مقالات ودراسات

الكاتب العراقي “علي العبادي” يكتب: التجريب في الإشهار المسرحي


المسرح نيوز ـ العراق | علي العبادي

ـ

لا يخفى على المتتبع ما للخطاب الاشهاري ودوره المهم من اهمية في تمديد العمق الفكري والجمالي لأي نتاج . شهد الاشهار تطورا كبيرا و ملحوظاً بعد الانتشار الواسع لوسائل الميديا المتعددة التي وظفت في خدمة الإشهار ونجد ذلك جليا من خلال النقلة النوعية في طروحات الخطابات الاشهارية من حيث (المادة ، الشكل ، اللون ، الظل و الضوء ، الخط ، الكتلة) .

 الاشهار المسرحي هو الآخر الذي شهد تطورا في خطاباته وان كانت قليلة او تتميز في الندرة في بعض الاحيان و لأسباب عديدة منها :

الهامش :

الكثير من المشتغلين في حقل المسرح لا يقف عند حدود الاشهار ويعتبره وسلية او مدونة زمانية ومكانية تموت في لحظة انتهاء الوظيفة الموكلة اليه (الاشارة الى التفاصيل الشكلية للنتاج وأهمية الزمان والمكان) وليس باستطاعته ان يبث خطاباً فكرياً وجمالياً عبر تمثلاته الانفة الذكر .

 اشكالية معرفية :

اغلب المشتغلين في الحقل المسرحي العراقي تأتي تجاربه استنساخية تفتقر لمحاولة التمرد على المألوف وكسر نمطية المتداول فهو متحفظ لا يريد ان يضع نفسه في مواجهة معرفية وفكرية مع الاخر من خلال انفلاته من الانساق الجاهزة ، وان المسرح العراقي هو مسرح هجين ليس فيه أصالة اعتمد على النقل والاقتباس والاستنساخ للكثير من التحارب العالمية والعربية لذلك ظل اسيرا لها .

العقل العربي :

شهد العقل العربي انزياحاً في التحفظ من ناحية الفنون و الاداب ، فليس من السهولة ان يلقى طرح ما برحابة صدر كبير دون انتقادات لاذعة ، اضافة الى المحاولات الجادة لتسقيط من يتبنى خطاب التجديد في اي اتجاه ابداعي ، لان هكذا نوع من العقلية تسير في انساق جاهزة وثابتة ليس لديها الرغبة في الانفلات عن المألوف ، لأنها تعتقد وتؤكد على عقمها وترى هي ليست اهلا للتجديد ، ولابد ان يأتي الجديد من خارج اسوار الوطن ولابد من يأتي بشيء جديد انه قد اوتي علما كثيرا .

الصورة الذهنية :

 يشير روفائيل باتاي في كتابه (العقل العربي ) الى ان العربي يخجل من ان يصاب شرفه بالإيذاء ولا يهتم الى تداعيات الاذى ، اذن اشكالية سلوك العربي في حدود ارضاء الآخر وكثير من العقوبات الصادرة من مجلس القبيلة لا تأتي كردة فعل عن مقدار الاذى الذي سببه الشخص الذي ينتمي اليها بقدر المحافظة على (ماء الوجه) من اللوم والانتقاد والانتقاص ، ان المنتج في الحقل الابداعي يواجه كثيراً من تمثلات السلوك القلبي عند المتلقي سواء كان مختصاً او غير ذلك فلا يجد له ملاذا امنا سوى النسق الجامد المتداول فهو يحاول ان يحافظ على صور المتلقي الذي يريد .

الوعي :

تدني مستوى الوعي القي بظلاله هو الاخر على الاشهار احيانا نجد ان خطاب الاشهار لنتاج ما يشهد حد من التناشز والتنافر في الخطاب اللغوي(الدال) والصوري (المدلول) فلا نجد مخرجات علمية رصينة للمدلول عبر تمثلات الاشهار (لونيا وتشكيليا) يكتفي منتجه كونه لحظوياً توكيدياً (زمانيا/مكانيا) للنتاج . هناك عروض مسرحية حاولت بجد ان تؤسس لخطاب اشهاري ذي بنية جمالية عبر تمثلات (اللون والصور او اللوحة او الخط) لكنها لم تمتلك الجرأة الكافية في تأسيس بنية تجريبية على صعيد اللغة الكتابية متضمنة انزياحات دلالية ومعرفية لإشارات عنوانية للعمل (اسماء الكادر والزمان والمكان الخ ….) .

شهد عام 2016 محاولات جادة للخروج عن انساق اللغة الكتابية المتداول لعروض تجريبية قدمت في مدينتي (كربلاء وبابل) متخذة من الاشهار البوابة او الايقونة الاولى لخطابها التجريبي ، وبذلك هي ارتفعت بالإشهار من هامش الى مركز ضمن اولويات المعالجة للعرض ، وتستمد معالجاتها التجريبية للإشهار من خلال النتاج نفسه وهي بذلك تحاول ان تؤسس الى خطاب مختلف عما هو السائد العرضان هما (اوديب) تأليف سوفوكلس وإخراج عباس الرهك و (عزف نخلة) تأليف وإخراج علي العبادي

مسرحية اوديب :

يتمحور العرض بثلاثة مشاهد المشهد الاول في معمل الطابوق القديم في مدينة بابل الاثرية والثاني في محافظة بابل التي لم تكتمل والثالث في قصر مهجور .

يؤكد مخرج العمل في هذا الصدد ان ” ثيمة الطاعون هي الاساسية تحولت الى نمط واقعي مثلا (الروتين الفساد) تم العرض في ثلاثة اماكن الاول معمل طابوق والثاني محافظة لم تكتمل والثالث قصر مهجور في اعلى مرتفع في المدينه. تجسد الاشهار من وجهة نظري مكانيا ففي الوصلة الاولى اشهر العرض عن هذا المكان المهجور والذي تسبب في قطع ارزاق الكثير من العوائل دون تعويض. الثاني تسليط الضوء على بناية سرقت على مدار سنوات عديدة امام سلطة الهرم وأمام من يمثلها . لذا جاءت ضرورة اوديب والذهاب الى قصره واللقاء فيه بعد ان وصل الطاعون الى مرحلة كبيرة. حيث يتم الاشهار عن قبح منظومة السلطة من داخل القصر المهجور ونزول اوديب من السلالم وهو شبه اعمى ومريض حيث ينتهي ببتر قضيبه لتحقيق العدل وتحتفل الجماهير جنسيا بالهتاف لاوديب اخر لتتمة العود الابدي عند نيتشه ” بعد ان تطرق المخرج الى الاشهار الفكري لبنية العمل لابد ان نتناول موضوع الاشهار الاعلاني (الدعائي و التوثيقي) للعرض . جاء اشهار العرض (الفولدر) على هيئة مقترح كما دون فيه ذلك وهو على الشاكلة التالية : (مقترح عرض ، مقترح منفذو الاداء ، مقترح مخرج مساعد ، مقترح الاشتغالات الضوئية ، مقترح فن تصوير العرض ، مقترح التنسيق الاعلامي ) .

تنصهر جميع هذه الاقتراحات في بوتقة واحدة هي مقترح العرض ( كونه عملاً تجريبياً ) لذلك اخذت هذه المقترحات شرعية مسمياته ووظائفها الدلالية من العمل ويأتي الاشهار (الفولدر) هنا كاختزال نسبي للمحمولات الفكرية والجمالية للعرض ، منتج العرض الصوري ( المخرج) يقدم مقترحاته حتى على مستوى المكان (معمل طابوق/ قصر مهجور/ مبنى لم يكتمل) هذه اقتراحات العرض مكانيا بما انها تنضوي تحت مسمى اقتراحات اذن هي قابلة للتأويل والهدم والبناء من الجديد عبر الخارطة الجمالية والفكرية التي أثثها مخرج العمل عبر منافذه الأقتراحية .

عزف نخلة :

تتحدث المسرحية عن ام عراقية فقدت ابنها في مجزرة (سبايكر) وهي في بحث مستمر عنه هناك رجل معها في نفس الفضاء انتماؤه مهشم علاقاتياً مع المرأة ، يحاول بطريقة ما ان يقنع المرأة بان ولدها لا زال على قيد الحياة وهو سوف يأتي مقابل ان تلبي ما يريد ، ان (ترقص وتغني) وهي تحاول الرفض لفرط المفاجأة و لعدم تمكنها مما يريد ، حينما تبدأ بالغناء يفتتح (الملف الديني) ويتحول الرجل الى رجل دين كاشفا عن زيف ادعاءات بعض رجال الدين وإساءاتهم الكثيرة للمرأة وما حصل لها من جرائهم وهي المتضرر الاكبر في هذه المجزرة وفي كل المجازر السابقة والحاضرة واللاحقة نفسيا و وجدانيا ، وبعد ان تنتهي من الرقص تسأل عن ابنها فلم تجده إلا في حالة الايفاء بشروطه وعليها ان تواصل ما تبقى وهو الرقص عندما تباشر بالرقص خلاله يفتتح (الملف القبلي) يتحول الرجل الى رجل قبيلة ومن خلاله يتم تعرية خطاب رجل القبلية الذي هو الاخر ساهم بشكل بفعال في تأثيث منظومة الوجع لدى المرأة عبر اقصائه منذ سنوات بعيدة الى حد فترة سبايكر (الفترة التي تناولها العرض) التي تناسل في تنفيذها رجال الدين ورجال القبيلة ورجال السياسة و اخرهم التمظهر الحقيقي لسلوك رجل الدين والقبيلة ، في النهاية لا يأتي ولدها يأتي منه فقط البسطال وهي كانت صرخة احتجاج بوجه كل قبيح فاسد . اشهار العرض (بوستر، الفولدر) جاء كالأتي :

(القراءة النقدية والجمالية ) ثمة مغايرة حدثت في تعريف منتجي العرض ، ذكر في مقدمة الإشهارين (القراءة النقدية والجمالية ) بدلا من المتداول (التأليف والإخراج )، العرض كان قائماً على عملية بناء وهدم (هدم سلوك قدم )عبر الاحتجاج وتبني (سلوك مغاير) بالنسبة لنسق المجتمع من خلال تأكيدات العرض على القيم الجمالية (الغناء الرقص) وبوصفه ايقونات احتجاج ضد المجتمع كونها تمثل تابو له ، عميلة التعرية التي شخصت المشكل والدعوة الى تبني سلوك اخر وخطاب أخر لا يحدث ذلك إلا عبر الاحتجاج (فالقراءة النقدية) هنا الكشف عن مساوئ وعيوب المجتمع وتشخصيه والمحاولة الى استبدالها وان ما حدث للمرأة في سبايكر نتيجة توكيدات على قتل الذات من خلال تقديس رجل الدين والقبيلة اذن لا بد من نسف هذا النسق المجتمعي بآخر اكثر جمالا ورفعة والخروج بمحصلة وهي الاحتجاج الذي لابد منه . اما القراءة الجمالية هي كيفية قراءة المخرج تتمثل بقراءة المخرج لهذه الفاجعة جماليا . الحالمون وسط الضجيج .

اشير في الإشهارين الى (الحالمون وسط الضجيج ) بدلا من (الممثلون) يأخذ هذا المسمى مشروعيته من خلال بعدين كون ان ما يحدث في هذه البيئة من خراب يجعل الافواه فاغرة وهي محاولة لتماهي الممثل بالشخصية وتقديم هوية الشخصية على هوية الممثل كون الممثل هو جزء من بيئة الخراب الذي حدث في سبايكر ، العبد الثاني هو ان ذات الممثل المنشغلة بالخطاب الثقافي والفناني وما تعاني من مشكلات جمة في تفعيل دوره كون الحواجز العقبات امامه كثيرة لا تعد ولا تحصى منها (انعدام التمويل ، قلة المسارح وخرابها وصعوبة الحصول عليها ، محاولات الخطاب الايدلوجي في الحد من نشاط الفنان كونه يعيق تمدد تلك الخطابات) وسط المأساة الانسانية ووسط الخراب الفني والثقافي هو حالم وسط الضجيج .

وذكر ايضا في الإشهارين  (تأثيث الفضاء الجمالي) بدلا سينوغرافيا ان السينوغرافيا هي عبارة عن محمولات فكرية ودلالية وجمالية يأتي هنا التأثيث لتلك المحمولات عبر الهندسة الضوئية للعرض وبعض من قطع الديكور ذات البعد الدلالي والاحتجاجي للعرض مثلا استخدام صندوق عتاد مكان المهد وتحولات الطاولة الى مجلس قبيلة منبر ديني نقالة للمرضى .

7/6/2017


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock