وجوه مسرحية

د. سيد على إسماعيل يكتب: لطيفة عبد الله أول ممثلة ومؤلفة مسرحية عربية عام 1893


 

د. سيد على إسماعيل

كلية الآداب – جامعة حلوان

ـــ

كعادته في كشف المجهول من تاريخ مسرحنا العربي، فاجأنا اليوم الأستاذ الدكتور سيد علي إسماعيل – الذي يلقبه موقع المسرح نيوز بـ(جبرتي المسرح العربي) – بكشف جديد عن أول ممثلة مسرحية مصرية مسلمة تعتلي خشبة المسرح عام 1891، وهي أيضاً أول مؤلفة مسرحية عربية منذ عام 1893. وهذا الكشف الجديد، نشره الدكتور سيد كعادته في جريدة (مسرحنا) عدد 473 بتاريخ الخامس من سبتمبر 2016. وموقع المسرح نيوز كعادته، يُعيد نشر المقالة من أجل الاستفادة العلمية مما فيها على أوسع نطاق .. ويقول الدكتور سيد علي إسماعيل أستاذ المسرح العربي – بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة حلوان – في كشفه الجديد:

منذ عام 1915 والاعتقاد السائد أن سلطانة الطرب منيرة المهدية، هي أول ممثلة مصرية تعتلي خشبة المسرح؛ حيث أعلنت ذلك جريدة الأخبار يوم 25/8/1915، تحت عنوان (أول ممثلة مصرية)، والإعلان يقول: ” تحي في مساء يوم الخميس ليلة الجمعة 26 الجاري في تياترو برنتانيا ليلة يحتفل فيها بدخول المغنية المشهورة الست منيرة المهدية التمثيل العربي، فتنشد قصيدة استقبال من تلحين الموسيقي المبدع كامل الخلعي، تستمر ثلثي ساعة، ثم تمثل لأول مرة دور وليم في الفصل الثالث من رواية صلاح الدين الأيوبي”. هذا الاعتقاد تمّ تغييره سنة 2001؛ عندما اكتشفت نصاً مسرحياً منشوراً في المطبعة الخديوية، فكان مفاجأة بالنسبة لي؛ لأنه يعني أنه منشور في القرن التاسع عشر. وتمثلت المفاجأة في اسم المؤلف، وهو (السيدة لطيفة)!! هنا أيقنت أنني حصلت على كنز مسرحي ثمين؛ حيث إنني لم أسمع بوجود امرأة عربية قامت بالتأليف المسرحي في القرن التاسع عشر! وكم كانت روعة الاكتشاف، عندما أثبت أن هذه المؤلفة المسرحية، هي أيضاً أول ممثلة مصرية مسلمة تعلتي خشبة المسرح لا منيرة المهدية كما كنّا نظن .. هذه خلاصة الموضوع، وإليك التفاصيل:

 مسرحية (الملكة بلقيس) – كما هو واضح من صورة غلافها القديم – لا تشتمل على أي توثيق أو تأريخ يهدي القارئ إلى حقيقتها المجهولة. ولعل هذا الأمر كان السبب وراء عدم التفات النُقاد والكُتاب المحدثين إلى أهميتها وقيمتها التاريخية، على الرغم من أنها مطبوعة! فالغلاف يقول: (رواية الملكة بلقيس، تشخيصية غرامية حربية، ذات أربعة فصول، تأليف السيدة لطيفة، طُبعت على ذمة المؤلفة، حقوق الطبع محفوظة، ثمن كل نسخة خمسة غروش صاغ قبل الطبع وبعده، ويعقب هذه الرواية فصل مضحك للغاية يقال له، فصل العفريت، طُبعت بالمطبعة الخديوية بالموسكي بمصر).

   وهذه المعلومات، تثير عدة أسئلة، منها: متى طُبعت هذه المسرحية؟ وهل تم تمثيلها أم لا؟ وإذا كانت مُثلت، فما هي الفرقة التي مثلتها؟ ومن هي المؤلفة السيدة لطيفة؟ وما معنى أن ثمنها خمسة قروش قبل الطبع وبعده؟ وما حقيقة الفصل المضحك (العفريت)؟

   إذا حاولنا أن نجيب على سؤال: متى طُبعت المسرحية؟ سنجد عدة دلائل تشير إلى أن هذا النص طُبع في أواخر القرن التاسع عشر، ومنها: عنوان النص الذي يقول: (رواية الملكة بلقيس)، رغم أنها مسرحية، وليست رواية بالمفهوم الأدبي الحديث. وكلمة (رواية) كانت تُطلق على النصوص والعروض المسرحية في أواخر القرن التاسع عشر. ومن الأدلة أيضاً، وصف المسرحية بـ(تشخيصية غرامية حربية)، وهي من العبارات الأثيرة لدى طابعي وناشري المسرحيات العربية في القرن التاسع عشر. هذا بالإضافة إلى تلك العبارة التي جاءت على الغلاف وتقول: (ويعقب هذه الرواية فصل مضحك للغاية يقال له فصل العفريت)! والفصول المضحكة كانت منتشرة في جميع المسارح في مصر منذ ظهر العروض المسرحية، وتحديداً في أواخر القرن التاسع عشر. وأخيراً نجد اسم المطبعة (طبعت بالمطبعة الخديوية بالموسكي بمصر)، التي تدل أنها طُبعت في العهد الخديوي بمصر.

أما تمثيل المسرحية، فكان عام 1893، حيث قالت جريدة (المقطم) في أكتوبر: ” مثل جوق السرور البارحة رواية (بلقيس)، أو (أحوال العشاق) فأحسن الممثلون والممثلات في التمثيل والإلقاء، وخصوصاً بلقيس حين أخذتها الغيرة من ابنتها لعشقها الأسير الذي تحبه هي. وكان تصفيق الجمهور متوالياً علامة الاستحسان. وقد عقب ذلك تمثيل فصول سيماوية ذات مناظر مختلفة فكان لها حُسن الوقع، وتلاها فصل مضحك سر به الحاضرون”. وهذا الخبر هو الدليل الدامغ على أن المسرحية المذكورة، هي فعلا نص المسرحية الذي بين أيدينا؛ لأن الخبر ذكر مضمون المسرحية وفكرتها، كما جاء في النص!

أما مؤلفة المسرحية، فربما يظن القارئ أنها إحدى السيدات العاملات في المجال المسرحي المصري، فى القرن التاسع عشر .. وهذا الظن راجع إلى ما كُتب على غلاف المسرحية، من أن المسرحية (طُبعت على ذمة المؤلفة)، أي على نفقتها الخاصة؛ ولكن بالتقسيط!! وهذا أسلوب كان معروفاً. فأي مؤلف فقير لا يستطيع أن يتحمل طباعة مؤلفه، كان يعلن لمن يريد الكتاب أن يدفع نصف ثمنه مقدماً، والنصف الآخر بعد الطباعة – وهذا تفسير لما جاء على الغلاف أن الثمن خمسة قروش قبل الطبع وبعده – وبذلك يجمع المؤلف ثمن الطباعة – أو العربون – ويسلمه للناشر من البداية!

   وبالبحث وجدنا أن المؤلفة (لطيفة)، هي ممثلة فرقة جوق السرور، وأول خبر عنها نشرته جريدة (المقطم) في 18/2/1891، ومما جاء فيه: ” … إجابة لطلب كثيرين قد اتخذنا محلاً جديداً حسن الغاية في النصرية لتشخيص كثير من الروايات التي شُخصت والتي لم تُشخص إلى الآن. وسنشخص في هذه الليلة رواية، وسيقوم بأهم الأدوار حضرة المطرب الشهير مصطفى أفندي علي، وحضرة السيدة المشهورة بهذا الفن (لطيفة عبد الله) ويعقب ذلك فصل رقص تتعطر وتتنايس به إحدى السيدات المشهورات، ويتلو ذلك فصل مضحك. أسعار الدخول 30 قرش صاغ لوج خمس كراسي .. مدير الجمعية ميخائيل جرجس”.

والخبر الثاني، نشرته جريدة (السرور) في الفيوم بتاريخ 24/3/1892، وجاء فيه: ” قدم إلينا جوق جمعية السرور بإدارة حضرة الأديب ميخائيل أفندي جرجس، فمثل بيننا عدة روايات أدبية أشهرها رواية (عائدة). وقد مثلها أمس بحضور كثيرين فأجاد الممثلون والممثلات بأدوارهم من حُسن الإلقاء وبراعة التمثيل، سيما حضرة محمود أفندي رحمي ممثل دور رمسيس رئيس الكهنة، وحضرة الخاتون الفاضلة (لطيفة) ممثلة دور عائدة. مما اضطر الحاضرون لاستعادة عدة أدوار مهمة، يتخللها تصفيق الاستحسان. وقد وقف وكيلهم إبراهيم جرجس نخلة في المرسح خطيباً مُظهراً فضل الروايات وما لها من التأثير على الهيئة الاجتماعية، ثم مدح الجوقة وأظهر براعتهم في هذا الفن، وختمه بالدعاء لسمو خديوينا المعظم ورجاله الكرام”.

وهكذا توالت الأخبار، حيث نقرأ أن الفرقة مثلت في بني سويف عام 1894، وفي المنصورة والمنوفية عام 1896. ومن الملاحظ على هذه الإشارات، إنها تؤكد أن السيدة (لطيفة عبد الله)، هي بطلة جوق السرور وممثلته الأولى، وهي نفسها السيدة (لطيفة عبد الله) مؤلفة مسرحية (الملكة بلقيس)؛ ولكنها لم تأخذ حظها من الشهرة التاريخية، لأنها كانت بطلة فرقة مسرحية جوالة، لا تعرض أعمالها إلا في الأقاليم والأحياء الشعبية. فالأقاليم التي مثلت فيها – خلافاً لما سبق – كانت: أبو تيج، سوهاج، طنطا، الفيوم، المنيا، بنى سويف، أسيوط، قنا. أما الأحياء الشعبية في القاهرة، فكانت: النصرية، وباب الشعرية، وكلوت بك، وبولاق. ومما ساعد على تنقل الفرقة من إقليم إلى الآخر، ومن حيّ إلى آخر، أن مسرحها كان خشبياً متنقلاً سهل التركيب، وفي أحيان كثيرة كان عبارة عن خيمة متنقلة!!

كل ما سبق، يُعدّ ملخصاً سريعاً لدراسة ضخمة، تقع في أربعين صفحة، نشرتها مع النص الأصلي كما تم نشره في القرن التاسع عشر عن طريق تصويره. والدراسة مع النص، نشرتهما الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2001 في سلسلة (نصوص مسرحية) العدد الحادي عشر. والهدف من مقالتي هذه أمران: الأول، أن جميع نسخ هذه المسرحية نفذت منذ سنوات طويلة، فأردت إحياء معلوماتها مرة أخرى، في هذه المقالة. والأمر الآخر وهو الأهم؛ يتمثل في نشر مقدمة لم تُنشر منذ خمس عشر سنة! فمن عادة سلسلة نصوص مسرحية أن تنشر مقدمة لكل نص باسم مختلف عن مؤلف النص. والسلسلة اختارت الأستاذ نبيل فرج – شقيق الكاتب المسرحي الفريد فرج – كي يكتب مقدمة هذه العمل. ولسوء الحظ تأخر الأستاذ نبيل عن موعد طباعة العدد – حيث إنها سلسلة شهرية – فتمت الطباعة دون مقدمة الأستاذ نبيل فرج! هذا ما تم منذ خمس عشرة سنة! ومنذ شهرين، وجدت هذه المقدمة ضمن مقتنياتي، فتذكرت الموضوع، وأردت أن أثيره مرة أخرى، حتى أنشر مقدمة الأستاذ نبيل فرج، التي لم تُنشر منذ خمس عشرة سنة!! وها هي:

بقلم : نبيل فرج

   لا تزال بدايات المسرح المصري في القرن التاسع عشر مجهولة، ولا تزال أوراقه القديمة مهددة بالضياع ..!! ذلك أن ما يُعرف عن هذا المسرح يُعتبر ضئيلاً جداً، بالقياس إلى ما يحفل به من نصوص وعروض وفرق وممثلين وحياة ليلية صاخبة، لا يعرف أحد عنها شيئاً، وهي جديرة بالبحث والدراسة والاهتمام الذي يضيء هذه المرحلة من تاريخ المسرح في بلادنا، التي تشكل طقوسها الفنية بدايات طيبة لهذا المسرح، ولكل مسرح، ارتبط فيها الغناء والموسيقى بالتمثيل، ولم تنفصل فيها الفصول الخفيفة المضحكة أو البانتوميم والألعاب البهلوانية والنمر، عن العروض الجادة.

   من هذه البدايات التي يحيط بها الغموض والالتباس، تمكن الباحث سيد على إسماعيل من أن ينفض الغبار عن نص مسرحي منشور من 46 صفحة، لا يحمل تاريخاً عنوانه (الملكة بلقيس) لمؤلفة تُدعى لطيفة، يُنشر في هذه السلسلة، مُحققاً بقلمه.

   ومع أن هذا النص لم يلتفت إليه أحد قط من مؤرخي المسرح ونقاده، فقد استطاع هذا الباحث في مقدمته التي تتألف من ثلاثين صفحة من القطع المتوسط أن يحدد بدقة تاريخ طبع هذه المسرحية من أسلوب نشرها، وطريقة طبعها بالحجر، ومما وجده فيها من أسماء للممثلين مكتوبة بالمداد الأسود بخط اليد.

   وبنفس هذه الدقة حقق الباحث أيضاً شخصية مؤلفته، التي تُعد أول كاتبة مسرحية في العصر الحديث، وهي في الأصل ممثلة مسرحية، اسمها الكامل لطيفة عبد الله، جمع أخبارها وأخبار مسرحيتها والفرقة التي قدمتها، من الإشارات الشحيحة الشاردة التي وردت في الصحف، بالقدر الذي يوثقها، ويبدد كل ما يحيط بها من تعتيم، ويؤكد ضمناً أنها مرحلة من مراحل النهضة المسرحية في هذا التاريخ.

   وليس من المبالغة في شيء القول إن لطيفة عبد الله تحقق في تاريخنا المسرحي ما لم يتحقق بالنسبة لكُتاب المسرح إلا في حالات نادرة وهي أن يخرج الكُتاب – كما خرجت لطيفة – من خشبات المسرح، بكل ما تمنحه من خبرات عملية لا تتوافر بعيداً عن عالم المسرح.

   وفرقة السرور التي قدمت هذه المسرحية في أواخر القرن التاسع عشر كانت أشهر الفرق الشعبية الصغيرة في أحياء القاهرة، اتخذت مسرحاً ثابتاً لها في بولاق، وهو عبارة عن مسرح خشبي أقيم وسط الحانات واللوكاندات والمقاهي الشعبية، ثم تنقلت بعد ذلك في أكثر من مكان في المحروسة، معتمدة في أكثر عروضها على نصوص من تأليف مرقس جرجس، شقيق صاحب الفرقة ميخائيل جرجس، ولم تقتصر عروضها على القاهرة وحدها، وإنما كانت تطوف الأقاليم، خاصة في الوجه القبلي، وهي بالطبع غير فرق المسرح الجوال التي عرفت باسم المحبظين، وكانت تقدم عروضها في بيوت الوجهاء وفي الميادين العامة.

   ويجدر التنويه بأن المادة التي قدمها الباحث، عن المسرحية وعن مؤلفتها وعن الفرقة، لم يعتمد فيها على فصول في كتب أو على مقالات في دوريات لأنه، كما سبق، ليست هناك لا فصول ولا مقالات، كما أنه ليست هناك وثائق أو مذكرات من أي نوع، وإنما مجرد أخبار وإعلانات متناثرة، مطوية في الدوريات القديمة التي يصعب الوصول إليها.

   ورغم ذلك، فقد استوت المادة بين يديه، كما تستوى الألحان في القوالب الفنية وقدم للمكتبة العربية، ولحياتنا الثقافية كلها، ما يثبت لأول مرة أن المرأة في مصر – بعد ثلاثة قرون من الانحسار والعقم – أخذت تشارك في الحياة المسرحية الناشئة، ليس فقط في مجال التمثيل، أو في التمثيل والغناء، ولكن في مجال التأليف أيضاً. وهذا هو الجديد الذي يجعلنا نعيد النظر في تراث المسرح المصري، منذ بداياته المبكرة، ونفتح حوله بوابات الحوار، حتى تأخذ المرأة مكانها فيه.

   و(الملكة بلقيس) للكاتبة المسرحية لطيفة عبد الله، كما جاء على غلافها، رواية تشخيصية غرامية حربية ذات أربعة فصول، طبعت في المطبعة الخديوية بالموسكي بمصر، على ذمة (نفقة) المؤلفة، وحقوق الطبع محفوظة، ثمن كل نسخة خمسة قروش صاغ قبل الطبع وبعده، ويعقب الرواية فصل مضحك للغاية يقال له (فصل العفريت).

   كُتبت المسرحية بالعربية الفصحى، وتجمع بين الشعر الغنائي والنثر المسجوع والنثر الحر. ووضع الفصل المضحك بالعامية، وهو لا يقل أهمية عن المسرحية، لصعوبة العثور على نصوص مماثلة في هذا الشكل البسيط المباشر الذي قد يعتمد في الكثير منه على الارتجال.

   أما موضوع المسرحية فهو الصراع بين الملكة بلقيس وابنتها جوليا حول الأسير بختيار، الذي تنافست الأم والابنة في حبه. وعندما تتأكد الملكة أن ابنتها وحبيبها يتبادلان الحب، تلقي بهما في السجن، وتحاول أن تثنى الابنة عن هذا الحب لأنها مخطوبة لفرناس، ولكي تنفرد هي بهذا الحبيب. غير أنها تفشل في إقناعها، فترفع السلاح لقتلهما معاً، ابنتها وحبيبها بختيار، فتصرع به ابنتها الثانية البريئة فوديم، ولا تجد ما تكفر به عن خطئها سوى أن تقتل نفسها بنفس السلاح، وبذلك يتزوج بختيار من جوليا. (توقيع: نبيل فرج)

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock