نصوص

حصريا .. نص مسرحية “ولاية الأحلام” للكاتب السعودي “عباس الحايك”


المسرح نيوز | نصوص | عباس الحايك*

كاتب مسرحي ـ السعودية

ـ

ولاية الأحلام

 

 

الشخصيات:

جودت : بائع سميط. ذو شخصية ضعيفة لا يملك قرارا، ويخاف من أي شيء يتعلق بالسلطة.

ألماسة: زوجته، في نهاية العشرينيات من عمرها، ذات شخصية قوية، تحب المظاهر والتسوق أكثر من أي شيء آخر.

الوالي يلمظ باشا: والي الولاية، شخصية مهزوزة يعتمد في قرارته على زوجته ياسمينة خانم ووزيره طلعت باشا.

ياسمينة خانم: زوجة الوالي، لا تملك هدفا سوى الحياة في عز الولاية، ولها سلطة على زوجها الذي لا يخالف أوامرها ولا يرفض طلباتها. تنام وتحلم أحلاما تريد دائما تحقيقها في الواقع.

الوزير طلعت باشا: رجل حكيم، يحاول التوفيق بين شعب الولاية ورغبات زوجة الوالي وبالتالي زوجها. من أبناء الولاية.

قائد الدرك: رغم قساوة ملامحه إلا أنه يضمر الطيبة والحنان، ينفذ أوامر الوالي دون قناعة.

درك: يحفظون أمن الولاية ويعملون في جباية الضرائب من الناس.

باعة في السوق:

الدرويش: يقوم برقصات صوفية ويغني أغاني صوفية بالغزف على الدف.

 

المشهد الأول

 

المنظر نهاري، في ولاية من ولايات السلطنة العثمانية، ودون تحديد زمني، ولاية تبدو غريبة بشكل بيوتها وألوانها، وألوان حوانيتها وشوارعها، وبملابس أهلها أيضا، ملابس عثمانية لكن بألوان بين الزهري والازرق السماوي. ينقسم المسرح إلى أربعة أقسام، تدور الأحداث في كل قسم بالتناوب. في أقصى اليمين، قصر الوالي يتوسطه عرش الفخم، وفي وسط اليسار يبدو السوق حيث تتوزع الحوانيت التي تبيع الاقمشة والأواني النحاسية والطعام، وفي وسط اليمين، المقهى بعض الكراسي والطاولات الصغيرة، وفي أقصى اليمين، منزل جودت وزوجته ألماسة، منزل متواضع.

تبدأ المسرحية باصوات الباعة في السوق، كل يعرض بضاعته بصوت مرتفع، ومنهم بائع السميط (الكعكة التركية المدورة) جودت، الناس في حركة دؤوبة، الدرك الذين يرتدون ملابس زرقاء سماوية وبشكل غريب يحرسون السوق وهم يجولون في أرجائه. يتوقف زبون عند جودت ليشتري منه السميط.

جودت:          (يعرض بضاعته بابتسامة) وهل تريدها بالجبنة، أو بدون؟.

الزبون:          بالجبنة.

يعطي جودت الزبون قطعة الكعك خاصته ويتسلم نقوده، يقبلها ويضعها في جيبه، وفي هذه الأثناء تقترب منه زوجته ألماسة، تصل إليه. يتنبه لوجودها. يفزع.

جودت:          أنت؟

ألماسة:          نعم أنا. (تمد يدها له) اعطني ما في جيبك من مال.

جودت:          (مرتبكا) أي مال؟. لا مال لدي.

ألماسة:          لقد بعت أكثر ما في عربتك من كعك. اين ذهبت بالمال؟.

جودت:          وماذا تريدين بالمال يا ألماسة؟.

ألماسة:          ألا ترى. أنا بالسوق. أحتاج للمال لأتسوق.

جودت:          ولكنك تملكين مما تأخذينه مني. اتركي ما معي من مال حتى أشتري به طحينا وسكرا.

ألماسة:          دبر نفسك. أنا لن أتركك إلا بالمال الذي تخبئه عني.

جودت:          (ضجرا) أوووف منكِ. أنت تصرفين كل ما لدينا من مال دون داع.

ألماسة:          دون داعٍ؟. (بغضب) ستدفع المال غصبا عنك.

تهجم عليه وتحاول انتزاع المال من جيبه لكنه يأبى. يقترب الشاويش (الشرطي) منهما.

الشاويش:       هيه. ما الذي يحدث هنا؟. هل من مشكلة؟.

ألماسة تترك جودت وتقترب من الشاويش.

ألماسة:          لا مشكلة. ثم من دخلك أنت في أمر عائلي؟.

الشاويش:       (بشيء من الغضب) أنا من دخلني؟. أنا الشاويش هنا. وظيفتي أن أحرس السوق من اللصوص والنصابين.

يبدو الخوف على وجه جودت. الذي يحاول أن يسكت زوجته ببعض إشارات من يده. فلا تعيره ألماسة اهتماما.

ألماسة:          وهل ترانا لصوصا أو نصابين؟. رجل وزوجته يتجادلان. ما دخل الدرك فيهما. أم أن فرمانا جديدا أصدرتموه لتمنعوا الزوجات من الكلام مع أزواجهن؟.

جودت الخائف يتصبب عرقا. يحاول استرضاء الشاويش.

الشاويش:       يا أمرأة. أنا هنا دركي. يعني مسئول عن الأمن. ولم أقصد التدخل في أي شأن عائلي.

ألماسة:          ولكنك تدخلت.

جودت:          (للشاويش بارتباك) سامحني يا عمي الشاويش. إنها لا تقصد. سامحها.

الشاويش:       (يهم بالابتعاد) أعانك الله يا جودت على سليطة اللسان هذه.

ألماسة:          ومن تقصد بسليطة اللسان؟.(تواجه جودت) ثم أنه ليس عمك يا جودت. هو مجرد شاويش.

يبتعد الشاويش، وهو يحوقل ويضرب كفا بكف. يراقبه جودت وعليه ما زال الخوف والترقب.

جودت:          (بصوت هامس) لماذا تفعلين هذا يا ألماس؟. تورطيننا مع الحكومة.

ألماسة:          إنه ليس حكومة. إنه مجرد شاويش. وانا لم أرتكب جريمة. (تستدرك) المهم، أعطني المال الآن.

جودت:          لن أعطيك شيئا.

ألماسة:          حسنا إذا. ساذهب إلى الشويش وأضربه، بعدها سيعتقلوني أنا وأنت ويودعاننا السجن.

جودت:          (خائفا) لا، إلا السجن. سأعطيك المال.

يفرغ ما في جيوبه من ليرات ويعطيها لزوجته التي بدا عليها الفرح.

ألماسة:          (وهي تضع الليرات في جيوبها) سأشتري قطعة قماش مقصب، إذا لبسته سأكون أجمل من في حفلة العرس. ألا تستحق زوجتك الأنيقة ثوبا أنيقا؟.

جودت:          (متبرما) تستحق، تستحق.

يسمع صوت الدرويش وهو يغني أغان صوفية..

الدرويش:       أمن يرى ما في الضمير ويسمعُ

أنت المُعِـدُّ لكلّ ما يتوقَّعُ

يا من يُرجَّي للشدائد كلِّها

يا من إليه المشْتَكَي والمفْزعُ

يا من خزائن رزقه في قول كُنْ

أَمْنُنْ فإن الخيرَ عندك أجمعُ

ما لي سوى قَرعي لبابك حيلة

فَلَئِن رُدِدْتُ فأيَّ بابٍ أقرعُ (أبو القاسم السهيلي)

يصل إلى منتصف المسرح، يقترب من جودت وألماس، يتفحص في وجهيهما.

الدرويش:       (وبنفس نمط أغانيه) على وجهيهما سحنة الملوك.

ألماسة:          نحن؟، (بسخرية) يبدو أنك بدأت تخرف أيها الدرويش.

الدرويش:       أنت أميرة، وهذا البائع ملك.

جودت:          نعم، انا ملك السميط في هذه الولاية. (يعطيه كعكعة سميط) خذ تذوقها لن تجد مثل لذتها.

يأخذ الدرويش الكعكة، يعرضها أمام جودت.

الدرويش:       حياتنا دائرة كالسميط، لا أول لها ولا آخر، حين نبدأ من هنا (يشير إلى موضع من الكعكة) ننتهي إليه. ملوك .. وجهيكما كالملوك. (يغادر وهو يغني)

الدرويش:       تركت الفؤادَ عليلاً يعادُ

وشرّدتُ نومى فمالي رقادُ (سمنون)

جودت:          (يناديه) هيه، تعال لم تدفع لي قيمة الكعكة.

ألماسة:          اتركه إنه درويش. ألم تسمع تخريفاته؟. المهم الآن أنا ذاهبة، إلى اللقاء.

جودت:          والمال؟، لم تتركي لي شيئاً.

ألماسة:          (تضحك وهي تغادر).

جودت:          (منهزما) يا الله ما هذا الذي يحصل لي.

يقترب الشاويش منه دون أن يشعر جودت. ينقر على كتفه. يفزع ويصرخ في وجه الشاويش.

جودت:          ماذا تريدين أيضا؟.

يرتبك الشاويش، فينتبه جودت، فتتغير ملامحه فيبدو الخوف على وجهه وجسده الذي يرتعش.

جودت:          (مرتبكا) أنا لم أقصد يا عمي الشاويش. ظننتك هي.. أنا لا أريد أسجن.

الشاويش:       ما هذا النهار؟. من أوله نكد. (يصرخ في وجه جودت) أنا لم آت لأسجنك يا جودت. أريد قطعة سميط واحدة فقط.

جودت:          (بارتعاشة يرفع قطعة ويعطيها للشاويش) تفضل.

الشاويش:       ولكني أريدها بدون جبنة.

جودت:          حسنا. بدون جبنة. (يعيدها ويرفع آخرى يعطيها للشاويش)

يأخذ الشاويش القطعة، يعطي جودت ليرة. يرفض جودت أخذها. يضع الشاويش الليرة على العربة ويغادر. يأخذ جودت الليرة ويضعها في جيبه.

يتلاشى صوت السوق وإضاءته. يضاء أقصى اليسار على قصر الوالي. العرش خال. يسمع صوت الوزير طلعت باشا من الداخل.

صوت الوزير:  لا تخشَ يا مولاي. لن يكتشف الأمر.

يدخل الوالي، وخلفه الوزير، يصعد الوالي على عرشه ويقف الوزير على يمينه.

الوالي:           (بعد لحظات من التفكير) ألا تظن أن أحدا من أهل الولاية قد يسرب الأمر للباب العالي.

الوزير:          (يضحك محاولا التخفيف من قلق الوالي) ومن من أهل الولاية سيصل إلى الباب العالي؟. من الصعوبة الوصول إلى هناك. ثم أنت تعرف أن لا علاقة لأهل الولاية بالعاصمة.

الوالي:           (بنوع من القلق) يا طلعت باشا، إن الفرامانات التي نصدرها غريبة. كيف سيتحملون؟.

الوزير:          لا تخف. الناس هنا طيبون ومسالمون. ولا يبحثون عن مشاكل.

الوالي:           أريد أن أطمئن. فالخوف يلاحقني. وأحيانا أشعر بالذنب يا طلعت باشا لأجلهم. لكن ما باليد حيلة.

الوزير:          أجل يا مولاي. ما باليد حيلة. أنا خائف أن نتمادى معهم. لا ندري ما الحلم القادم لهذه الولاية. أين ستآخذنا أحلام ياسمينة خانم؟!.

الوالي:           بل أين ستأخذني أنا!. صرت أخاف أن يعلم شعبي بأني مهزوز أمامها. لا شخصية لي.

الوزير:          إلا هذي. لا نريد أن يتسرب هذا الأمر إلى الرعايا أو إلى الباب العالي. لن يرضى الباب العالي أن يحكم الولاية والٍ ضعيف الشخصية.

الوالي:           والله يا طلعت باشا أنا أغتبط الولاة الآخرين في السلطة، مجالس سهر وفرح. وأنا ممنوع علي أن أرفع عيني لأي إمرأة. كل الولاة يتزوجون ثانية وثالثة إلا أنا. والله مسكين أنا.

الوزير:          (يضحك) لا بأس يا مولاي. ياسمينة خانم جميلة.. و ..

الوالي:           (يقاطعه) ماذا، جميلة؟.. أنت تغازل زوجتي بحضوري.

الوزير:          (مرتبكا) لم أقصد ذلك .. ولكن.

الوالي:           لا بأس، هي جميلة. لكنها متسلطة.

يسمع صوت ياسمينة من الداخل وهي تنادي الوالي، يعدل الوالي جلسته..

ص. ياسمينة:  يلمظ. اين أنت؟.

الوالي:           (متذمرا وبصوت هامس) هل سمعت يا طلعت باشا. تناديني هكذا وكأني لست الوالي حتى عليها.

الوزير:          (هامسا) لا عليك. تحمل من أجلك ومن أجل الولاية.

تدخل ياسمينة بملابسها الفخمة، تمشي مشية الملوك. تقترب من الوالي، الذي يتصنع الابتسامة.

الوالي:           (متصنعا السعادة) صباح الخير ياسمينتي الغالية. يا الله، كم أنا محظوظ بجمالك يا حبيبتي.

ياسمينة:         أووه، طلعت باشا هنا. هل انتم في اجتماع؟.

الوزير:          ابدا يا مولاتي. إذا أردتي سأخرج من هنا.

يشير الوالي للوزير بيده ان يبقى.

ياسمينة:         لا، أريدك أن تبقى.

يتنفس الوالي الصعداء، وتعتلي وجهه ابتسامة.

الوزير:          أنا باقٍ تحت أمرك ياسمينة خانم.

ياسمينة:         (تقترب من الوالي) تخيل يا يلمظ ماذا حلمت البارحة؟.

الوالي:           (بارتباك) حلم؟، مرة أخرى؟.

الوزير:          (بارتباك) إنك تحلمين كثيرا يا مولاتي. يبدو أنك متعبة، أنصحك ان تسافري لحضرة الوالد والوالدة لترتاحي هناك بعض الشيء.

الوالي:           (سعيدا بالفكرة، يقف متحمسا) نعم، نعم يا ياسمينة، أنت تتعبين كثيراً وتحتاجين للراحة. سآمر السائس بتجهيز قافلة سفرك. (ينادي) يا ..

ياسمينة:         (تقاطعه) ولكني لن أسافر حتى يتحقق حلم البارحة. كان حلما جميلا.

الوالي:           (محبطا) لكن ..

ياسمينة:         ألا تريدان الاستماع لحلمي؟. كأني أفهم أنكما ضجران من تحقيق أحلامي.

الوالي:           (بارتباك) أبداً، من يجرؤ على الضجر من أحلامك يا ياسمينة؟. ألا ترين الرعايا كيف يحلفون باسمك؟.

الوزير:          أنت حولتي الولاية إلى أجمل ولاية في السلطنة، من من الولايات كولايتنا الجميلة؟، الوردية.

ياسمينة:         (تضحك بفرح) حقاً. الناس سعداء أليس كذلك؟.

الوزير:          نعم يا مولاتي، ويدعون لك بطول العمر. يا طويلة العمر.

الوالي:           لو عرف الباب العالي، ربما من فرحه بنا، سينقلنا إلى ولاية اخرى حتى تتحول إلى ولاية جميلة مثل هذه الولاية.

ياسمينة:         (بفرح) إذاً يجب أن تخبروه.

الوزير:          (بارتباك) ليس الآن يا مولاتي، سيأتي الوقت. أم أنك ضجرتي منا وتريدين الانتقال عنا؟.

ياسمينة:         لا، ولكني أحب التغيير. وبصراحة بدأت أمل من هذه الولاية. (تقترب من الوالي بغنج) حبيبي يلمظ، ابحث لنا عن ولاية جديدة غير هذه.

الوالي:           وأين تريديننا أن نذهب؟!. ثم أنني لازلت أحب هذه الولاية وأهلها. إنهم مسالمون وطيبو القلب.

الوزير:          المهم يا ياسمينة خانم، دعينا من موضوع الانتقال إلى ولاية أخرى. ودعينا نسمع حلمك.

ياسمينة:         (تتوسط المجلس، وبفرح) حسنا طلعت باشا. اسمعا. البارحة كان حلمي مختلفا.. جميلا ولا بد أن تحققاه لي.

تتلاشى الاصوات من القصر، وتعود أصوات السوق، حيث ما زال الناس يتسوقون ويجولون في السوق. يسمع صوت دخول الحاجب والدرك المرافقين له بطبولهم، يتجمع الناس حول الحاجب الذي يبدأ بقراءة الفرمان.

الحاجب:         فرمان من والينا المعظم يلمظ باشا بن سنان باشا والي ولاية الأحلام. (يقرأ) بسم الله الرحمن الرحيم، نأمر نحن والي ولاية الأحلام يلمظ باشا جميع أهالي الولاية بتلوين كل حيواناتهم الأليفة والسائبة باللون الوردي.

يبدأ اللغط عند الناس والاستنكار، حتى عند الشاويش ورئيس الدرك الذي يرافق الحاجب.

الحاجب:         (يكمل) ومن يخالف فرماننا، فإنه سيكون عرضة للعقاب والحبس. مع خالص أمنياتي لكم بحياة وردية، محبكم واليكم الهمام يلمظ باشا.

يلف الحاجب فرمانه، وينسحب وهو يدق طبوله وسط استغراب الناس، يقف رئيس الدرك وسط الناس.

رئيس الدرك:   (بدهشة) حتى الحيوانات. لا حول ولا قوة إلا بالله. (يرفع صوته آمرا) هل سمعتم أيها الناس من لم يمتثل للفرمان سيكون عرضة للحبس. لا نريد أي حيوان في هذه الولاية بلون غير الوردي.

تقف ألماسة في وجه رئيس الدرك يتابعها جودت بخوف وقلق، يتحسس عنقه.

رئيس الدرك:   (ينتبه لها) ماذا؟

ألماسة:          هل أنتم جادون بفرمانكم هذا؟

رئيس الدرك:   وهل نمزح معكم؟. نعم جادون..

ألماسة:          وهل ستوفرون انتم الأصباغ للناس؟.

رئيس الدرك:   طبعا لا. ككل مرة، سستكفلون بالاصباغ وستصبغون الحيوانات بأنفسكم. وعليك أن تصبغي حيواناتك بالوردي.

ألماسة:          أنا ليس لدي حيوانات.

رئيس الدرك:   (باستهجان) إذا لماذا هذا الامتعاض من فرمان والينا المعظم؟.

ألماسة:          من أجل هؤلاء، من أين لهم المال الذي يشترون به الأصباغ؟.

رئيس الدرك:   ليش شأننا.

ألماسة:          (ترفع صوتها وسط استغراب ودهشة الناس) شأنكم أن تصدروا الفرمانات؟.

رئيس الدرك:   أنت تخطئين، ترفعين صوتك في وجه رئيس الدرك. (يكلم الناس) أين زوج هذه المرأة؟

يشير البعض إلى جودت الذي يبدو في حال يرثى لها من الخوف والصدمة. يتجه رئيس الدرك إلى جودت، يتصبب عرقا ويزداد خوفا.

رئيس الدرك:   (لجودت) هل هذه زوجتك؟.

جودت:          (لا يستطيع الكلام)

رئيس الدرك:   (يصرخ في وجهه) هل هذه زوجتك؟

جودت:          (تفك عقدة لسانه) نـ.. نـ .. لا لا.

ألماسة:          (بكل ثقة) نعم زوجته، وأنت تعرفني وتعرف أني زوجته.

رئيس الدرك:   (لجودت) دع زوجتك تعود إلى بيتها، وإلا حبستك أنت.

يرتعش جودت من الخوف، ويتصبب عرقه، يشعر بآلام في بطنه، يعتصر بطنه، ويسقط مغشيا عليه. يتجه الناس ناحيته لرفعه من الأرض.

تتلاشى أصوات السوق، ويرتفع صوت الوالي المهموم، في قصره. بجانبه يقف وزيره.

الوزير:          لا عليك يا مولاي.

الوالي:           لا علي؟، أنظر ماذا فعلت ابنة الـ… ، هل يعقل يا طلعت. حتى أحصنتي وأفراسي صبغتهم بالوردي. كيف تريدني أن احتمل كل هذا؟.

الوزير:          مهما حدث هي زوجتك، والزوج دائما ما يتحمل نزق زوجته وطلباتها التي لا تنتهي.

الوالي:           لكن هذه الطلبات تأتي على حساب الرعايا. أنا أريد أن أكون واليا طيباً يحبني رعاياي ويحترمونني. أما الآن فأكيد أنهم يتمنون خروجي من كرسي الولاية بأسرع وقت.

الوزير:          يا مولاي أنا ابن هذه الولاية، أعرفها جيدا، ربما أكثر مما تعرفها انت. وأنا على يقين من طيبة أهلها. أكيد سيتحملون كل هذا وسيغفرون لك. لم يحدث ان حدثت مشكلة بين أهلها والولاة السابقين.

الوالي:           أتمنى ذلك.

يسمع صوت نباح كلب وضحكات ياسمينة، يعدل الوالي جلسته منتظرا دخولها المجلس.

الوالي:           (متذمرا) جاءت. يا الله صبرني.

تدخل ياسمينة وفي يدها حبل كلب مصبوغ بالوردي بالكامل. تقرب الكلب من الوالي الذي يخاف ويهرب من كرسيه. يزيد نباح الكلب.

ياسمينة:         (بغنج) يلمظ، حرام عليك أخفت الكلب.

الوالي:           (وهو مختبيء خلف الكرسي خوفا من الكلب) أنا حرام علي؟، أنا من أخفته يا ياسمينة؟.

ياسمينة:         نعم، انظر أنه ينبح خوفا منك.

الوالي:           يا حبيبتي يا ياسمينة، لماذا اخترتي هذا الكلب الضخم؟. كان يمكن أن أجلب لك افضل كلب من أي مكان في العالم. بدلا عن هذا المتوحش.

ياسمينة:         أنا لا احب سوى هذا الكلب، إنه كلبي حبيبي خاصة بعد أن صار لونه ورديا.

الوالي:           كل الحيوانات في الولاية صار لونها وردي، وأولها أحصنتي وأفراسي. من يدخل اسطبلي يظن أنه في حانوت للحلوى.

ياسمينة:         (حالمة) الله، أكيد إنه جميل. أريد أن أزور الاسطبل. أريد أن أرى الأفراس الوردية.

الوالي:           حسنا، يمكنك زيارته في أي وقت، فقط ابعدي هذا الوحش عني.

ياسمينة:         إنه ليس وحشا هو حبيبي يلمظ.

الوالي:           اسميتي الكلب يلمظ، يا سلام.

ياسمينة:         لأني أحبك وجدت اسمك أجمل اسم يمكن أن أطلقه على كلبي.

الوالي:           (بنوع من الغضب) اسمعي يا ياسمينة، إذا وصل لأحد من الناس أنك أسميتي كلبك يلمظ فإني سأقتله.

ياسمينة:         (تصرخ بغضب) ماذا؟، تقتله؟.

الوالي:           (خائفا منها) لا، أقصد.. (نافذ الصبر) يا ياسمينة، إن ما تفعلينه خاطيء. كل يوم نصدر فرمانا أسوء من سابقه، لن يتقبل الناس هذه الفرمانات.

ياسمينة:         كل هذا لمصلحتهم، سترى كيف يأتي الزوار من كل مكان لزيارة ولايتنا الوردية.

الوالي:           لكنك لم تتركي شيئا بحاله.

ياسمينة:         بل قل لم أترك شيئا إلا وحولته جميلا. أنظر لدرك الولاية، إنهم أجمل درك في كل ولايات السلطنة، لو أن الباب العالي عرف بلون ملابس الدرك لجعله لباسا رسميا.

الوالي:           بل سيغضب، لن يرضى بما يحدث.

ياسمينة:         سيرضى، وانا متأكدة. (تهم بالخروج) سأذهب للأسطبل. هل ستاتي معي؟.

الوالي:           لا، لن أذهب إلى أي مكان. سأظل هنا.

ياسمينة:         إلى اللقاء (تتبع كلبها وتخرج).

الوالي:           (غاضبا) عليك اللعنة أنت وكلابك وأحلامك. علي اللعنة يوم تزوجتك. عليك اللعنة يا طلعت باشا لأنك سكتّ عن تجاوزاتها منذ البداية.

الوزير:          إهدأ يا مولاي.

الوالي:           كيف أهدأ وهذه المجنونة ستذهب بنا للجحيم.

الوزير:          إنها شابة وتحب الحياة، غدا ستنضج أكثر وتعي ماذا يعني شعب وفرمانات. كل شيء سيتغير.

تتلاشى الصوات، ويعلو صوت الماس في بيتها الذي ضاء على جودت يقعد على كرسي متواضع وبجانبه زوجته.        

ألماسة:          تتنكر لي يا جودت وأمام الناس وأمام رئيس الدرك؟.

جودت:          كنت خائفا من الحبس.

ألماسة:          كيف تخاف من الحبس. ألم تسمع أنهم يقولون أن السجن للرجال.

جودت:          (يضحك) إنه مثل غبي، الن أكون رجلا إلا بالسجن؟. لا أريد هذا النوع من الرجولة.

ألماسة:          لكنك خيبت أملي فيك.

جودت:          أنا؟، أنت تعرفين أنني أحبك.

ألماسة:          الحب أن تضحي لأجل حبيبك، لا أن تهرب عنه وتتنكر له.

جودت:          (يحاول التهرب) اتتذكرين الدرويش؟

ألماسة:          أي درويش؟.

جودت:          الذي التقانا في السوق وقال أننا كالملوك.

ألماسة:          (تضحك) وهل صدقت يا جودت؟، إنه رجل مخرف. من اين لنا ان نكون ملوكاً؟.

جودت:          ربما. كل مرة يراني يقول ذات الكلام.

ألماسة:          لا تخرف أنت أيضا. (تهم بالخروج)

جودت:          إلى أين؟.

ألماسة:          إلى بيت جارتي فكرت.

جودت:          كل ليلة؟.

ألماسة:          نعم كل ليلة. هل عندك مانع؟.

جودت:          لا. وأنا؟، ماذا أفعل.

ألماسة:          اذهب للمقهى ككل الرجال في الولاية.

جودت:          لكنك تعرفين، لا أحب الشاي ولا القهوة.

ألماسة:          لا تشرب شيئاً، استمع للحكواتي.

جودت:          أنا أحب الحكواتي لكني لا أحب كلام الناس هناك.

ألماسة:          ولماذا؟.

جودت:          يتحدثون عن الوالي وزوجة الوالي والفرمانات. وانا لا أحب أن أتحدث عن أحد.

ألماسة:          لا تتحدث، اسمع فقط.

جودت:          إذا ذهبت إلى هناك سأسمع كلاما عن الوالي.

ألماسة:          (بضجر تصرخ في وجهه) إذهب إلى المقهى وارحمني يا جودت.

جودت:          (بخوف) حاضر، سأذهب.

يخرج من البيت قبلها ركضا.

يتلاشى لصوت. ويرتفع صوت رواد المقهى. بعض رواد المقهى يتحدثون بينما يتحرك بينهم نادل المقهى الذي يقدم لهم طلباتهم.

رجل1:           وهل يعقل ما يحصل في الولاية؟.

رجل2:          ما باليد حيلة. كيف لنا أن نرفض هذه الفرمانات؟.

رجل1:          لقد أتعبتنا هذه الفرمانات العجيبة. من أين لنا المال لنصبغ الحيوانات. ثم قل لي. كيف نتقبل بقرة وردية، وثورا ورديا؟

رجل2:          (يضحك بسخرية) كما تقبلنا الدرك ورئيسهم بزيهم السماوي.

يضحك رجل1، يدخل جودت وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، يستمع لما قاله الرجلان، يبدو عليه الخوف، يهم بالهرب، ينتبه له أحد الرجلين. يناديه.

رجل1:          جودت، إلى أين تذهب؟.

يقف جودت مرتبكا ويواجه المقهى. يحاول الابتسامة بصعوبة

جودت:          أنا، لم أكن..

رجل1:          تعال اجلس معنا، واشرب فنجانا من القهوة.

جودت:          شكرا، تعرفني لا أشرب القهوة، لا أستطيع النوم. مع السلامة.

رجل1:          (يمسك بيد جودت ويدخله المقهى) تعال يا جودت، بعد قليل سيأتي الحكواتي.

جودت:          (يحاول التنصل، لكنه لا يستطيع) سأذهب الآن، وحين يأتي سأعود.

رجل1:          بل ستجلس حتى يأتي. شاركنا يا رجل الحديث.

جودت:          (مستسلما) حسنا. سأجلس.

رجل2:          ما رأيك يا جودت فيما يحدث للولاية؟

جودت:          (بنوع من الخوف) كل شيء على مايرام.

رجل1:          وهذه الفرمانات التي يطلعون علينا بها كل يوم؟.

جودت:          ما يأمر به والينا المعظم يجب أن يطاع، وهو في مصلحتنا.

رجل2:          لكنه يقضي علينا بالضرائب والأوامر التي تنتهي. هو وزوجته التي لن تترك شيئا في الولاية إلا صبغته.

جودت يستمع للحديث وعليه يبدو الخوف واضحا، يتلفت يمنة ويسرة.. يقف ويهم بالخروج.

رجل1:          لماذا وقفت؟، تعال اجلس.

جودت:          (وعليه يبدو القلق والخوف) لا، سأذهب إلى البيت.

رجل2:          يبدو أن الحديث لم يعجبك. إنك جبان يا جودت.

رجل1:          الوالي يفعل فينا ما لايرضي الله، ولا يرضي الباب العالي.

يحاول جودت الهرب، لكنه يصطدم برئيس الدرك الذي يدخل المقهى بملابس مدنية، يقف جودت مبهوتاً، يعرق جسده، ويرتجف خوفاً.

رئيس الدرك:   ما بك يا جودت؟.

جودت:          (مبهوتا) لا شيء. هل أذهب للبيت؟.

رئيس الدرك:   أحين أتيت أنا تذهب أنت؟. ألا تريد أن تجلس في مكان أنا فيه؟.

جودت:          لا، لكن..

رئيس الدرك:   تعال اجلس.

جودت:          أريد أن اذهب للبيت.

رئيس الدرك:   ما الذي يخيفك مني؟. هل كنت تذكر مولانا المعظم بالسوء؟.

جودت:          (يبلع ريقه وتداد رجفته) لا. أنا لا أتكلم عن مولانا المعظم أطال الله في عمره.

رئيس الدرك:   أها. أنت تعرف عقوبة من يذكر مولانا بالسوء. إنه السجن.

جودت:          (بصعوبة تخرج الكلمات) أعلم.

رئيس الدرك:   رغم كل ما يفعله مولانا وزوجة مولانا بالولاية.

جودت:          (يهز راسه إيجابا).

رئيس الدرك:   رغم الضرائب التي تفرض. ورغم الفرمانات التي لا ندري من أين يخترعها مولانا. فإنه لا بد أن ندعو له بمديد العمر.

جودت:          (يرفع يديه داعيا) يا رب احفظ لنا مولانا المعظم وزوجة مولانا المعظم، وأمد لنا في عمره.

رئيس الدرك:   (يربت على كتف جودت) أنت مواطن صالح يا جودت.

جودت:          (يهز راسه إيجاباً ويشير بأنه يريد الخروج).

رئيس الدرك:   اخبرني يا جودت. كيف هي الحياة معك؟

جودت:          الحمد لله مستورة.

رئيس الدرك:   أنت سعيد إذاً؟

جودت:          في ظل مولانا المعظم وزوجة مولانا المعظم، كلنا نعيش حياة سعيدة وهانئة دون منغصات.

رجل2:          إلا زوجتك يا جودت. كلنا نعرف أنها تنغص عليك حياتك.

رئيس الدرك:   صحيح. كيف تستطيع تحملها يا جودت؟

جودت:          انها امرأة طيبة تحب مولانا المعظم وزوجة مولانا المعظم.

رئيس الدرك:   إذا كانت تزعجك أو تنغص عليك حياتك سوف أسجنها.

جودت:          (خائفا) لا، إنها إمرأة طيبة. لا تسجنها يا رئيس الدرك. أنا أحب زوجتي ألماسة.

رئيس الدرك:   لا بأس يا جودت.

جودت:          هل يمكنني أن اذهب إلى البيت؟

يشير رئيس الدرك لجودت بأنه يمكنه الذهاب. يخرج جودت من المقهى راكضا بسرعة. وسط ضحكات الجميع.

يتلاشى صوت الناس في المقهى، يضاء بيت جودت حيث تمشط ألماس شعرها وهي تغني.

ألماسة:          (أغنية تركية)

يقطع غناءها صوت الباب الذي يفتح بسرعة، يدخل جودت وهو يلهث، يرتمي على الأرض.

جودت:          الحقيني يا ألماسة.

تهب له بسرعة وتقف عنده. وبقلق

ألماسة:          ما بك يا جودت؟.

جودت:          ماء. أريد ماء.

ألماسة تتركه وتجلب له الماء، يشربه بسرعة، يبلل جسده المتعرق، ويمسح رأسه بالماء وسط استغراب زوجته.

ألماسة:          هه، اخبرني الآن. ما الذي حدث؟

جودت:          (وهو يلتقط أنفاسه) أخبرتك أني لا أريد الذهاب للمقهى.

ألماسة:          وما الذي حدث في المقهى.

جودت:          كان رئيس الدرك موجوداً هناك.

ألماسة:          والمشكلة؟.
جودت:          تسألين ما المشكلة؟. كانوا يتحدثون عن فرمانات الوالي المعظم أطال الله عمره.

ألماسة:          والمشكلة؟.

جودت:          كيف يجرؤن على الحديث عن والينا المعظم وفرمانات والينا المعظم؟.

ألماسة:          وما المشكلة في حديثهم عن الفرمانات التي لا تعجب أحدا في الولاية. هل يرضيك ما يحدث؟.

جودت:          (يطبق على فمها يسكتها، ويهمس بخوف) اسكتي، ستفضحيننا. رئيس الدرك يقول أنه يريد أن يسجنك.

ألماسة:          (تحاول الهرب منه، وتتمكن بعد محاولات) لقد خنقتني يا جودت. لا أدري لماذا هذا الخوف والجبن الذي أنت فيه. ثم من يريد أن يسجنني؟

جودت:          رئيس الدرك.

ألماسة:          وما الذي فعلته لأستحق السجن؟.

جودت:          يقول أن لسانك طويل.

ألماسة:          (بغضب) ماذا؟، لساني طويل؟، من يظن نفسه هذا؟. حتى أكبر شنب في الولاية لا يستطيع سجني دون سبب. (تهم بالخروج بغضب واضح).

يمسكها جودت.

جودت:          اين تذهبين في هذه الساعة؟.

ألماسة:          سأربي هذا الوقح.

جودت:          (يحول بينها وبين الباب) لا يمكنك الخروج. ستسببين لي بالمشاكل.

ألماسة:          ابتعد يا جودت. لا بد أن استرد كرامتي من هذا الرجل.

جودت:          (بحماس) كيف تخرجين هكذا. دون أن تتزينين. هل تريدين أن يراك الناس بهذا الهندام؟.

تنتبه لهندامها، وتبدأ بالتراجع وسط ارتياح جودت الذي يتنفس الصعداء..

ألماسة:          صدقت، ليس من الصحيح الخروج من البيت بهذه الملابس البيتية. (بغضب) لكني لن أتركه. سأواجهه غدا.

جودت:          لكنك بهذه الطريقة تضعيني في مشكلة مع رئيس الدرك. قد يسجنني أنا. وأنا أخاف من السجن.

ألماسة:          لماذا تخاف يا جودت؟، أنت رجل والسجن للرجال.

جودت:          (بإصرار) أنا رجل ولكن لا تعني الرجولة أن أزج في السجن.

تضحك ببعض الميوعة، تقترب من جودت بغنج.

ألماسة:          جودت. أنت رجلي يا حبيبي (تمسح وجهه بحب).

يضحك جودت، ويستعرض قوته. تمسكه ألماسة من ياقته وتدخله إلى الداخل.

تتلاشى الاضاءة عن بيت جودت وألماس. يضاء مجلس الوالي حيث يجلس الوالي على عرشه وبجانبه الوزير طلعت باشا، يبدو الضجر واضحا على الوالي، يقترب منه الوزير بحذر.

الوزير:          يا مولانا، لست على ما يرام اليوم، حتى أنك لم تركب الخيل كعادتك الصباحية.

الوالي:           (يعدل جلسته) وهل تسمي هذه المسوخ خيولا؟، أمان ربي أمان.

الوزير:          لا بأس، ستمر الأيام وتنسى وتنسى مولاتنا ياسمينة موضوع الألوان وتعيد للخيول لونها.

الوالي:           بل قل، ربنا يستر من القادم. لا أدري أين سنصل بأحلام الخانم. لقد غيرت كل شي في الولاية. صارت هي التي تحكم الولاية وليس أنا. إنها من علامات الساعة يا طلعت باشا.

الوزير:          (يضحك) ولكنك أنت الوالي.

الوالي:           والي بدون سلطة، لو وصل أمري للباب العالي فإنني سأعزل لا محالة.

الوزير:          لن تعزل، انت تعرف صلة القرابة بين ياسمينة خانم والعائلة العثمانية الكريمة. لن يضحوا بك يا مولانا.

يسمع صوت ياسمينة خانم وهي تنادي الوالي.

صوت ياسمينة:          حبيبي يلمظ، يلمظ ..

تدخل المجلس وفي يديها ثياب الوالي الرسمية ولكن بألوان مختلفة. تبدأ باستعراض الملابس.

ياسمينة:         انظر يا يلمظ، لقد حلمت ليلة أمس بأنك ترتدي هذه الملابس وحين صحوت من نومي طلبت من الخياط صناعتها لترتديها. أنظر هذا السروال (تريه سروالا بلون سماوي)، وهذا الطربوش (تريه طربوشا بلون زهري)، ما رأيك؟.

الوالي:           (مشدوها) ماذا؟. هل تريدنني أن أرتدي هذه الملابس الغريبة؟.

الوزير:          يا مولاتي، إنها لا تليق بمولانا.

ياسمينة:         (بإصرار) ولكني أريد أن أراه بهذه الملابس.

الوالي:           انا والي، وهذه الملابس ستخدش صورتي أمام الناس.

ياسمينة:         ستلبسها. لأني لا بد أن أحقق أي حلم أراه. هل يرضيك يا طلعت باشا؟.

الوزير:          لا يرضيني يا مولاتي.

الوالي:           وهل يرضيك أن أرتدي ملابسها المضحكة؟

الوزير:          لا يرضيني يا مولاي.

ياسمينة:         ولكنك سترتديها.

الوالي:           (بتحدٍ) لن ارتديها.

ياسمينة:         بل سترتديها.

الوالي:           (يتحداها) وأنا قلت لن أرتديها. لن أرتديها.

ياسمينة:         سترتديها يا يلمظ.

صوت من الداخل يقطع الجدل، صوت الحارس الذي يدخل إلى المجلس راكضا وهو يلهث.

الحارس:         مولاتي. (ينتبه، ويقدم التحية للوالي) مولاي.

ياسمينة:         (للحارس) ما بك؟، ما الذي يجعلك تركض هكذا؟.

الحارس:         كلبك يا مولاتي.

ياسمينة:         (فزعة) ما به؟، هل مات؟.

الحارس:         لا يا مولاتي. بل اختفى.

ياسمينة:         اختفى. كيف؟، وأين؟.

الحارس:         لا أدري. مكانه خالٍ. بحثنا عنه في القصر وما حوله ولم نجده.

ياسمينة:         وكيف هرب؟، الحراسة مشددة على القصر.

الحارس:         ربما غفل الحارس فهرب الكلب.

ياسمينة:         (تمسك بخناقه، وتهزه بقوة) كيف غفل عن الباب. وكيف تركتم كلبي يهرب؟.

الوزير:          (يحاول تخليص الحارس من يد ياسمينة) يا مولاتي سنبحث عنه. سنعيده لك.

الوالي يبدو سعيدا باختفاء الكلب.

الوالي:           نعم يا ياسمينة، لا بد سنجده. اذهبي الآن مع الحارس. أريحي نفسك. وسنبحث عنه.

ياسمينة:         (تبكي) اريد كلبي حبيبي يلمظ. لا بد أن تجدوه لي. وإلا سأطردكم كلكم من القصر. (تنظر للوالي) حتى أنت يا يلمظ. أفهمت؟. (تكمل بكاءها وتخرج).

الوالي:           تطردنا من القصر لأجل كلب حقير. (للحارس) إذهب وشكل فرقة للبحث عن كلب مولاتك يا سمينة.

الحارس:         حاضر سيدي. (يخرج).

الوالي:           (يبدو عليه الفرح.. يلملم الملابس الملونة، ويعطيها الوزير) خذها، خبئها، إحرقها. افعل بها ما بدا لك. لا اريد أن أراها ثانية.

يأخذ الوزير الملابس ويخبؤها في ملابسه.

الوالي:           (سعيدا يضحك) لقد تخلصت من أمرين، الكلب اللعين، وملابس حلمها. هيا اذهب الآن وتخلص منها.

الوزير:          حسنا يا مولاي.

يخرج الوزير ويبقى الوالي سعيدا..

تتلاشى الإضاءة عن مجلس الوالي، وإضاءته على السوق، حيث يتجول الناس ويتسوقون، ويرى جودت ممسكا بتلابيب الدرويش.

جودت:          للمرة الثانية لا تدفع لي ثمن السميط الذي تأكله.

الدرويش:       يا جودت أنا رجل فقير، ليس لدي مال. بل أنا لا أحب المال.

جودت:          وأنا أحبه، أعطني المال إذا.

الدرويش:       سأسمعك بيتين من الشعر ثمنا لهذه الكعكة.

جودت:          نعم؟، شعر. وماذا سأشتري بالشعر الذي ستقرؤه؟.

الدرويش:       سأخبره بما سيجري عليك في الأيام القادمة.

جودت:          وهل كشف عنك الحجاب لتعرف ماذا سيجري؟

الدرويش:       تعال سأخبرك بما سيجري على هذه الولاية.

يقترب منه ويهمس في أذنه، تبدو الدهشة على وجه جودت وهو يسمع كلام الدرويش، يبدو عليه الخوف ويبدأ ببلع ريقه

جودت:          ما هذا التخريف أيها الدرويش؟، هل تريد أن تجلب لي المشاكل؟، اسمع، لا أريد لهذا الكلام أن يصل لأحد، وسأعطيك هذه الكعكة هدية دون مقابل. اذهب الان.

في الخلف يمر رئيس الدرك بجانب ألماسة التي كانت متوجهة لزوجها، تقف في وجه رئيس الدرك ويبدو أن كلاما يدور بينهما.

الدرويش:       سأذهب، لكن حتما سيتحقق ما أخبرتك به.

جودت:          إذهب قلت لك. (يدفعه).

يخرج الدرويش وهو يردد قصيدة شعرية (لأحد المتصوفين)، يرتفع صوت ألماسه ورئيس الدرك.

ألماسة:          ومن يعطيك الحق لتسجنني دون جرم؟.

رئيس الدرك:   أنا لدي السلطة لأن اسجن أي أحد في هذه الولاية. ثم إنك تتجرئين علي وأنا حامي الأمن في هذه الولاية.

ألماسة:          لكن سلطتك لا تعني أن تسجن أي أحد دون أن يرتكب جرما.

يسمع جودت صوت الجدل الدائر بين زوجته، ينتبه ويبدأ الخوف يتسرب إليه.

رئيس الدرك:   بل أملك السلطة التي وهبني إياها مولانا الوالي المعظم.

ألماسة:           هذه السلطة تستخدم لسجن المجرمين واللصوص، وليس الأبرياء.

رئيس الدرك:   جرأتك تعتبر جرماً. كيف ترفعين صوتك علي وأنا رئيس الدرك؟.

ألماسة:          أنا لا أرضى أن أهان أو أهدد.

رئيس الدرك ينتبه لوجود جودت الخائف، يتجه له بغضب.

رئيس الدرك:   (بغضب) ماذا فعلت يا جودت؟.

جودت:          (يرتجف خوفا) أنا، أنا .. لم .. أفعل شيئاً.

رئيس الدرك:   كيف سربت ما دار بيننا البارحة في المقهى لزوجتك ذات اللسان السليط؟.

جودت:          (يبلع ريقه ولا ينبس ببنت شفة)..أ..أ.

رئيس الدرك:   لقد ورطتني بسلاطة لسانها. أنا لن اسجنها هي. سأسجنك أنت.

يركع جودت خوفا، ويمسك برجل رئيس الدرك متوسلا..

جودت:          أرجوك يا رئيس الدرك، أنا لم أفعل شيئا. لا أريد أن أسجن؟.

ألماسة:          (تقترب من رئيس الدرك) وما شأنه حتى تسجنه؟.

رئيس الدرك:   لأنه يفشي الأسرار. كان الكلام بيني وبينه. ما الذي أوصله لك؟. بسببه طبعا.

ألماسة:          وهل يستحق السجن لأجل هذا؟.

يدخل الدرويش وهو يتمتم بقصائد صوفية، يقترب من رئيس الدرك وجودت وألماسة

رئيس الدرك:   من المفترض على الرجال أن لا يكونوا كالنساء بلسان كالمنخل.

الدرويش:       (يقترب ويوجه حديثه لألماسة) في وجهك عظمة.

رئيس الدرك:   ما هذا الخرف أيها الدرويش؟.

الدرويش:       انا لا أقول إلا ما أراه.

ألماسة:          وهل ترى في وجهي عظمة؟.

الدرويش:       وفي وجهه. قم (لجودت الذي ما زال راكعا من الخوف) العظماء لا يركعون.

ألماسة:          (تضحك) ربما أكون رئيسة الدرك بعدك. وسأسجنك.

رئيس الدرك:   (يضحك) رئيسة الدرك. كم أنت حالمة. لا يمكن أن تصير إمرأة رئيسة درك. ستكون نهاية العالم.

صوت الحاجب من البعيد وهو يدق طبله، يقترب .. يسكت الجميع ينتظرون قدومه. يصل الحاجب إلى وسط السوق.

الحاجب:         يا سادة يا كرام، فرمان من والينا المعظم يلمظ باشا، وحرمه صاحبة الحسب والنسب ياسمينة خانم..

ألماسة:          الله يستر من فرماناتهم.

رئيس الدرك ينظر شزرا لألماسة، فتبادله النظرة.

الحاجب:         (يكمل) يعلن والينا عن ضياع كلب مولاتنا ياسمينة خانم من القصر، لذا قرر عظمته تخصيص جائزة مجزية لمن يجد كلب مولاتنا ويعيده إليها سالما من أي أذى. والجائزة التي خصصها الوالي خمسون ألف ليرة عثمانية..

لغط واصوات متداخلة بسبب الدهشة من قيمة الجائزة.

ألماسة:          (بفرح) وكيف هو شكل كلب مولاتنا؟.

الحاجب:         وردي.

رئيس الدرك:   لكن مولاتنا أمرتنا بتلوين كل حيوانات الولاية. فكيف سنعرف أيها لمولاتنا؟

الحاجب:         كلب مولاتنا يختلف عن كلاب الولاية، تعرفون الكلاب ذات الحسب والنسب.

ألماسة:          (بفرح) سأجد الكلب وسأحظى بالجائزة.

رئيس الدرك:   بل انا من سيجده.

رجل1:          بل أنا..

رجل2:          انا..

ترتفع الأصوات ويركض الجميع خارج المسرح بفوضى وهم يرددون ذات الكلمة (أنا). ولا يبقى على الخشبة سوى جودت والدرويش.

الدرويش:       (بعد ان راقب الحدث، يقترب من جودت) لماذا لم تذهب معهم؟

جودت:          لا أدري ما الذي جرى على عقول هؤلاء الناس.

الدرويش:       إنه المال، به تتفتح المغاليق، ويغير الإنسان جلدته لأجله، إنه سر الأسرار. يتحول الإنسان من أجله إلى فرد في قطيع. هل عرفت يا جودت؟. ولكن لم لم تذهب معهم؟، ألا تريد الجائزة؟.

جودت:          أيها الدرويش، إذا حصلت على الجائزة ستتصور ألماسة أننا أغنياء، ستصرفها دون داعي، وستعتاد على الرفاهية، وحين تنتهي الجائزة ستطلب حياة رفاهية، وانا سأكون بدون مال. هكذا أفضل.

الدرويش:       في وجهك سمة الولاة.

جودت:          (يتلفت يمنة ويسرة بخوف) عدت ثانية للتخريف. أنا لا أريد لأحد أن يسمع هذا الكلام ويتهمني بأني ضد الوالي، وأنا أحب مولانا الوالي المعظم أطال الله عمره.

الدرويش:       إلا ترغب في أن تكون شخصا مهما في الولاية؟.

جودت:          أنا مهم الآن، أنا من أطعم أهل الولاية بالسميط الصباحي الشهي. ولا أريد أن أكون أكثر من ذلك. وأنت؟. لماذا لم تذهب معهم، قد تحصد الجائزة فيكفيك الله هم الدروشة.

الدرويش:       (يغني) لنعم فتى التقوى فتى ضامر الحشا/خميصٌ من الدنيا نقيُّ المسالكِ (أبو العتاهية).

يتلاشى صوت جودت والدرويش، وتتلاشى الاضاءة عن السوق.. إظلام كامل ولكن أصوات نباح الكلاب تتصاعد، واصوات الناس يركضون ويتحدثون، وصوت لياسمينة تنتحب

ياسمينة:         (صوتها وهي تبكي) كلبي الحبيب يلمظ أين أنت؟.

الوالي:           (صوت) لا تهتمي يا حبيبتي، سنجد لك الكلب.

يضاء المسرح تدريجيا مع تلاشي الأصوات، على بيت جودت الذي يقعد وحده ويبدو عليه القلق.

جودت:          ما الذي أخرها؟. كل هذا من أجل الجائزة.

تدخل ألماسة ويبدو عليها التعب وهي تتنفس بسرعة، يقف جودت ليستقبلها.

ألماسة:          لم نجد الكلب.

جودت:          كل هذا الوقت ولم تجدوه؟.

ألماسة:          لم نترك كلباً في هذه الولاية لم نمسك به لتفحصه، ولم نجد بينها كلب ياسمينة خانم. (بحسرة) يا الله خسرت الجائزة.

جودت:          لا بأس، خيرها في غيرها.

ألماسة:          إنها فرصة قد لا تأتي ثانية يا جودت. (تستدرك) ثم قل لي. لماذا أنت بالبيت ولم تخرج مع الناس بحثا عن الكلب؟.

جودت:          لأني غير مهتم بالجائزة. أنا مرتاح من وضعي. لا أبحث عن تغيير. ثم أن الكلب لياسمينة خانم. وأنا لا أريد أن أدخل في أمر يخص مولانا المعظم حفظه الله وزوجة مولانا المعظم حفظها الله.

ألماسة:          أنت غريب يا جودت. أنت تختلف عن أهل الولاية، كل الناس هجروا بيوتهم وحوانيتهم، والدرك هجروا الشوارع من أجل الكلب.

جودت:          بل من أجل الجائزة.

ألماسة:          نعم، إلا أنت.

جودت:          أنا حتى لو واجهت الكلب فإني سأهرب منه. ربما يتهمونني بأني سرقته.

ألماسة:          (تضحك) خوفك يجعلك تتخيل أشياء غريبة.

جودت:          المهم، أنا جائع وأنت لم تعدي لنا الطعام.

ألماسة:          متى أعد لك الطعام وأنا مشغولة بالبحث عن الكلب.

جودت:          وهل ننام جوعا لأجل الكلب؟

ألماسة:          بل لأجل الجائزة. أنا جائعة أيضا. اخرج لتجلب لنا طعاما.

جودت:          الوقت تأخر، من أين لي أن أجد حانوتا مفتوحا؟.

ألماسة:          حسنا، ألم يتبقى بعض السميط مما صنعته هذا الصباح.

جودت:          بل قولي ماذا بعت منه. الناس تركوا حتى الأكل لأجل الكلب.

ألماسة:          سنتعشى من السميط، لدينا بعض الجبنة والزيتون.

جودت:          (بضجر) إنه ذات العشاء كل ليلة.

ألماسة:          نم جائعا إذا.

جودت:          لا بأس، السميط والجبنة أفضل من الجوع.

إظلام تدريجي.. وبعد برهة إنارة تدريجية على السوق، حيث تبدو الحركة خفيفة.. يدخل جودت بسميطه وهو ينادي..

جودت:          السميط الطازج، السميط اللذيذ. (يتوقف مستغربا من هدوء السوق).

يدخل الشاويش وهو يتثاءب. يقف مكانا، متثاقلا. يراقبه جودت المستغرب. يدخل الدرويش وهو يردد أشعارا صوفية.  يتوقف عند جودت. ينتبه جودت لوجود الدرويش بجانبه.

جودت:          ما الذي يحدث هنا؟. ما بال الناس كسالى، والسوق لم يفتح أبوابه. اليوم ليس الجمعة.

الدرويش:       سأخبرك إذا أعطيتني حبة من السميط المجاني.

جودت، يعطيه حبة سميط.

الدرويش:       الله، ما هذا الكرم يا جودت؟.

جودت:          لأني متيقن أني لن أبيع شيئا اليوم. ما الذي يجري أيها الدرويش؟.

الدرويش:       الناس تركت أرزاقها وأعمالها، وسهرت حتى آخر الليل بحثا عن الكلب.

جودت:          أها، كل هذا لأجل الجائزة؟.

الدرويش:       نعم وأكثر، المال يفعل العجائب.

جودت:          ألماسة جاءت البيت متأخرة ليلة أمس. كانت تبحث مع الناس عن الكلب.

الدرويش:       ولكن لن يجد أحد الكلب. هو من سيغير حياة الفقراء، سينقلهم من الحضيض إلى فلك الملوك.

جودت:          عدت لخرفك ثانية، خمسون ألفا تحيل الفقير ملكاً؟.

الدرويش:       الأيام سترينا ما يخبئه القدر.

جودت:          (يتجاهله) السميط اللذيذ، السميط الطازج. السميط اللذيذ.

يخرج الدرويش وهو يأكل قطعة السميط. يبقى جودت وحده بالمسرح، والشاويش ينام ويصحو وهو واقف. يدخل كلب وردي المسرح، يقترب من جودت وهو يلهث. ينتبه جودت للكلب فيصرخ فزعا.

جودت:          إنه كلب، الحقوني.

يهرب جودت، يركض فيركض الكل وراءه، ينتبه الشاويش من نومه، فيصرخ.

الشاويش:       كلب الوالي، إنه كلب الوالي.

يركض الشاويش خلف الكلب وخلف جودت، صوت صراخ جودت والكلب، يصحو أهل الولاية من نومهم على صوت الصراخ، يتجمعون في ساحة السوق بملابس نومهم.

رجل1:          ما الذي يحدث؟.

رجل2:          لا أدري، سمعت صوت صراخ رجل.

رجل3:          وصوت نباح كلب أيضا.

يمر جودت راكضا وخلفه الكلب ويدخل الجهة الثانية من المسرح، وخلفهما يجري الشاويش، ينتبه الناس، ويجرون جميعا خلفهم، يخلون خشبة المسرح تماما، يمرون ثانية، يقف جودت خائفا، مواجها الكلب الذي يلهث، يقف الشاويش محاولا القبض على الكلب، وخلف الشاويش يقف الناس يراقبون ما يحدث.

جودت:          الحقوني يا ناس، ابعدوا هذا الكلب عني.

الشاويش:       سأمسكه أنا أنقذك وأحظى بالخمسين ألف. إنه كلب الوالي.

رجل1:          بل سأمسكه أنا.

رجل2:          بل أنا من سأحظى بالجائزة.

رجل3:                    لن تكون الجائزة لغيري.

رجل1:          أنا.

رجل2:          أنا.

رجل3:          أنا.

يهجم الكلب على جودت ويعضه في رجله، يصرخ جودت صرخة قوية، تدخل عندها ألماسة لتشاهد الحدث، يترك الكلب رجل جودت. يبتعد بضع خطوات وهو يلهث، ينظر لجودت المتألم. يسقط فجأة على الأرض ميتا. يقف الجميع مشدوهين. تقترب ألماسة من جودت وهي تتطلع للكلب الميت. يقترب الشاويش من الكلب، يتفحصه، ويشهق.

الشاويش:       (يشهق) مااات!!

الجميع:          (بصوت واحد) مااات؟.

يدخل رئيس الدرك، يتوقف مندهشا من الحدث.

رئيس الدرك:   ما الذي يحدث يا شاويش؟

الشاويش:       مات الكلب، بعد أن عض جودت.

رئيس الدرك:   من الذي عض الآخر، جودت أم الكلب؟.

الشاويش:       الكلب هو من عض جودت، ولكنه مات.

رئيس الدرك:   إنه كلب ياسمينة خانم.

ألماسة:          (تشهق) كلب ياسمينة خانم؟، ما الذي فعلته يا جودت؟، كيف تركته يعضك ويموت؟، لماذا لم تقبض عليه؟.

جودت:          الكلب هاجمني فجأة، هربت منه، لحقني حتى اصطادني وعضني. ولكني لا أدري لماذا مات.

رئيس الدرك:   لا بد أن من إخبار حرس الوالي بالأمر. والقبض على جودت.

جودت:          (خائفا) أنا لماذا؟، أنا لم افعل شيئا.

رئيس الدرك:   ولكنه عضك ومات، سنرى ما تقول مولاتنا ياسمينة خانم عن الأمر.

ألماسة:          (بحزم) ولماذا تقبض عليه. بدل أن نأخذه للبيمارستان (المستشفى)؟.

رئيس الدرك:   سيعالج من قبل طبيب السجن، بعدها تبت ياسمينة خانم والوالي في أمره. (للشاويش) يا شاويش، اقبض على جودت.

يقف الشاويش يلقي التحية العسكرية، لكنه يتوقف.

رئيس الدرك:   ما بك؟، قلت لك اقبض عليه.

الشاويش:       لكنه لم يفعل شيئا يا سيدي. الكلب هو من عضه.

رئيس الدرك:   قلت لك اقبض عليه.

يستجيب الشاويش ويتقدم جهة جودت، ولكن ألماسة تحول بينه وبين جودت.

ألماسة:          لن يقبض عليه أحد.

الشاويش:       ابتعدي، إنه أمر. (يبعدها عن جودت ويعتقله).

جودت:          (يبكي) أنا لم أفعل شيئا يا حضرة الشاويش.

ألماسة:          اتركه لم يفعل شيئاً.

رئيس الدرك:   ياسمينة خانم هي من ستقضي في أمره.

رجل1:          إنه بريء.

رجل2:          لم يفعل شيئا..

يختلط الكلام مع بعضه البعض، بين رئيس الدرك والشاويش وألماسة والناس.. يتلاشى الصوت بالتدريج مع تلاشي الإضاءة على ساحة السوق. يضاء قصر الوالي بالتزامن، والذي يظهر فيه الوالي على عرشه وبجانبه وزيره، وياسمينة خانم تبكي.

ياسمينة:         آه يا حبيبي يا يلمظ، قتلوك في عز صباك.

الوالي:           يا حبيبتي يا ياسمينة، لا تبكي، سأجلب لك كلبا يشبهه تماما من الاستانة. وسميه يلمظ أيضا.

ياسمينة:         ماذا؟، كلبا آخر. لا. أريد كلبي لا غيره. (تبكي ثانية) أتفهم؟، أريد كلبي.

الوزير:          يا مولاتي، الكلب مات. فكيف نأتيك به؟.

ياسمينة:         لا يهمني. إما الكلب أو تعدموا المجرم الحقير، قاتل كلبي الحبيب.

الوالي:           لكن الرجل لم يقتله، كلبك مات لوحده.

ياسمينة:         هو من قتله. ولا بد أن يحاكم ويعدم.

الوزير:          كيف يحاكم ويقتل؟!، كل أهل الولاية شهدوا بأنه لم يقتله. الكلب عض الرجل ومات.

ياسمينة:         ربما كان دمه مسموما، ومات الكلب بالسم.

الوالي:           (يضحك بسخرية) ماذا؟، دم الرجل مسموم وقتل كلبك؟. قولي كلاما معقولا.

الوزير:          الكلب هو من لاحق المسكين حتى عضه، وفجأة مات.

ياسمينة:         (بغضب) لا تقل مسكين!. إنه قاتل، مجرم، قتل كلبي حبيبي. (تقف بحزم) إذا لم يعدم، سأشتكيك للباب العالي. أسمعت يا يلمظ؟.

تخرج من مجلس الولاية وسط استغراب الوالي والوزير

الوالي:           ما الذي تقوله هذه المجنونة؟.

الوزير:          كيف يمكن لنا محاكمة رجل بريء كل ذنبه أن الكلب مات وهو يعضه؟.

الوالي:           لا بأس، ليحاكم، وهناك تثبت براءته، كل الناس سيشهدون عند القاضي أنه لم يذنب، ولم يفعل خطيئة.

الوزير:          بالفعل، نترك الأمر للمحكمة، وهي من ستبت في أمره.

يتلاشى صوت الوالي والوزير تدرجيا مع تلاشي الاضاءة، تتصاعد أصوات من السوق مع الاضاءة التدريجية، حيث تقف ألماسة في وسط السوق تندب.

ألماسة:          (تندب) يا ويلي عليك يا جودت، سجنوك بلا ذنب.

رجل1:          لا عليك يا ألماسة خانم، كلنا سنشهد أن لا ذنب له، سيخرج من السجن.

رجل2:          لن نتركه وحده، سنشهد بما رأيناه.

ألماسة:          والله إني أخاف منكم أن تتركوه لخوفكم من الوالي وزوجته.

رئيس الدرك:   يا ألماسة، لن نترك جودت وهو بريء.أنا سأكون أول من يشهد.

ألماسة:          لكنك من اعتقلته وأودعته السجن.

رئيس الدرك:   أنا أقوم بواجبي المهني. لا بد أن أعتقله والمحكمة تأخذ دورها.

ألماسة:          يا خوفي من أن تتركوا جودت، جودت الذي يطعمكم ألذ سميط. ألا تشتاقون لسميطه الشهي؟.

الشاويش:       (يتحسس بطنه) صحيح، حتى أني لم آكل منذ الصباح.

ألماسة:          لا أدري كيف سأنام أو أرتاح وأنت بعيد عن عيني. (لرئيس الدرك) هل يمكنك زيارته وطمأنتي عليه يا رئيس الدرك؟.

رئيس الدرك:   سأحاول ذلك. لكن حاولي أن تهدأي.

ألماسة:          يا رئيس الدرك، كيف لي أن أهدأ وهو في السجن، أنت تعرف جودت جيدا، يخاف من ظله، يخاف من أي ذكر للوالي أو زوجته، أو أي فرد في السلطنة.

رئيس الدرك:   مع هذا لم يختر الكلب سواه ليعضه. إنه سيء الحظ.

يدخل الدرويش وهو يغني أغاني صوفية. يتوقف عند الحشد.

الدرويش:       (يقترب من ألماسة) ألماسة خانم. أين صديقي جودت؟، لا أشم رائحة السميط الشهي.

ألماسة:          جودت، يا مسكين يا جودت. إنه في السجن.

الدرويش:       في السجن؟، كيف؟، ولماذا؟.

رجل2:          عضه كلب ياسمينة خانم ومات.

الدرويش:       (مشدوها) جودت مات؟.

ألماسة:          لم يمت، الكلب هو من مات.

الدرويش:       أها، ولماذا يسجنون جودت.

رئيس الدرك:   إنه متهم بقتل الكلب. ولكنه سيخرج من السجن، كلنا سنشهد أنه لم يفعل أي جرم.

الدرويش:       وأنا سأشهد معكم.

رجل2:          ولكنك لم ترى شيئا. كيف ستشهد.

الدرويش:       لأني أعرف جودت تماما. لا يفعل أي جرم. إنه طيب وفي وجهه ملامح العظام.

ألماسة:          (تضحك) جودت؟، لا بد أنها إحدى تخريفاتك. جودت عظيم فقط في صنع السميط.

الدرويش:       بل عظيم. سترون كلكم عظمة جودت. (يمسك بطنه) لكني اشعر بالجوع. سأضطر لشراء السميط من بائع آخر.

ألماسة:          وهل سيرضى البائع الآخر بإعطائك السميط مجانا..

الدرويش:       لا..

يتلاشى الحديث الدائر تدريجيا، ويتعالى حديث يجري في مجلس الوالي بين الوزير وجودت الذي يبدو عليه الخوف والهلع. يدور الوزير حول جودت الصامت.

الوزير:          هل تعرف ماذا فعلت؟.

جودت:          (يحاول الكلام، ولكنه لا يستطيع)

الوزير:          لقد قتلت كلب مولاتنا ياسمينة خانم.

جودت يرتعش خوفا وفزعا. ولكنه لا يتكلم.

الوزير:          وتعرف يا سيد جودت أن حكم القتل. الإعدام.

يترنح جودت، ويسقط مغشيا عليه.

الوزير:          (مستغربا) ما الذي حدث له؟.

الوالي:           (يقترب من جودت) هل مات؟.

الوزير:          (بعد أن يتفحصه) ما زال فيه نفس. لم يمت.

الوالي:           ما الذي سنفعل بهذا الرجل؟، يبدو أنه مسكين. حرام أن يحاكم ويعدم لذنب لم يقترفه.

الوزير:          وما الذي بيدنا يا مولاي؟.

الوالي:           لا أدري، أنا واقع بين ياسمينة وهذا البريء. بين ورطتي بها وبين ضميري. ما الذي أفعله يا طلعت باشا؟.

الوزير:          أنا في حيرة من أمري. فياسمينة خانم مصممة على إعدامه وهو بريء. كل هذا من أجل كلب.

الوالي:           يا الله، إنها أكبر خطيئة ارتكبتها في حياتي. كيف رضيت بأن أتزوجها.

الوزير:          لا تنسى يا مولاي أن قربها من العائلة السلطانية هو ما أوصلك لعرش الولاية.

الوالي:           (بغضب) ما الذي تقوله يا طلعت باشا؟.

الوزير:          (بارتباك) أنا اقصد يا مولاي أنك متورط بين ما يمليه عليك ضميرك، وبين نزوات ياسمينة خانم. أنا واثق من عدلك ورحمتك بالرعايا، لكن أنت مضطر لمسايرتها.

يسمع صوت بكاء ياسمينة يقترب، يتأهب الوالي والوزير لدخلوها. تدخل

ياسمينة:         (وهي تبكي) آه يا كلبي يا حبيبي يا يلمظ، قتلوك وضيعوك في عز شبابك.

تنتبه لوجود جودت على الأرض.

ياسمينة:         من هذا؟

الوزير:          (بارتباك) إنه، إنه جودت يا مولاتي.

ياسمينة:         ومن  جودت هذا؟.

الوالي:           بائع السميط.

ياسمينة:         (تصرخ) القاتل؟

تهجم عليه، لكن الوزير يقف حائلا بينها وبينه..

ياسمينة:         اتركني اقتله هذا القاتل اللعين.

الوالي:           يا حبيبتي، إنه مغشي عليه من الخوف، إنه رجل مسكين.

ياسمينة:         مسكين وقتل كلبي العزيز، يجب أن يعدم في ساحة الولاية أمام كل الرعايا. حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر.

الوزير:          ولكنه شبه ميت من الخوف، إن الرجل يخاف من ظله، ويكفيه السجن. إذا أعدمناه علق ذنبه في رقابنا.

ياسمينة:         (بحزم) بل يموت، إما أن يعدم أو أنزعك من عرشك يا يلمظ.

الوالي:           ماذا؟ تنزعيني من عرشي؟، اهدئي سنحاكمه غدا ونرى ما يقول القضاة عنه.

ياسمينة:         بل يعدم حتى ولو بدون محاكمة، أنا لن أنسى كلبي العزيز إلا بقتل قاتله. أفهمت؟!.

الوالي:           (مستسلما) فهمت يا ياسمينة. لكن الأفضل أن يحاكم، كيف نقتله بدون محاكمة؟. لن يرضى أحد. حتى الباب العالي إذا وصله الأمر سيغضب علينا.

ياسمينة:         حسنا، يحاكم، ويعدم بعدها. انا لاأريد لهذا القاتل أن يعيش. أفهمت يا يلمظ؟.

الوالي:           فهمت. يمكنك الآن أن ترتاحي. انت تعبة جدا ولم ترتاحي منذ يومين.

ياسمينة:         (تتثاءب وتتمطى) صحيح، أنا لم أنم منذ يومين، سأنام وحين أصحو لن أجد هذا القاتل على وجه الأرض، فهمت؟.

تغادر المكان وسط حيرة الوالي والوزير

الوالي:           (منفعلا) عليكِ اللعنة وعلي لأني تزوجتك. ما الذي سنفعله يا طلعت باشا؟.

الوزير:          نعدمه، لا بد حتى نتقي غضبها.

الوالي:           ولكنه لم يرتكب جرما. ابحث لي عن حل. أنت وزيري.

الوزير:          نحن أمام خيارين، إما قتله أو مواجهة غضب ياسمينة خانم.

يتلاشى صوت الوالي والوزير، ويظهر بالتدريجي صوت الناس في السوق. يدخل الحاجب تسبقه أصوات الطبول، يتوسط السوق، يتجمع عليه الناس، ويبدأ بقراءة الفرمان.

الحاجب:         فرمان من والينا المعظم يلمظ باشا بن سنان باشا والي ولاية الأحلام. (يقرأ) بسم الله الرحمن الرحيم، نأمر نحن والي ولاية الأحلام يلمظ وبعد محاكمة المدعو جودت بن عابدين بقتل مولاتنا ياسمينة، قرر قاضي الولاية الحكم عليه بالإعدام شنقا في ساحة السوق، وعليه …

تتعالى الأصوات مقاطعة قراءة الفرمان من الناس.حينها تنهار ألماسة وتجهش بالبكاء.

رجل2:          يعدم، لكنه لم يفعل شيئا.

رجل2:          المحكمة لم تطلبنا للشهادة، كلنا رأينا الحادثة.

الدرويش:       أمان ربي أمان، جودت لا يمكن أن يعدم، إنه رجل طيب.

رئيس الدرك:   حكم القاضي غير صحيح، جودت لم يفعل شيئا.

الحاجب:         (يقاطعهم) أنا لا شأن لي، فقط أقرأ الفرمان.

الشاويش:       لكن الفرمان ظالم. كلنا شهود على الحادثة ولم نر جودت قتل الكلب.

الأصوات تتعالى، ويزيد اللغط بين الناس، رافضين الفرمان، وغاضبين. يهرب الحاجب والحرس خوفا من ردة فعل الناس.يقترب الدرويش من ألماسة.

الدرويش:       لا بأس عليك يا ألماسة. جودت لن يعدم، ثقي بالله.

ألماسة:          (وهي تبكي) وكيف نمنع إعدامه أيها الدرويش؟.

الدرويش:       يجب أن نوقف إعدامه، نذهب إلى الوالي ونتحدث إليه.

ألماسة:          (تقف بحماسة) نعم، سأذهب للوالي.

رئيس الدرك:   إلى أين يا ألماسة؟.

ألماسة:          سأذهب إلى الوالي. لن أترك زوجي يعدم بدون جرم.

رئيس الدرك:   لن يسمحوا لك بمقابلته، نحن لا نرى هذا الوالي ولا زوجته.

ألماسة:          سأذهب إليه ولن أبرح المكان إلا بإطلاق سراح زوجي. من سيذهب معي؟.

تململ من الناس، يرمقونها بنظرات فيها خوف.

الدرويش:       أنا لن أخسر شيئاً، سأذهب معك.

ألماسة:          هيا أيها الدرويش (تخرج)

يخرج خلفها الدرويش، وسط دهشة الناس. وجوم يحل بالمكان.

ترتفع تدرجيا الأصوات في مجلس الوالي، الوالي، الوزير وياسمينة.

ياسمينة:         أنا الآن سعيدة بعد هذا الخبر.

الوالي:           ولكني تعيس يا ياسمينة.

ياسمينة:         (باستغراب) تعيس؟، ولماذا هذه التعاسة ونحن نقدم المجرم إلى الموت؟.

الوالي:           (بانفعال) لم يكن مجرما، لم يفعل الرجل شيئا. صورته لا تفارق خيالي.

ياسمينة:         أنت تغضبني يا يلمظ.

الوالي:           أنا حققت لك ما تريدين، لكن لا يعني أنني راض.

ياسمينة:         (تقف غاضبة) أنت تغضبني يا يلمظ.

الوالي:           وأنت تغضبينني أيضا. تعبت أنا من نزواتك.

ياسمينة:         يبدو أنك نسيت نفسك. أنت تتمادى.

الوزير يقف بينهما ويحاول التهدئة. فجأة يسمع بالخارج صوت جلبة صراخ بعيد من ألماسة والدرويش

ص.ألماسة:     (من بعيد) يجب أن أقابل الوالي.

ص. الحارس:   لا يمكن أيتها المرأة. الوالي مشغول. ويجب أن تتحصلي على موعد.

ص.الدرويش:  لن نترك المكان إلا بعد لقاء الوالي.

ياسمينة:         ما الذي يحدث؟.

الوزير:          سأستطلع الأمر.

يخرج الوزير، يبدو الغضب على الوالي وياسمينة التي تشيح بوجهها عنه وتدير له ظهرها. يبدي علامات امتعاظ منها. الأصوات ما زالت من الخارج.

ألماسة:          لا يمكن أن يقتل جودت وهو لم يفعل شيئا.

الدوريش:       كل الناس شهود على ما جرى، فلماذا يحكم بالموت؟.

الحارس:         أنا لا شأن لي. إذهبا من هنا.

الدرويش:       لن نترك المكان.

ألماسة:          (تصرخ) أيها الوالي، هل تسمع؟، جودت بريء.

الدرويش:       (يصرخ) نعم، جودت بريء.

يدخل الوزير لاهثاً.

الوزير:          إنها زوجة جودت.

ياسمينة:         ومن جودت هذا؟.

الوالي:           إنه الرجل الذي تريدين قتله لأجل كلب. هل نسيتِه بهذه السرعة؟!.

ياسمينة:         وما الذي تريده؟!. دعها تذهب وإلا لحقت زوجها إلى المشنقة.

الوزير:          إنها ترفض، وتصر على مقابلة الوالي.

الوالي:           ماذا؟، وماذا تريد؟.

الوزير:          أكيد تريد أن تحدثك عن زوجها، ومعها الدرويش، درويش الولاية، إنه رجل صالح.

الوالي:           أنا لا أريد مقابلة أحد.

ياسمينة:         اطردوها من هنا.

الوزير:          سنفعل ذلك يا مولاي. ولكن يبدو عليها الإصرار.

ياسمينة:         أطردوها بالعنف، لا أريد لصوتها أن يصلني. أو ألقوها في السجن.

الوزير:          يا مولاتي، الدرويش معها.

ياسمينة:         أطردوه أيضا.

الوزير:          يا مولاتي، هو رجل صالح. والناس يجلونه. من الصعوبة طرده.

ياسمينة:         لا شأن لي. أنا لا اريد الاستماع لصوتها، أريد أن أحتفل بمناسبة الحكم على المجرم.

تخرج.. ينظر الوزير للوالي الذي يبدو عليه الغضب والحيرة.

الوالي:           وما الذي سنفعله مع هذه المرأة؟.

الوزير:          ستتعب من الوقوف هنا وتعود أدراجها، ويعدم جودت وتنساه.

الوالي:           وأنا لن أنساه، كان في عينيه خوف أضعفني. إنه رجل مسكين.

الوزير:          ستنساه أيضا. الولاة ينسون رعاياهم بسرعة.

تتلاشى الأصوات في مجلس الوالي، وتترتفع من السوق، حيث يتجمع الناس.

رجل2:           لقد تركنا ألماسة تذهب لوحدها إلى الوالي.

رجل2:           وما الذي تريد لنا أن نفعله؟.

رجل2:           كان من المفترض أن نرافقها، كلنا.

رئيس الدرك:   صدقت، كلنا شهود على ما حدث، ويجب علينا أن نوقف تنفيذ الحكم الجائر ضد جودت.

الشاويش:       ألا يعتبر ذلك عصيانا؟.

رئيس الدرك:   هو عصيان لأمر الوالي. لكن يجب أن نفعل شيئاً. بالنسبة لي سأفعل ما بوسعي لمنع قتل جودت.

رجل2:                   وهل ستذهب مع ألماسة؟.

رئيس الدرك:   نعم سأذهب، لن أترك تلك المسكينة وحدها هناك.

الشاويش:       سيدي، أنت رئيس الدرك وسيعتبرونه عصيانا عسكريا.

رئيس الدرك:   (يفكر لبرهة، ويهم بخلع ملابسه) أنا متنازل عن هذا الزي، وهل تسمي هذا الزي زي درك؟!، درك بملابس زرقاء سماوية. (يرمي زيه على الأرض).

يفعل الشاويش ذات الشيء.

الشاويش:       (يرمي زيه على الأرض) وأنا لا أريد هذا الزي، كأننا درك من الحريم.

رئيس الدرك يقود مسيرة من الناس باتجاه قصر الوالي. تصل المسيرة حيث ألماسة تقعد مع الدرويش في حديقة القصر. يصل الناس. وينضمون لألماسة التي تقف مندهشة من حضورهم.

ألماسة:          لماذا أنتم هنا؟.

رئيس الدرك:   لنمنع كلنا الظلم الذي قد يصيب جودت.

الشاويش:       كلنا شهود على ما جرى، ولن نقف مكتوفي الأيدي.

رجل2:           (يهتف) جودت بريء، جودت بريء.

يبدءون كلهم بالهتاف بصوت واحد (جودت بريء، جودت بريء)، يضج صوتهم الأرجاء.

بعد مرور أسابيع. في قصر الولاية، الوزير والوالي يبدو عليهما الحيرة. الهتاف في الخارج تغير.

الأصوات:       (هتاف) ارحل، ارحل يا يلمظ، ارحل ارحل يا يلمظ.

الوالي:           (بعصبية) والحل يا طلعت باشا؟.

الوزير:          لقد تعبت من التفكير في الحل. الناس لم يملوا، اربعة أسابيع وهم يتجمهورن في الحديقة لا يخافون الشرطة ولا الحرس. المصيبة أن كثيرا من الحرس بدا الإنضمام لهم وخلع زي الحراسة.

الوالي:           وكم بقي من الحرس؟.

الوزير:          ما بقي لا يكفي لحمايتنا من هذا العدد من الناس.

الوالي:           ولماذا يفعلون ذلك؟. أنا لم أضرهم.

الوزير:          يا سيدي لا تنس الضرائب والفرمانات، الناس كالدخان في الإبريق الحار يبحث عن منفذ ليتنفس.والفرمانات خنقتهم.

الوالي:           لدرجة إيقاف السوق وإغلاق الحوانيت، والتجمهر في حديقة القصر ومحاصرته؟.لو أطلقت سراح جودت لما حدث هذا.

الوزير:          لم يكن يفيد ذلك، كانت هذه ذريعة لينفجروا. يا سيدي فرمانات الولاية لم تكن عادلة.

الوالي:           (غاضبا) لكنك تعلم عنها، لماذا لم تقل أنها غير عادلة وقتها.

الوزير:          يا مولاي أنت تدري أنها غير عادلة، ولكنك سكت أيضا.

الوالي:           ما الذي يرضي هؤلاء إذا؟.

الوزير:          أنت تسمع مطالبهم. رحيلك انت ومولاتي ياسمينة.

تدخل ياسمينة بضيق واضح. وتقف بمواجهة الوالي

ياسمينة:         (تصرخ في وجهه) أنت والٍ ضعيف، تقف عاجزا عن حل هذه المشكلة، رعايا يشلون حركة الشارع والسوق، ويسدون حديقة القصر. لا أدري كيف عينك الباب العالي واليا؟.

يرفع الوالي يده غاضبا ويصفع ياسمينة صفعة قوية.

الوالي:           اصمتي أيتها اللعينة. لم يبق إلا أنت تتكلمين عن ضعفي. المشكلة التي نحن فيها بسببك. بسبب نزواتك وجنونك، فقدت كل شيء، ثقة رعاياي وحبهم لي. صار رحيلي هو مطلبهم.

ياسمينة:         اتضربني يا يلمظ؟، سوف أشكيك للباب العالي.

الوالي:           اشكيني، لا يهمني شكوتك أيتها المهبولة. لقد حولتي الولاية إلا لعبة تتسلين بها، حتى مصائر الناس صارت لعبة. وأنا المغفل الذي رضيت بجنونك. أنتِ طالق.

ياسمينة:         (تقف مدهوشة) تطلقني يا يلمظ؟.

الوالي:           هيا، اتركي هذا القصر ولا أريدك في هذا المكان. (يصرخ) هيا.

ياسمينة تخرج وهي تبكي وتصرخ.

ياسمينة:         (وهي تخرج) سأريك يا يلمظ سأجعلك تندم.

الوالي:           ها أنا طلقتها، وانتهت الفرمانات المجنونة، قل للناس أنها خرجت من القصر، سيسامحوني ويتركونني أحكم الولاية.

الوزير:          (يضحك) أنت واهم يا مولاي. لا أظن أنهم سيرضون إلا برحيلكما، أنت وياسمينة خانم.

الوالي:           وأنت؟

الوزير:          الرعايا الغاضبون لا يطلبون سوى الرأس. ابدا لا يطلبون رحيل وزير.

الوالي:           (مستسلما ينهار على عرشه) وكيف نرحل وسط هذه الحشود؟. يجب أن تهيأ لي الطريقة للهروب من القصر دون أن تمسكني أيدي الناس.

الوزير:          لا بأس. وأنا سأبقى حتى لا يبقى العرش خاويا.

الوالي:           وهل ستكون واليا؟.

الوزير:          لا، لأني لا أريد أن أرحل من القصر.

يتلاشى الصوت من المجلس، وتتعالى الأصوات من حديقة القصر حيث البهجة تجتاح المكان بخروج جودت من السجن والذي يحمل على الأكتاف، ويبدو عليه الدهشة. يهتف الناس باسمه واسم ألماسة. يدخل الوزير على الناس بعد برهة، يصمتون ويبدأ بالكلام.

الوزير:          أيها الناس. اعلمكم باسم الولاية، أن والينا يلمظ باشا وزوجته ياسمينة خانم غادرا القصر ولم يعودا واليا وزوجة والي.

فرح وتبريكات تملأ المكان، موسيقى فرح ورقص وهتاف باسم جودت وألماسة.

الوزير:          (بعد أن يطلب السكوت) وفي هذه الحالة لا بد لكم أن تختاروا للولاية واليا علينا.

هدوء، وصمت يعمان المكان، حيرة ودهشة من الجميع، ينظرون لبعضهم البعض.

رئيس الدرك:   تكون أنت والياً أيها الوزير.

الوزير:          لا يمكن. ومن سيكون وزيري؟. الأفضل أن أبقى وزيرا وتبحثون لكم عن والي.

رئيس الدرك:   ومن يكون علينا والياَ؟.

الوزير:          حسنا، سأريحكم من التفكير. من هو سبب خروج الوالي وزوجته من القصر؟.

رئيس الدرك:   كلنا.

رجل2:           نعم، كلنا.

الوزير:          ولكن من بسببه أتيتم إلى هنا؟. من حرضكم على الاحتشاد هنا؟

رجل2:           ألماسة. شجاعتها هي التي حفزتنا للتجمهر هنا.

الشاويش:       إذا تكون هي الوالية. (يهتف) ألماسة، ألماسة.

يتعالى الهتاف باسم ألماسة.

الوزير:          (بعد أن سكتوا بطلبه) لا بأس، يمكن لألماسة أن تكون والية، لكن لم يحدث في أي ولاية من ولايات السلطنة أن أصبحت إمرأة والية. ثم أن الباب العالي لن يقبل.

رئيس الدرك:   والحل؟!، من يكون واليا؟.

الوزير:          بما أنكم اخترتم ألماسة لتكون والية عليكم، فهي عليها أن تختار منكم واليا.

ألماسة:          (في دهشة) أنا، ولماذا أنا اختار؟.

الوزير:          لقد وقع الاختيار عليك.

ألماسة:          (بعد حيرة، وترقب من الناس جميعا) جودت.

بصوت واحد وبنوع من الدهشة

الجميع:          جودت؟.

الوزير:          نعم جودت، هو اختيار مولاتكم الجديدة ألماسة، اختارت جودت باشا ليكون واليا عليكم.

جودت:          (بخوف) أنا، أنا لا أعرف ماذا يفعل الوالي. لا أريد (يحاول الهرب).

يمسكه الدرويش وبقية الناس

الوزير:          أنت المختار من بين الناس لتكون واليا. احتفلوا يا ناس بوالينا الجديد جودت باشا.

هدوء وترقب، ودهشة تعم المكان، يصفق رئيس الدرك مستسلما، يصفق بعد الناس واحدا واحدا، يفرح الناس، يرفعون جودت على الأكتاف، ويهتفون باسمه، على أنغام موسيقى فرح. يتلاشى الضوء والصوت تدريجيا. بعد برهة يتعالى الصوت من مجلس الولاية.

ص. الوزير:    لا يجوز يا مولاي، ماذا سيقول رعاياك والباب العالي.

ص.جودت:     وما الذي فعلته يا سيدي؟.

ص.الوزير:     ثم لا تقل يا سيدي. بل قل طلعت باشا، أنت اسمك مولاي.

ص.جودت:     طيب. يا طلعت باشا. ما الذي فعلته لتغضب؟.

ص. الوزير:    كل ما فعلته وتسألني؟.

يدخل الوزير، وخلفه جودت ملطخ بالطحين.

الوزير:          قل لي بالله عليك. ما هذا الذي في يديك؟.

جودت:          ينظر لنفسه، لا شيء، فقط طحين.

الوزير:          ولماذا الطحين؟.

جودت:          كيف أخبز السميط من غير طحين؟!.

الوزير:          ولماذا السميط؟

جودت:          لأبيعه على الناس. أنت لم تتذوق السميط الذي أصنعه، لن تذوق..

الوزير:          (يقاطعه) يا مولاي، أنت والي الولاية ولست بائع سميط. افهمت؟.

جودت:          (يضحك) نسيت. ما الذي أفعله إذا؟.

الوزير:          (يمسك بيده ويجلسه على كرسي الولاية) تقعد وتدير الولاية.

جودت:           لكني لا أعرف شيئا في هذه الدنيا سوى صناعة السميط.

الوزير:          لا بأس، من قال أن كل الولاة يعرفون شيئا. أنا سأساعدك. لا تخف. الآن قم تجهز لترتدي ملابسك لنبدأ احتفالات الولاية بمناسبة ولايتك.

جودت:          حسنا. أيقظ مستشاري الدرويش ودعه يتجهز.

الوزير:          يا مولاي، أنا لا أعرف. لماذا اخترت الدرويش بالتحديد ليكون مستشارك.

جودت:          لأنه رجل صالح، يرى ما لم يأتي، كان يقول لي بأن في وجهي سمة العظماء، وها أنا صرت واليا.

الوزير:          لا بأس. المهم أريد أن أخبرك أني بعثت برسالة للباب العالي أطلعته على ما حدث بالولاية ليبارك اختيار الناس لك واليا.

جودت:          حسنا. قل لي، هل ستقدمون السميط في الحفل؟.

الوزير:          ماذا؟، السميط؟.

إظلام تدريجي مع تعالي أصوات الموسيقى العثمانية الفرائحية التي تنطلق في كل مكان، يبدأ توافد الناس إلى القصر، يضاء المسرح، كل أهل الولاية موجودون، رئيس الدرك، الشاويش وأهل السوق. يدخل الوزير بابتسامته.

الوزير:          (يتوسط الناس) أشكركم جميعا لتفضلكم هذا الحفل لنبارك جميعنا لوالينا الجديد جودت باشا ولزوجته مولاتنا ألماسة. بعد قليل سنبدأ الاحتفال وأتمنى أن تفتح الولاية صفحة جديدة مع الوالي الجديد من الخير والسعادة والحرية والكرامة.

الحاجب:         افسحوا الطريق لدخول مولانا جودت باشا، وزوجته ألماسة خانم.

يدخل جودت بملابس الوالي التي لا تبدو متناسبة مع جسمه، وبجانبه الدرويش الذي لا يزال على حاله من رثاثة الملابس. يستقبله الناس بالتهاني. يتقدمون له واحدا واحدا يباركون له المنصب.

رئيس الدرك:   مولانا جودت باشا. لا نرى مولاتنا ألماسة خانم معك. أليس من المفترض أن تكون بجانبك.

جودت:         لم تستيقظ بعد، لقد سهرت طويلا البارحة في اكتشاف القصر، لم تترك مكانا لم تدخله. إنها فضولية.

الوزير:          (يتنحنح بارتباك) مولاتنا ألماسة تعبة من سهر البارحة، لكنها ستأتي. نعم.

الدرويش:       ألم اقل لكم يا ناس أن في جودت باشا ملامح العظمة، لم أكذب أبداً.

رئيس الدرك:   صدقت أيها الدرويش. إن فيه ملامح العظمة، لكن وحدك الذي كشفتها.

الحاجب:         (ينادي) افسحوا الطريق لمولاتنا ألماسة خانم.

تدخل ألماسة. وكلها فرح وبهجة. تتلقى التهاني من الناس.

ألماسة:          حسنٌ أن كل أهل الولاية هنا.

الوزير:          نعم كلهم هنا، جاءوا ليقدموا التهاني لك ولمولانا جودت باشا. وينتظرون منك كلمة بهذه المناسبة.

ألماسة:          اشكر لكم جميعا، لأنكم وبسببكم وصلنا إلى هذا القصر ليكون جودت واليا وأكون أنا زوجة الوالي، ولن أنسى فضلكم ما حييت، فأنتم اخترتموني واخترتم جودت باشا ليكون واليكم. وأتمنى أن نكون عند حسن ظنكم بنا، وأن ننسيكم ما ذقتم من مهانة من الوالي السابق وزوجته وفرماناتها العجيبة. هل تعرفون ما الذي أخرني عليكم؟. كنت نائمة وأحلم.

الجميع:          (قلق) تحلمين؟!.

ألماسة:          نعم، أحلم بولاية لا تشبه هذه الولاية، ولاية شوارعها كلها..

الجميع:          (بترقب) كلها ماذا؟.

ألماسة:          كلها مغطاة بالقماش، الكشميري، والحرير والمقصب..

الجميع:          (صرخة واحدة) ماذا؟.

إظلام، وصوت الحاجب يعلن عن فرمان.

ص.الحاجب:    فرمان من مولانا جودت باشا والي ولاية الأحلام الجديد..

انتهت

15/6/2011

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock