الناقد د. علي خليفة يكتب: مسرحية جزيرة القرع من تاني (الزلطة) لعبد الفتاح البلتاجي

المسرح نيوز ـ القاهرة|مقالات ودراسات

ـ

د. علي خليفة
مزج عبد الفتاح البلتاجي في هذه المسرحية بين الفنتازيا والعبث، فنرى الفنتازيا في تصوير عالم افتراضي مختلف عن عالمنا، وهو جزيرة تمتلئ بالزلط، وفيها بعض الكهوف، وسجن قديم مبني تحت الأرض، والليل والنهار يتعاقبان فيها بشكل لا يخضع لأي قواعد، فقد يأتي الليل بعد النهار بساعات، وقد يأتي بعده بدقائق قليلة، ومن ثم لم يكن مقبولا أن يعتقد من وصلوا لهذه الجزيرة أنهم مكثوا فيها نحو عشرين عاما، فلا يمكن حساب الزمن فوق هذه الجزيرة، كما أننا سنكتشف أن هذه الجزيرة تشبه جزيرة القرع، فمن يعيشون فيها حتى إن احتفظوا بشعوبهم فإنهم يفقدون بالتدريج المشاعر الإنسانية، ويستعصي عليهم الموت، ويعيشون حياة تخلو من أي هدف، ومع ذلك نراهم يتصورون أحيانا أنهم يعيشون حياة عادية أو تخضع لقوانين حياة الناس على الأرض.
ونرى العبث في هذه المسرحية في اكتشاف من وصلوا لهذه الجزيرة – وهم أبو الفتوح وزوجته المسماة بالفتاة وابنهما المسمى بِالابْن، وأبو شعرة – أنهم يعيشون في تكرار لأحداث مرت عليهم، فيتكرر معهم أحداث حدثت لهم في مسرحية جزيرة القرع، فنرى أبا الفتوح يصل لهذه الجزيرة، ويستغرب سكان جزيرة القرع من أن له شعرا، ويستطيع أبو الفتوح أن يبث بعض المشاعر في الفتاة ابنة رئيس جزيرة القرع، وتحمل منه.
وحين يرى أبو الفتوح أنه يسبح في دوامة زمنية تتكرر فيها الأحداث، يستسلم بجلمصيره، ويرى أنه من الأفضل له أن يوافق الظروف، ويعيش كبقية القطيع، والشخص الوحيد الذي يرفض الاستسلام لهذه الحياة المتكررة التي تخلو من المعنى هو أبو شعرة، ويصيح مثل بيرانجيه في مسرحية الخرتيت ليونسكو أنه سيستمر في محاولاته للتخلص من تلك الحياة الفارغة التي تشبه القرع في خوائها، وسيحاول أن يخرج من هذه الجزيرة الأخرى التي هي امتداد لجزيرة القرع.
وألاحظ أن الأحداث في هذه المسرحية قبيل نهايتها لا يوجد حدث مؤثر فيها، وإنما نرى عرضا لهؤلاء الأشخاص الذين وصلوا لجزيرة ظنتها مختلفة عن جزيرة القرع التي طردوا منها، ونرى أبو شعرة يستريح حين يجد سجنا فيها، فهو لا يشعر بالتكيف مع القرع وأشباههم ممن يعيشون حياة غير إنسانية تخلو من المشاعر، وتأخذ المسرحية في إيقاع سريع قبيل نهايتها حين يكتشف من فيها أن الجزيرة التي يعيشون عليها تتشابه مع جزيرة القرع، وأنهم يكررون أفعالا عملوها في جزيرة القرع.
وهذا الإيقاع البطيء الذي يتسارع مع نهاية المسرحية نراه في بعض مسرحيات العبث العالمية، كما نرى في مسرحية فتاة في سن الزواج ليونسكو.
ومسرحية جزيرة القرع من تاني مثيرة للضحك بالمواقف الغريبة الطريفة فيها، لا سيما تلك المواقف العبثية والفنتازية.
والملحوظة التي آخذها على هذه المسرحية هي نهايتها التي نرى فيها أبو الفتوح يخطب فيها، ويقول إنها لن يسير ضد التيار مرة اخرى، وسيعيش كبقية القطيع، ولن يعمل عقله.
ولم نكن بحاجة لاستماع هذا الكلام المباشر منه، فيمكن أن نفهم من أحداث المسرحية تراجعه عن مبادئه وقيمه، دون ان يخطب بهذا الشكل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock