مقالات ودراسات

المؤلف المسرحي والمخرج .. أية علاقة؟!

البعض يراها تكاملية..والآخر يراها هامشية

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

تحقيق: تيمورة عُمر الغاوية

مسقط| سلطنة عمان

 

قد تكون العلاقة بين المخرج والمؤلف غير واضحة بمعنى آخر؛ مبهمة، فالبعض يظن بأنه لا علاقة تربط الطرفين، بيما يرى آخرون أن علاقة قوية تربط بين الطرفين ولا تنتهي عند حدود تسليم النص المؤلف للمخرج؛ إذ يجب أن تكون علاقة متناغمة لإنتاج عرض مسرحي برؤى جديدة ومتجددة من شأنها جذب جمهور المتلقي. وعن هذه العلاقة تحدثنا إلى مجموعة من النقاد والكتاب والمخرجين لنرى معهم كيف ينظر كلٌ منهم لهذه العلاقة الشائكة والهامة في آن.

 

علاقة تكاملية!

في البداية تقول رنا عبدالقوي – ناقدة وباحثة مسرحية مصرية: “مما لا شك فيه أنه توجد علاقة ما بين المخرج والمؤلف حتى وإن ظهر مصطلح “موت المؤلف” والذي يقصد به أن دور المؤلف ينتهي بإنتهاء كتابة نصه؛ فتنتهي علاقته بالنص ليأتي دور المخرج بالاهتمام بالنص المسرحي؛ ويكون هو المفسر له من دون وجود أية قيود عليه في ذلك. ولكن بعد الدراسات والمؤتمرات حول العلاقة ما بين المخرج والمؤلف، اتضح أن كلا من الطرفين لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وتبقى العلاقة بينهما حتى وإن لم يكن المؤلف على قيد الحياة.

فبطبيعة الكتابة المسرحية يضع المؤلف بعض الإشارات والعلامات والرموز والتوجيهات الإخراجية من مثل: تصوره للمشهد المسرحي؛ من حركة الممثل إلى الهيئة التي يلعب بها دوره، والتي ترشد المخرج لرؤية المؤلف. وهذه واحدة من لغات التواصل بين المخرج والمؤلف”. وأضافت عبدالقوي: بأنه “يمكن للمخرج أن يكون مؤلفا، فبما أن الكاتب يكتب للمسرح، فذلك يعني بأن لديه حس مسرحي وإخراجي وتصور عام للمشهد المسرحي قبل أن يتم إخراجه، ويمكن القول هنا أنه من الأساس يكتب للعرض وليس للقراءة فقط. ونشهد الكثير من المؤلفين المشهورين في عالمنا العربي يؤدون دور المخرج لنصهم المسرحي وذلك عندما يكون النص معقدا نوعًا ما ولا يمكن أن يفهمه أحد سواه بصورته الحقيقة.

ومن جهة أن يكون المخرج مؤلفًا، فإذا ما رجعنا إلى العروض المسرحية العالمية، فإننا نجد أن المسرح فعليًا بدأ بالمخرج الذي هونفسه يؤلف سيناريو معينا للعرض المسرحي؛ لأنه يمتلك الفكرة ولديه الرغبة في طرحها عبر رؤاه هو. ومع تطور المسرح، ظهرت أدوار أخرى منها دور المؤلف المسرحي. لذا فالعلاقة بين المؤلف والمخرج يجب أن تكون علاقة تكاملية.

 

نظرة الكاتب..ونظرة المخرج!

وحول من له الأحقية بالعمل المسرحي، قال معتصم الكلباني – مؤلف  ومخرج مسرحي عُماني-: “إذا ما قسنا الجهد الذي يبذله المؤلف مع الجهد الذي يقوم به المخرج حتى انتهاء العرض الأول؛ فإننا وبلا شك سنجد الجهد الكبير للمخرج. فهو من يقوم بعملية اختيار النص، ثم مراجعته وتعديله بما يتناسب، ثم اختيار الممثلين وفنيّ السينوغرافيا وغيرهم من طاقم العرض. بعدها يقوم بعمل جدولة للعرض، ابتداء من التدريبات والترتيبات وما إلى ذلك. لذا أرى بأن المخرج هو الأحق بالعرض المسرحي وليس الكاتب الذي قد ينتهي دوره بانتهاء كتابته للنص”. وبسؤاله عن هل يحق للمخرج تعديل النص المسرحي بعد استلامه من الكاتب.

ويكمل الكلباني: “دائمًا ما تكون نظرة الكاتب ثقافية أكثر من أنها تخصصية، على عكس نظرة المخرج فهو يرى خشبة المسرح والعرض المسرحي بجميع أبعاده عن قرب وبعد، ولديه معرفه بما يمكن تطبيقه وبما يستصعب عمله كونه اخذ الأذن من المؤلف من بداية اختيار النص. لذا أرى بأن للمخرج الأحقية أيضا في إضافة أو حذف ما يراه لا يتناسب مع خشبة المسرح  دون الرجوع للمؤلف الأصلي ولكن دون هضم لحقوق المؤلف بأن ينسبه له وإن قام بالكثير من التعديلات فلا تزال الفكرة فكرة المؤلف نفسه.

تواصل مستمر

أما عن رأي عثمان الشطي –مؤلف مسرحي كويتي- فقد قال: “العلاقة بين المؤلف والمخرج ليست مجرد علاقة نص ورؤية وزمالة عمل فني، بل هي أعمق من ذلك في حالة كان كلا الطرفين يطمح بأن يقدم عرضا متماسكا فنيًا منذ البنية الأساسية له، ولكي نحصل على ذلك لابد من تواصل مستمر بينهما منذ ولادة الفكرة الأساسية للعرض المسرحي، وتكون العلاقة جيدة عندما يكون المؤلف ملمًا برؤية المخرج ولديه حس التعاون معه، وكما أن المخرج عليه أن يحترم النص المؤلف. فكلاهما يكمل الآخر وكلاهما لا يمكنه الاستغناء عن الآخر وكلاهما مؤلف؛ الكاتب يؤلف النص، والمخرج يؤلف طريقة العرض.

لكن إذا تكلمنا عن العلاقة الواقعية الحقيقة فإن العلاقة بينهما غير واضحة جدًا، فالمؤلف اليوم يكتب نص ولا يهتم بطريقة عرضه، والمخرج يختار العرض ثم يهمش دور المؤلف دون الرجوع له بتاتًا رغم أنه قد يكون لدى الكاتب مفهومه الخاص عن النص، والمخرج يفهم النص بطريقة أخرى مختلفة قد تكون خاطئة والذي ينتج عنها عرض لا ينال إعجاب الحضور.

وحسب تجربتي الخاصة، فإنني رأيت مجموعة من المخرجين الذين يتابعون مع المؤلف جميع نقاط النص المسرحي لاستيضاح أي جملٍ مبهمة وغير مفهومة حتى يتأكد من فهمه الكامل والصحيح للنص، وقد حدثت بالفعل في واحدة من النصوص التي كتبتها، عندما تابعت العرض المسرحي للنص، حيث وجدت فكرة العرض بعيدة جدًا عن الفكرة الحقيقة للنص والدليل على ذلك أن المخرج تلقى عددا من الانتقادات حول العرض؛ على عكس النص المسرحي فقد حصل على إعجاب النقاد، رُغم أنني تمنيت أن يتلقى العرض الإعجاب ذاته.

وهذا ما يكون سببه سطحية المخرج وعدم تواصله مع المؤلف في حال استصعب عليه أمرٌ ما”. وعن أهمية إشراك المخرج في كتابة النص المسرحي فقد أوضح الشطي بأن العملية صعبة جدًا وذلك بسبب اختلاف الأدمغة والأفكار رغم أنها في بعض الأحيان قد تكون عملية إبداعية لإخراج نص مسرحي أكثر إبداعًا. وأضاف: “بالنسبة لي؛ فإنني غالبًا ما أكتب لمخرج معين لأنني ملم بفكره وطريقته الإخراجية، ولابد للمخرج أن يعي بأن المؤلف ليس آلة انتاج نصوص وأنه يكتب حسب ما يريد المخرج من أفكار وإن استطاع أن يكتب بعض النصوص عندما يطلب منه”.

إعادة صياغة

وقال ميثم البطران –مخرج عراقي: “النص عبارة عن كلام على ورق جامد، لذا يحتاج لإعادة صياغة من جديد حتى يتناسب مع أفكاري كمخرج. أما عن تجربتي الخاصة فإن العمل المسرحي يتم كتابته بعدما ألتقي بالمؤلف في ورشة عصف ذهني، يتم فيها تبادل الأفكار –سواء كانت الحوارات بين الممثلين أو الطرفة التي تقال إلى نوع الموسيقى التي تتناسب- وربطها ببعضها البعض ثم يقوم الكاتب بجمع الأفكار وتنقيحها ثم صياغتها على شكل نص مسرحي متكامل ثم يأتي دور الممثل في حالة أراد إضافة أو تعديل أمر ما في النص المسرحي، لذا فهي من وجهة نظري عملية تكاملية مستمرة حتى يتم إخراج عرض مسرحي متكامل”.

ليست معقدة

ومن جهته قال رمضان الفيومي –مخرج أردني-: “كل من المؤلف والمخرج لهما الفضل فيما يقدم ويعرض في خشبة المسرح وكلاهما يمتلك خيال وبصيرة ورؤية خاصة في إظهار العمل الفني. الجدير بالذكر أن المؤلف المتميز هو من يمتلك الخيال لتخيل العرض المسرحي أثناء الكتابة، وقادر على خلق شخصيات ومشاهد تتناسب مع العرض على خشبة المسرح، ولكن رغم ذلك لا زال للمخرج الأحقية بأن يقوم بأي تعديل يراه مناسب على النص المسرحي مع المحافظة على الفكرة الأساسية للنص. فالعلاقة بين المخرج والمؤلف ليست معقدة جدًا عندما يكون هناك احترام وجهات النظر المختلفة وتقبلا لآراء الآخرين. وقد شاهدنا العديد من النصوص المسرحية القوية التي يفشل مخرجين في إيصال الفكرة الحقيقة للعرض، والعكس صحيح، هناك العديد من النصوص المسرحية الضعيفة التي نجحت بسبب قوة الإخراج والتمثيل”.

ــــــــــــــــــــــ

المصدر: العدد السادس من النشرة المصاحبة لمهرجان الدن الدولي في دورته الرابعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى