“بين الفارس والقمر ” حوارية مسرحية تأليف د. جبار خماط حسن

المسرح نيوز ـ العراق| د. جبار خماط حسن

ـ

 

بين الفارس والقمر

 

د. جبار خماط حسن

 

-١ –

القافلة

الزمان : نهار رتيب

المكان : طريق موحش

كانت القافلة رفيعة من بعيد ، تحيطها الفلاة من كل الجهات ، فقط نسر جاىع ، يتجول في السماء، يبحث عن فريسة مستعجلة ، اقترب الرمل عاصفا على وجوه الفرسان ، النسوة في الهوادج ، ترقب طول الطريق ، أصبحت النهاية قريبة ، مازال النسر يحوم في المكان ، راقب من بعيد ،طاىر لا يقوى على الحركة ، انقض عليه بفرح ، في هذه اللحظة ، لاحت في الأفق ، غبرة  واصوات مسرعة نحو القافلة ، اقترب زفير خيول الفرسان المهاجمين من القافلة. ، احاطوا بها من ثلاث جهات ، كانت خيول المهاجمين عطشى ،صاح كبيرهم ، لن

ادع القافلة تمر !اجابه الفارس الذي  يتصدر القافلة ، لن تقدر ، هل انت قاطع طريق ؟ اشتد غضبه انطلق بقريه إلى نهاية القافلة ، وكأنه يستعرض قوته ومهارته ، عاد مسرعا ، اسمع  ،انا قائد فرقة الاستطلاع ، ، لا اسمح بمرور الغرباء ، الأوامر تقول لن تدخل حدود مدينتنا ،!  علامات التعجب على وجه الفارس ، لغط يسمع من عمق القافلة ،  رد عليه وكأنه يذكره بواقع الحال ،انها مفتوحة لشذاذ الآفاق واللصوص والخونة ، كلهم يسرحون ويمرحون ، ومثلي لا يدخلها ، هنا ، صمت قائد فرقة الاستطلاع ، وبعد لحظات ، أطلق كلمات غاضبة ، لكنها مكبوتة ،   هذه أوامر الامير ، انت ومن معك ممنوع عليك دخول المدينة، إلا بشرط طبعا !!

الفارس  : وما هو الشرط ؟

القائد   : ، تذهب الى الامير ، وتسلم عليه ، وتعمل بأوامره !

:الفارس :  مثلي لا يأخذ  الاوامر من مثله ..

القائد  :  اخذك انت ومن معك أسرى الى الامير ، لينظر  في امركم .

االفارس : : لن نذهب ؟ وسندخل المدينة ، انصحك بالعودة الى الامير ، وتخبره برفضي ؟

عندها جاء مسرعا احد جنود الاستطلاع ، الذي وقف بينهما بجواده، همس في اذن قائده ، نعم فهمت ، ارجع الى مكانك ، قفل راجعا بسرعة إلى مكانه ، ردد القائد وهو يبتسم ،  هل لديك ماء ؟ اجابه الفارس ، نعم

إسقي  جنودك وخيواك ؟

⁩ القائد ( يشرب الماء ) مع هذا  لن تدخل المدينة ،، ولن اقتلك ، بل اسمح لك بالعودة إلى بلادك ! اقترب منه الفارس ،  هل تعرفني ؟اجابه ، وكأنه لا يسمع ،  نعم اعرفك .. نسبك شريف ، ولكن لا يد من منعك من دخول المدينة ، رد عليه الفارس بهدوء ، بل سندخل ، هنا اشتد غضب كبير فرقة الاستطلاع ، الزبد ينزل من فمه ، بل سنقتلكم جميعا ! استفزت القافلة من كلامه ،  جردوا سيوفهم ، منعهم الفارس باشارة من يده ،، مرددا : أكره أن أبدأهم بقتال !

مر الوقت بينهما لزجا ، تلتصق فيه مخاوف النسوة ، اللاتي يرقين توتر الموقف ، انتهى الخلاف ، أن يأخذ قاىد القافلة طريقا آخر ، مع مراقبة من فرقة الاستطلاع ، التي كن كبيرها ينظر إلى القافلة وهي تدخل خرم  الظلمة لتختفي وسط ذهول كبير المهاجمين ، متذكرا كلام قاىد القافلة حين سأله : هل ستهرب ؟

، اجابه  بتسع كلمات بينات .

القائد.:  لا اعطيهم بيدي إعطاء الذليل .. ولا افر  فرار العبيد

2

الحصار

 

لم يكن معلوما ما يجري ، الأحداث فيها تعقيد عال ، الدنيا مرتبكة ، الحسابات غير مضمونة ، الكل يقول ، حين وجدت القافلة نفسها في مكان خال من معالم الحياة ، مكان قاس ، خشن رغم نعومة رماله ، لكنه يزرع في النفس الانقباض والغثيان ، هل هي متاهة ؟ ورطهم بها قاىد فرقة الاستطلاع ، ماهذه الارض التي لا زرع فيها ولا ماء ، التفت الفارس الى صحبه ،قائلا ، ينبغي الحصول على الماء ، نهض القمر ، قائلا ، انا ساجلبه يا سيدي ، رد عليه الفارس ، خذ معك ثلاثة من الفرسان ،

انطلق الفرسان في عالم التيه ، كانت الأرض محدبة,  أو أنها مكسورة الظهر ،اذ ترى سرابا بحدبة بيضاء لامعة ، جافة كأنها ريق طائر عطشان ، بعد نصف ساعة على ظهر الخيول المسرعة ، وصلوا إلى النهر ، وجدوه مقيدا بالحرس ، جيش يحرسه ، ماذا يجري؟ كلام القمر مع فرسانه , لم النهر سجينا ؟ كأنه سيرحل مخفورا من هذا المكان ؟! ( الى فرسانه ) اسمعوا ، ينبغي اختراق تلك الزاوية الضيقة ، لان الجنود مشغولون بالثرثرة ، نباغتهم ، ندخل النهر ، ناخذ الماء ونعود ، ، انطلقوا كالرمح في فضاء مستقيم ، وصلوا الماء ، أخذوا ما يكفي وعادوا

وصلوا إلى المخيم , وزعوا الماء على الجنود والنساء والاطفال ثم عاد إلى الفارس ،

القمر : اتممت المهمة على أفضل صورة ، ( صمت ) ما بك يا سيدي ؟

الفارس : لم تاخرت ؟

القمر : النهر بعيد

الفارس : ماذا بعد ؟

القمر : وجدت النهر سجينا ، والجنود سجانين ؟

، ،هل قلت إن النهر سجين.الفارس

القمر : اذن سنموت عطشا ، لقد حبسوا عنا الماء ، أمامنا وقت طويل لنصل !

جمع الفارس من معه ، وخيرهم ليلا ، بين البقاء معي ، أو دونكم هذا الليل ، اتخذوه جملا ، واعلموا أن القوم يطلوبونني ، صاح الجميع ، والله لن تتركك ولو قطعنا اربا اربا !!

بدأ النهار صلدا ، تسمح منه فحيح اصوات تقترب ، وكانها رسل الحرب ، وقف الفارس عند باب الخيمة ، نظر إلى الأفق ، لم ير عليه سوى  الجنود والرماح والسيوف والطبول التي تقرع فرحا بالحرب ، نفد الماء في الخيام ، بدأ العطش يغزو الجسد ، الاطفال تبكي من شدة العطش ، الفارس متحير ، كيف يأتي بالماء ؟ وقد تلاشى خلف الأعداء ، عندها صاح بكلمات ست ، يا قوم ..كونوا أحرارا في دنياكم !!

– ٣-

القمر

نزل القمر ليستريح ، كان تعبا طوال الليل من الحراسة وتركيز نظره على الأهل ، لأنه تكفل حمايتهم ، ولأنه كان قمرا منبرا ، ظل يبهر من يراه من بعيد ، يتحرك برشاقة ، ويزرع لونا مضيئا في فضاء المكان الموحش ، الكل بين النوم واليقظة ، ينتظر نهارا ثقيلا ، ربما فيه حياة سعيدة أو موتا يقرع اجراس الخلود من بعده ، بين هذا وذاك ، بقي القمر واقفا ، تعلم الكرم دوما ، ولذلك فضل اليقظة في الليل ، الاصوات تاتي إليه خاشعة ، على موجها ايات القران ، أنه ينظر إلى الماء ، وجد نفسه منعكسا فيه ، لكنه لايريد البقاء فيه ، لأنه يريد أن يخرج  ، لينعكس في  أفواه عطشى ، تنتظره بشغف عليل، تأخر القمر ، الغريب أن النهار كان في أشده ، لكن الجميع كانوا ينظرون إلى القمر كيف يصول ويحول في الميدان ، طويلا مثل شعاع مكتنز ، شهاب سماوي ، ينزل بسرعة خاطفة على الأعداء ، لتكون النهاية أمام الماء ، الذي دعاه أن ينعكس فيه ، فأبى رافضا بشدة غواية الماء ،

سأله الماء : تعال انعكس بي واغرف مني ما تشاء .. طوال  الليل لم تنم ! طوال الليل لم تشرب ماء فرات عذبا  ؟

القمر : لا اربد الانعكاس  فيك  لارتوي ، لم اتعود أن اشرب اولا ، ليشرب من ينتظر ، ثم افكر في امري

الماء : ( متعجبا ) اترفض قانون الطبيعة ؟! ينبغي أن تنعكس ؟

القمر : لا قوانين ثابتة ! انها روحي بين عطشين ، عطش الانتظار ، خوفا ان لا اعود ، وعطشي لفرحهم ، وانا اسقيهم واحدا تلو الآخر

قام القمر بعد أن نزع انعكاسه من الماء ، لكن الماء توسل أن يأخذ هدية تذكره به ، ، ماء لقربتك ، خذه ، لعل عطشهم يرتوي منك  ؟!

عاد مسرعا الى المنتظرين ، يترقبون سناه ، لم يجدوا القمر بينهم ، طال انتظارهم ، ولم يعد ، لأنه توقف منصف الطريق ، بعد أن نزلت ظلمة حالكة في عينية ، قطعوا  جناحي ضوئه، توقف القمر عن المسير لأنه  لم يتعود ان يعود خال من كرمه ، نظر إلى الماء تسرب منه إلى الأرض ، ظل متحيرا ، هنا صاح القمر لأخيه الذي يتحرك هناك مثل كوكب دري ،  صاح بصوت لم يسمه سوى أخيه ، نطق بكلمتين فقط

القمر : اخي انقذني ؟!

-٤-

الفارس

الزمان : بعد الضحى بساعتين

المكان : بقعة رملية حارة

قال له كبيرهم : الم تتعب ؟ لقد بقيت وحدك ،رجالك اكلهم القتل والذبح ,, مالذي تريده ؟ رد عليه من على جواده ،

الفارس : انا لم اسلم ولم اهتز حين كان معي  اهلي واصحابي من الرجال ، كيف لي ان أخضع وقد قتلتم سعادتي بهم ؟! انك واهم

غضب من كلامه ، و أزاح بجواده بعيدا ، أعطى الأمر للنبالة ، بأن يزخرفوا جسده بالسهام  ؟ جاءت السهام بسرعة مجنونة نحو صدره ونحره ، وجنبه وفخذه وساقه ، وجبينه ، كان الجيش ينظر إليه ساكنا على جواده ,، لم لا يسقط ، جواده الأنيق بزينته ، كان يصرخ متألما ، ان يرى صاحبه الفارس ، على هذا الحال ، دمه ينزل على جسده ساخنا, كلمه بصهيله ، فلم يجب ! كان الفارس محدقا الى عالم اخر ، كله اضواء وانهار وأشجار ظلية ، ينظر الى عالم سليم ومعافى من الفتن ، بدأت الظلمة تعم المكان مع اغماضة قصيرة بعينيه  ، مع ضعف شديد في جسده بسبب النزف الشديد.

جاء كبيرهم ثانية ، رٱه على هذا الحال ، ماسكا برمحه ، مستندا عليه ، نظر إلى هيبته ووقاره ، قال انت بهي الطلة حتى في مشهد قتلك ؟ اسمع ؟ لا اريد منك شي ؟ فقط كلمات تقول أننا على حق ؟

رد الفارس : لا ..

غضب كبيرهم واهتاج وماج بحصانه ، بحركة سريعة التف حوله ، أراد حصان الفارس حمايته ، لكنه لم يستطع بسبب هجوم جيش كامل عليه ، انهالوا عليه بسيوفهم ، قطعوه اوصالا ، عندها سقط من على جواده ، كان اديم البيداء حارا ، يلسع جسدة مثلما يشعر بلسعات جراحه المؤلمة .

ينظر إلى ما حوله لا يجد أهله ولا أصحابه ، غريبا كسيرا ، مسك بقيضته الرمال ، شد عليها ، باغته كبيرهم ، ها ماذا تشعر ؟ انت وحدك ، قلها واسترح ؟

فتح قبضته ، طارت الرمال من كفه بعيدا

نطق الفارس بكلمات ثلاث  :  هيهات منا الذلة .

– ٥ –

السيدة

المكان : قصر معزول

الزمان : ليل موحش

الحدث : نساء مقيدات بالاغلال ، يدخلن مكانا غريبا ، لا نسمع سوى همهمات الحاضرين ،  مشاعل القصر ينعكس نورها على وجوه النساء ،  يحاولن حجب نظرات الندماء في قصر الامير المعتوه، يتبختر في مجلسه  ، يرى النساء ، وقفتهن لها طعم الكبرياء ، يحاول ، يريد كسر هيبتهن ، اقترب من الاولى ، أزاحت بوجهها ، ذهب إلى الأخرى  ، لم ترفع راسها ،  وصل أخيرا إلى السيدة التي تتشح بالسواد ، في عينيها ، جسد مسجى ، هناك في العراء ، لم يدفن , تظلل جسده غيمة جاءت مهروله ،  تعصف ريح من حوله ، لها زئير أسد جريح !

قطع رحلتها ، صوت الامير المزمجر  (مبالغة في أداء صوته )

الامير – كيف رأيت سيدك الذي أمسى طعاما للجوارح ؟

السيدة- هيهات ، الجوارح تحرسه الان ، انني أرها تتناوب على حراسته !!

الامير – ‏ خيالك معذب بحسرة مكبوته ، ( يضحك )

السيدة : اضحك .. قريبا ستبكي منكسرا وطريدا

الامير – ( مقاطعا ) كيف رأيت صنع الله باخيك ؟

السيدة : ( صمت )..أدارت رأسها باتجاه جسد أخيها المرمل في البيداء.. بعدها نطقت بأربع كلمات

السيدة : ما رأيت إلا جميلا !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock