دكتور صبحي السيد يكتب: الإنسان المبدع.. وضرورة التشكيل

المسرح نيوز ـ القاهرة| د. صبحي السيد*

ـ

*مسرحي مصري

 

اختلاف العروض المسرحية في صورتها المرئية للنص الواحد دليل على حرية الإنسان في رؤيته الذاتية وقدراته الإدراكية والتخيلية في تحويل نص مكتوب إلى عمل مركب حسي في فراغ مسرحي يشاهده الآلاف.

الإنسان اليوم يرى في كل ما كتب أو يُكتب رؤية ذاتية لمؤلف لحقبة تاريخية مضت، أو أحداث إنسانية وعلاقات آدمية، وعلاقات ومصالح سياسية أو اقتصادية أو معيشية مضت منذ ولادة هذا النص. ولذلك فمبدأ التغير هو تفسير حسي متحرك مركب لهذه الأعمال وبرؤية معاصرة، بل إلى رؤية بعد المعاصرة أي المستقبلية أي ما بعد الحداثة. إن الإنسان لم يتغير منذ خليقته بسمعه ورؤيته وإحساسه وعواطفه وفهمه وإدراكه النسبي للمعرفة العامة والمتخصصة وأسلوب حياته الخاصة والعامة والعوامل المساعدة على بقائه واستمرار حياته بصورة متطورة نحو تحقيق الواجبات والحقوق التي التزم بها منذ تواجده على سطح الأرض وبدأ حياته المستمرة إلى اليوم.

الإنسان منذ وجوده يسمع ويبصر الأشياء ويتعرف عليها باختلاف أشكالها مهما تعددت أنواعها، ونظراً لاختزان هذه الصورة المرئية في ذاكرته، فإنه قادر على أن يستردها عند الحاجة إليها مادام عنصرا البصر والتذكر في حالة فعالة. والبصر (الإبصار) يحدد اللون الذي هو بدوره مجسد للشكل بمعنى أن اللون هو عنصر تحديد الشكل بأبعاده، سواء كان مسطحاً أو مجسماً أو غير محدد الأبعاد كالفارغ مثلاً.

وهكذا يصبح اللون من العناصر المهمة المحققة لتعاطف وتعامل الإنسان مع بقية عناصر البيئة التي يشاهدها ويعيش فيها وبها ومنها تتحد المقاسات والأبعاد للأشياء المرئية التي يبصرها وهي بداية لتكوين عملية التخيل (أي العملية التخيلية الجديدة) لرؤية مركبة للعناصر المختلفة ذات الألوان المتعددة والمختلفة في درجاتها. هذا هو الأمر المحرك الذي يدعو الإنسان من داخله إلى التعرض لتغيير عناصر الإيقاع العام للصورة المرئية أمامه استجابة لتفسيرات وتخيلات جديدة للألوان التي يراها أو بمعنى أدق إلى رغبة ذاتية في تغيير الإيقاع المشاهَد إلى إيقاع جديد محققاً لهذه القوة الخفية بداخله والقائمة على الحلم والتخيل والذاتية الفردية. وتعتبر هذه الخطوة هي بداية التحرر في تغيير المرئي إلى صورة مرئية جديدة تحقق إدراكه وحواسه ومشاعره وحتمية بقائه واستمرار حياته بصورة ذاتية قوامها عقله وقدراته على التخيل والحذف والإضافة إلى تكوين مرئي جديد يلائم احتياجاته الفكرية والنفسية والحسية نحو جديد للبقاء والاستمرار.

إن الأخذ بهذا الواقع التحرري، يكون ضرورياً لتغيير الإيقاع المنظم لعناصر الصورة المرئية لما يراه الإنسان بعينيه وعقله فيما حوله من عناصر مختلفة مكونةً لمحيط حياته المادية الملموسة، مرتبطة في الوقت ذاته بذاتية الفرد الإنسان. ومن ثم فإن تغيير واختلاف مقومات الإيقاع ودرجاته المتعددة أمر ضروري لتكوين الاستجابة أو التأثير والتأثر، متواجدة ومحققة دورها في بنيان شخصية ومقومات هذا الإنسان. ويمكن الأخذ بأن الإيقاع الكلي العام لما يعيش فيه الإنسان لحن موسيقي محدد للصورة المرئية في عيني هذا الإنسان المشاهد لعنصر الشكل ومضمونه من الناحية العقلية والعملية. الثابت والمؤكد أن الإيقاع هو تغيير في موجات ذات أبعاد مختلفة صادرة من كل شكل، بعضها يكمل الآخر وبعضها يثور ويتمرد ويرفض الإيقاع الآخر، غير أن نهاية هذا التوافق والرفض تؤدي إلى لحن عام يتضمن السالب والموجب في وقت واحد ولذلك فهو لحن مركب يدعو عند سماعه نتيجة لمشاهدته مبدأ الحوار نحو القبول والرفض أو التعديل في عناصره، ومن هذه اللحظة بقبول التعديل يكون التطور والتغيير مبدأ محققاً لكيان الإنسان على سطح الأرض ودافعا له نحو الأفضل والأسمى مبدأ التغيير عند كل مشاهد أي عند كل إنسان.

وعند قبول التغيير في ضرورته تتحقق ذاتية الإنسان في حياته العامة، ويكون دافعاً أساسياً إلى التطور نحو إيجاد معايير أخرى وقيم جديدة تضيف إليه وإلى بني جنسه باعتباره فردا منهم استحدث طرقا ومفاهيم وأبعادا جديدة نحو التنوير وزيادة مخزونه الإدراكي والمرتبط بإنسان عصره وزمانه وأن كل الأمور متحركة ومتغيرة مع استمرار ظهورها كدوران الأرض حول نفسها، أو ظهور الشمس وغروبها وظهور القمر وارتباطه بالشمس ودورانها، أو بالأخذ بحقيقة الحياة وضرورة الموت في كل عناصر الوجود، النامية والمنتجة نباتياً وأيضاً النمو الجسدي للإنسان وتطور حياته ومشاعره وأحاسيسه وروحانياته وعلاقته بالخالق لهذه الدنيا وما فيها وما عليها.

كل هذه الظواهر الحية والمتحركة والمنفصلة مع بعضها البعض تضع في العقل الإنساني ضرورة التغيير والمحاولة نحو الجديد بغية الأفضل والأكثر ارتباطاً عاطفياً بالإنسان، محققاً لرغباته الحسية والمعيشية ومعاناته الوجدانية والروحية، باعتبار قدراته جزءا محركا في تغيير الوجود المرئي الذي يعيش فيه وعاملا على التفاعل معه عند محاولته تحقيقاً لبقائه واستمراره ومستعمراً لهذا الكون وأنه عنصر أساسي مكمل للكون في تأدية وظائف عناصره، وأنه بقدراته العقلية الموهوبة له دون غيره من عناصر الوجود مع إمكانية إعادة التركيب لبعض هذه العناصر (الأشياء) بصورة جديدة محققاً بذلك تطويرا مرئيا مدركا ومحسوسا وماديا نحو الأفضل وأن هذا الأمر موجود ومستمر ما دام الإنسان قائما على سطح هذا الكون أو غيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock