تريد ان تعرف

الكاتب : من انت .؟

الرجل : أيعقل انك لم تعرفني ..

الكاتب : قل لي تكلم … من انت .؟

الرجل : دعني اخبرك .. ؟

الكاتب : تكلم هيا .. تكلم ارجوك .. لا تصمت .؟
الرجل : ( يقاطعه ) انتظر .. انتظر .. هل انت ببغاء لا تحب الصمت

الكاتب : ( أيضا يضع يده على فمه )

الرجل : ( بحركات بهلوانية ) الم تعرفني

الكاتب : ( بغباء ) عرفتك .. انت مهرج وجئتَ ..

الرجل : ( مقاطعا بسخرية ) ازيل انزعاجك بحركاتي المضحكة اليس كذلك

الكاتب : الم اقل لك عرفتك

الرجل : واضح جدا يا عبقري ، انك لا تريد ان تعرف

الكاتب : بل لابد ان اعرف

الرجل : تأملني جيدا وستعرفني

الكاتب : ( يتأمله بتركيز ، بحركات بمائية تبرهن انه لا يعرفه)

الرجل : فعلا لم تعرفني .؟

الكاتب : لو عرفتك .. لعرفت غايتك

الرجل : تأملني جيدا
الكاتب : (يتأمله مرة أخرى ) لم استطع معرفتك .؟
الرجل : كيف لا تعرفني وانا معك دائما
الكاتب : لا تقل انك ظلي .؟

الرجل : ( ساخرا ) وهل الظل يخرج ليلا .؟

الكاتب : ( بثقة عالية ) بالطبع لا
الرجل : (مستهزأ ) يعجبني ثقتك بنفسك ، ليس ظلك ، لكني لصيق بك اكثر منهُ.

الكاتب : من ماذا .؟

الرجل : ظلك يا رجل
الكاتب : اذن انت ضميري او قريني
الرجل : ( مبتسما ) لا هذا .. ولا ذاك
الكاتب : اذن قل من انت والا سأضطر لقتلك ( يبحث عن شيء جارح )
الرجل : لا تستطيع
الكاتب : ( وهو مستمر بالبحث ) بل استطيع
الرجل : انك لا تعرف ان تقتل نملة .. كيف تقتلني
الكاتب : لان النملة مسالمة ليس مثلك
الرجل : بل طبعك مسالماً مثلها ، الم تقل اني اسير قرب الحائط
الكاتب : صحيح .. لكن عليَّ ان ادافع عن نفسي
الرجل : لكني لستُ هنا لقتلك .. وليس عدواً لك .؟
الكاتب : ( يهدأ قليلا ، يجلس على الكرسي قرب اللابتوب ) اذن لماذا انت هنا .؟
( في هذا الاثناء يغلق اللابتوب ، فيختفي الرجل )
الكاتب : ( ينظر يمينا يسارا لا يرى الرجل ) أين ذهبت ، اخرج واخبرني من انت ، لماذا

اختفيت ، هل تمارس معي الأستغمايه ، هي … يا اينك .. اينك ( يصرخ )..

اين اختفيت ، ( يتدارك نفسه ) اششش … اخفض صوتك فالجميع نيام ، ما

بك تصرخ ، (مفكرا مع نفسه ) يا ترى من تعتقد يكون .. ها .. من ، اكيد

وهّم من أوهامك ، أليس دائما تحدث نفسك ، وفي بعض الأحيان تتحرك كأنك

أَبْلَه أَهْوَج ، وحين تراك زوجتك والأولاد ، يعتقدون انك مَخْبُول معتوه،

ويضحكون على تصرفاتك ، ( يبتسم ) اذن هو حديث بيني وبيني

( يقهقه بصوت عالي ) اششششش انهم نيام ( يبتسم ) اعود للكتابة افضل من

هذا الجنون .

( يفتح للابتوب ويفكر ماذا يكتب يشعل سيجارة ويكتب )

وجهك الشاحب يجعلك دائما تمارس الرَذَالَة والهمجية
( يخرج الرجل وبيده سيجارة من الكالوس الذي قرب المكتبة )
الرجل : هذا لأنك انت تريديني هكذا .
الكاتب : عدت من جديد ، ( يضرب وجه كانه يقظ نفسه من غفوة النوم ) هل انا نائم ..؟

من انت اخبرني .؟
الرجل : أما زلت لم تعرفني ..؟

الكاتب : بالطبع .؟

الرجل : انا انتمي لك ، حتى وانت تفكر ، وحين وتدون افكارك أيضا أكون ، تارة

تستحضرني بهيئة رجلا ، كما انا الان ، وتارة أخرى شيطانا ، او قديسا الخ

… تستحضرني بكل جبروتك وجنونك ، وتحذفني بكلمة واحد دليت وهي

( delete )

الكاتب : كل هذا افعله بك

الرجل : نعم واكثر

الكاتب : لكن لماذا ..؟

الرجل : اسأل نفسك

الكاتب : ربما لأنك تخرج من وحي الهامي ( يدعك رأسه ) من مخيلتي التي لا تتوقف

الرجل : رغم ان ما تقوله صحيح ، لكنك تعاني من استمرارية تكويني او صنعي
الكاتب : هذا لأني خلقتك من عدم ، من تراكمات ليس منظمة ، تأتي كأي حشوٍ يكتب

على ورق ، او على هذا الشاشة الصغيرة ( يمسك اللابتوب )
الرجل : هل تستحضرني مجبرا .؟
الكاتب : ربما ..اني اتحمل وزر الخطيئة الأولى بحضورك ، سأبحث عن الحقيقة المطلقة
لشخصياتي المزدحمة هنا ( يضرب على رأسه )
الرجل : ماذا تقصد ..؟
الكاتب : سأبحث لكم عن مكان فنتازي ، يحتوي على كل هوسكم ، الذي في رأسي .
الرجل : ( مستغربا ) يعني .. ؟
الكاتب : ( يقاطعه ) اشششششش

( يرتدي نظاراته الطبية وينظر لشاشة اللابتوب )

الرجل : ( بسخرية ) هل جاءك الالهام

( يبدا بالكتابة بسرعة دون ان يعبر الرجل ، في هذا الاثناء الرجل ينظر له ، ثم يأخذ له مكانا قرب المكتبة )

الكاتب : هي انتِ عليك ان تتحركي بسرعة كأي عارضة أزياء صوت قدميها يثير

هواجس كل الرجال

( الرجل يبتسم يبدا ترتيب نفسه كانه سيذهب للقاء حبيبة )

وربما يسيل لعابهم وهم يتذللون بسماع ضربات حذائكِ الذي يشبه ضربات

طبول العازفين الأفارقة في اشد عزفهم .

( صوت امرأة يقاطعه ، من خلف احد كواليس ، وهي تدخل للمسرح )
المرأة : هي .. انتظر لا تحلم كثيرا
الكاتب : ( بانزعاج ) ومن انتِ الأخرى .؟
المرأة : انا من تريدها عارضة أزياء ، وتثير مفاتنها بغنج
الكاتب : اها … هيا اذن مارسي ما امرتك به ( يكتب ) كوني نجمة سينمائية Five Star
المرأة : ولماذا أكون كذلك

الكاتب : لأنك بطلتي الجميلة

المرأة : تقصد .. بطلة نصك الجديد

الكاتب : بالطبع

المرأة : للأسف .. لا استطيع
الكاتب : ماذا تقولين ..! أأمرك ِ بان تفعلي بذلك .

المرأة : ( ببرود ) لا يمكنني ذلك .

الكاتب : ( بغضب ) انت ِطوع أمري
المرأة : ما تقوله صحيح ، ولكن للواقع راي اخر .
الكاتب : اخرسي أي واقع هذا ، لا يوجد راي غير رأيّ ، فانت من صنيعتي واحركك

كما اشاء ، وأنّى اشاء

( يقترب منها الرجل هامسا في اذنها )
الرجل : يستطيع ان ينفخك ، يحشوك ، كما يحلو له
المرأة : ( تقترب من اذن الرجل كأنها تهمس له .. فتصرخ ) يملأ رأسك الإسفنجي هذا

بالتفاهات التي تسمى أدبا

( يهرب الرجل منزعجا لأحدى زوايا المسرح )
الكاتب : اراك ِ عنيدة ، ولا تطيعين اوامري .؟
المرأة : ( بهدوء) بالعكس ، كلما أحاول ان اتفهمك ، تستهجن وتصرخ ، مما يجعلني لا

افهم ما تريد
الكاتب : كيف هذا ، وهل اطلب منك الصعب او المستحيل اريدك ان تكوني كأي نجمة

سينما ، تسير مثل عارضات الأزياء ، على البساط الأحمر .
المرأة : ( تضحك )
الكاتب : ( يصرخ ) لماذا تضحكين .
المرأة : لأنك تطلب المستحيل .
الرجل : ( وهو يمارس التبختر ) امشي هكذا لا تصعبي الامر .؟
الكاتب : انظري .. رجلاً و يجيد ذلك
الرجل : ( بغنج للكاتب ) هل اعجبتك .؟

المرأة : لا فرق بين الرجل والمرأة

الكاتب : اذن لماذا لا تفعلي مثله
المرأة : لأنك استحضرته بشراَ .؟
الرجل : ( بسخرية ) وانت ماذا
المرأة : دمية

الرجل : ( باستغراب ) دمية ..!!
الكاتب : ( صمت كانه تعيد لنفسه ذاكرته ) اوووه .. صحيح لقد نسيت ذلك
الرجل : اخ .. دمية مثيرة ( يضغط على شفتيه )
المرأة : اخرس انت
الرجل : سحقا لك ولوجهك البائس ولسانك السليط
المرأة : قبل قليل كنت مثيرة

الرجل : ذلك حين كنت حسناء

المرأة : هكذا انتم معشر الرجال

الرجل : ( بسخرية ) صحيح وانتم ملائكة

المرأة : لا .. انتم متحولين

الرجل : بل انتم ، المهم تخرسي

المرأة : اخرس انت أيها الثرثار الغبي

الرجل : ان لم تصمتي سأنثرك كأي دمية انتهت صلاحيتها .. يـــــــا دمية.

( جدال غير مفهوم بين الرجل والمرأة ، تنظر المرأة للكاتب تجده جالساً قرب اللابتوب مندمجاً بالتفكير كانه يحاول الكاتبة )

المرأة : اصمت .. وانظر ( تشير للكاتب )
( صمت يعم المكان الكاتب يجلس على المكتب ويشعل سيجارة والرجل والمرأة كل

منهم يأخذ مكان على المسرح يترقبون ماذا سيحدث لهم ، يسرقون النظر على

الكاتب بين حين وحين (
الكاتب : ماذا حصل لي ، هل اكتب دون دراية ، اكتب من اجل الكتابة فقط ، اختلطت

الافكار عندي، اطلب من دمية ان تسير عارضة مفاتن جسدها ، رغم اني

قررت الابتعاد عن كتابة الشغف الجنسي، والحرب الكاذبة ، وفوبيا الالحاد ،

وها انا اعود لها دون دراية ، ( ينتفض ) لا.. لا .. لا .. مخيلتي اشباح ظلامية

، افكاري اصبحت جبلا جليدياً لا يصلح لشيء سوى التزلج عليه ، (بعضب )

نعم انا جزار لغوي يركب الجمل كما يحلو له خارج نطاق اللغة الأدبية ، كلما

هذبتُ نفسي في الكتابة، اعود لسرعتي بالطباعة وللأفكار المشتتة ، كأي

خباز ازدحم مخبزه بالزبائن ، وعجينته لم تختمر بعد..

( في هذه الأثناء تحدثه المرأة )
المرأة : سيدي .. هدأ من روعك .. انت تحلم بِغدً اخر، خالٍ من الشوائب ، لكنك تجهل ان

تسقط حلمك على الورق ، لأنك لا تعرف اللعب المسرحي الحديث ، متمسك

بكلائشياتك التي تعلمتها بدراستك الأكاديمية . ومُصَمِّم ان تسقطها على خشبة

المسرح ، لكن عليك ان تعلم يا سيدي ، لكل كاتب أصبحت له مدرسته كتابية

الخاصة ، مع الحفاظ على الخطوط العامة للمداس المسرحية السابقة .

الكاتب : ( يصوب نظرة الى المرأة والرجل بحقد ) هَي .. انتم بدوني ليس لكم وجود

استحضرتكم وجعلتكم تبدون بشرا ، لكم ضميركم .. مشاعركم .. ورقتكم ،

جعلتكم تعرفون الحب والسلام ، تعرفون الرقص والغناء ، علمتكم كيف

يكون الحديث مستخدمين لغة عالية ، مثل كبار المفكرين والادباء ، وها انا

الان سأسحقكم وامحو كل وجودكم ، ولن اعيدكم مرة أخرى ، حتى تنصاعوا

لي وتصبحوا كما اريدكم ، مثل طين صناعي ، اشكله كما يحلو لي واحرككم

كما اشاء، والان ارحلوا بكل سَكِينَة وهَوَادَة .

الرجل : لا تستطيع ان تمحو وجودنا نهائيا ، لأننا وبكل بساطة ننتمي لكل جملة مخزونة

في عقلك الباطن ، بدوننا انت تصبح لا شيء ، لأنك من خلالنا أصبحت كاتبا

وشهورا

الفتاة : ( بكل ثقة وكياسة ) انصحك بان لا تتسرع وتقتل تاريخك الذي صنعته بكل ظروفك الصعبة ، عليك ان تهدا قليلا ، وجد لك حلا يرفعك عاليا لا يهدمك كما تريد ان

تفعل ، كن عاقلاَ اكثر ، اما ان كنت تحب اتبقى متهورا افعل ما ترغب به في

نهاية الامر انت من يخسر

الرجل : ولا تعض اصبع الندم بكلمة واحده تضغطها هنا ( يشير للابتوب )

الكاتب : لا يحق لكم ان تتكلموا معي هكذا فانتم صنيعتي ولديه القدرة بان أكون واخلق

احسن منكم واكثر نضجا ووعيا لذلك لابد ان اصمتكم .

( يضغط على الكيبورد بعصبية على زر delete يأخذ سيجارة ويشعلها

بهدوء و رَاحَة )

فرمتهم وتخلصت من غبائهم ، تخلصت من افكاري السطحية اللعينة ،

( يفكر قليلا ) والان .. لابد ان ابدا من جديد .. لابد من الكتابة .. تاركا خلفي

الحرب ، والجنس ، والوجود ، عليَّ أن اكتب ما بعد الحرب ، الحرب العبثية

التي لا معنى لها ، لابد ان ادخل في مواضيع جديدة ، غير التي نعرفها ،

كالمباشرة او الانفعالات سريعة ، والهواجس التي لا تنتهي ، يجب ان اسجل

موقفي في كتاباتي الجديدة ، في هذا العصر المنفعل ،المضطرب المليء

بالتناقضات ، لابد ان اكتب الانقلابات الفكرية التي مَمرْتُ بها دون انتماءات ..

ربما بعد خمسين عاما تصبح نصوصي .. نصوصاً ذهبية

( يسترسل بالحديث مع نفسه )

عليّ أن أسجل رقما واقعيا موثقا ، سأبدأ من جديد حتى اجد ضالتي التي ابحث

عنها ، كي اخلق نصاً مغايراً يفجر قنبلة في الوسط المسرحي ،

( يسحب نفس عميق من السيجارة)

الزمن القادم زمني ، لان الحقائق التي ترتدي الثياب السوداء ، وداخلها الف

شيطان ، لن اجعلها تدمر تكويني ، سامحوها من الوجود .

( ينظر الى للابتوب ويبدأ الكتابة ، فيرى رجلا يقف امامه بهيئة عجيبة معطر انيق)

الكاتب : من انت .. لأني لم اثبت بعد اي شخصية ، ما أزالُ استجمع افكاري
عزرائيل : تعتقد اني شخصية من شخصياتك الأدبية
الكاتب : طبعا .. لأني بالتأكيد ليس مجنوناً ، لأتخيل شخصاً امامي ، يدخل غرفتي فجأة،

يقف امامي بكل هذا استقرار والجبروت ، الا اذا كان من مخيلتي
عزرائيل : لكنك هذه المرة مخطئاً

الكاتب : كيف .؟

عزرائيل : فانا ليس كما تتوقع
الكاتب : ( باستهزاء ) اذن من انت
عزرائيل : بل قل .. لماذا انت هنا
الكاتب : لأصحح سؤالي ، لماذا انت هنا .؟
عزرائيل : انا هنا بمهمة ، انفذها واخرج بكل هدوء
الكاتب : مهمة .. وما هي ..؟
عزرائيل : صعبة عليك ، لا تتحملها
الكاتب : لا يوجد شيء صعب ، لأنني اصبحت اعيش واقعاً سريالياً يميل للفنتازيا
عزرائيل : وما علاقة مهمتي بما تقوله
الكاتب : الا تريد ان تخبرني بخبر سيء
عزرائيل : ربما .. اعمق بكثير بالنسبة لك
الكاتب : وبالنسبة لك .!
عزرائيل : وبالنسبة لي .. اجده افضل لك

الكاتب : ومن انت لتقرر ما هو افضل لي ..ها .؟

عزرائيل : ستعرفني طبعا
الكاتب : لما لا تخبرني وترحل ، لأنك بدأت تضايقني

عزرائيل : سأقرب لك من أنا

الكاتب : بسرعة
عزرائيل : انا جهة تنفيذية .

الكاتب : اذن نفذ وارحل ، فلدي الكثير ، لابد ان انهي ما بدأت به في الكتابة ، لم يبقَ

منه سوى القليل
عزرائيل : ( يبتسم ) لا تستعجل رحيلي ، فبرحيلي سينتهي كل شيء

الكاتب : ربما العكس .

عزرائيل : يسكتك للابد .؟
الكاتب : ( باستهزاء ) كيف يا هذا .؟
عزرائيل : حين اخرج سآخذك معي
الكاتب : ( بسخرية ) وهل تستطيع
عزرائيل : بالطبع .؟
الكاتب : من تظن نفسك .؟ عزرائيل .. ها .؟
عزرائيل : ( مبتسما ) وهل كنت تتوقع شخصاً اخر
الكاتب : ( بقلق ) ماذا .. انت .. المو …. ت
عزرائيل : بالتأكيد

الكاتب : دعك من المزاح وقل من انت

عزرائيل : لا اعرف ان امازح

الكاتب : ( بخوف ) هل انت تتحدث بجدية

عزرائيل : لغتي الوحيدة

الكاتب : انت الموت بحق .؟

عزرائيل : بحق
الكاتب : ولماذا انت هنا
عزرائيل : بكل بساطة .. كي آخذك معي
الكاتب : ( بخوف ) ولماذا انا .؟
عزرائيل : لان ورقتك سقطت .
الكاتب : لكني ما زلت شابا .!
عزرائيل : لا علاقة الشباب والشيخوخة في ذلك .
الكاتب : ( بحزن ) هذه ساعتي .. اذن .؟
عزرائيل : ( بهدوء ) نعم
الكاتب : وتقولها بهدوء
عزرائيل : نعم .. لأني انفذ الاوامر فقط
الكاتب : اوامر من .!
عزرائيل : من بعثني .
الكاتب : هل لي في طلب أخير .؟
عزرائيل : بكل سرور
الكاتب : تأجيل مهمتك الى شعار اخر .
عزرائيل : ( مبتسما ) بحضوري ينتهي كل شيء .؟
الكاتب : الم تقل كل شيء اؤمر به
عزرائيل : نعم

الكاتب : اخبره ان يأجل ذلك

عزرائيل : لا استطيع ان اخبره
الكاتب : ( يجلس على ركبتيه للتوسل ) أتوسلك تجعله يأجل ذلك
عزرائيل : احس بك واتعاطف معك ولكنه امر .. كما تطلب من شخصياتك ان تنفذ اوامرك
الكاتب : ( بحزن شديد ) وجاء دوري ستضغط على زر الدليت dealer يا عزرائيل

عزرائيل : ( مبتسما ) تقصد Shaft and delete

الكاتب : نعم Shaft and delete
عزرائيل : ( مبتسما ) نعم .. ولكن ليس كما انت تفعل
الكاتب : عندي طلب اخر ، بما ان الطلب الاول لا ينفذ ، رغم انه سهل .
عزرائيل : اطلب
الكاتب : بدل انت تضغط زر دليت dealer ) ) اعمل لي فورمات ( format )

وحينها سأتخلص من كل فايروساتي التي احضرتك الى هنا .
عزرائيل : حتى طلباتك غريبة مثلك ، وهل انت حاسوب لأفرمتك ( بغضب ) انا هنا

لأخذ روحك وينتهي الامر.
الكاتب : ( بإيماءات جنونية ) يعني لا فائدة
عزرائيل : ( ينظر له بشيء من الغضب )
الكاتب : ( بتحايل ) يا صديقي عزرائيل انتظرني حتى اكمل نصي الجديد الذي

سيغير مسيرة حياتي بأكملها .
عزرائيل : ( بتعجب ) مسيرة حياتك .؟
للكاتب : اوه .. انا اسف حياتي انتهت .. اعيد صياغة كلامي ، انتظرني حتى اكمل

نصي الذي بعد موتي سيدخلني التاريخ ، ويوثق حياتي الأدبية ، واخلد مثل

عظماء الادب

( ينظر له عزرائيل وعلامة الرفض واضحة على وجهه)

لا .. لا اقصد الوقت الطويل فلم يبقَ من نصي سوى الخاتمة اكتبها ومن ثم …
عزرائيل : ( يقاطعه ) ولا تعرف الخاتمة الى الان .

( عزرائيل يتقدم نحو ا الآبتوب بكل هدوء ، وفي هذا الاثناء نجد الكاتب يبدا بالخوف تدريجيا كلما اقترب عزرائيل من الآبتوب يرتجف الكاتب خوفا ، ويتصاعد الخوف اكثر واعمق حتى يغلق عزرائيل جهاز الآبتوب في هذا الاثناء يسقط الكاتب على الأرض يصطحب هذا الفعل موسيقى صاخبة مخيفة تتصاعد مع تصاعد المشهد وأيضا واضواء المسرح تبدا بالانطفاء تدريجيا حتى يصبح المسرح مظلما والموسيقى تصل الى الضجيج. ثم تتوقف بسرعة.. فنغلق الستارة )

 

(نهاية المسرحية )
عراق -الناصرية

تموز 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock