مقالات ودراسات

د. علي خليفة يكتب: البطل المتمرد على وضعه في مسرحيات سحر الشامي للطفل


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

إنها لظاهرة واضحة في مسرحيات سحر الشامي للطفل، فغالبا ما نرى البطل فيها يتمرد على وضعه الذي فطر عليه، ويحاول أن يغير ذلك الوضع، وأحيانا ينجح، ونقتنع بثورته من أجل تغيير وضعه، كما نرى هذا في مسرحية الذئب ليس وحشا، وكثيرا ما يفشل هذا البطل في تمرده في مسرح سحر الشامي للطفل، ويقتنع هو أخيرا باستحالة تغيير وضعه، ويقتنع الجمهور المشاهد لهذه المسرحية بذلك، كما نرى هذا في مسرحية حكاية ضفدع، ومسرحية نصيحة غراب.
وتكون العقدة في هذه المسرحيات عن رغبة هذا البطل في التمرد على وضعه الذي فطر عليه، ومحاولاته التي يبذلها في سبيل ذلك، وتأتي نهاية هذه المسرحيات بنتيجة صراعه من أجل تغيير وضعه؛ إما بنجاحه في ذلك، واقتناع من حوله بذلك، أو بفشله في تغيير وضعه، واقتناعه هو باستحالة تغيير ذلك الوضع، ورجوعه لهيئته التي فطر عليها.
والآن نعرض الدوافع التي تجعل البطل يتمرد على وضعه في مسرحيات سحر الشامي للطفل:
أولا: تمرد البطل لشعوره بالأختلاف عمن حوله
ونرى في مسرحية حكاية ضفدع أن الضفدع فيها غير راضٍ عن كونه الوحيد – بين الحيوانات التي يعيش معها في الغابة – الذي يقوم بعملية البيات الشتوي في فصل الشتاء، ونراه يتمرد على هذا الوضع، ويقرر أن يستمتع بفصل الشتاء بالعيش مع باقي الحيوانات في الغابة، ويقوم بكل الأعمال التي يعملونها في ذلك الفصل، وفي سبيل أن يقاوم البرودة الشديدة في ذلك الفصل نراه يجمع كثيرا من ريش بعض الحيوانات وشعرها ووبرها، ويلصق كل ذلك بجسمه، ولكنه حين يأتي الشتاء لا يشعر بالدفء، ويتساقط الريش والشعر والوبر الذي وضعه على جسمه، ويدرك ذلك الضفدع أخيرا أن تمرده على وضعه ليس في صالحه، وأنه سيعرض نفسه للموت لو أصر على هذا التمرد، وعند ذلك يقرر أن يعود للطبيعة التي خلقه الله عليها؛ ولهذا يعرف حيوانات غابته أنه توقف عن تمرده على وضعه، وسيعود للبيات الشتوي، ويقول: إنه سيعود منه بعد انتهاء الشتاء نشيطا وممتلئا بالحيوية، فقد أدرك هذا الضفدع أخيرا أن البيات الشتوي ليس عيبا وضررا له، بل هو وسيلة ستعيد له نشاطه الذي سيظهر منه خلال الفصول التي تلي فصل الشتاء.
ثانيا: تمرد البطل بسبب خداع البعض له
ونرى في مسرحية نصيحة غراب أن زهرة بيضاء جميلة كان يستمتع كل من يراها بجمال شكلها، وكذلك كان يمتص منها النحل رحيقها بسعادة ولذة، ويحوله إلى عسل، وكانت هذه الزهرة تعيش مستمتعة بحياتها هذه، وبصحبتها لنحلة كانت كثيرا ما تطير بقربها، وتمتص رحيقها، وتأنس بالحديث معها.
ويغري غراب هذه الزهرة بأن تنعكف على نفسها، ولا تفيد أحدا غيرها، ويوهمها بأنها بذلك ستزداد جمالا، ويغريها أيضا ذلك الغراب بأن تكتفي بالنظر لغدير ماء بقربها؛ لتتأمل فيه جمالها.
وصدقت هذه الزهرة كلام الغراب لها؛ وكان هذا دافعها للتمرد على وضعها، فرفضت أن تعطي أي نحلة رحيقها، بما في ذلك تلك النحلة المقربة منها، وصارت طوال يوما تتأمل شكلها في صفحة ماء الغدير القريب منها.
وكان من نتيجة تمرد هذه الزهرة على وضعها أن الرحيق الذي كانت تفرزه قد التصق بساقها وأوراقها، ثم التصق التراب والغبار وبعض القاذورات بها، وصارت بهذا هدفا للذباب، وكادت أن تنتهي حياتها نهاية مؤلمة – بسبب تمردها على وضعها عملا بكلام الغراب المخادع لها – لولا أن صديقتها النحلة أنقذتها، وأزالت عنها كل ما شوهها، وكاد يقضي عليها، وشكرتها تلك الزهرة على ذلك، وعادت لحياتها القديمة، بوضعها الذي فطرت عليه، وعزمت على ألا تستمع نصائح من أي كائن مخادع بعد ذلك، وألا تفكر في تغيير وضعها الذي خلقت عليه بعد ذلك أبدا.
والحقيقة أن المؤلفة لم تذكر مبررا لجعل الغراب متضايقا من الزهرة؛ ولهذا رغب في تدميرها بنصائحه المخادعة لها بالثورة على وضعها في نفع كل من حولها من النحل والفراش برحيقها، وكنت أفضل أن يظهر الغراب متضايقا من حب الفراش والنحل والطيور لهذه الزهرة؛ لشكلها الجميل ولرحيقها اللذيذ، في حين يبدي ضيقه من كراهية الكثيرين لصوته القبيح؛ واعتبارهم إياه مصدرا يدعو للتساؤم.
وأعتقد أن الكاتبة قد تأثرت في هذه المسرحية بقصيدة التينة الحمقاء لإيليا أبي ماضي، وأسطورة زهرة النرجس أو ناركيسوس الإغريقية.
ثالثا: تمرد البطل لشعوره بأن القوانين التي تحكمه هو وأمثاله غير مناسبة
ونرى في مسرحية الذئب ليس وحشا – وهي مسرحية جيدة جدا، وفيها معالجة جديدة لقصة ليلى والذئب – أن بطلها الذئب لم يخدع من ليلى وجدتها، ولكنه قد رفض أكلهما؛ وذلك تمردا على طبيعته المتوحشة، وقد حاكمته جماعته من الذئاب على ذلك التمرد منه على تلك الطبيعة، وقال لهم: لقد شعرت بالعطف على ليلى وجدتها، ورأيت أن ما تفعله ليلى مع جدتها من إحضارها الطعام لها في كوخها الذي يقع بقلب الغابة يشبه ما أفعله أنا من إحضاري الطعام لوالدي؛ ومن ثم فإنني بهذه الرحمة التي شعرت بها نحو ليلى وجدتها لم أستطع أن أوافق طبيعة الذئاب بافتراسهما.
ويتردد الذئاب الذين نصبوا هذه المحاكمة لهذا الذئب في الحكم عليه، فهو من وجهة نظرهم خالف فطرة الذئاب في الافتراس للفرائس التي تتعرض لها أو تهجم عليها، وتمرد على ذلك الوضع، ومن ثم فإنه يستحق العقاب، ولكنه من ناحية أخرى شعر بالشفقة والعطف على ليلى وجدتها؛ ولهذا لم يتعرض لهما بالأذى، ومن ثم فإنه من ناحية أخرى لا يستحق العقاب، وإزاء هذه الحيرة من القضاة الذئاب في هذه المحاكمة فإنهم يحكمون على هذا الذئب بالمؤبد، ولكن مع إيقاف التنفيذ.
وهكذا رأينا أن الكاتبة المبدعة سحر الشامي تقوم كثير من مسرحياتها على عقدة التمرد، وفيها نرى ذلك البطل المتمرد يحاول مخالفة الوضع الذي فطر عليه، ويقوم بصراعات عديدة لإظهار صحة موقفه في هذا التمرد، وغالبا ما يفشل في تمرده هذا، ويقتنع بالوضع الذي فطر عليه، وأحيانا ينجح في هذا التمرد؛ على اعتبار أن القوانين التي تحكمه ليست مناسبة، أو أنها ظلمته بوضعه في نطاق معين لا يخرج عنه ويسمه بالشر دائما، وحقيقته التي خلقه الله عليها ليست كذلك، فهي تسمه بالرحمة في مواضع إلى جانب ما يشتهر به من طبيعة القسوة والافتراس للفرائس التي يتعرض لها في مواضع أخرى.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock