حصريا.. الكاتب العربي الكبير عبد الفتاح رواس قلعه جي يكتب: سجنــاء القدر في مسرح وليد فاضل

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

بقلم: عبد الفتاح رواس قلعه جي/ سوريا

 

 

يشكل القدر محور اهتمام المسرحي منذ المصائر الإنسانية المحكومة بالنبوءات في المسرح اليوناني وحتى الآن، حيث ظهرت اليوم آلهة جدد تفرض أقدارها على الناس ولا تمت بصلة إلى مجمعات الآلهة القدامى في ميثولوجيات الشعوب القديمة.

 

كانت التعددية المعبودية، والصراعات بين الآلهة في الملاحم والدراما الإغريقية تحمل بعض الخير للإنسان بوقوف بعض الآلهة إلى جانبه وبعضها الآخر ضده، ثم أخذ الصراع يتبلور بين الإنسان وقدره، أو بين الإنسان والآلهة، فظهرت أنصاف الآلهة التي تحمل طبيعيتين: إنسانية وإلهية نتيجة التزاوج الميثولوجي الرمزي بين الآلهة والإنسان،ثم ظهر الإنسان المتحدي ” إنسان بروميثيوس” الذي ينافس الآلهة على المعرفة.

 

ومع تطور العقل البشري أصبح الإنسان في الديانات التوحيدية محط رعاية الله وعنايته ومحبته، والمؤمن يحس دائماً بأن الله إلى جانبه في صراعه مع الظروف المحيطة به، منه يستمد القوة في مواجهته كقوة إنسانية خيرة ضد قوى الشر في العالم.

 

في العصر الحديث ظهرت آلهة جدد وأصبح الإنسان محكوماً بأقدارها، وهي ليست استنساخاً للآلهة في الميثولوجيات القديمة، إنها آلهة وضعية، وأقدارها شبكات رهيبة من الأنظمة الاقتصادية الشرسة والمالية والمصرفية التي لا ترحم فهي في حال صراعاتها، أو اتفاقها، تقف ضد الإنسان والإنسانية، وهي محتاجة لاستمرار وجودها كخفافيش والغة في الدم إلى قرابين مستمرة من الأفراد والجماعات والشعوب.

 

يبدو أن مسألة القدر أخذت حيزاً هاماً من تفكير وليد فاضل* ونتاجه المسرحي. فالمحكومون بالقدر وسجناؤه في مسرحه قضية ملحة تتبلور في عدد من أعماله، وهم أبطاله التراجيديون الذين يعبرون عما تعانيه البشرية من سيطرة الآلهة الدموية الشرسة في هذا العصر.

 

في مسرحيته ” أوربة أميرة صور”* تبدو أوربة ابنة أشنار ملك صور محكومة بقدرها بأن يختطفها زيوس كبير الآلهة ويتزوجها. ويخرج أخوتها ليبحثوا عنها، لكنهم أيضاً محكومون بأقدارهم. فأخوها كيليكس يتخلى عن المهمة ليصبح ملكاً على بلاد تكتسب فيما بعد اسمه .

 

يقول كاهن معبد أولبا (في كيليكيا): أيا كيليكس، هذه البلاد المترامية تحت قدميك أدفعها لك، لك ولنسلك من بعدك. بقوّة إلهنا “صندان” تسود هذه البلاد، وتملكها وتتسلط عليها لأنه مكتوب في أسفارنا، من يجلس على الصخرة باكياً، ومن يقبل قدمي الكاهن الأكبر معتذراً، ومن يرم النسر طائراً، يصبح ملك البلاد وباسمه تسمى”

 

ويدعوه الكاهن إلى أن يبدأ بمجابهة التنين الطائر ذي الرؤوس السبعة، والذي ينفث النار من فمه ، والذي يحاصر مدينة طرسوس.

 

ويخرج التنين من جلده الأسطوري إلى إهاب العصر التكنولوجي بطائراته وصواريخه المدمرة حين يسأله الكاهن : أبهذا السهم ستقتل التنين وغيرك لم يستطع ذلك؟

كيليكس:        هذا لأنهم لم يحشوا السهم بالبارود.

الكاهن  :       البارود؟!

كيليكس:        الذي ينفجر بالنار، لدينا البارود ولدى التنين النار، إذاً لم يتبق سوى أن

نطلق السهم.

ويبدو أن قدموس أيضاً محكوم بقدره، فما إن يصل بيوتيا في بلاد الإغريق حتى تدعوه الكاهنة إلى نسيان أمر أخته أوربة، وتملُّك أرض اليونان وبناء مدينة طيبة، ويخاطب أهلها خطاباً عصرياً حول الانتخابات وحكم الأغلبية، والعدل، ويؤكد هذا الخروج اللغوي من جلد الأسطورة ذلك الحوار بين الإلهة أثينا وأخيها آريس إله الحرب اللذين يتجولان ليلاً في قلعة قدميا المنيعة.

أثينا :   أما أنا فمعجبة بنمط بناء طيبة ، وبنظامها الديموقراطي، إنني أحلم ببناء مدينة على نمط طيبة ، سأبنيها على شاطئ البحر وسأدعوها أثينا.

أريس:   أما أنا فسأبقى داخل أسوار هذه المدينة، فأشد ما أكره الديموقراطية، ولغة الحوار، واحترام الآراء، والآراء المعارضة خاصة، آه لا يوجد في العالم أروع من لغة السيف”.

 

وإذا كان القدر الزيوسي قد ساق قدموس إلى بلاد اليونان ليحمل إليها الأبجدية والمعرفة والحكمة الشرقية، فقد فرض عليه أيضاً أن يرحل عن اليونان بعد أن ابتلاه في عائلته، ولا يستطيع أبولون حامي المدينة أن يدفع عنه إرادة زيوس، فيرحل. مشيراً الكاتب بذلك إلى أن اليونان هم الذين أخذوا العلوم والفلسفة عن الشرق وليس العكس.

 

ويساق فينيق- الأخ الثالث- فترة إلى قدره الزيوسي فيلفه كبير الأرباب وأختَه أوربة بالنسيان، فيجتمعان ولا يتعارفان، ثم يوغل في بحر الظلمات، ثم يزور هاديس “الجحيم” ، ويستوقفنا اسم ملاح مركب الجحيم” شارون” وزبانيته، في إشارة سياسية معاصرة شديدة المباشرة والوضوح. كما تسوقنا إشارات أخرى إلى الحروب الكونية المعاصرة حين يلتقي فينيق في الجحيم بكرونوس والد زيوس وبقية الآلهة المهزومين المنسيين. ونتبين أن سبب هزيمتهم تدخل المردة بأسلحة اللايزر الفتاكة والسلاح الذري وغيرها من الأسلحة المتطورة.

كرونوس:         لولا تدخل المردة الذين أمدوا زيوس بأحدث الأسلحة الفتاكة والمتطورة، الشعاع الثاقب، والصاعقة المحرقة، وهكذا اندحرنا وألقي بنا في قعر الجحيم حيث الصمت التام، بينما تقاسم زيوس السيطرة على العالم مع أخوته.

ومن الغريب بعد هذا التركيب المتداخل ما بين الميثولوجي والمعاصر، أن يلجأ الكاتب إلى مُعطىً في الحكايات الشعبية الطفولية وهو ” قبعة الإخفاء” ليخلص فينيق من الملاحقة القدرية “زيوس والآلهة الآخرين وزبانيتهم” ليعيده سالماً إلى صور، وهناك يخلع قبعة الإخفاء ويقذفها في وجه الآلهة ويظهر عياناً ، كأنما يريد أن يقول: الوطن هو الذي يحمي الفرد من الأقدار التي لا ترحم!

 

في مسرحية “لميس والقطط”* يتناول الكاتب مسألة أخرى من المحكومين بالأقدار الوضعية، هم سجناء الأنظمة المعقدة والصارمة التي فرضتها سلطة طاغية وأناطت بأعتى الزبانية من السلطة التنفيذية مراقبة تطبيقها. هذه الأنظمة والقوانين التي فرضتها قوى مهيمنة ليست خارجية وإنما هي وطنية وذات قربى،  تفقد الفرد الحد الأدنى من حريته.

تبدو لميس في دارها التي تحرسها قطط متوحشة سجينة نظام صارم وضعته لها أختها الكبيرة عفراء. لقد رسمت لها شبكة خطوط تسير عليها هي بمثابة متاهة، وتحركها في الغرفة من مكان إلى آخر عبر الخطوط المسموحة يقتضي أضعاف الزمن العادي، وحددت لها ما هو مسموح وما هو ممنوع استعماله أو لمسه. حتى المذياع والصحف والكتب هي من المحظورات.

لميس :  آه علي أن أقوم بكل شيء في هذا المنزل، الطهي، التنظيف، الترتيب، وإلا غضبت سيدتي وسلطت عليّ قططها السوداء المتوحشة .. لقد حددت لي طرقاً للمسير ضمنها في المنزل، وأنا لا أستطيع مخالفة تلك الطرق، وإلا علقت في خطوط تلك الطرق، وأبقى محاصرة حتى تأتي السيدة وتفكني من الدائرة المحيطة بي، لو لمست هذا الوعاء الخزفي لتجمدت يدي في الحال وصارت خزفاً ، إن هذا محظور عليّ يحق لي الجلوس على هذا الكرسي، لو جلست على كرسي آخر لتجمدت في الحال.

.. المذياع لا يمكن أن ألمسه وإلا تجمدت يدي في الحال، وهناك التلفزيون محظور عليّ لمسه .. أه، القراءة، محظور عليّ القراءة، قراءة صحيفة أو كتاب.

وعندما تتزوج لميس من عماد رجل الأعمال تزداد القيود المفروضة عليها، وهي في هذه المرة باسم الشرف ومنع الخيانة الزوجية.

عماد :  إنني رجل أعمال، أقضي معظم أوقاتي في السفر خارج البلاد، لذلك يجب أن أطمئن أن مؤخرتي مصونة محفوظة لا يجري العبث بها، وهل هناك خير من القطط السيامية المتوحشة لحماية ظهر الإنسان.

غير أن ثمة أملاً – أحيانا، وليس دائماً في أعماله- يبسطه الكاتب أمام المتفرج للخلاص من أسر القدر الوضعي الاجتماعي والسياسي، ويتمثل دائماً في الشباب المثقف الذين يحملون بذور الوعي الثوري والفكر الجديد . وفي هذه المسرحية يحضر خليل وحنان الطالبان في كلية الصحافة ليخلصا لميساً من قططها المتوحشة، وتنزل الستارة على لميس وهي تطرد القطط بالمكنسة خارج الدار.

ودائماً يجد وليد فاضل في المسرح الطليعي-التجريبي مجالات أرحب لتقديم تراجيديا الحياة غير المعقولة في قوالب من الكوميديا الساخرة المريرة التي تصور امتهان الآلهة الجدد وأقدارها الوضعية للإنسان البسيط الباحث عن أمنه وحريته وعيشه الكريم.

 

القدر الأسود، المتمثل بالشبكات المالية الأخطبوطية العالمية في مسرحيته ” السمفونية الهادئة”*  لا يهيمن فحسب على شخصيات المسرحية وإنما يشتمل شعوباً بأكملها .

أنغومو مبعوث حكومة زيمبابوي المستقلة حديثاً يقصد مؤسسة جيمس واطسن المالية للحصول على قرض، ويشرح هذا الأمر لمدير المؤسسة.

أنغومو   :        ماذا يحدث إذا كنت بحاجة لشراء سلع ، سلع ضرورية لطعام الأطفال، أو لتقدم الزراعة، وأنت لا تملك العملة الصعبة التي تمكنك من ذلك، عندئذ تدرك أنك نلت استقلالاً وهمياً، أنك مستقل بالاسم أم الواقع فلا، فأنت أسير لشبكة مالية أخطبوطية لا تُرى أناملها، شبكة قادرة على إلحاق الدمار باقتصاد أية دولة مستقلة.

وعندما يحاول جيمس مساعدة أنغومو تعمل القوة المالية الأعظم على تصفيته مع مؤسسته، ويصبح هو نفسه أسير قدرية الكاهن الأكبر الخاضع لسيطرة العقل الأكبر، و الذي يقوم بتدميره مع أربع حركات من معزوفة الموت الهادئة يعزفها جيمس بنفسه في إرادة مستلبة.

ولكن من هو هذا الإله الجديد الذي له كهنة ( رجال أعمال ) ومعابد ( مصارف وبيوت مال)، وله صفات الآلهة المدمّرة فهو لا يُرى ، ويستطيع أن يسوق العواصف والصواعق فيدمر من يشاء وما يشاء. ويلتقي به جيمس ( أو يسمع صوته فقط) ويدور الحوار التالي.

جيمس :         ولكن من أنت؟

الصوت:         أنا العقل الإلكتروني، العقل الإلكتروني الحي الفعال، أنا من تحرر من أسر الطبيعة والضرورة والبرمجة. أنا المبرمِج والمسيِّر لمصائر البشر والشعوب والمجتمعات..

الصوت:         أفوق عقل الإنسان ذكاء ووضوحاً وعمقاً، لأنني بلا انفعالات، بلا عواطف، بارد كرياح القطب الجنوبي

وعندما يطلب هذا الإله من جيمس التخلي عن مساعدة شعب زيمبابوي ويقول جيمس إنه قد أعطى كلمته يرد الصوت قائلاً:

الصوت:         يا سيد جيمس دع الفقراء حيث هم، ولا تحاول النهوض بهم فمتى فعلت بدؤوا بالثورة والتمرد، ولن يقف عنفهم حتى يقوضوا الحضارة كلها..

                   تلك الشعوب التي اعتادت المرض والجوع والسياط دعها تحيا الحياة التي اعتادتها.

هذا الصوت ، او هذا العقل يسوق جيمس إلى القناعة بالتخلص من زوجته وابنه وصديقه بالتشكيك في سلوكهم، ثم إلى قتل نفسه، لتصبح مؤسسته المالية بعد ذلك ملكاً للعقل الأكبر يديرها جوزيف أحد عملائه.

ويبقى خيط الأمل الواهي في نهاية المسرحية حين يحضر أنغومو ويرفض شروط القرض الجهنمية

جوزيف: القرض سنقدمه بكل سرور ولكن حسب شروطنا المعروفة.

أنغومو  :         ومثل هذه الشروط نرفض.

جوزيف: إذن طريق الجوع مفتوح أمامكم.

أنغومو   :        سيد جوزيف، لقد ناضلنا كثيراً حتى حصلنا على الاستقلال، ونحن      

                نفضل     معاناة مزيد من الجوع على أن نضع قيد العبودية في أعناقنا

                طائعين.

جوزيف: هذا العالم المليء بالحمقى، لقد انتهت السمفونية الهادئة، ترى أية

                سمفونية جديدة سيعزفها العقل الأكبر، وفي أية بقعة من العالم؟

 

في مسرحيته “الخفاش”* يعزف الموضوع نفسه ولكن على وتر مغاير مستفيداً من مسرح القسوة، مسرح أنتونين أرتو ، مستخدماً الأقنعة التي يمثل شكلها الباطنَ الحقيقي لحاملها الإنسان العصري المتوحش، فهنالك جرذ المال ، والذئب الوالغ في الدم، والتمساح، والقرد، والثعلب، والسيد هـ المركب من عدة حيوانات.

إنه وبمنتهى القسوة والسخرية التي نعرفها فيه ينبش عن طريق الأقنعة وتصرفات وحوارات حامليها الجانب الحيواني المخبوء في الشخوص التي تتحكم في أقدار الناس، ويديرها رب خفي – كما العقل الإلكتروني في السمفونية الهادئة- هو صاحب نادي الوردة الزرقاء، في إشارة واضحة إلى الماسونية /الصهيونية التي تتحكم عن طريق المال بالمصائر والشعوب.

السيد “هـ” مدير إحدى الشركات تظهر  في جسمه تحولات هي موازية لتحولاته النفسية الداخلية، وتفحشه في عالم الاقتصاد والمال، فقد أصبح له حوافر تيس ورائحته، وقرنا ثور، ، فخنزير مجنح بجناحي نسر. وبملياراته العشرة وتحولاته أصبح مؤهلاً للدخول إلى نادي الوردة الزرقاء والحصول على بطاقة العضوية ، وهنا نجده يتشرنق ثم يخرج من البيضة وقد تحول إلى خفاش مصاص للدماء. وتجري تحولات حيوانية أخرى لمن حوله ، فصديقه غياث يتحول إلى قرد، ويصرخ فرحاً: آه كم هذا رائع، لقد تحررت من سجن إنسانيتي السابقة. وتتحول ماتيلدا زوجة (هـ) إلى قردة فيمارسان معاً الجنس والقفز على الأشجار، ولا يغضب ذلك الزوج لأن النخوة قد طارت بتحوله إلى خنزير. أما الكائن الوحيد الذي لم يصبه التحول فهو زيزي المومس الجميلة في بيت السيد (هـ) ، ولكن هذه يلتهمها مندوبو نادي الوردة الزرقاء وهم الرجل التمساح والرجل الذئب والرجل الجرذ.  فهذه العصابة تلتهم الإنسانية برمتها.

هـ        :        أتشعرون بالسعادة؟

التمساح:         في منتهى السعادة

هـ        :        أراقت لكم زيزي؟

التمساح:         جداً، مثل هذا اللحم الإنساني لم نذقه منذ مدة طويلة.

الذئب  :        كانت طرية، كل مافيها طري.

هـ        :        وأين زيزي الآن؟

التمساح:         لقد أكلناها.

هـ        :        أكلتموها‍!

التمساح:         أجل، لم نذق لحماً رائعا مثل هذا اللحم من قبل، نشكرك على هذه

المناسبة، وهي تهديك تحياتها، هذا الدبوس هو ما تبقى منها.

في مشهد مضاد لما جاءت به الوصايا العشر يبسط لنا الكاتب ناموس الإله الجديد على لسان كاهنه الذي يقوم بتعميد السيد (هـ) وهي مناقضة تماما لوصايا الرسل والأنبياء وحكماء الإنسانية.

الكاهن  :        أترضى بوصايانا العشر والتي تنظم عمل نادينا؟

هـ        :        وما هي وصاياكم؟

الكاهن:           لا تشفق، لا ترحم، لا تساعد أحداً، لا تحب أحداً من البشر الفانين،

لا تعطف على إنسان بائس، لا تحزن على إنسان معذب، لا تتواصل مع إنسان، اهجر عائلتك وولدك من أجل المال، اهجر أرضك ووطنك من أجل المال، اهجر نفسك من أجل المال، الإله الذهبي المقدس، أترضى بذلك؟

هـ        :        إنني أرضى وأمارس ذلك منذ زمن بعيد.

الكاهن  :        إذن أكرِّسك عضواً محترماً في نادينا المحترم، لك ما لنا وعليك ما علينا

                   ..   خذ هذه القائمة بأسماء شركات يجب أن تسحقها على طريقتك

الخاصة، تسحقها بقرني الثور، وتدوسها بقدمي الخنزير، ثم تبتلعها بفم ا        الخنزير المغرم بالقمامة والأشلاء.

يؤكد السيد هـ لأعضاء النادي أنه لم يقبل عبثاً في عضوية النادي فقد توفرت لديه جميع الشروط لذلك. عندما يقول له الرجل التمساح موصياً

التمساح:         على الفقراء تحمل أكبر نصيب ممكن من الشقاء كي يحيا الأغنياء برفاهية، إنها سنة الحياة وضريبة الوجود.

يقول السيد هـ بعد حوار قصير:

السيد هـ:         لا تنس أن مؤسستي المتواضعة تغطي أعمالها أربعين بلداً بائساً في أفريقيا

وآسيا وأمريكا اللاتينية ، وإنني أعمل على جلب مزيد من البؤس لتلك الشعوب البائسة، لذلك لم أقبل عبثاً في ناديكم الموقر.

عندما يتحول السيد هـ إلى خفاش لا يستطيع أن يعيش إلا على الدم الإنساني فإنه لا يكتفي بالتهام الناس والشركات وإنما يقوم أيضاً بالتهام عماله ، فهو يمص دمهم في الليل، ويموتون بالمئات، ليستورد بدلاً منهم عمالاً آليين.

هـ        :        إننا نفتح عهداً جديداً، مضى زمن العامل الإنسان وأتى زمن العامل

الآلي، إنه عهد الأتمتة.

عبد النور:        والمعامل يا سيدي؟

هـ        :        سيجري تعديلها لتصبح مهيأة للتلاؤم مع الإنسان الآلي..

                   ..   إننا نخطو الخطوة الحاسمة، نقطع الحبل السري الذي يشدنا

للإنسان،ونعلن ولادة الإنسان الآلي، بعد الآن ، لن يجد الإنسان مكاناً داخل معمعة الآلة، إنه مراقب فقط، وعن بعد، أما من يصنع الحياة والحضارة فهي الآلة الذكية، يصبح الإنسان زائداً عن الحاجة.

إذن.. مجمع الآلهة والأرباب يعود في هذا العصر من جديد: البشرية محكومة بأرباب المال وصراعاتهم، وهؤلاء الأرباب محكومون بقوانين العجل الذهبي وقوة زيوس الجديد الذي يحكم العالم من خلال ناديه، نادي الوردة الزرقاء. والإنسان في النهاية، الإنسان الكادح البسيط، الإنسان الباحث عن حياة حرة كريمة. هو الضحية.

هذا محور رئيسي اشتغل عليه وليد فاضل بإخلاص وبتقنية مسرحية جيدة مستفيداً من تجارب الطليعيين -غالباً- في إطلاق المخيلة الحلمية إلى أقصى حدود الحرية في رسم شخصياته التي تجمع تارة بين القسوة والغرائبية، وتارة أخرى بين الشفافية والهدوء المختزن للآلام الإنسانية، والتي تقع جميعاً تحت ضغط قدرية خفية عمياء، لا تمت إلى القدرية الإلهية الأولى بصلة. وقد أتاح له ذلك تناول قضايا إنسانية كبرى تسوق العالم إلى وجود كارثي، في حين شغل غيره- وأقصد بعض الكتاب المسرحيين-  بالكتابة في تفاصيل قضايا سياسية واجتماعية محلية.

وإذا كان بعض كتابنا المسرحيين قد جعل منهم الإعلام وتركيز الأضواء بمثابة قدر لنقادنا ودارسينا المسرحيين فهم يتناسخون الدراسات المتتالية عنهم من غير أن يأتوا بجديد، فنحن اليوم بحاجة إلى الخروج من هذه القدرية النقدية إلى تناول أسماء هامة لا تقل قيمة عن تلك وربما تزيدها قيمة، في المسرح السوري خاصة والعربي عامة، لم تحظ بالدراسة التي تستحق.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إحالات

* وليد فاضل كاتب مسرحي سوري من مدينة حمص، يكتب منذ السبعينات، وعضو في جمعية المسرح في اتحاد الكتاب العرب،صدر له عدد من المسرحيات منها اوربه أميرة صور، الخفاش، السمفونية الهادئة، وله دراسات قيمة في المسرح.

* سلسلة مسرحيات عربية (9) وزارة الثقافة . دمشق 1986

* سلسلة مسرحيات عربية (10)وزارةالثقافة. دمشق. 1986

* سلسلة مسرحيات عربية (1) وزارة الثقافة. دمشق 1985

* سلسلة مسرحيات عربية (12) وزارة الثقافة . دمشق 1992

 

         

         

 

           

 

* وليد فاضل كاتب مسرحي سوري من مدينة حمص، يكتب منذ السبعينات، وعضو في جمعية المسرح في اتحاد الكتاب العرب،صدر له عدد من المسرحيات منها اوربه أميرة صور، الخفاش، السمفونية الهادئة، وله دراسات قيمة في المسرح.

* سلسلة مسرحيات عربية (9) وزارة الثقافة . دمشق 1986

* سلسلو مسرحيات عربية (10)وزارةالثقافة. دمشق. 1986

* سلسلة مسرحيات عربية (1) وزارة الثقافة. دمشق 1985

* سلسلة مسرحيات عربية (12) وزارة الثقافة . دمشق 1992

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock