مقالات ودراسات

الناقد أحمد بلخيري يكتب: العرض المسرحي “سفراء الجنة”.. رسائل الأبناء السفراء .. بلا أجوبة!

مقاربات نقدية للدورة السادسة من مهرجان بلد الصمود الدولي بالعراق 2020


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

أحمد بلخيري

 

بداية، اسمحوا لي أن أشكركم على تفضلكم بتسميتي عضوا في لجنة النقد للدورة السادسة لمهرجان بلد الصمود الدولي الذي كان افتتاحه قبل قليل، والذي ستعرض فيه مسرحيات عديدة. من هذه المسرحيات مسرحية “سفراء الجنة” التي هي من إخراج الدكتورة ميادة الباجلاني.
استغرقت المدة الزمنية لهذا العرض المسرحي نحو عشر دقائق تقريبا. هذه الدقائق العشر، زمن العرض، هي بمقياس الزمن العادي قليلة. ولكنها بمقياس الإبداع المسرحي، في العرض المسرحي “سفراء الجنة”، لا تقاس بالسنوات والعقود، بل بالقرون كما سيتضح لاحقا.
أول ما قرأت عنوان المسرحية قبل مشاهدتها، توقفت عند العنوان: “سفراء الجنة”. ليس سفراء إلى الجنة، بل سفراء الجنة ، أي أن هؤلاء السفراء قادمون من العالم الآخر، عالم الفردوس، إلى هذا العالم. لكن ما هي رسالة هؤلاء السفراء بالتحديد؟ لا يقدم العنوان جوابا بطبيعة الحال. الجواب موجود في العرض المسرحي.
ولئن كان الحوار المسرحي في المسرحية بين أم وطيف ابنتها، والطيف خيال ومتخيل، فإنه يمكن تفسير صوت هذه الابنة بكونه يختزل صوت كل الأبناء. سبب هذا التفسير هو صيغة “سفراء” التي هي صيغة جمع وليست صيغة مفرد، والمفترض هو أن الابنة تتكلم باسم هؤلاء السفراء. كما أن صوت الأم يختزل صوت المرأة العراقية المكافحة من أجل وطنها. يلتقي الصوتان معا، صوت الأم وصوت ابنتها، في شدة التعلق بالوطن واسترخاص النفس من أجل حريته، وكرامته، ودفع شر الإرهاب عنه.
منذ المشهد الأول في المسرحية، نلاحظ وجود الأم و الطفلة الرضيعة ولوازم الطفولة كالألعاب. تَركَّز عالم الطفولة من خلال الأطفال ونظراتهم. بعد هذا كان اللقاء بين الأم وطيف ابنتها. كلمة الطيف تعني أنها ليست موجودة وجودا جسديا حقيقيا، لأنها موجودة في الجنة. والأطفال، رمز البراءة، ضحايا الإرهاب لا يكونون إلا في الجنة. لكن الطفلة التي كامن رضيعة في المشهد الأول، لم تعد كذلك وهي تحاور أمها. وكان لافتا هنا ارتداء البنت للباس أبيض، بينما ارتدت الأم لباسا أسود. هل يمكن تأويل ثنائية اللباس هذه، في سياق العرض المسرحي، بواقع الأم الأسود، الذي كان سببا في سواده الإرهاب الأعمى، ومأوى الابنة حيث توجد: الجنة؟.
كانت أسئلة الابنة، أو بالأحرى طيف الابنة، أسئلة حارقة تدل، في العمق، على تشبت مكين بالوطن/العراق وبالروح الوطنية :” هل بيعت دماؤنا بثمن بخس؟”. ورغم مكابدة الأم وآلامها بسبب الإرهاب، فإنها، مع ذلك، تتشبت بالأمل “والنصر القريب”.
كان الفضاء الذي جرى فيه الحوار بين الأم وطيف لابنتها فضاء داخليا. لكن العرض المسرحي استعمل فضاءات خارجية: فضاء المدينة (الشارع الرئيسي نهارا)، والنهر، والفضاء حيث حلقت الطائرة. كما ذُكر فضاءان آخران هما بغداد والبصرة في سياق الحوار المسرحي. ولأن مضمون الحوار المسرحي في المسرحية يتعلق بالعراق، وما حل به من إرهاب على يد عصابات إجرامية تدعي الإسلام، فقد كان هناك ما يدل على الحرب ضد هذا الإرهاب. العلامات الدالة على تلك الحرب، في المسرحية، هي الوسائل الحربية المستعملة مثل الدبابات والقنابل وغيرها. ومن العلامات أيضا، بطبيعة الحال، الجنود ولباسهم المميز وميادين القتال.
إن “ميادة” الأم عبرت عن عدم نسيان ابنتها. في عدم النسيان تعلق شديد بالابنة، ومن خلالها بالوطن حيث كان للعلم العراقي، الموحد لكل العراقيين، ورمز الروح الوطنية. في سياق هذه الروح الوطنية، كان ذكر محمود درويش ومحمد مهدي الجواهري…كما عبرت عنها الأم “ميادة” بإعرابها عن شوقها “إلى الموت من أجل الحق”. والحق في سياق المسرحية هو القضاء على الإرهاب صيانة وحماية للوطن.
سبقت الإشارة إلى مدة زمن العرض القصيرة. لكن الزمن في المسرحية يشمل الماضي والحاضر والمستقبل. ماضي العراق المجيد، وقد أكدت علية الابنة، وحاضره، ومستقبله المنشود. ولئن كانت أسئلة الابنة يفوح منها العتاب، فإن الأم لا تؤمن بالفشل والانكسار، بل تؤمن ب”النصر القريب”. هناك إذن أمل لأن الشعوب لا تُقهر.
هكذا قدمت لنا مسرحية “سفراء الجنة” بشكل شديد الكثافة والإبداع، ملحمة شعب هو الشعب العراقي المتمسك بوحدته
الوطنية، واستقلاله، وصموده البطولي أمام الإرهاب الأعمى الذي لا يرحم حتى الأطفال.
هؤلاء الأطفال، سفراء الجنة، لهم رسالة محددة، هي ضرورة الدفاع عن الوطن واسترخاص الغالي والنفيس من أجل حريته. كان تمرير هذه الرسالة عبر الابنة التي هي، في المسرحية، مفرد في صيغة الجمع.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock