مقالات ودراسات

المسرح العُماني.. الى أين؟


هلال البادي

ـ

 

سيُكتبُ الشيء الكثير عن البدايات المحركة للعمل المسرحي في عمان، وسندخل في استذكار الحراك الذي قام به مسرح النادي الأهلي في السيتينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وكذلك سيكتب كثيرون عن الدور الكبير الذي قام به ممن تسنى لهم الاحتكاك التعليمي بممارسين للعمل المسرحي في المدارس والجامعات العربية في القاهرة وبغداد وبيروت، كما لن ينسى البعض الأدوار المهمة التي قام بها الموفدون لمهمة تدريس الطلاب العمانيين في المدارس السعيدية الثلاث التي أنشئت منذ أواسط القرن العشرين، وكانت بذرة لكثير من الأنشطة الثقافية والإبداعية، حيث شكلت تلك المدارس الثلاث نواة لما يمكن أن يشار إليه اليوم على أنه بدايات التنوير العمانية الحديثة، نظرا لما تجلبه المدرسة ـ والتعليم إجمالا ـ من تغيير أنماط الحياة، وإدخال عادات ومفاهيم جديدة وأساليب عيش مختلفة إلى حد كبير عما هو سائد من قبل، والمدرسة بمفهومها الحديث لابد أنها ستجلب كثيرا من التغيير لأي مجتمع كان يرزح تحت وطأة الجهل والتخلف وعدم القدرة على نيل المعرفة بشكل سليم.

لذا لا أجد مبررا لأن أعيد ما كتب الكثيرون في هذا السياق، ولما يستسهل كثيرون ترديده كونه معلومة مشاعة إلى حد كبير، معلومة عامة قد تكون متوفرة لمن يرغب في البحث عبر محركات البحث في الشبكة العنكبوتية الإنترنت، وبرغم أن الحديث عن المسرح في السلطنة لابد أن يرتبط بتلك البدايات؛ إلا أنه ليس من الضروري الآن أن نكثف ذلك الحديث، ونكرره مجددا، وكأنه هو الحدث المهم في سياق الحركة المسرحية العمانية.

في رأيي أن منطلق الحديث لابد أن يكون من السؤال، لماذا حتى الآن لم يتشكل وعي بأهمية المسرح في تشكيل قاعدة فنية في السلطنة؟ لماذا دائما نشتكي ضعف الاقبال على المسرح؟ ولماذا لا يوجد دعم له ولا بنية ملموسة برغم أن المدارس الثلاث باتت آلاف المدارس، والكليات، والمعاهد، والجامعات؟
برغم ذلك ما زلنا في المسرح نكاد نكون لا شيء مقارنة بالحركة المسرحية النشطة في أماكن قريبة منا في دول الجوار، برغم ما قد يحيط تلك الأماكن من عادات و»قوانين» قد تعيق أي حركة إبداعية «جمعية» كالمسرح.
علينا أن نعترف بأن هذا هو الحاصل اليوم، وبأننا لم نتقدم إلا خطوات بطيئة جدا في إنشاء حركة مسرحية حقيقية، مقارنة بما لدينا من إمكانات إبداعية ومناخ ثقافي تعددي وحب للإبداع وعدم ضغط من قبل ما يمكن أن يندرج تحت مسميات «عادات وتقاليد».
علينا أن نسمي الأسماء بمسمياتها، ونقول بأن المسرح الذي هو جزء من الثقافة، لا وجود له، إلا في التسميات والتواريخ والأحاديث المكرورة دائما.
كان لدينا في يوم مسرح للشباب، أين هو اليوم؟
كان لدينا عمل أكاديمي للمسرح، ماذا حل به اليوم؟
كان لدينا نشاط مسرحي ـ ليس دائما لكنه موجود ـ إلى أين ذهب اليوم؟

السؤال مشروع، والسؤال هو الذي سيحرك عجلة الزمن من أجل إيجاد وصلة تصلنا بالماضي الذي نردده: مسرح النادي الأهلي، مسرح الشباب، مسرح جامعة السلطان قابوس، مسرح الأندية، مسرح الفرق الأهلية، المسرح المدرسي…
هل انشغالنا اليوم بإسراع حركة عجلة التنمية يجعلنا نتخلى عن الثقافة؟ والمسرح جزء أصيل في هذه الثقافة؟ أم أننا تعبنا من ترديد المقولات ذاتها التي توصف الحالة الثقافية في السلطنة، وبتنا غير مستعدين لمواصلة ترديدها اليوم؟ وهل الثقافة «شيء» هامشي يمكن لأي أحد أن يقرر في لحظة ما أن يتخلى عنه؟ أن يمضي في حياته دون وجود هذه الثقافة في حياته؟ إنها «أشياء لا تشترى» كما يقول الشاعر أمل دنقل في قصيدته المشهورة.

مع ذلك، وعطفا على أن ما سبق ما هو إلا تقدمة صغيرة رأيت أن من الضروري جدا البدء بها في الكتابة عن الحالة المسرحية في السلطنة، مع ذلك إلا أن ثمة ما يمكن أن يشار إليه بكثير من الحب والفرح، بكثير من الغبطة والسرور، ذلك أنه يحاول أن يفتح كوة ضوء في مسار يبدو مظلما، ويشعل شمعة دون أن يلعن الظلام، أو في أثناء لعنه لذلك الظلام يؤكد أن الشمعة لابد أن يشعلها أحدهم، وها هو يبادر.

من هنا أشير إلى أن تجارب، فردية وجماعية، ما تزال تحاول رغم توقف حركة دوران عجلة الثقافة والمسرح سواء بسواء، وهذه التجارب تتمثل في اشتغالات الفرق الفنية وعلى رأسها فرقة الدن للثقافة والفن التي وخلال مهرجانين مسرحيين عمانيين تحقق المطلوب وتفوز بجائزة أفضل عرض مسرحي مع جوائز أخرى لم تذهب إلا إليها.

وتجربة مسرح جماعة المسرح الجامعية، التي ما تزال تحاول أن تعوض غياب قسم الفنون المسرحية بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية في جامعة السلطان قابوس الذي أغلق منذ أكثر من عشر سنين، وكان بحد ذاته منتجا سنويا للعروض المسرحية النوعية التي من شأنها إثراء الحركة المسرحية في السلطنة، ومنذ إغلاقه فقدنا جزءا مهما في هذه الحركة المسرحية، التي للأسف الشديد خسرت عنصرا فاعلا آخر عندما توقف نشاط مسرح الشباب الذي كان مواظبا على تقديم عروض مسرحية تقام في عدة مدن عمانية وليست مسقط فحسب، وقد توقف الجهدان في وقت متقارب تقريبا، علما بأن مسرح الشباب في الآونة الأخيرة بدأ ينفض الغبار عن كاهله، ويعيد تقديم عروض مسرحية، لكنه يحتاج للكثير ليعود إلى سابق عهده، وربما إعادة مهرجان مسارح الشباب إلى حيز الوجود مجددا قد يعيد جزءا من بريق مفقود.

كما أن هناك تجارب فردية تستحق الإشادة، وتستحق النظر، هي تجارب الكتابة، كتابة نص مسرحي مغاير، ليس محليا، بل عربيا أيضا، وهي تجارب على قلتها تسترعي الانتباه والدراسة، كتجربة آمنة الربيع أو حمود الجابري أو بدر الحمداني، والتجربة الأخيرة هي من سأتحدث عنها لقربي منها ومعرفتي بصاحبها بشكل كبير.
تجربة الفرق المسرحية الأهلية:

منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين بدأت تظهر الفرق الأهلية المسرحية تسعى إلى الاشتغال على المسرح وتقديم عروض مسرحية متعددة، كفرقة الصحوة الأهلية، التي تعد أولى الفرق المسرحية الأهلية التي تم إشهارها في السلطنة، وكان على رأس مؤسسيها شخصية مسرحية مهمة في تاريخ المسرح في عمان، هي خليفة بن عثمان البلوشي.

ومنذ ذلك الإشهار توالت الفرق المسرحية العمانية في الظهور حتى بات مسجلا لدى جهة الاختصاص (وزارة التراث والثقافة) أكثر من ثلاثين فرقة مسجلة رسميا، بعضها يمكن الإشارة إلى إنتاجها الوفير والمتواصل كفرقة صلالة الأهلية المسرحية، وكفرقة الرستاق الأهلية المسرحية، أو فرقة مزون المسرحية، إضافة إلى فرقة الدن للثقافة والفن، وهذه الفرق التي ذكرت هي التي ما تزال مواظبة على الانتاج المسرحي، غير ناظرة إلى مسألة الدعم، بل إنها تسعى إلى إيجاد دعم خاص لها بوسائلها الخاصة.
هناك بطبيعة الحال تجارب أخرى تذكر، كتجربة مسرح فناني مجان، هذه الفرقة المخضرمة التي ضمت في تأسيسها أسماء الصف الأول من الفنانين العمانيين، غير أنها باتت مجرد اسم يذكر في التواريخ فحسب، وهناك تجربة فرقة مسرح مسقط الحر، التي اقترنت بدايات انطلاقها بالكاتبة المبدعة آمنة الربيع، وباسم المخرج جاسم البطاشي، فكان لهم حذاء السبق في أول مهرجان مسرحي عماني تنظمه وزارة التراث والثقافة عندما فازوا بجائزة أفضل عرض مسرحي عام 2004م عن مسرحية «منتهى الحب، منتهى القسوة» بتوقيع الكاتبة آمنة الربيع، لكن نَفَسَ البدايات لدى هذه الفرقة غير نفسها اليوم، حيث باتت عروضها مرتبطة بمهرجان المسرح العماني الذي يقام كل عامين، حالها حال فرق أخرى كفرقة فكر وفن لمؤسسها بدر الحمداني، التي شاركت في ثلاث دورات من مهرجان المسرح العماني وكان لها حضورها على منصة التتويج؛ إلا أنها ظلت غائبة لا تحضر إلا في هذا المهرجان، الذي تغيبت عن آخر دورتين له.

لقد شكلت تلك الأوقات التي ظهرت فيها هذه الفرق بالذات؛ عصرا يمكن أن نطلق عليه العصر الذهبي لهذه الفرق، حيث كان لفرقة الصحوة حضورها الكبير كتأسيس حقيقي لما تنتجه الفرق المسرحية، كما كان لفرقة فناني مجان الدور الريادي ذاته في تلك الأيام، أما فرقة مسرح مسقط الحر فقد أرادت أن تخرج عن إطار ما كان يقدم، أن تأتي بجديد في الأعمال المسرحية، فظهرت أعمال مغايرة لما كانت تقدمه الفرق الأخرى الناشئة في ذلك الوقت، أعمال تبتعد عن اللغة المسرحية السائدة في تلك الأيام، أعمال تعتني بالمحتوى الفني وتسعى إلى تقديم فرجة مسرحية إبداعية متكاملة، وبطبيعة الحال فإن هذا الكلام لا يعني على الإطلاق أن العروض التي قدمتها فرقة الصحوة المسرحية ـ مثلا ـ كانت تنحى منحى الأعمال المسرحية «الاجتماعية» كما يسميها البعض، والتي عادة ما كانت تتشح بأسلوب سهل وإخراج فني يزجي الحال ولا يلتفت كثيرا إلى الفنيات التي تشاهد في الأعمال التي عادة ما تقدم في العروض المهرجانية، بل إن هذه الفرقة (الصحوة) قدمت في ذلك الوقت أيضا أعمالا تناقش قضايا مختلفة، وتستقي موضوعاتها من التاريخ والشعر والسياسة، وتحاول أن تقترب من الأعمال التي كتبها على سبيل المثال الكاتب المسرحي سعد الله ونوس.
وربما فورة الشباب لدى المخرج النشط حينها «جاسم البطاشي» هي ما جعلنا نشاهد تلك العروض، كما أن دراسته الأكاديمية للمسرح جعل من عروضه تختلف أكثر عما كان يقدم حينها في مسقط والسلطنة، إلا أن جاسم البطاشي مخرج مسرحي له حضور توقف فجأة، وتلك الثنائية التي تشكلت بينه وبين الكاتبة آمنة الربيع أيضا توقفت، وذلك عقب مهرجان المسرح العماني الأول، وسيلاحظ على جاسم وفرقة مسقط الحر انحسار حضورهم إلا في مهرجان المسرح العماني غالبا، وبطبيعة الحال دون حضور آمنة الربيع مؤلفة في عروض هذه الفرقة.

وفي الوقت الذي انحسرت فيه العروض المسرحية التي تقدمها هذه الفرق آنفة الذكر، بدأت تشتهر فرقة مسرحية جديدة هي فرقة صلالة المسرحية، التي ما زالت مستمرة في إنتاجها المسرحي، مع فرق مجاورة لها ـ ظفار الأهلية ـ ولعل السبب في الاستمرارية هو أن البيئة ساعدت على أن يكون للمسرح حضور كبير، فهذه الفرق وفرق أخرى ولدت في محافظة ظفار وجدت لنفسها مناخا يساعد على الانتاج دون انتظار مهرجان المسرح العماني الذي يطل كل عامين، كما أنها والفرقة الأخرى، ظفار الأهلية، وبعد أن أوجدتا لهما جماهيرية وحضورا؛ انطلقتا لتقديم عروض مسرحية خارج السلطنة، بل أن تحقق جوائز مسرحية مهمة في المهرجانات التي شاركت فيها، كما حدث مع فرقة ظفار المسرحية.

يمكن تمييز الخط المسرحي الخاص بفرقة صلالة المسرحية، على أنه خط لا يكتفي بتقديم عروض جماهيرية تناقش قضايا اجتماعية متنوعة، بل سعت إلى تقديم أعمال مسرحية تستوحي تاريخ وتراث محافظة ظفار، ولعل وجود الكاتب والمخرج عماد الشنفري في هذه الفرقة ساهم في تشكيل هذا الخط المسرحي.

في جو مماثل نشأت فرقة مسرحية أخرى هي فرقة الدن للثقافة والدن، حيث الاعتماد على القاعدة الجماهيرية والحضور الشعبي بالدرجة الأولى، ثم في مرحلة لاحقة الاعتماد على دماء شابة محبة للمسرح، سعت إلى أن تصقل قدراتها الفنية، حتى تهيأ لها هذا الأمر وبدأت في الحضور بمهرجان المسرح العماني بل في تحقيق جوائزه اعتبارا من الدورة الرابعة.
إن تجربة مسرح الدن هي تجربة حيوية، نظرا لأمرين أساسيين: الأول، مرتبط بوجود هذه الفرقة في قرية من قرى ولاية سمائل مما شكل لها جمهورا خاصا، والثاني، مرتبط بالدماء الشابة التي لم يعقها تهاوي المسرح في السلطنة، وتراجع الأسماء والفرق التي كان لها الحضور الكبير في تلك الأيام.
جماعة المسرح في جامعة السلطان قابوس:
كثير من شباب هذه الفرقة هم في الأساس طلاب في الكليات التطبيقية التابعة لوزارة التعليم العالي التي تقيم سنويا مهرجانا مسرحيا لهذه الكليات التطبيقية، وفي جامعة السلطان قابوس أو على وجه الدقة جماعة المسرح في هذه الجامعة.
وهنا ينبغي القول بأن لهذه الجماعة الطلابية دورا كبيرا في الإبقاء على الحركة المسرحية الجامعية متقدة بعدما أغلق قسم الفنون المسرحية، بل إن مخرجات هذه الجماعة تبدو لي أكثر استمرارية من مخرجات القسم آنف الذكر، تلك المخرجات التي تزودت بالمعرفة الأكاديمية النظرية والتطبيقية.

هذا الدور الذي تقوم به جماعة المسرح الجامعية ربما لم يكن بذلك الحضور الكبير لولا وجود المخرجة المسرحية رحيمة الجابرية مشرفة على هذه الجماعة، وهي إحدى خريجات قسم الفنون المسرحية وتتلمذت على يد الأكاديمي والمخرج هاني مطاوع الذي قدم أعمالا مسرحية مهمة عندما كان يترأس قسم الفنون المسرحية، والذي برحيله توقف قسم الفنون المسرحية.
أيضا فإن وجود مهرجانين مسرحيين خاصين بهذه الجماعة، المهرجان الأول هو المهرجان المسرحي الجامعي، والمهرجان الثاني خصص للمونودراما، أسهم في تشكيل أفق الطلاب الممارسين للعمل المسرحي، إذ أتاح لهم التجريب والتفكير بفضاءات المسرح عبر التطبيق وليس من خلال النظرية، كل في مجاله، تأليفا وإخراجا وسينوغرافيا وغيرها، بل إن ما يميز هذه التجربة في الوقت الراهن هو التشارك بين هؤلاء المسرحيين، تجد أحدهم مؤلفا لنص أحد العروض، فيما يقوم بدور المخرج أو مصمم الديكور والسينوغرافيا في عرض آخر، كل واحد منهم كان يحاول تقديم طاقة إبداعية متعددة، والأهم تقديم عرض مسرحي ممتع.
ويمكن الإشارة هنا إلى أهم الأسماء التي بمجرد خروجها من الجامعة؛ انضمت إلى فرق مسرحية في مقدمتها فرقة الدن للثقافة والفن (كثير من أعضاء هذه الجماعة هم أعضاء في فرقة تواصل المسرحية التي تأسست مؤخرا) ومن تلك الأسماء: محمد الهنائي، جلال عبد الكريم، قاسم الريامي، طاهر الحراصي، خليل البلوشي، أحمد السيباني.
وقد قدم هؤلاء وآخرون سبقوهم عروضا مسرحية لم تكن معنية بشكل كبير بالمطروح خارج أسوار الجامعة، وما أقصده هنا أنها كانت تقدم عروضا فنية ذات أطروحات مغايرة، فلم يعد الشأن الاجتماعي هو أساس التجربة المسرحية هنا، وحتى في حال طرحه؛ كان يطرح بشكل مختلف يبتعد عن سياقات الخطابية الوعظية والمباشرة، بل يقدم أشكالا متعددة ومدارس متعددة، والأهم تقديم تلك العروض ضمن لوحة إبداعية متكاملة.
تجربة النص المسرحي في عمان:

من تلك العروض النوعية التي قدمت في جماعة المسرح ما كان بدر الحمداني يقدمه، وبدر الحمداني الذي أنشأ حال تخرجه في كلية التجارة والاقتصاد (كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حاليا) فرقة مسرحية هي فرقة فكر وفن، التي عرجنا عليها آنفا، وكان لها حضورها الملفت كما أسلفنا، هو كاتب وممثل (ومخرج أيام كان طالبا في جامعة السلطان قابوس) هو اليوم اسم مهم في الحركة المسرحية العمانية، بل أحد الأسماء القليلة التي تكتب النص المسرحي وفق رؤية إبداعية عالية، وكتاب المسرح في السلطنة هم قلة في واقع الأمر، بل إن عدد النصوص المطبوعة في هيئة كتاب تكاد تكون منعدمة، باستثناء ما نشرته وتنشره الكاتبة آمنة الربيع، أو ما نشره وينشره كاتب هذا المقال.

أنتج بدر الحمداني خطا خاصا به في الكتابة المسرحية، فأعماله التي قدمت على المنصة المسرحية أو التي تسنى لها الطباعة، كما هو الحال مع نصه «مواء القطة» المطبوع مع مجلة نزوى، تحاول الغوص في الأفكار والقضايا الكبرى التي عادة ما تطرح تساؤلات معقدة تغوص عميقا في تلك القضايا، وتطرح مستويات متعددة لقراءة العمل، وكثيرا لا تقترح الحلول، بل تترك القارئ/ المتفرج يطرح التساؤلات عقب الانتهاء من النص/ العرض
وغالبا ما طرحت نصوص بدر الحمداني شخصيات مكبوتة تعاني إشكاليات الوجود والهزيمة والضعف، كما هو الحال مع نصه «مواء القطة» أو «بذور عباد الشمس» (صدر عن مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة ضمن كتاب «بذور الحارة السفلى») أو التيه النفسي والوجودي كما هو الحال مع نصه «رحلة الألف ميل»

كما أنها نصوص تسائل الخطابات الدينية والشعبوية ويمكن القول أيضا بأنها نصوص تتخذ موقفا حادا من تلك الخطابات، التي تحاول السيطرة والتأسيس لسيادة يمكن أن تتلون كي تصل إليها وفق مقتضى الحال والموقف الذي توضع فيه، كما نرى في نصوص «زفت الطين» و«فكرة» و«العيد» (حاز هذا النص على جائزة الهيئة العربية للمسرح في الدورة الأخيرة 2014)
ذلك من ناحية الأطروحات الفكرية التي يمكن رصدها في هذه التجربة، لكن أيضا يمكن مشاهدة أن تلك النصوص بمقدار ما هي نصوص حية قابلة للحضور على الخشبة؛ فإنها نصوص حية تقرأ كنصوص أدبية سلسة، وهذه ميزة تحسب لنصوص بدر الحمداني، كما تحسب أيضا لنصوص آمنة الربيع، وقلما توجد هذه النصوص التي تكتب على أساس أنها نص أدبي مستقل.
ولعل هذا الأمر يرجع إلى اللغة الشعرية التي يطعم بها بدر الحمداني نصوصه، لغة حيوية وحية وقادرة على التوغل إلى الأعماق، كما هو الحال مع القصيدة الشعرية المفعمة بالجماليات والصور والبديعيات.

هذا الأمر لم يخلّ بالنص المسرحي ككيان قابل للتطبيق على الخشبة، بل إن ممارسة بدر الحمداني للتمثيل مكنته من نصه المسرحي الأدبي، وجعلته أكثر حيوية وقدرة على جعله حيا في الخشبة دون عناء كبير في إعداد النص، بل في أحيان كثيرة سيبدو ذلك الإعداد إن لم يكن متمكنا، انتهاكا للنص وجمالياته وحيوته.
لقد مارس بدر الحمداني مع الكتابة الإبداعية التمثيل والإخراج أيضا، فكان ممثلا بارعا ورشيقا، أوجد لنفسه حياة إضافية فوق الحيوات التي اكتسبها من خلال كتابة النص المسرحي.

وبطبيعة الحال فإن تجربة النص المسرحي في عمان برغم محدوديتها، تبدو ثرية ومتنوعة، فإضافة إلى بدر الحمداني وآمنة الربيع كاتبين بارزين ولهما نهجهما الواضح في الكتابة ومسارهما الذي يشي بثيمتهما الإبداعية الخاصة؛ هناك كتاب آخرون كعماد الشنفري الذي فاز مؤخرا بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عن فرع الآداب، وهناك الدكتور عبد الكريم جواد، وحمود الجابري ومحمد الهنائي ومالك المسلماني ومحمد الرحبي وعبدالله البطاشي ممن يمكن لتجاربهم أن تثري تجربة النص المسرحي في السلطنة، ولكن ما يعاب على أغلب هذه الأسماء أنها ما تزال تهمل الجانب التوثيقي المتمثل في نشر إبداعاتهم وتجاربهم الكتابية في هيئة كتب، وهذا أمر ينبغي عليهم أن ينظروا إليه ليس من جانب التوثيق فحسب، بل من جانب إثراء التجربة المسرحية في السلطنة، إذ كلما تعددت التجارب والرؤى، كلما ازداد المسرح في عمان ثراء، واستطعنا أن نشكل حالة مسرحية ولو على الورق فحسب.

خلاصة هذا الحديث هو أن المسرح العماني يحتاج إلى كثير من العمل، كثير من نفض الغبار عنه، كي يحيا وينمو وتصبح له روح خالصة به توازي ما أنتجته البدايات من أحلام مشبعة بالآمال العريضة، وبداية نفض الغبار هذا بإنشاء مسرح وطني وفروع متعددة له في المحافظات والمدن الرئيسية على الأقل، مسرح قادر على استقطاب المواهب والكفاءات وإعطائها الفرصة في تقديم أعمال مسرحية لا ترتبط بمهرجان بذاته يقام كل عامين، ويكفينا ما أهدرنا حتى الآن، وعدم الايمان بأن المسرح جزء أصيل من الثقافة، وبأننا بلا ثقافة لا روح حقيقية لنا.
———————-
مجلة نزوى


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock