“المتعالـــم” .. نص مسرحي قصير للكاتب: حميد سعيد

تأليف: حميد سعيد

ـ

يفترض الراوي، إنها بلدة صغيرة ، فقيرة مهمشة .
ويفترض إن عالمها المبجَل، لايختلف عنها إلاَ في تواضعها وجنون مخيلته.
عالم البلدة س ، يمتلك دكاناً كل ما فيه لايباع ولا يشترى، وهو في الأربعين من العمر ،متكبر وواسع الخيال،متين الجسد حاد المزاج، إذ يعتقد إنه وحيد عصره في محيط من الجهلاء وسنسميه المتعالم.
المتعالم: «يجلس في وسط الدكان، على كرسي عتيق، أمامه طاولة عتيقة، يقلب في مجلة قديمة، ومن دون أن يرفع عينيه يقول:
ما أجهله..
لا يعرف علمَ النحو ..
فيُخطئ في رسم «بكثير من التفخيم» إبنعرندز، ويكتبها : إبن عرندس.
هذا الجاهل يلثغ في الزاي .. وينطقها سينْ
. . . . . .
. . . . . .
«يقلب صفحات المجلة»
وهذا .. أكثر جهلاً..
كيف يقول : إنَ أبانواسٍ من أصلٍ يمني ؟
لو كان مُلمَاً بعلوم الصرف..
«يتحدَث مع نفسه» لا أحدٌ غيرك .. بعرف فنَ الأنساب ْ
. . . . . .
. . . . . .
«يلتفت يميناً ويساراً.. كأن لا يريد أن يسمعه أحد المارة»
كتبتُ ردوداً .. ومقالات
لم تنشرْ
الجهلاءْ
يخشون من العلماءْ
«يقف أمام الدكان، شابٌ يستعرض بنظراته، الموجودات التي من الصعب معرفتها» الشاب: يا عم ُ..
أريد قليلاً من ورد لسان الثورْ
«يشير المتعالم بيده من دون أن يرد على طلب الشاب.. يأمره بالمغادرة، فيغادر مستغرباً»
المتعالم :
ورد لسان الثور !
الثور
الثورْ
«يعود إلى تصفح كناب.. على الطاولة»
هذا أفضل ماكتب الأجداد ُ..
ودونه العلماءْ
من كتب البلدانْ
ما ينقصهُ جهلُ مؤلفه بعلوم يتوارثها العلماءْ
في بلدة س
«تقاطعه .. امرأة مكتنزة الجسد ، سليطة اللسان جريئة، يبدو إنها اعتادت مشاكسته»
المرأة: « في إشارات جنسية ملتبسة»
أما زلت .. ترفض أن أتعلَمَ مما تُخبِئُ في كتب السحر ..
هل ينفع السحرُ ؟
« بنبرة لاتخلو من خبث «
لم ينفع السحر..
لو جئتني مرةً..
سترى السحر.. فالساحرات يحيين ما مامات..
هل ستجيء ؟
. . . . . .
. . . . . .
أترى..
ذلك الذي يكاد يموت ..
ليعرف مابيننا
هو لايعرف السحر .. يعرف « إشارة فاضحة»
هلا تعلَمت ..
يا .. كيف يرضي النساء ؟
« تتحرك لتغادر مكانها .. مناكدة «
سأُجرِبه ..
« تغيب عن المشهد»
المتعالم : ماذا سأفعل بالعلم في هذه البلدة .. البليدة .. ؟
إن الرجال « يشير بما معنى لانفع فيهم»
والنساء « تصدر عنه إشارة بذيئة»
يتغيَر المشهد ..
يجلس المتعالم ، بأبهة طاووسية ، وفي مكان يصلح للدرس، يحيط به أربعة أشخاص ، حيث يفترض إنه الشيخ وهم من مريديه»
المتعالم : يا أبنائي..
أعطاني الله من العلم ..
ما لم يعط لغيري ..
ولكي لايذهب هذا العلم .. سدىً
ها أنذا أجمعكم .. ياخيرة طلابي
ياعلماء غدٍ
بل علماء اليوم..
لأعطيكم آخر ما يمكن أن أعطيه ..
من العلم
. . . . . .
. . . . . .
فليسأل .. كل فتى عمَا يشغله..
وليحفظ ما سأقول ْ
. . . . . .
. . . . . .
المريد الأول :أسألُ عن بيت السعلاة ْ
هل هو حقَاً من ذهبٍ ..
كيف لإنسان مثلي أو مثلك أن يدخله ؟
المتعالم : من بللور .. ياولدي..
بيت السُعلاةْ
وكان أبي يقرأ جزءً وثلاثة أحزابٍ..
من شعر الوأواء
فيدخله أنَى شاءْ
المريد الأول : « محدثاً نفسه «
ماذا حلَ به ؟!
كيف يقول ْ
جزءٌ وثلاثة أحزابٍ من شعر الوأواءْ ؟!
إنا لله .. وإنَا ….
المريد الثاني : « مقاطعاً»
وأنا أسأل عن فائدة الباذنجان ؟
المتعالم :
شكراً ياولدي
. . . . . .
. . . . . .
الباذنجانْ
من كرم الله على الإنسان ..
يُقَوي الباهْ
ويقوي الإيمانْ
المريد الثاني : « ساخراً»
ما أعظم علمِكَ..
تعرف حتى أسرار الباذنجان ْ
من كان سواك .. سيعرفُ
إن الباذنجانْ
من كرم الله على الإنسانْ
«المتعالم منتشياً بكلام المريد الثاني، غير مكتشف قصد السخرية فيه»
المريد الثالث : هل تنصحني بكتابات أبي حيان؟
المتعالم «منفعلاً»
لا .. لا
أي كتابات تعني ؟
وأنا لقنتك علم الإنس وعلم الجان ْ
وتقول كتابات أبي حيان ؟!
الأميُ الجاهلُ.. أطلبه دينارينْ
ولا يعرف إلا السعي وراء النسوان ْ
وتقول كتابات أبي حيان ؟
المريد الثالث :
يلقِن علم الإنس وعلم الجانْ
ولا يعرف إن التوحيدي .. أبا حيان
ليس هو الحلاق المحتال.. أبو حيان
المريد الرابع :
هل تغضب منِي ..
إن كنت سأسأل .. من أين يجيئك علم الجان ؟
« المتعالم منتفخاً.. ليبدأ الإجابة عن سؤال المريد الرابع.. فيفاجأ بضحكة ماجنة .. وتظهر المرأة التي رأيناها من قبل، برفقة شخص يتصرف بأنوثة ويحرك جسده بفحش»
المتعالم :
لا حيَاكِ.. ولا بيَاكِ..
كما تتسلَل أفعى ..
تتسلَل حيثُ أكونْ
المرأة : والآن ..
إلى أيِ مفرٍ .. ستفرُ .. ؟
جئتُكَ «بصوت واطئ» يابغلُ
وهذا « تشير إلى الشخص الذي جاء معها « مأذونْ
المتعالم : « كمن يكلم نفسه»
لافتح الله عليك ِ..
ولا ..
المرأة : « وهي تظهر الخواتم وأساور الذهب»
أتزوجُكَ الليلة َ ..
وستعرف في حضني ما لم تعرف في جحر الفئرانْ
البيت الدافئ واللحم الساخن .. وفراشٌ..
ليس كما كان فراشك .. منتجعاً للصؤبانْ
. . . . . .
. . . . . .
أتزوجكَ الليلة .. يا
المريدون الأربعة .. ويلتحق بهم المأذون:
تتزوَجُكَ الليلة َ..
بعد اليوم ْ ..
لاجوع ولا حرمانْ
« المريد الأول والمريد الثاني يمسكان بالمتعالم .. والمريد الثالث والمريد الرابع يمسكان بالمرأة، ويدفعان بهما إلى أن يتماسا، ويخرج المأذون بما يوحي بدفتر عقود زواج « ويرددون معا:
فلتتزوجها .. فلتتزوجها
بعد اليوم
لاجوع ولا حرمان
لاجوع ولا حرمان
«تنسحب الإنارة تدريجياً .. لتعم العتمة .. ويتواصل ماكان من قبل»:
لا جوع ولا حرمان
لاجوع ولا حرمان
يعود الضوء تدريجياً.. يظهر الدكان .. وقد امتلأت رفوفه بالبضائع، ويظهر المتعالم نظيفاً أنيقاً وتقف المرأة غير بعيد عنه .. سعيدة ومحتشمة «
عابرة سبيل : « توجه كلامها إلى المرأة»
تغيَرنا !
أسأل عن صاحبتي الحفافة .. أم الخير
فتقول الجارات ْ..
أكبر تجار البلدة .. أم الخيرْ
وجئتُ..
عسى أن ألقط شيئاً من خيرْ
كما يلقط حبات سقطت في حقلٍ .. طيرْ
المرأة :
مَن أنتِ ؟
عابرة سبيل :
ها ؟!
من أنا ؟!
إي والله .. تغيَرنا ..
أنا سعدى .. الـ …. «تصدر عنها إشارة فاضحة»
أتذكَرتني ؟
أم أذكرك .. ياناس ….
«تعود الإنارة للإنسحاب ثانية .. لكن حركة عابرة سبيل توحي بأنها تواصل كلامها ..
ثم يعود الضوء مقترناً بظهور عابر سبيل ، قريباً من الدكان»
عابر سبيل : « يسأل المرأة بتردد»
أبحث عن رجلٍ كان هنا ..
يقصده الناس .. إذا ما التبس الحقُ بضدِهْ
كان بحكمته .. وبما أعطي من علمٍ ..
يهدي من ضلَ ..
. . . . . .
. . . . . .
وعندي معضلةٌ
ليس لها إلا الرجل الصالح .. ذاك
المرأة : «عرفت عمَن يسأل .. ولا تريد أن يتعرف عليه»
مات الرجل الصالحُ..
شيعناه إلى مقبرة البلدة ..
فليرحمه الله
«عابر سبيل .. مغادراً»
فليرحمه الله
المتعالم :
الإناء ينضح مافيه..
مُتُ ؟!
يرحمني الله ..
وشًيِعتُ .. ؟!
«تقطع أي كلام بينهما ، حركة طلب على مواد معروضة ، بما يوحي بنجاح تجاري»
. . . . . .
. . . . . .
المرأة : «بين يديها كمية من الأوراق النقدية .. وهي تقدمها إلى المتعالم»
بهذا ..
يرحمنا الله ..
أما زلت تحنُ إلى أيام الجوع
إلى دجلٍ..
كنتَ به ِ ..
فلأسكتْ «تضع يدها على فمها .. ثم تتوجه إلى زبائن جدد»
المتعالم : «يحدث نفسه»
صدقَتْ .. أم ال ….
مازلت أحنُ إلى أيام ال …. علمْ
ما أعظم أن تبدو كالطاووس..
تبيع الجهلاء .. كلامْ
فد تأكلُ أو لا تأكلُ .. لكنك في الحالين تنامْ
ْ. . . . . .
. . . . . .
لا امرأةٌ متوحشةٌ .. تنسيك النوم ْ
ولا .. نار جحيم الأرقامْ
المرأة :
يشتمني ..
وغدٌ وابن حرامْ
«يقبل على الدكان.. المريدون الأربعة .. تنظر إليهم المرأة شزراً.. بينما تبدو السعادة على ملامح المتعالم»
المريد الأول :
هل تتذكَرنا ؟
أم بتنا من زمن صار بعيد ؟
المريد الثاني :
هل يُستبدلُ رغد العيش .. بأوهام العلم ؟
المريد الثالث :
وأنا أسأل ..
هل كنتَ تلَهى بي وبأصحابي ؟
المريد الرابع :
مذْ عرفتُكَ..
كنتُ أشكُ .. بما يصدر عنكَ
كنت أشكُ بأقوالك
كنت أشكُ بأفعالك ..
«المتعالم يعبِر بحركات واختلاجات .. كأنه لم يقو على النطق»
«يقف المريدون الأربعة في جهة .. وتقف المرأة في جهة ثانية، بينهما يقف المتعالم»
المريدون الأربعة :
أتعود إلينا كي تتعلَم ْ ؟
نحن تعلَمنا .. ما لم تَعلَمْ
أم أغواك نعيم الخالة أم الخير ..
وسرير الخالة أم الخير ؟
«يقف المتعالم حائراً متردداً.. ثم يتوجَه منكسراً إلى أحضان أم الخير.. وينسحب المريدون الأربعة في حالة خذلان».
————————————–
مجلة نزوى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock