الناقد المسرحي مجدي الحمزاوي يكتب: سجون الأردن وتعدد اللغات العاجزة          

مجدي الحمزاوي

كاتب مسرحي وناقد مصري

ـ

شاركت فرقة المسرح الحديث الأردنية   بالعرض المسرحي(سجون)من تأليف . المفروض مما هو موجود في المطبوعات أن العرض من تأليف مفلح العدوان وإخراج المخرجة النشطة المجتهدة مجد القصص . وبداية يجب أن نعترف أن الشباب أعضاء الفرقة مدربون جيدا ويملكون كل القدرات الجسدية والصوتية والإيمائية ..الخ ؛ ويبدو أن أعضاء الفرقة هم نتاج ورشة تمثيلية ممتدة ، أي أنهم في حالة تدريب مستمر سواء كان هناك عرض مسرحي يشاركون به أم لا.

ولكن لنا تساؤلات على العرض وحوله ؛ فبداية يصنف القائمون على العرض بأنه ( عرضا مسرحيا يعتمد على فيزيائية الجسد) ؛ إلى هنا ونحن وإن كنا لا نعلم على وجه اليقين ماذا يعنى هذا التوصيف .إلا  أننا بصدد مهرجان تجريبي ؛ ويبدو أن هذا الوصف هو التجريب الذي تقدمه الفرقة والمخرجة وربما يعمم هذا التوصيف بعد ذلك . وانطلاقا من هذا الوصف ومن مطبوعات المهرجان التي تشرح لوحات العرض التسعة   ، وأيضا للشرح  الذي قامت به المخرجة قبل بداية  عرض هذه اللوحات باللغتين العربية والإنجليزية ؛ تأكدنا من كل هذه المقدمات أننا إزاء عرض من عروض ما يسمى بالكريو دراما أو الرقص المسرحي الحديث . ولكننا أيضا نقف عند أن السيناريو والسينوغرافيا والكريوغرافيا ؛ كل هذه الوظائف – وربما كانت هناك وظائف أخرى لم تذكر منعا للحسد – قامت بها المخرجة أيضا!! فهل يحق لنا أن نسأل أين محل التأليف الذي قام به مفلح عدوان خاصة وأن السيناريو والكريوجرافيا من نتاج  شخص آخر . وعبثا تحاول منع نفسك الأمارة بالسوء من الاسترسال في الأسئلة ومنها مادام هناك  سيناريست وكريوغراف وسينوغراف فما الداعي لوجود حضرة المخرج؟ وحتى وإذا كان العرض في مجمله يعتمد على الحركة فقط ؛ أليس معنى أن يكون هناك شرح بهذا التكثيف أن الرسالة غير واضحة وغير قادرة على أن تصل بنفسها ذا ما اعتبرنا أن الحركة أو لغة الجسد كما يقولون لغة عالمية؟ .

وتنجح أخير في إيقاف الأسئلة فالعرض قد ابتدأ وسنجد بعضا من الأجوبة ، وبالفعل وجدنا بعض الأجوبة عن أشياء ولكن رقعة الأسئلة تضاعفت وانتشرت وتوغلت .

أول الإجابات لتي حصلنا عليها أن المؤلف كان له بالفعل محلا من   الإعراب وليس كما كان متصورا انه ربما يكون مجرد صاحب فكرة فقط . لأن العرض اعتمد  في جزء كبير منه على الكلمات وتحديدا الحوار الذي حاول أن يكون مسرحيا . وهنا بعد اكتشاف أن هناك أن هناك كلمات لها مؤلف؛ وهذا المؤلف كتب ما كتبه للمسرح وليس تحت أي نوع أدبي آخر ن ذن فالمفروض أن يكون نص العرض بدوره قادرا على إيضاح رسالته أو الغرض منه دون أن يحتاج إلى وسيط آخر ! وبالرغم من انه من قلنا أن المخرجة كما هو مكتوب قد قامت بالسينوغرافيا  والكريوغرافيا وكل عائلة غرافيا بالإضافة إلى دور السينارست أيضا! إلا أننا – والله العظيم أقول الحق – نجد أن هناك من قامت بتصميم الديكور والأزياء والإكسسوار وهي جميلة علاء الدين!! كما أن  هناك كريوغرافر آخر وهي دينا أبو حمدان!!  لا لا  انتظر فهناك ما هو أجمل فبالإضافة إلى الكريوغرافر والمخرجة التي قامت بهذا الدور أيضا هناك أيضا من قامت بالتدريب على الرقص وهي نسرين مطالقة ! وخذ عندك؛ هناك أيضا من قام بالتدريب على ( المايم ) وهو عصام عمارة ، كما أن  المخرجة  السينوغرافية  هي أيضا من قامت بتصميم الإضاءة!  ويبدو أن هذا هو التجريب الذي تقدمه لنا الفرقة والمخرجة ، أو ربما يرجع الأمر للفوارق في الترجمة بين العربية المصرية والعربية الأردنية ،وأن وجود أكثر من شخص يقوم بنفس العمل الفني في العرض الواحد هو من أسس التجريب الوافدة والتي لم نعرفها بعد .

وربما كان الأمر هو مجرد أن تجرب المخرجة هذا النوع من المسرح الذي يعتمد على الحركة خاصة أن هذا النوع قد لاقي بعض التقدير من بعض المتثاقفين في وطننا العربي حتى وإن لم يكن له داعي ؛ مع أنها لم تعتمد عليها كلية فجاءت بالكلمات لتحاول أن يكون للحركات ذات الطابع التهويمي معنى

ولنأت الآن إلى اللوحات التسع التي يتكون منها العرض المسرحي ، والعرض كما قالت المخرجة يتناول حياة الإنسان من وجوده في الرحم إلى أن يلاقي  وجه كريم !!.

 اللوحة الأولى  تدور في رحم أنثى طبيعية لا رحم معنوية تقدر أن تستوعب كل الموجودون أمامنا فالواقعية  التي كانت في أصوات دقات القلب وأصوات التنفس وحركة الجنين الأولى في الرحم تؤكد هذا! وتصورت المخرجة والمؤلف وكل الصفات أن الرحم ما هو إلا سجن كبير وأن الأجنة تحاول جاهدة أن تخرج منه وبالفعل تفلح في ذلك إلا أنها كان هناك جنين لامرأة ما؛ تحاول أن تظل ولا تنزل لتلك الحياة ولكن الراوي الذي كان جنينا معها يدفعها فسرا للنزول ، ولا ندري لماذا دفعها وبأي قوة أو صفة ؟وهل المقصود بأنه حتى في الأجنة معروف من يقوم بدور القائد والحاكم والأمر. المهم أنهم نزلوا جميعا برغبتهم ماعدا واحدة نزلت قسرا . وفي اللوحة الثانية   يتخذ الراوي بعدا ميتافيزيقيا فهو المتحكم في المصائر وفي النطق لهؤلاء الأشخاص  وهو من بيده مفاتيحهم بإشارة منه ينطقون   ، ولكن يأتي التضارب حتى مع هذا المعنى؛ فالراوي هنا يحذر الجمع من أنهم لو لم ينساقوا لأوامره فسيأتي من يقوم بدوره بطريقة اشد إيلاما ألا وهي انه سيقول كلاما لا يعنونه ،وبالفعل يأتي هذا الراوي الذي يقوم بدور المحاكمة للشخصيات ويحكم عليهم بالرقص واللف والدوران ويختفي ولا تعرف لأين؟ بل وما الداعي لوجوده أساسا وماذا أضاف ؟!  ومن سجن الرحم!! إلى سجن الصمت وعدم البوح تمر الأحداث. ثم اللوحة الثالثة وتمثل القهر المجتمعي سواء في الأسرة أو المدرسة حيث الأوامر المتناهية على الأطفال بافعل  ولا تفعل ؛ وكيف أن حركتهم محددة سلفا بأوامر الكبار وبأن عليهم أن يستقلوا الأتوبيس للذهاب للمدرسة وأيضا للرجوع   للمنزل ؛وأخذت المخرجة موقفا صعبا   من هذه التعليمات؛ مع الإشارة إلى المجتمع الذي يفرق في المعاملة بين الأولاد والبنات ، فهل يا ترى عندها طريقة أخرى للتعامل مع الأطفال في مرحلة الابتدائية وما قبلها ؛ وهل نتركهم على حريتهم في الذهاب لأي مكان يحبونه. ربما هي طريقة جديدة في التربية لم نسمع عنها من قبل ؛ ويكون السجن هنا هو سجن الأسرة والمدرسة / وفي اللوحة الرابعة يكون الأطفال أو الشباب سجناء أحلامهم وما صاروا عليه فهذا سجين الكتاب والكلمة  وهذه سجينة جسدها وجمالها .. الخ وتلمح دعوة هنا إلى تغيير هذه السجون وحاولت الخروج منها. ولكن إلى أين ولماذا ؟ لا نعرف . ثم في اللوحة الخامسة تستغني المخرجة عن عمومية فكرتها التي جاهدت لتحافظ عليها سابقا ، فلم تعد الفكرة هي السجون الإنسانية عامة بل أصبحت هي السجون التي تحاصر الإنسان العربي من خلال التلويح بقضية فلسطين والعراق ؛ وأصبحت هذه المجموعة سجينة لتلك القضايا والتعامل مها ثم دعوة بصوت عالي إلى المقاومة  الصوتية( فأنت إن نطقت مت وإن سكت مت؛ فانطق ومت ) مع أن الأجدى في هذه القضايا هو المقاومة الفعلية ولو حتى تم التعبير عن الفعل عن طريق الحركة ، خاصة أن العرض حاول  أن ينتمي للعروض المسرحية التي تعتمد على الحركة !.ومع هذا التخصيص الذي تم سابقا تكون أيضا اللوحة السابعة التي حاولت أن تعالج تعامل الإنسان العربي مع التكنولوجيا وكيف أنه يسيء استخدامها لدرجة أنه أصبح سجينا لشبكة الانترنت أو قنوات التلفزيون. ثم اللوحة الثامنة الذي يمثل فيها هذا الراوي   دور السجان لأصحاب الرأي في العالم العربي أو من يقع تحت نير الاحتلال ؛ وطبيعي أن يكون اختلاف في الرأي بين السجناء والسجان . ثم اللوحة التاسعة والأخيرة وكما كتب في المطبوعات فهي لوحة القبر أو النهاية؛ وهذا القبر هو السجين الأخير ؛ حيث يطمع البعض في حياة أفضل وهي الجنة بالطبع مع أن المخرجة جعلتها تقريبا دعوة لمقاومة هذا الراوي ؛ ولكن النهاية تأتي بالمجموعة وهم فرحين بموتهم!!

نقول  هذا لأننا أطلعنا على مطبوعة العرض التي تتعارض في الكثير من الأحيان مع ما يقدم أمامنا بل أن الكثير  مما قدم ليس له معنى أساسا.

خلاصة القول أن العرض مع أنه حاول أن يعتمد على اللغة بمفهومها العادي ولغة الجسد وما يسمى بالدراما الحركية وأيضا الموسيقى التي كان لها مؤلفا هو وسام قطاونة ؛مع الإضاءة والإكسسوار وبعض الأغنيات الشائعة ، برغم كل هذا فشل  في أن يكون له اتساقه ومفهومه الذي يصل للمشاهد بدون الإتكاء على الشرح ؛ مع أن هذا الشرح يتعارض في الكثير من الأحيان مع ما يقدم أمامنا . أي أن الشروح جاءت وفقا للنيات وليست وفقا لما قدم لنا وشاهدناه بالفعل ، نقول هذا مع الاعتراف بقدرات المؤدين العالية وهم على الترتيب  أديب الدرهلي ؛ وأحمد الصمادي؛ و أريج الجبور؛ وسارة الحاج؛وعبير  عواد ؛ ولارا صوالحة ؛ومحمد عوض ؛ وموسى السطري ؛ ونبيل سمور. فواضح أنهم محترفون أدوا ما طلب منهم بكل دقة وجودة ولا يمكن أن نقول أن واحدا منهم كان أفضل من الآخر

ربما يكون الأمر ناتج عن تضارب الرؤية ما بين المخرجة/ السيناريست/ السينوغراف/ الكريوغراف ، والمؤلف والكريوغراف ومصممة الديكور والملابس ومصمم الإضاءة ومدرب الرقصات. فيبدو أن كل جانب كان له اتجاه عكس ما يريده الآخر ولكن جمعتهم خشبة مسرح واحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock