الفنان الجزائري “سيد أحمد أقومي” يعترف: جئت إلى المسرح حين أدركت أن الخيال يستطيع تغيير الواقع!

المسرح نيوز ـ القاهرة| حوارات

ـ

حاوره: كامل الشيرازي

 

جئت إلى المسرح لأنه كان حلمي …. المسرح هو فن الوهم الذي يؤازر الحقيقة ويقف في وجه الأكاذيب.. جئت إلى المسرح حين أدركت أن الخيال يستطيع أن يغيّر الواقع.. حين كان التاريخ دجلاً … أردت أن أعتلي الخشبة لأقول الحقيقة …. لم يكن المسرح بالنسبة لي قناعة فكرية فقط … بل كان ايمانًا يلامس الروح … كنت أحمل جمرة المسرح بغبطة وفرح من يحمل أغلى “كوهينور” KOHINOOR في العالم،  المسرح عندي درب سري مدهش قادني الى ماهيتي … إلى كينونتي الحقيقية. لم أكن أمثّل ..كلا أبدًا ..كنت أعيش .. أعيش أسئلتي.. عزلتي … حيرتي…دهشتي …تمردي … ثورتي …..
عذاباتي … فرحي.. انسانيتي، كنت أنهمر على الخشبة بكل كياني … وكان المسرح هو الخلاص.
جئت إلى المسرح حين “كان الليل يخاف من النهار”.. دخلته في الزمن المناسب.. عشته مع فنانين استثنائيين.. دخلت تفاصيل حلمي الذي بدأ في سن السادسة.. كان حلمي الوحيد أن أكون ممثلاً مسرحيًا لا غير..
كان المرحوم “محمد بودية” ينظر إليّ باندهاش ويقول: كيف لشاب فنان ومثقف مثلك ألا يدخل معترك السياسة؟! كنت أضحك وأجيبه: “لقد كذبت على أبي حين وعدته – من أجل أن يتركني في الحضرة المقدسة للمسرح – أن أكون سفيرًا أو محاميًا أو طبيبًا لكنني أبدًا لم أعده أن أكون سياسيًا..
وقد كنت على الخشبة سفيرًا للحلم الإنساني … ومحاميًا لكل القضايا العادلة وطبيبًا يحاول أن يجد دواء للحماقة البشرية.
سأعود إلى بدايات هذا الحلم …إلى بدايات المسرح في الجزائر بعد الزيارات المتكررة للفرق المسرحية العربية للجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، اكتشفت النخبة الوطنية أنّ هذا الفن خطير وفعّال، يمكنه أن يغيّر ويخلق لدى الجمهور وعيًا سياسيًا، لذا تأسست الفرق المسرحية والجمعيات. وكان هدف هذا التأسيس هو تكريس وعي وطني من أجل تحرير الجزائر.
ومن هذه الفرق، الفرقة الفنية لجبهة التحرير التي تأسست بتونس والتي كان يشرف عليها أستاذي المرحوم مصطفى كاتب ..
ولقد استمر هذا النهج بعد الاستقلال وهو خدمة القضايا الوطنية وكل قضايا الشعوب التي تسعى إلى التحرّر من كل أنواع الهيمنة..
في هذا السياق، أرى أنه على الفنان المسرحي الحقيقي كي لا يكون أداة دعائية، الاحتفاظ بشعلة الإبداع لديه والابتعاد عن التسطيح.
إنّ المسرحي المسكون بالتمرد هو دائم الانخراط في القضايا الإنسانية. إنّه اللامنتمي بامتياز … والمنتمي بامتياز أيضا للحق والخير والجمال، ذلك لأنّ المسرح ليس بيانات سياسية أو شعارات فارغة أو خطب جوفاء … إذا أصبح المسرحي في خدمة هذا النوع من المواضيع، فما عليه إلاّ مغادرة بناية المسرح وحمل الأبواق والاتجاه إلى مقرات الأحزاب والتجمعات السياسية.. وليعلن موته هناك.
إننا نتقاسم مع السياسيين أحيانًا الفضاءات نفسها
ونتوجه إلى الجمهور نفسه
ومثلهم، نطمح للتأثير على المتلقي
لكن الفرق شاسع بيننا.
قد يقول البعض إنّ شكسبير نفسه كان يهتم بالسياسة، هذا صحيح.. لكنه لم يكن سياسيًا.. لقد كان فنانًا مبدعًا عملاقًا، وتأتي إشاراته السياسية في ثنايا مسرحياته بذكاء ودهاء كبيرين.. لم تكن مسرحياته غارقة في السياسة والايدولوجيا..
يريد منا السياسيون أن نكون همزة وصل … لقد قالها لنا ذات يوم الرئيس الراحل هواري بومدين: “أريدكم أن تكونوا همزة وصل بين القمة والقاعدة” … عفوًا.. المسرحي الحقيقي لا يمكن أبدًا أن يكون جسرًا.. أو بوقًا.. أو همزة وصل..
إنه صوت الحقيقة
وضمير الأمة ..
عليه ان يحمل الرسالة بأمانة ليكون رسولاً وليس عبدًا مأجورًا.. الرسالة التي وُجد من أجلها المسرح، ألا وهي خدمة قضايا الانسان.. وعليه أن يجعل أي فضاء يتحرك فيه حدثًا مسرحيًا يشجّع على التفكير والمساءلة والنقد..
يتحدث الكثير من المثقفين والإعلاميين والسياسيين ضدّ العنف اللفظي والبدني الممارس على بعض الفئات والأفراد، لكنهم يتناسون أو يتجاهلون العنف الذي مورس ويمارس منذ زمن طويل على الفنان المسرحي، والذي-للأسف الشديد – لم يصنّف بعد كمبدع للقيم الجمالية … وإنما يستهجن كثيرون فنه بتصنيفه كمهرج – مضحك وعجاجبي..
هذا التصنيف ظلّ مكرّسًا في اللاوعي الجمعي إلى يومنا هذا.. ولهذا ظلّ الفنان المسرحي في أدنى المراتب الاجتماعية.
لقد تنازلت عن لقبي واخترت اسما مستعارًا: “سيد أحمد أقومي”.. من أجل المسرح والمسرح فقط .. فالمسرح كينونتي.. وهويتي التي أعتز بها حيثما أكون، وحتى حين أكون في المنفى فإنّ لي في كل بناية مسرح وطنًا… وفي كل خشبة أقف عليها حبلاً سريًا يجمعني بأخي الإنسان.
وإذا كان المسرح الإغريقي بني فلسفته على مبدأ الصراع بين البشر والآلهة.. فعلينا نحن كمسرحيين عرب في هذا الزمن الشائك أن نوظّف فننا السامي لخدمة مجتمعاتنا وذلك بإرشاد المتلقي إلى منابع الفهم والحكمة وذلك من أجل التغيير…. التغيير الذي لا يكون بالوقوف ضدّ أشباه الآلهة فوق هذه الأرض فقط ولكن من أجل ذلك التغيير الذي يصنع منا متمردّين حتى النخاع …. تمرد الفهم المقدس الذي يعرف الكثير عن الأعالي والأعماق… وليس مجرد ثوريين سطحيين..
تلك هي رسالة المسرح..
وهذا هو المسرح الذي أريد.. وأراده أولئك الذين رحلوا، وصنعوا من مسيراتهم منارات نهتدي بها كلما حاصرتنا الظلمات والعواصف.. و”سيبقى المسرح ما بقيت الحياة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock