حصريا.. د. أحمد محمد عبد الامير يكتب: تجربة “السندباد” مايم خيال الظل.. حكاية ظل هارب من سرديات ألف ليلة وليلة!

المسرح نيوز ـ العراق| د. أحمد محمد عبد الامير

ـ

( السندباد يعيش التقانة الرقمية )

عرض ايمائي صامت ينتمي الى فن ( مايم خيال الظل ) من انتاج ( دائرة السينما والمسرح / الفرقة الوطنية للتمثيل ) تقدمه ( ورشة دمى للتمثيل الصامت وخيال الظل / بابل ) . استخدم فيه التقانة الرقمية وبرامجيات الحاسوب في خلق الفضاء الافتراضي الظلي للعرض . سيناريو واخراج ( د. أحمد محمد عبد الامير ) ومساعد مخرج وتمثيل ايمائي ظلي للفنان ( حسين مالتوس ).

حكاية يرويها ظل يعيش الاغتراب .. رحلة يمتد عمقها نحو جذور روح تبحث عن مستقر لها . هاربا من المدن الغريبة . ظل لمْ يتعَبْ من السفر .. السندباد ليس سندباد الف ليلة وليلة انه ظل يمثلنا جميعا يكشف حجم ماساتنا وحيرتنا مع الظل يكشف احلامنا الذي لا يتحقق . في عرض ( السندباد ) لا نرى ( علي بابا ) ولا ( ياسمين ) الطائرة المسحورة اللطيفة ، بل نرى ظلالنا ترحل وتتجول باحثة عن وجودها .. رحلة افتراضية يحاول كادر العرض تجسيدها لعلنا نصل الى الحلم المنشود بين طرقات الخوف والموت ، يضيع فيها العمر هباء .. كل منا سندباد ، يحمل حكايته ليرويها  .. انها حكايات الظل ، حكايات الحقيقة وسنرى انفسنا هناك ..

حكاية ( السندباد ) جدلية والوجود والعدم ، شخصية ( السندباد ) السفير المادي والروحي للإنسانية المعذبة التي تبحث عن الاستقرار والامان الروحي .. رحلة افتراضية تبدا من النشاءة الاولى لظل الشخصية ورحلتها في عالم المثل ومن ثم ارتكابها الخطيئة الأولى ونزولها إلى العالم الأرضي وصراعها مع الشخصية الأرضية التي تمثل الواقع لتمنعه من تحقيق حلمه في الاستقرار، والامان، والسلام، حتى في حلم العودة .. كما تكشف التجربة الظلية جزءا من الواقع العراقي ليمثل الواقع العالمي .

 

هذه التجربة الرابعة ( لورشة دمى للتمثيل الصامت وخيال الظل ) الاولى في عرض كامل في مسرحية ( صور من بلادي ) قدمت في عام ( 2012 وعام 2013 م ) قدم وفي مهرجان الشباب العربي الاول في بغداد ، اضافة الى تصميم مشاهد مايم خيال الظل في مسرحيات حوارية كجزء اساس من ضمن بنية العرض المسرحي . ونجد ان فنون الظل هي فنون المستقبل الذي يمكن ان يعكس التطور التقني والمعرفي والجمال كما انه ارض خصبة للتطوير والتقدم بعد ان عانى الفن الحواري من ازمة المراوحة والثبات في العقود الاخيرة . فنون الحركة والظل سيكون لها الفضاء الرحب امام الفرجة الجماهيرية لما يتمتع به الظل من مشاركة بصرية ووجدانية مع المتلقي لأنه جزء من التجربة الذاتية ومرتبط بذكريات الطفولة وهواجس الذات ومن التعبير المجازي للغتنا المنطوقة كما يمدنا بإمكانات واسعة للتعبير الجمالي والصوري بشكل واسع .

كما يمكن لنا ادخال التقنيات البصرية ، اذ استطعنا في هذا العمل من تطبيق التقنيات البصرية والمونتاجية السينمائية بشكل يتيح تجسيد وتصوير بيئات واسعة ، مما ترتب عنه ولوج تجربتنا الى مجالات تقنية سينمائية تحقق لنا تصوير وتجسيد البيئات الافتراضية التي يسعى العمل تحقيقها وتقديمها في العرض الظلي الصامت ، كما يفتح الباب واسعة لتحقيق المشاهد الافتراضية والسريالية بشكل اوسع ويحقق الطرح الجمالي والاثر البصري على المتلقي الذي خبر الصورة والحركة ودلالاتها اثر التقدم التقني والبصري الواسع للأنترنيت والساتلايت واجهزة التواصل التقني والاجتماعي الرقمي .. كلها تفتح المجال لحوارية بصرية دلالية مع المتلقي ، يجعل التجربة الفنية المسرحية امام محك صعب مع هذا المتلقي ، والذي سعينا التحاور البصري معه ..

 

تجربة ( السندباد ) تجربة فريدة محليا من حيث استخدامها الواسع للتقانة الرقمية والمونتاج السينمائي لخلق  ( الظل الرقمي ) والتي يسعى صاحب العرض من تدشين هذا المصطلح الى الساحة الفنية ، ليكون العرض مشروعا تطبيقيا له عبر الاستخدام الدقيق للتقانة التي وفرت الجهد الفني والادائي لإنتاج العرض .

من صعوبات هذا النوع من تجارب ( مايم خيال الظل ) انها بحاجة الى فريق متدرب بفنون الاداء الايمائي الصامت ، كذلك الى وجود مكان خاص للتدريب يحقق الظل على ستارة بيضاء ووجود جهاز عرض مناسب ، يضاف اليها وجود مصمم للتقنية الصورية والمونتير يرافق التجربة الحداثوية كتجربة السندباد الاخيرة .

 

يتألف العرض من عدة مشاهد وتالف من ( 13 مشهدا ) ظليا ، زمن العرض ( 30 دقيقة ) نصف ساعة ، مجموعة العمل تتكون من : سيناريو واخراج ( د. احمد محمد ) نساعد مخرج , اختيار المؤثرات والاقتراح  للوني للعرض للفنان الشاب ( حسين مالتوس )، اما التقانة الرقمية ( منتصر العذاري ) .

 

استخدمت في تشكيل ظل العرض وخلفياته التقنية الرقمية والبرامجيات البصرية الحديثة ومنه (3D  ماكس ، البكسل ، افتر افكت .. الخ ) تراكبت وتعاضدت لتشكيل الصورة الظلية .

 

 

نبذة عن الورشة : تأسست في عام ( 2006 م) بابل، تهتم بتقديم الاعمال الإيمائية الصامتة: البانتومايم، والمايم بأنواعه ( مايم شوارع ، مايم موضوع )، والرقص الدرامي / مايم خيال الظل .. قدمت عدة فعاليات محلية وعربية تهتم بالتدريب والورش والاعمال الايمائية والظلية واخرها ورشة خيال الظل قدمت الى ذوي الحاجات الخاصة وقدم على اثرها عرضا ايمائيا ظليا صامتا ام الجمهور قدمه نزلاء مدرسة الامل لذوي الحاجات الخاصة كمحاولة لتطوير قدرات النزلاء الادائية والجمالية والتعبيرية والمشاركة الوجدانية معهم .

 

تجربة ( السندباد ) الظلية تختلف عن باقي التجارب الظلية السابقة من حيث اعتماها على الافق التقني في تشكيل فضاء العرض بعيدا عن الاسلوب السابق الذي كان يركن الى استخدام الاسلوب الاداء المعروف في الاعتماد على قدرات الجسد او الاجساد مجتمعة في تشكيل الفضاء وتكوين البنى الشكلية للعرض ، استنعى هنا بالتقنية الرقمية لتشكيل الفضاء من جانب ، واعطاء بعد اخر لم يكن للتجارب الظلية المقدمة من قيل الفرق الغربية المعروفة من حيث اضفنا البعد الثالث للظل ، اذ من المعروف ان تقنية الظل تعتمد على بعدي الطول والعرض لظل المؤدي وللأشكال مع استخدام الشفافيات التي تحوي البعدين .. وقد استخدمناها سابقا وانتفت الحاجة اليها في عرض السندباد مستعينين فيها بقدرة الصورة الرقمية من تشكيل بيئة الظلية الثلاثية الابعاد ( الطول ، والعرض ، والعمق )، كما تمكنا من اضافة البعد الاخر للأشكال وهي اللون والخامة للشكال وللفضاء الافتراضي لم يكن من السهل ادخالها في العروض المعروفة . وهذا ما يحسب على هذه التجربة المعاصر .

 

هذه الخطوة التجريبية كلفتنا جهدا معرفيا لاكتشاف قدرات التقنية الرقمية التي كانت بعيدة عنا لأسباب ثقافية جعلتنا لا نركن اليها ، وانها بعيدة عن اختصاصنا وضرورياته الفنية والجمالية الى في مجال ضيقة يؤديها فنيون اكفاء . فاضطررنا ولوج فضاءها الواسع لننهل لخلق المشهد الدرامي أو التعبير عن الحالة الانسانية ، والذي تطلب لآجله وقتا طويلا ، كذلك تطلب قدرا من المال للمنفذ والمصمم التقني خلف الحاسبة الالكترونية وبرامجياتها الواسعة والمتعددة ومن الاختصاصات النادرة والمكلفة ايضا . ومن جانب آخر ، التجريب ومدياته والوقوع بأخطائه لأننا ندخل مكانا لم يخبرنا احد او قام بتجربتها فاعتمدنا على الذات وقدراتها ، كما تطلبت بعض المشاهد الجمع ما بين الاسلوب الادائي التقليدي للظل ودمجه مع التصوير الفلمي وادخاله التقنية للرقمية لخلق اشكال وبيئات تحقق الفكرة الرمزية للمشاهد وابعادها التعبيرية الحديثة .

 

للعرض الظلي الحديث ( مايم خيال الظل ) يتطلب بيئة مكانية خاصة يشترط فيها العمق خلف الستارة والاظلام التام فالأماكن المفتوحة لا يمكن تقديم العرض الظلي الا في شروط خاصة . ادوات العرض ستارة بيضاء كبيرة ذات خامة خاصة مناسبة مع جهاز اضاءة ، مما يجعله قليل الكلفة ماديا وصعب التحقق للشروط الطبيعية كذلك التمرين المستمر لمجموعة العرض التي تتطلب مؤديا ايمائيا من جانب وواعيا بشروط واعراف مايم خيال الظل .

إن مواصفات ممثل خيال الظل (الجسدية، والعقلية، والأدائية) هي: الذاكرة والحساسية، الذكاء ، سرعة الإدراك ، التذوق للموسيقى ، المعرفة بفن الرسم والنحت ، المعرفة بمبدأ الانسجام والنسب ، تكامل الهيئة الجسدية ، سرعة الحركة والمرونة ، وحسن الخلق، والجدية بالعمل واتقانه من حيث النسب والتوازن والتناسق في الأداء ، وأن يكون ذا حس إنساني متقدم، وان يتماها مع الموضوع المقدم . وأن يكون رياضيا ومتمكنا من أدواته ، ومرتبطا ببيئته الثقافية ، ذا ذاكرة حسية وانفعالية متمرسة ، وعارفا بأعراف التمثيل الإيمائي وتقاليد خيال الظل ، وبمفهوم الإيماءة واليات الإرسال والقراءة . للظل الصامت لغة ولغته تتكون من العناصر: الشكلية، والأدائية، والإيمائية، واللونية، والفراغية، والصوتية، التي تتشكل وتندمج في فضاءات الشاشة البيضاء, لتشكل المعني الظلي في بنية سمعية بصرية رصينة. ولأجل أن يجذب عمل خيال الظل انتباه المتلقي وان يؤدي دوره التعبيري وجب أن تنتظم عناصره فيؤدي دورها الجمالي والدلالي المطلوب في العمل. والاستخدام الصحيح لهذه العناصر يجعلها ذات أثر حسي وذهني في ذات الوقت من الناحية الجمالية والدلالية .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock