المغربي د. عبد العالي السراج يكتب: النقد المسرحي أمام سلطة العلامات في التجريب المسرحي

المسرح نيوز ـ مقالات ودراسات

د عبد العالي السراج*

المغرب

اتخذ التجريب في المسرح العربي معانيه داخل الكتابة الدرامية، و تحقق بفعل مساهمة الكتاب أولا، و بالرجوع إلى دور المخرجين في هذا المجال، سنجد أن التجريب في العرض المسرحي، كان دافعا حقيقيا و محفزا قويا على إعادة النظر في وسائل إنتاج الفرجة، و إعادة النظر في الفضاءات المسرحية، و في سينوغرافيا العرض، و في مسرحة الجسد، مما أفضى بالمسرح إلى الدخول-بفضل هذا التجريب إلى أزمنة جديدة في الإبداع المسرحي، لا تهتم بالمستوى الأدبي وبالمكونات الأدبية للمسرح، و لكنها تجعل هذا الأدب، يدخل إلى مدارات الفنون السمعية و البصرية، اعتمادا على وسائط و وسائل فنية و تقنية، توصل دلالات العرض إلى المتلقي بلغة جديدة، ليست هي اللغة المنطوقة، و لكن هي لغة العلامات و الإشارات.

هذه الإختيارات الجديدة، جعلت النزوع إلى ما هو تجريبي يقلب المعادلة الإبداعية و التواصلية، و جعل طغيان لغة الجسد، و التشكيل الفني في فضاء المسرح العربي، أساس تجريب قلص من دور الكلمة المنطوقة في العرض، و قلص حضور الحوار أو إزالته نهائيا، و كلها خوصيات لمسرح الصورة في الغرب، الذي صار هو الدال على مدلول العرض، و الدال على ما وصل إليه هذا المسرح من مستويات في التجريب.

مثل هذا الجريان وراء بريق العرض، دون حضور النص الأدبي الدرامي المكتوب –في أكثر من تجربة مسرحية عربية- جعل المبدعين المسرحيين يعتبرون أن التخلي عن النص يعد تنازلا واضحا عن أحد مقومات الكينونة المسرحية العربية، و هو ما دفع بهـم إلى الدفاع عن أدبيـة المسرح و دراميتـه، يقول د.عبد الكريم برشيد مشددا على ضرورة التمسك بالنص المسرحي (إن النص هو ذاكرة العروض، و هو لا وعيها و هو مستقبلها الذي تسعى إليه، و ما تاريخ المسرح إلا تاريخ هذا النص مؤسسا …النص الذي يتجدد بتجدد العروض، و يغتنى بغنى المبدعين المتواطئين معه، إن المسرح أبو الفنون و اغتيال النص فيه لا يمكن أن يكون له غير معنى واحد هو قتل الأدب)(1) و يقول في موضع آخر : (إن النص المسرحي ذاكرة مستقبلية، و هو بذرة حيوية و أساسية و ذلك في مجال الزراعة المسرحية، و إن إغتيال البذرة –النص- هو اغتيال للزراعة كلها، و مصادرة لمستقبلها و لتاريخها الذي لا يمكن أن يتأسس إلا بالكلمة و في الكلمة)(2)، و يرى د.محمد الكغاط (أن النص المسرحي العربي، الذي مضى على ولادته أقل من قرن و نصف، ما يزال يبحث عن نفسه، و أعتقد أنه من التعسف، أن ندعو إلى اللقاء النص المسرحي، و نحن لم نعثر عليه بعد)(3).

إلى جانب هذه الدعوات التي اطلقها المبدعون المسرحيون العرب لرد الإعتبار للنص، و ذلك بالدعوة إلى التمسك بقيمه الأدبية، و بلغته التي هي لغة المسرح و كلماته، و وسيلته في تأدية معاني وأفكار النص انضم كثير من النقاد بأصواتهم إلى الأراء السابقة، مؤكدين ضرورة العودة إلى النص باعتباره المنطلق والأساس، يقول عبد الفتاح قلعة جي (هناك أمر أساسي أو من به، هو أن الكلمة –النص- هي دائما المنطلق، بالرغم من وجود اتجاهات حديثة في التجريب تميل إلى إلغاء دور الكلمة، و استبدالها  بلغة الجسد)(4)، و يرى فتحي العشيري أن (أزمة التجريب هي في ابتعاده عن المسرح بمفهومه الدرامي، فكما هو معروف أن المسرح يعتمد بشكل أساسي على النص، و أنه لا تنازل عن النص في المسرح)(5).

و لا يختلف د.عبد الرحمن بن زيدان عن الأراء السابقة، إذ يقول : (في الثقافة المسرحية الحديثة، نجد أكثر من مخرج يشتغل على جسد الممثل، لكن هذا النوع من المسرح جزء من المسرح و ليس هو المسرح كله، لأن الذي يبقى ليس هو العرض المسرحي المعتمد على الجسد، و لكن النص الدرامي. إن تأسيس المسرح العربي، يتم انطلاقا من الكتابة الأدبية الدرامية أولا، ثم بعد ذلك يأتي المخرج ليبدع بالجسد أو بجميع التقنيات المتوافرة، نحن نعرف نجيب سرور وشكسبير لا بالعروض التي اخرجها كلاهما، و إنما بالنصوص المسرحية، إن إلغاء النص مسألة فيها نظر و أكثر من نظر)(6) من هذه القناعات، يقول عبد الرحمن بن زيدان :(يجيء تشبثي بالنص المسرحي العربي المكتوب، لأنه نص يكرس الحوار المفقودفي الواقع العربي)(7).

أمام تعدد الأراء و المواقف، حول خلفيات التجريب و وظافئه و موقع النص في هذا التجريبي نقول إن التجريب الحقيقي في المسرح العربي، لا يكمن في تطوير العرض المسرحي و ذلك في انفصاله عن النص الدرامي، و لا هو تطوير هذا النص منفصلا عن العرض المتكرر و المتجدد، إن الفعل الأهم، هو الجمع بين التجربتين معا، أي الجمع الذي يوحد بين ما هو أدبي في النص المكتوب باللغة، وبين ما هو فني في العرض المكتوب بالعلامات، عند هذا الحد سيتخلى التجريب المسرحي عن أجزاء كثيرة من أسلوبه التخريبي المتمرد، ليتحول إلى استراتيجية حقيقية تستجيب لخصوصية الوطن العربي، الذي ما زال بحاجة كبيرة إلى قوة الكلمة/النص.

 الهوامش:

(1)– د. عبد الكريم برشيد :”العلاقة بين المسرح و المسرح…قطيعة أم تكامل” جريدة العلم –العلم الثقافي- السنة 33 السبت 4 ماي 2006

(2)– د.عبد الكريم برشيد :”تيارات المسرح العربي من النشوءإلى الارتقاء” [م.س.ذ]. ص:412.

(3)– مجدي فرج :”محاورات في التجريب المسرحي” حوار مع الفريد فرج –المجلس الأعلى للثقافة. س 1998 ص : 18.

4– عبد الفتاح فلعة جي : “نصوص من المسرح التجريبي الحديث”

http://www.awu-dam.org/book01/dramas 01/235-air/book01-droo1.htm.

(5) – فتحي العشري : ندوة “أزمة المناهج النقدية “متابعة ماهر زهدي مجلة المسرح التجريبي – مهرجان القاهرة الدولي الخامس ع:7. 7 سبتمبر 1993 ص : 12.

(6)-د. عبد الرحمن بن زيدان : “التقنية لا تلغي  أهمية النص” حوار أجراه السباعي السيد جريدة الشرق الأوسط ع : 5463-11/12/1993.

(7)– د. عبد الرحمن بن زيدان : “حول رهانات المسرح العربي و اكراهات التحولات العالمية “حوار أجراه د.فاضل السوداني [م.س.ذ].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock