الناقد العراقي “مهدي الوزني يكتب عن العرض العماني “العريش” رمزية النص وحركية العرض!

المسرح نيوز ـ العراق | مهدي هندو الوزني *

*ناقد عراقي

ـ

دائما” ما يتناغم قطبي العمل المسرحي الأدبي والفني وأقصد بهما النص والعرض لتقديم متعة جمالية للمتلقي على طبق من ذهب ، من خلال العديد من العناصر الجمالية على يد مايسترو النص وهو المؤلف المسرحي ومياسترو العرض وهو المخرج المسرحي .

 

وفي مسرحية العريش كان هذا التناغم الجمالي . النص : من أهم الخصائص الفنية التي تتميز بها النصوص الأدبية عامة والنصوص المسرحية خاصة هو الرمز لما يقدمه من دلالات تساعد المتلقي في قراءة مفتوحة تحايثها عملية ديلاكتيكية تأويلية بفعل هذه الجدلية بين المتلقي والنص ، ومن خلال الرمز الذي يتشكل في الحوار الدرامي كاشفا” ثيمات النص من خلال شخصيات العرض المسرحي ، ومن خلال المحمولات الدلالية للرمز التي تتضمن أبعاد فلسفية وفكرية وجمالية ، جعلت كتاب المسرح يسعون لتضمين نصوصهم الرمز في محاولة لإشراك المتلقي في استكشاف المعاني المتخفية في ثنايا النص والوصول بعد ذلك إلى المتعة الجمالية .

 

ونص مسرحية العريش لمؤلفه ( موسى البلوشي ) الذي إستفادة من الرمز في إضفاء جمالية سحرية من خلال تفعيله في ثنايا النص بدء” من عنوان النص ، وكما هو معروف من أنالعنوان هو النص الثاني أو العتبة الموازية التي تحمل منظومة فكرية مختزلة لفضاء النص الداخلي وهو مفتاح المتلقي في ولوج عوالم النص واستكشاف خباياه وجمالياته ، عنوان النص هو ( العريش )

 

الناقد العراقي "مهدي الوزني"
الناقد العراقي “مهدي الوزني”

 

 

والعريش كما هو موضح في فولدر العرض المسرحي ، هو البيت المصنوع من سعف النخيل ، وهذه هي الوظيفة السسيولوجية لهذه الكلمة ، لكن الكاتب ( موسى البلوشي ) قد حدد وظيفة رمزية لهذه الكلمة ، ربما يكون العريش السجن النفسي لشخوص النص المسرحي أو ربما يكون العزلة لكل الموجودات ، وعند الدخول إلى متن النص نلحظ أن مخيلة الكاتب أبدعت أربعة شخصيات وهي / رشيد / عياد / عبيد / أنوار وجميعهم مكفوفين والمكفوف كما هو معروف أنه الشخص الذي لايبصر ، أما الكاتب ربما يكون قد أحال هذا العمى إلى رمز ، المراد به مثلا” عدم رؤية الحقيقة لوقوعهم في ظلمة الخديعة التي إنتشرت على أنها مرض أصاب الناس ، أوربما هي ظلمة الروح التي تعيشها الشخصيات ،وكذلك أبدعت مخيلة الكاتب ( البلوشي ) شخصية الغريب وهي الشخصية المبصرة التي أتت إلى هذا العريش هربا من الوباء المنتشر وهي التي تحاول زحزحة المفاهيم لدى الشخصيات الأخرى ،

 

وهنا نلحظ أن الكاتب لم يسمي شخصيته وإنما عرفها بصفة الغريب وهنا أراد الكاتب أن تكون هذه الصفة رمزا” ربما يكون المقصود قوة غريبة تتحكم بهؤلاء الشخصيات لإبعادهم عن الحقيقة سواء كانت هذه القوة من الخارج أم من الداخل وسواء كانت مادية أم فكرية وبالفعل استطاع الغريب من خلخلة أفكار الشخصيات ليقوم ( عبيد ) وهو أحد الشخصيات بقتل الأخرين ومن ثم يُقْتْل على يد الغريب ، ومن سير النص نلحظ أن شخصية ( أنوار ) الشخصية النسائية الوحيدة تبصر بعد أن يقوم ( عبيد ) بضربها على رأسها وهنا ربما أراد الكاتب فعل الإبصار رمزا” للأمل ونافذة على الحرية ،

 

لقد وظف الكاتب ( موسى البلوشي ) الرمز في نصه المسرحي ( العريش ) ليخلق متعة التأويل لدى المتلقي إضافة إلى المتعة الجمالية . العرض : يسعى كل مخرج أن يتلمس الطريقة التي يراها مناسبة لطرح رؤيته الإخراجية في بناء الصورة الفنية المشهدية من خلال عناصرتكوين فضاء العرض المسرحي ليترجم ثيمات النص بصريا” ويبثها إلى المتلقي بتشكيل حركي جمالي وهذا ما يطلق عليه مصطلح ( mise- en- scene ) ( ميزانسين ) ويتحدد نجاح التكوين الحركي بعناصر مهمة مثل التوازن والتأكيد والتضاد .

 

ومن خلال التداخل بين حركة الممثل والعناصر الأخرى ينتج تشكيل حركي جمالي ، وفي العرض المسرحي ( العريش ) إستطاع المخرج والسنوغرافي ( يوسف البلوشي ) من تحقيق الجمالية المتوخاة في التشكيل الحركي والسنوغرافي للعرض المسرحي وبدء” من تأثيث فضاء المسرح وإنتهاء بحركة الممثلين ، لقد إختار المخرج ( يوسف البلوشي ) مجموعة من الحبال وبشكل تجريدي لتكون صورة العريش وبذلك إبتعد عن واقعية التشكيل وإيمانا” منه بأنها تحقق الجمالية وتحقق الرمز الذي بثه المؤلف في النص ، وبما أن الديكور أحد علامات العرض المسرحي فقد تحولت هذه العلامة من مكان للعيش إلى مشنقة عندما قتل ( عبيد ) ( عياد ) بأحد الحبال المعلقة .

صورة من العرض العماني :العريش"
صورة من العرض العماني :العريش”

 

وكذلك حقق للتكوين والتشكيل الحركي جمالية الكتلة التي تعتبر من عناصر التكوين الحركي ، فكانت كتلة بسيطة وجميلة ورشيقة إستطاع الممثلون من التعامل معها على طول العرض المسرحي ، وفي معالجاته للجمالية المشهدية إستطاع المخرج أن يمازج بين حركة الممثل باعتباره العنصر الأساس في التشكيل المشهدي مع حركة الديكور والإضاءة والموسيقى التي كانت ( المترونوم ) لإيقاع الممثل والعرض المسرحي ، فقد إستفادة المخرج من جمالية التراث في إستخدام اللآلات الفولكلورية وكذلك ألة العود في خلق جو نفسي جمالي يدعم جمالية حركة الممثلين وكذلك يدعم الجو العام للعرض المسرحي ، لقد وظف المخرج ( يوسف البلوشي ) أحد عناصر التكوين المسرحي وهو التضاد في إختيار الشخصية المركزية وهي شخصية ( عبيد )التي كانت ضعيفة البنية الجسمانية ولكنها المسيطرة على الأحداث والشخصيات الأخرى وبذلك أضفت حيوية على التكوين الحركي ، لقد إستطاع المخرج من خلق دائرة علاقات متينة بين الشخصيات في إيقاع حركي جمالي وفي بعض الأحيان في تشكيل ثنائي أوثلاثي مع توظيف العصي التي يحملونها بأيديهم في خلق صورة جمالية مشحونة بدلالات كثيرة .

منن العرض العماني “العريش”

 

ومن جماليات العرض المسرحي تقمص الممثلون لأدوارهم والتمكن من أدواتهم ، لقد إستطاع ( عيسى الصبحي ) من الوصول إلى عتبة الإقناع في تمثل وتمثيل شخصية عبيد المسيطر والقائد للمجموعة من خلال إستخدامه لحركة الجسد والتلوين في الصوت والأداء وكذلك كان ( حاتم السعدي ) الذي لعب شخصية ( عياد ) الشخصية المعادلة لكفة الألم والحزن من خلال العزف والغناء مضيفا” جمالية ومحققا” عنصر مهم من عناصر التكوين والتشكيل الحركي ألا وهو التوازن ، ومثله ( عبد الله البوسعيدي ) الذي لعب شخصية ( رشيد ) وهو أيقونة الحب والأمل أما ( زينب البلوشية ) فلقد أجادت في تجسيد شخصيتها ( أنوار ) من خلال التلوين في الأداء قبل العمى ومابعده وتجسيد الأمل في الخروج إلى الحرية ، لم يعطي المخرج ( يوسف البلوشي ) مساحة لشخصية الغريب التي جسدها( مشعل العويسي) بالرغم من أنها الطرف الثاني في الصراع إذ حدده المخرج بمكان واحد طيلة العرض المسرحي إلا في أخره عندما يتقاتل مع عبيد ويقتله ، ومن العناصر المهمة في العرض المسرحي الموسيقى التصويرية والتي كانت بإسم ( يوسف الحارثي ) فكانت منسجمة تماما” مع مضمون العرض وأضافة جمالية أخرى للعرض حينما كانت تتداخل مع الإيقاع الحي للممثل ( حاتم السعدي )

 

أخيرا لقد كان العرض المسرحي ( العريش ) عرضا” يتمتع بجماليات الرمز والتشكيل والتكوين الحركي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock