المسرحي المغربي المهاجر “عبدالفتاح الديوري” يكتب: لقاء المسرح العربي في هانوفر.. شعاع الفن في أوروبا

المسرح نيوز ـ القاهرة | مقالات

ـ

عبدالفتاح الديوري*

  • مسرحي مغربي مقيم بألمانيا

يعدّ فضاء البافيون من أهم المراكز التفافية وأكبرها في ألمانيا. ففي سنة 1977 تم احتلال أحد المراكز التجارية وسط مدينة هانوفر لإقامة مركز ثقافي بديل في هده المدينة، وبعد ثلاثة أشهر من الحوار سمحت لهم المدينة باستغلال هدا المكان لمدة سنة. الآن وبعد مرور أزيد من أربعين سنة من النجاح الهائل الدي حققه، أصبح هذا المركز من أهم معالم هذه المدينة وهو رمز للتفافة البديلة في ألمانيا. يبرمج هذا المركز أزيد من ستة مائة عرض في السنة ما بين المسرح السينما والقراءة والمناقشات والمعارض، وفضاء المسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة.. بالإضافة إلى كونه يمثل لسان الثقافات الأخرى وصوتا للأجانب والأقليات والمهاجرين.

لقد بدأنا التفكير في البحث عن الطريقة الناجعة لخلق شروط اللقاء بين العروض المسرحية العربية والجمهور في أوروبا، وبعد تفكير عميق تبينتْ لنا صعوبة تحقيق ذلك، لهذا حصرنا هدفنا في الجمهور العربي في مرحلة أولى على أن نوسع الإطار لاحقا. توجه اهتمامنا إلى تحديد هوية وصفة هذه المناسبة التي تقدم فيها عروض مسرحية عربية في مسارح وقاعات بألمانيا أمام الجمهور. وبعد مشاورات واستحضار بعض التجارب، انتهى قرارنا على أن ننظم لقاء وليس مهرجانا. إن الأمر يتعلق الأمر بلقاء عفوي، إنساني، أخوي… لقاء بين الإنسان والأفكار والتجارب وتحديات العصر.. وهو في الوقت نفسه لقاء بين فضاءات متنوعة من الوطن العربي وثقافات محلية أو جهوية من هذا البلد العربي أو ذاك، بخصوصيات تجاربها.

إن التحولات التي يعرفها العالم شرقا وغربا شمالا وجنوبا أصبحت تفرض أن نبحث بكل الطرق والأدوات للتقريب بين الشعوب والثقافات والعمل على خلق شروط التفاعل بينهما بشكل إيجابي فنيا وإنسانيا في إطار من التآخي والمودة والمحبة من دون إقصاء أو تبخيس، في إطار من التسامح، مع قبول الآخر أيا كان لونه أو جنسه أو معتقده… من هذا المنطلق كان همنا هو التفكير في طريقة وصيغة لخلق حدث من شأنه توفير فرص اللقاء بين الجانبين في جو من التآخي والتفاعل والاحترام المتبادل.

نظرا لخصوصية هذا المشروع الثقافي، وأمام كل الإكراهات والتحديات المرتبطة بالتمويل، تم الاتفاق على أن ينظَّم هذا اللقاء مرة كل سنتين، وذلك حتى يتسنى للمنظمين القيام بما يلزم من اتصالات ولقاءات وتحضيرات بما فيها اختيار موضوع كل دورة انطلاق من المستجدات والأحداث التي يعرفها العالم، خاصة منها ما يرتبط بالعلاقة بين الغرب والشرق.

إن المنظمين يرغبون أن تكون لهذا اللقاء خصوصيته وتميزه عن باقي اللقاءات التي تنظم هنا وهناك. في هذا الإطار، جاءت محاور الدورتين السابقتين المنظمتين 2012 و2014 مرتبطة بما عرفه العالم من أحداث كان من الضروري التفاعل معها والمشاركة في النقاش حول مظاهرها والمساهمة في مقاربة إشكالياتها.

هكذا كان موضوع ما سمي “الربيع العربي” محورا للدورة الأولى، إذ تم اللقاء بين عدد من الفرق العربية والأوروبية، وقدمت عروض ونظمت لقاءات وورشات لفائدة الشباب الألماني، وتابعت وسائل الإعلام العربية والألمانية فقرات اللقاء، الشيء الذي ساعد على التعريف به ونشر أخباره.

أما اللقاء الثاني في عام 2014 فقد تم توجيه الاهتمام فيه إلى مكون أساسي من مكونات المجتمع العربي وهو المرأة، وذلك رغبة في إظهار واقع المرأة في الوطن العربي ليس فقط من خلال معاناتها ولكن أيضا من خلال ما حققته وتحققه من إنجازات للرفع من نمو مجتمعها، وأيضا للإشادة بالجهود التي تبذلها للتموقع كفاعل أساسي في التغيير وفي المساهمة في التحولات التي تعرفها المجتمعات العربية. وكانت هذه فرصة للتواصل مع الجمهور الألماني، ومن خلاله مع الجمهور الغربي، ومناسبة لهذا الأخير لمعرفة طموحات وهموم وتطلعات المرأة العربية في صورتها الحقيقية.

أما اللقاء الثالث فقد نظم في 2017، تحت عنوان “الملاذ”، وجاء انعكاسا لما يعرفه العالم من تحركات وتحولات إثر الأحداث والمآسي التي يعرفها الشرق العربي والتي كانت نتيجتها كل حركات التنقل والهجرة واللجوء وما واكب ذلك من مآسي القتل والتعذيب والغرق والتشرد التي مسّت الآلاف من العرب نساء وأطفالا ومسنين وعجزة…. كلهم كانوا يبحثون عن الخلاص أو الملاذ وهم يرمون أنفسهم في المجهول الذي لم يعرفوا ما كان يخبئه لهم. كان هذا اللقاء فرصة لمواصلة النقاش حول عدة قضايا تمس الفن والممارسة الإبداعية في الوطن العربي وخاصة في مجالات المسرح.

إن أهمية هذا المشروع الثقافي، خاصة في بعديه الثقافي والاستراتيجي، أعطاه انتشارا كبيرا في جميع بقاع العالم.. ونظرا لخصوصيته فقد أثار اهتمام الفنانين العرب في مختلف بقاع العالم.. كلهم يرغبون في المشاركة وفي الاستفادة من لقاء كهذا للاتصال بالفنانين العرب الآخرين للتنسيق في ما بينهم للمشاركة، كل في موقعه وكل في مجال إبداعه، في التعريف بالوطن العربي وبما يعرفه من تطور ونمو في كل المجالات، وأيضا للتعريف بالثقافة العربية في مختلف أوجهها.

ــــــــــــــــــــــ

المقال منشور في نشرة مهرجان المسرح العربي الورقية في دورته الـ 12 بعمان الأردن 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock