حوارات

المخرج الجزائري “محمد شرشال”.. ومسرح بمثابة تأشيرة نحو الحلم


المسرح نيوز ـ الجزائر| حوارات

ـ

حاوره: المسرحي محمد بوكراس

المسرحي والأكاديمي بوكراس محمد

المخرج الجزائري المخضرم محمد شرشال ، أكثر من ثلاثين سنة من الممارسة المسرحية، من مسرح الهواة مرورا بالمعهد الوطني للفنون الدرامية وصولا إلى الاحتراف، ولا شك أن من تابع العملين الأخيرين لهذا المخرج، يكتشف ظهور نزعة جمالية في مسرحنا الجزائري وحتى العربي، تعيد الممثل إلى قلب العملية المسرحية، وتعريه من سطو الكلام، وتجعل من لغة الجسد وسيلته الأساس في صياغة منظومة العلامات، وتصويبها في اتجاه المتلقي الذي يريده شرشال ذكيا واعيا يقظا منتجا للمعنى، وهنا يكمن التجريب الذي يهدف إلى بلوغ مسرحة أكيدة ـ على حد قوله ـ تنفتح على العالمية.

 

يختلف شرشال مع النقاد  الذين يكتفون بتصنيف العرض وفق نظريات جاهزة ومستهلكة، ويمارسون باستعلاء وصايتهم على العرض، مغفلين أن دور النقد يجب أن يستكشف العمل الفني قبل كل شيء.

في هذا الحوار مع شرشال نقف على عديد الرؤى والقضايا المهمة في اشتغاله المسرحي الراهن والقادم.

  1. دعني أبدا معك من نص”جي بي اس”، بما أن الأنظار كلها اتجهت صوب العرض المسرحي، النص جاء مختلفا من حيث طريقة الكتابة، كتابة الفعل، أهي تجربة جديدة في الكتابة عندنا؟

 

يمكننا ـ إلى حد ما ـ أن نقول أنها مختلفة عن السائد في كتابة النصوص عندنا. أولا لكونها كتابة لنص بدون حوار لفظي (بدون فعل لفظي). حيث يرتكز هذا النوع من النصوص على الإرشادات didascalie والتي تشرح الفعل لا القول، إرشادات تصف أفعال الشخصيات لا أقوالها. لذا فكاتب هذا النوع من النصوص يركز على تصرف الشخصيات وخط فعلها المتصل. وهذا يعني أننا أمام الكتابة للفعل والذي هو أصل المسرح.

في الأعمال المسرحية السائدة والمتعارف عليها، يعتبر النص الذي يعتمد على الفعل اللفظي (الحوار) مركز الفعل المسرحي، أي أن الجميع ينطلق في العمل من خلال نص مسرحي جاهز،  فالنص يجب أن يكون أول العناصر الجاهزة لبداية الفريق بقيادة المخرج في الاشتغال(دراسة النص وتفكيكه من طرف المخرج، التوزيع، القراءة الإيطالية ثم التدريبات). وهذا الأسلوب وهو السائد يضع كل المتعاونين الفنيين بقيادة المخرج في خدمة النص،وهذا ما نراه مخالفا للمسرحة الحقيقية.

بالنسبة لتجربتنا في “جي بي أس”، الأمر مختلف تماما. كيف ذلك؟ أنا من بين المخرجين الذين يؤمنون إيمانا راسخا بأن الممثل هو روح العرض المسرحي وهو مركز الفعل المسرحي، وهذا الاختيار جدير بأن يجعل النص ينسحب من كونه عنصر الانطلاق في الإنجاز المسرحي.

من المؤكد أنني ـ بصفتي مُخرجا ـ صاحب الفكرة المركزية المجردة والتي نريد تجسيدها وإيصالها من خلال كل عناصر الخطاب المسرحي وبمشاركة كل المتعاونين الفنيين (السينوغراف، الملحن، الكوريغراف والممثل) كل بلغته الخاصة، لغرض بلوغ الوحدة العضوية التي تسمى العرض.والمؤكد أيضا وفي مثل هذا النوع من العروض أن أعتمد على خطة مكتوبة للعرض (كانفا). ولكن رغم كل هذا فإنني أؤمن بضرورة إشراك الممثلين في العملية الإبداعية من أول يوم من التدريبات إلى العرض الشرفي. لقد اعتمدنا في إنجاز “جي بي أس” على المختبر التمثيلي، حيث طلبت من الممثلين أولا ألا يحترموا “الكانفا “الذي سلمته لهم كإجراء انقلابي على كل ما هو معهود وجاهز، وهذا رغبة مني لاستكشاف عوالم أخرى بانتهاجي الطريق الأصعب للإبداع. لقد طلبت من الممثلين ألا يبخلوا على عرضهم باقتراح الوضعيات والمشاهد، وبكل ما يجول في مخيلتهم دون تحفظ، ودون الخروج عن الفكرة المركزية التي اتفقنا عليها مسبقا. وأرى أن التجربة كانت ناجحة بدليل نجاح العرض وطنيا وعربيا.

إن إقحام الممثل في العملية الإبداعية من أولوياتي في عملية الإنجاز المسرحي، فالنص عندي يُكتب بعد اكتمال العمل المسرحي وليس قبله، وهنا يكمن التجريب الذي يهدف إلى بلوغ مسرحة أكيدة. ففي مثل هكذا تجارب، يصبح الممثل هو القلم، والركح هو الخشبة كما يقول المسرحي والمخرج التونسي القدير فاضل الجعايبي والذي اتفق مع أرائه وتوجهاته في المسرح.

لكن أتمنى ألا يؤخذ كلامي هذا على أنني ضد النص المنطوق في المسرح أو إنني ضد هذا النوع من الممارسة المسرحية، لكن في المقابل أنا ضد اعتبار النص هو أساس الفعل المسرحي. وضد الاختباء وراء الثرثرة وإهمال عناصر الخطاب المسرحي الأخرى وخاصة الممثل. فالنص في نظري عنصر بسيط جدا من عناصر الخطاب المسرحي، عنصر يمكن في كثير التجارب الاستغناء عنه دون أن يختل العرض المسرحي.

 

  1. هذا يجرنا إلى الحدث عن عوالم الكتابة عند محمد شرشال؟

 

أنا من الذين يؤمنون بأن المسرح يجب أن يحملنا إلى عوالم خرافية، عوالم غير التي نعيشها، لأنه فن الإيهام، والإيهام يجب أن يكون كاملا وإلا فلا. لذا فإنني أؤمن بمسرح سحري وساحري، مسرح ينقلنا إلى أجواء غير التي نعيشها. مسرح بمثابة تأشيرة نحو الحلم.

مسرحي الذي أحب شخوصه من بلاستيك، من ريش ومن ورق، شخوص إذا اقتربت من النار تذوب ولا تحترق إلا من الداخل. شخوص تزحف على ظهرها، وتطير بدون أجنحة. شخوص تمشي إلى الخلف وتعود إلى أبعد نقطة ممكنة في عالم الذكريات. شخوص تموت ثم تعود لتروي لنا ما يحدث بعد الرقاد الأبدي، شخوص تمشي أفقيا وعموديا. شخوص رجالها تتحول إلى حقائب سفر والنساء إلى فراشات. مسرح تتحوّل فيه غرفة نوم وردية إلى ساحة حرب، وأثاثها إلى أسلحة دمار شامل. مسرح يخترق الموت، يهزأ من المجهول ويعرفه بتعريفات سخيفة وساخرة.. مسرح الرقص فيه جنون، والجنون فيه فنون، لا شيء فيه يشبهني ويشبه واقعي وحياتي، مسرح غريب عجيب يخطئ وهو يصيب، مسرح ألوانه تنافس ألوان قوس قزح وتفحمه، مسرح عوالمه تنقلنا إلى ما وراء العالم، إلى ما بعد الكون، إلى هناك، بعيدا إلى  هنالك، بل إلى ما وراء هنالك. إلى الحقيقة، لكن ليست الحقيقة المزيفة، الحقيقة الحقيقية هته هي عوالمي التي أحاول أن أكتبها ركحيا دون الحاجة للأوراق ولا لقلم رصاص.

 

  1. ما هو السؤال الوجودي الذي دفع إلى كتابة جي بي اس؟ وهل هو نفسه سؤال “مابقات هدرة”؟

 

السؤال الوجودي المطروح في كتابة “جي بي أس” هو الآتي: هل الإنسان مسيٌر أم مخير؟  ومن هنا جاء عنوان العرض، والذي يُحيلنا إلى المجتمعات الموجهة.

“جي بي أس” تطرح فكرة مجردة وواضحة، وهي أن الإنسان كائن مسلوب الإرادة. وتتجسد الفكرة من خلال سعي منحوتات لانتزاع حريتها بالانتقال من الجماد إلى الأنسة، أي يتحولون إلى بشر، خلال انتهاج المسار الطبيعي لنشأة الإنسان (العلاقة، الولادة، الطفولة، المدرسة ثم المجتمع)، ليكتشفوا في الأخير أن اختيارهم لم يكن صائبا، كون الإنسان ليس حرا تماما في تصرفاته، فهو موجه من طرف الاسرة ثم مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، وفي النهاية هو مواجهة الموت الحتمي.

لكن في مسرحية “ما بقات هدرة” الإشكال الفلسفي مختلف تماما، في “ما بقات هدرة” تعمد الشخصيات إلى البحث عن أصواتها المسلوبة، والتي تعثر عليها في مرحلة الطفولة كدلالة على كون أصواتنا الحالية آتية من ماضينا (التراكمات)، أي أن ماضينا هو مصدر حاضرنا. لذا فالعملين مختلفين تماما فيما يتعلق بالإشكال الفلسفي المطروح في كل منهما.

 

  1. إذا هل يمكن أن نعرف موقع عرض “جي بي اس” من مسرحية “ما بقات هدرة “؟

 

تعتبر “جي بي أس” امتداد لـ”ما بقات هدرة “من الناحية الخيار الجمالي (إلغاء الفعل اللفظي تماما)، كلا العملين يمكن إدراجهما في خانة مسرح العبث أو اللامعقول، كون عوالمهما غرائبية، وكونهما يطرحان أسئلة وجودية تتعلق بالإنسان ووجوده ومصيره.

هذا من ناحيتي الشكل والفكر، هناك أوجه تشابه أخرى بين العملين من الناحية التقنية، حيث أن شخصيات “ما بقات هدرة” هي نفسها شخصيات “جي بي أس”، مع إضافة شخصيتين في العمل الأخير. وسبب الاحتفاظ بالشخصيات كوني ما زلت أبحث في نفس منطقة “ما بقات هدرة”، وأن الشخوص ما هي إلا عينات فاعلة بالنسبة لأي مجتمع، شخصيات قد تكون الرابط بين العملين، بما أن البطل في العملين هو أفراد من المجتمع.

 

 

  1. لاحظ البعض أن عرض “جي بي أس” يتأرجح بين الواقعية والعبثية، هل هذا صحيح؟

 

متفق معك إلى حد ما، العمل عبثي في شكله وفكره، ولكنه واقعي في تصرف الشخصيات التي تسلك مسارا واقعيا في تصرفاتها التي تبدو عقلانية جدا. ولكن دعني أنبهك لشيء مهم. أنا أرى أن التحفة تخرج عن سيطرة المخرج فور عرضها، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال توجيه فهم الآخرين وقراءتهم لها، أو منع أي كان من أن يحملها أيديولوجيته أو ينسب لها قناعاته ووجهات نظره. فالتحفة الفنية تصبح ملك المتلقي فور عرضها، مستويات القراءة مختلفة باختلاف الناس، كل يرى العرض من منطلقة واستنادا إلى رصيده الثقافي والإيديولوجي، وكل يرغب بطريقة أو بأخرى في أن ينسب العرض لخياراته هو. فهناك مثلا بعض ممن يحسبون على النقد (صحفيين حولوا للنقد دون التمكن من أدوات النقد) يمارسون باستعلاء نوع من الوصاية على العرض، حيث يعمدون إلى فرض أبويتهم على التحفة الفنية ويقومون بوضعه في قوالب وتصنيفات ونظريات جاهزة ومستهلكة، بل يصل الأمر بهم إلى تفسير العرض حسب أهواءهم مخالفين بذلك حتى الكاتب ومن ثم المخرج وفريقه، وقد يصلون إلى درجة الإملاءات على شاكلة: (على المخرج أن يفعل كذا بدل كذا).

فبدل أن يشرح هؤلاء العرض، ويفككونه ويستكشفون دلالاته، يستعملونه لاستعراض عضلاتهم المعرفية و التي تلقوها من محرك البحث غوغل ، و يشرعون في تصنيف العرض في مدرسة كذا ومنهاج كذا، ليصبحوا هم الموضوع وليست المسرحية. هؤلاء لا يدركون طبعا أن النقد يجب أن يستكشف التحفة الفنية قبل كل شيء، لا أن يصنفها في عنوان وانتهى الأمر، فالناقد يجب أن يكون تلميذ التحفة الفنية لا أستاذا عليها كما يقول أوجين يونسكو أحد رواد مسرح العبث.  و رغم هذا يجب الإشارة بأنه يوجد الكثير من النقاد في الجزائر ممن تخرجوا من معهد  برج الكيفان و من مختلف  الجامعات الجزائرية ،موضوعيين و  بعيدين عن الأحكام الذاتية، و هؤلاء هم من يحتاجهم المسرح  الجزائري لتكتمل الحلقة الإبداعية عرض، جمهور و نقاد.

فيما يخص الشق الثاني من السؤال، وجب توضيح أمر مهم. أنا لم أشرف على إنجاز “جي بي أس” مع الفريق لأخاطب المتفرج الجزائري أو الإنسان العربي فقط. لقد تعمدت إلغاء اللغة بغرض إلغاء الحدود ورفع الحصار على التحفة الفنية والتي من المفروض أن تخاطب العالم.

قد يبدو الأمر غريبا للكثيرين، وفيه نوع من الجنون، ولكني واع أشد الوعي كوني أرغب في مخاطبة الإنسان أينما كان، والحمد لله نجحت في هذا الموضوع ولو نسبيا، بدليل أن عرض “جي بي أس” شوهد من طرف أجانب كثر، متفرجين روس، إسبان، فرنسيين وأشقاء عرب وغيرهم (والذين كانوا يشتكون دائما من صعوبة فهم لهجتنا). ولقد أجمع كل من ذكرت آنفا على فهمهم للعرض وتلقفهم لحبكته ودلالاته الإخراجية، وهذا لم يكن ليكون لولا اعتمادنا على لغة عالمية كونية تخاطب بكل بساطة الإنسان حيثما كان.

 

  1. قلت في تصريحات سابقة أنك لا تحب المشاهد الكسول، من تقصد بهذه العبارة؟

 

لا يجب أن يأخذ كلامي هذا وكأنه تحامل على الجمهور، بل هو دعوة هذا الجمهور للتفاعل الفكري مع العرض. الجمهور الكسول هو ذلك الجمهور الذي تعود على استهلاك المسرح دون طرح الأسئلة، وحتى وإن طرحها فهو ينتظر بكل سلبية من الخشبة أن تجيب في مكانه، أن تسهل له الفهم، وأن تشرح له الموضوع، كما يشرح المعلم الدرس لتلميذه. الجمهور الكسول يمنح العرض كامل الصلاحية كي يوجهه أينما شاء دون أن يحتج أو أن يشارك في صنع الأحداث.

إن ممتهني المسرح ومختصيه (وأنا منهم) يبجلون الجمهور ويدركون جيدا أنه مبدع مهم للعرض المسرحي. وأنا أرى أن هذا لا يعدو أن يكون مغازلة خبيثة للجمهور، وشعبوية بعيدة عن تجسيد هذه المهمة في الواقع. نعم الجمهور مبدع مهم في العرض المسرحي، لذا يجب ألا نجعله مجرد مستهلك لما ننتج بل مساهم في الفعل المسرحي، من خلال تركيزه المستمر وطرح الأسئلة التي تجعله يساهم في تطوير الفعل على الخشبة. نعم أنا لا أحب الجمهور الكسول لأنني أؤمن بعودته لصناعة العرض ومشاركته الفعلية كونه أحد عناصر الفريق المسرحي والذي أرى أننا أهملنا دوره لنجعل منه ديكورا نتفاخر بكثرته وكثافته فقط.

وجب على المتلقي أن يعيد إنتاج العرض بأدواته هو، وأن يساهم بإيجابية بتطوير الفعل. لا نريد من الجمهور أن يكون مغيبا أو سلبيا. جمهور ندعوه لمأدبة المسرح كي يستهلكه كما يستهلك التلفزيون.  المسرح ليس رفاهية، الجمهور يجب أن يكون يقظا وهو يقابل العرض ويطرح الأسئلة التي يجب أن تُطرح، أريده أن يكون كالعارف بالفنون التشكيلية وهو يتأمل لوحة تجريدية، يبذل جهدا فكريا كي يشرحها ويفك دلالاتها. بهذا فقط نستطيع أن نرتقي إلى مستوى أعلى في أعمالنا المسرحية.

لا يجب الهروب إلى الأمام في موضوع الجمهور بالخصوص، الموضوع الذي يبقى من المحرمات (طابو)، ولا أحد يتجرأ على فتح نقاش ثقافة الجمهور الجزائري المسرحية، مقارنة بالجماهير التي لها تقاليد عريقة في المسرح.

 

 

  1. هناك من يرى أن إعادة مُجسم الرحم قبل ثوان من نهاية العرض، وإظهاره في عمق الخشبة أضفى على العرض مسحة تشاؤمية عميقة، ودلالاتها أن لا شيء سيتغير، وسيبقى مصير الإنسان سيزيفيا، ما رأيك أنت كمصمم لهذا العرض؟

 

العمل ـ  كما قلت سابقا ـ يندرج في إطار مسرح العبث أو بما يسمى باللامعقول، والذي يرتكز على فكرة أن الإنسان يعيش في هذا الكون دون أن يملك مفاتيحه، وان وجوده بلا معنى ومهدد باستمرار، وأنه يدور في حلقة الحياة المغلقة. إن اصطدام شخوص عرض “جي بي أس” بحقيقة لا جدوى الوجود، جعلها تخالف سيزيف الذي لم يعارض عقاب الآلهة، بل قام بفعل رفع الصخرة نحو قمة الجبل، وإعادتها في بعد أن تتهاوى في كل مرة نحو الأسفل. إن عودة الشخوص للرحم لا يعني الاستسلام، بقدر ما يوحي إلى رفض الشخوص لظاهرة الموت ومحاولة العودة لطبيعتها الأولى.  فالرحم هنا كما كان في المشهد الثاني محطة انتقال من حالة إلى حالة، في الأولى استُعمل لتتحول المنحوتات إلى بشر، وفي الثانية أراد البشر أن يعودوا لحالتهم الأولى المتمثلة في المنحوتات، كدلالة على خلود التحفة الفنية، التي تتحدى الموت والزمن، ليصبح الفعل هنا (الولوج للرحم) فعل مقاومة بواسطة الفن، هو الوحيد الذي يهزم الموت. الأمر إذن مختلف على أسطورة سيزيف، ويبقى التوافق حول عبثية الوجود ولا جدواه هي مساحة الاشتراك بين سيزيف وفكرة مسرحية “جي بي أس” والمتمثلة في كون الإنسان كائن مسلوب الإرادة.

 

  1. ماذا تمثل لك التتويجات الأخيرة: تكريم في قرطاج وتتويج في الأردن ثم الشارقة؟

 

الأكيد أن هته التتويجات هي مصدر سعادة وفخر كبيرين، إنها اعتراف وإنصاف لمجهود كبير وعشق خالص للمسرح عمره ما يفوق الأربعين سنة. هذه التتويجات شرف لي، وهي مهداة لروح كل المخلصين الذين قدموا للمسرح الجزائري ولو الشيء القليل. إيصال المسرح الجزائري إلى ريادة المسرح العربي ليس أبدا منّة منّي أو من فريقي، هو ثمرة جهد واجتهاد وإيمان بقدراتنا، وإن مارسنا مسرحنا ـ  في أكثر الأحيان ـ في ظروف لا تساعد إطلاقا على الإبداع.

إننا لا نزعم أننا أول من حقّق هذا المكسب، فلقد سبقنا إلى ذلك روادنا من أمثال مصطفى كاتب، كاتب ياسين، ولد عبد الرحمن كاكي، علولة، رويشد، مالك بوقرموح، محمد بختي، صونيا، امحمد بن قطاف والكثيرين. نقول فقط أننا نجحنا والحمد لله في إعادة المسرح الجزائري إلى المرتبة التي يستحق. واسمح لي أن أقول أن هته التتويجات ليست النهاية، الحمد لله رجلايا ما زالتا على الأرض، وأنا مدرك تمام الإدراك أن الطريق شاقٌّ وأن الأصعب ليس بلوغ القمة ولكن البقاء فيها. وعليه فإن هته التتويجات أصبحت من الماضي الآن، والتطلع إلى المستقبل هو المهم، ولما لا إهداء الجزائر جوائز دولية؟

لذلك أنا مدرك وواع بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي، وسوف لن أدخر أي جهد لأكون في المستوى المطلوب، أنا واع أيضا أن الذي لا يتقدم يتأخر حتما.

  1. هل ظهرت ملامح الفصل الأخير من ثلاثية محمد شرشال؟ فيما تفكر الآن؟

 

 

أظن أن تجربتي لن تكتمل إلا باستكمال الثلاثية.ولقد استأنفت في عملية البحث والاطلاع كي أشرع في التحضير للعرض الذي ستتضح فيه حتما ملامح المسرح الذي اخترت، والاختيار الجمالي الذي اعتمدت.

سأكون كاذبا إذا صرحت أنني أملك الفكرة التي سوف أجسدها، وحتى الموضوع. ولكني متأكد أنني سوف استمر في هذا النوع الذي أرى أنني أتمتع فيه وأُمتع، العمل القادم سيكون أيضا بدون فعل لفظي، وسيكون كوميديا مشبعة بالسحر والخيال. هذا وعد إن كان للعمر بقية.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــ

 

سأله محمد بوكراس لمجلة انزياحات الصادرة عن وزارة الثقافة


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock