عبيدو باشا يكتب: المغامرة مستمرة!

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

عبيدو باشا

المهرجان واحدة من الحكايات الخرافية . هكذا يظهر وهو يضع العالم العربي في عالم واحد ، حين يقع العالم هذا في التفضيلات الإشكالية والإشكاليات التفضيلية . لا غموض ولا الغاز . أسرع بتمهل كالفراشة أو سرطان البحر ، كما وجدهما باولو جوفيو في مجموعته المرسومة في القرن السادس عشر . هنا لا تختلف كتابة الشعر عن كتابة الشعور. كل ما يود الكُتَّاب تأليفه يؤلف والمخرجون يخرج والمؤدون يؤدى . مظاهرة بلا تظاهر . مهرجان بلا مهرجة . والمهرجان من مهرج على ما جاء في أقوال العلامة عبدالله العلايلي . عروض المسابقة ، الرقم نفسه أو مضروب بنفسه في العروض الموازية ، تقديمات ، ندوات ، كلمة يوم المسرح العربي ، قراءات ، اصدارات ، حيث لم يجد الكتاب المسرحي فضاءه المضمون سوى في الهيئة العربية للمسرح . تحقيق مقاربات ومواجهة لا متناهيات في أصعب الظروف . إنه مهرجان يحاول استخراج الجذور التربيعية لآخر ما وصلت إليه التجربة في العالم العربي . هذا لا يعني بأن ليس ثمة عروضاً تضارع عروض المهرجان ، ولكنها غير موجودة لأن أصحابها يودون معالجة كونياتهم وقصص بطولاتهم وملاحمهم في الانتقالات الداخلية أو في تأخرهم في الانتماء إلى ما يتحقق على الأرض في تركيبة مهرجان يظهر ابداعاته في تنوع الإيقاعات وحركة بناء الجمل والأوصاف المفاجئة وغير المتوقعة بشكل لا ينضب.
خروج إلى العالم من جديد ، بعد أن منع الوباء الفكرة من تحقيق سيادة الأشكال المسرحية في فضاء العالم على مدى سنوات . وحين انكشف العالم على وحشيته بتفضيل تطوير الأسلحة على تطوير الدواء ، بقي رواج المسرح في عقول العاملين في “الهيئة العربية للمسرح” وفي عقل حاكم الشارقة الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي الرجل الحاضر في المسرح بدون اكتظاظ ، وهو لا يزال يرى أن المسرح من أثمن الجواهر في عالم من الماديات الموجودة في كل بقعة ومساحة . عودة المهرجان استثناء، لا حدث عادي ، بعد أن رفع المسرحيون صلوات استسقائهم على نية المسرح وعودته إلى أيام بلا حدود ، أيامه البلا حدود .
لم يمل أحد إلى نسيان المسرح في “الهيئة” في تلك الفترة القاتلة . البرهان في المهرجان ، وهو يقام في المغرب ، في الدار البيضاء ، كازبلانكا. والدار البيضاء ذات مزاج يتحدر من تاريخ المغرب العريق ، حيث المدن المفتوحة والمدن الدائرية وحيث سماوات الشعوب القديمة وكل ما يحظى بامتيازاته النفسية ، كونه يمتلك الإتجاه الأقوى إلى الحياة .
لا تظاهرات اجتماعية بالمهرجان العربي للمسرح في المغرب ، بدورته الثالثة عشرة . ذلك أن المهرجان كوكب يدور على استمراره . مصوغ المهرجان الأول ، استمرار المهرجان . ثم ، الغوص في الأمزجة الملائمة وعيون المياه بتنظيم واستخدام وسائل المسرح المتوفرة في وظائفها المتصلة. إنه الصالح العام ، ما يوفر بعض اللمسات الإجتماعية، في اخراج المسرحي من عزلته ، ذاته ، تأمله المكتئب أو المبتهج إلى لقاء ” الآخر ” . وكأن الآخر هو وهو الآخر .
لا يمثل المهرجان مشاركة المتحدرين من المسرح فقط ، ذلك أنه واحد من آخر المساحات المشتركة بين العرب. ثم أن المهرجان مدينة تميل إلى الإقامة الحاذقة في مدينة أخرى . المساحة المشتركة بيئة ابداعية . تحفز على أجواء عمل إبداعية تتسم بروح ريادية فريدة . لا غرابة في أن يقام المهرجان في المغرب ،حيث قوة الاتصال بالعالم ، لا الانطواء ولا الانقطاع ، حيث الفرنكوفونية ، الترجمات بأقلامها المجنحة ، المؤلفات النظرية والتنظيرية في طبائع لا تحدد . هذه بلاد توسط بين الإبداعات .
ثم أنها بلاد رمز من ما تمتلكه من كيمياء المعاملة الحسنة والتكامل في التباين . هذه بلاد الطيب الصديقي وثريا جبران وعبد الحق الزروالي ومحمد الكغاط واليوسفي وهلال وغيرهم من من غابوا عن الدقة في الذهن ، ذهني .
المغاربة مشارقة الغرب ، لا تنتهي القصص معهم إلا بالتوقف أمام الأشياء ذات المعنى . هكذا ، اذا استقر المهرجان في كازبلانكا ، استقر في المعنى الإضافي على معناه كلوحة جليلة ، عظيمة ، على طريق حماية المسرح والحضارة العربيين . لا تغيب الجذور هنا، كما لا تغيب العلامات الفارقة بالخطاب التراثي وقبب الحداثة المضلعة. وحين تستمر ، تخف الشرور كما يخف التسلط. المغامرة مستمرة، إذن. المغامرة المجنونة مستمرة ، على كل العلامات السيميائية المحفورة على حيطان صفحات التاريخ الجديد والقديم ، من الفتوحات إلى الخروج من الأندلس. مغامرة مجنونة.
هذا ليس استنتاجاً، حيث لا تزال الهيئة العربية، توفر الأغطية الدافئة، لكل التجارب العربية. مروحة تعزز الخصب ضد الجفاف ، تعزز السعة في مواجهة الندرة والمشهد المتحرك ضد الصورة الفوتوغرافية الجامدة. الصورة الواحدة. ما يعزز الشعور بالأمان ، وجود من يعملون بدورات المهرجان المتتالية ، كما لو أنهم يعملون وهم يهيؤون حفلات تخرج أولادهم وبناتهم. الأجمل أن يبقى حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، على وعده بمسرح يومض . “مسرح عربي جديد ومتجدد “. حاكم عربي يحكم بالمسرح بدون أن يحكمه ، يساهم في دحرجة عربات المسرح إلى المدن . رؤية انمائية في خطة محددة تقع في فؤاد حرية الفكر والمخيلة ، حدة الفكر وحدة المخيلة . وسوف يُشرِّف الدورة الجديدة، جلالة الملك محمد السادس برعاية حركية تأخذ بالاعتبار رسائل ووسائل الحاجات الملحة للمسرح في المغرب وفي العالم العربي . رعايته قوة ، دعمه استجابة ملحوظة .
مئات المسرحيين العرب في كازبلانكا ، يرتفعون إلى أعلى أفواههم وأجسادهم وأرواحهم ، حيث لا كمامةولا قناع.وحيث المسرح لا يتحرك إلا “بظلال الحرية”.
لا تقود المهرجان سمعته وحدها ، يقوده وقوفه الدائم على شرفات الفجر الجديد. هكذا ، يعيش المسرح في مدينته المقدسة الجديدة، لا كمقيم مهاجر. كإبن شهد صرخته الأولى في مدينة، ليتردد صداها في كل المدن. بعد أن أصبحت المدن وأمست ، بيت العائلة الواضح وضوح نهار نوراني .
عبيدو باشا:صوت العرب – الدار البيضاء.
*مخرج وممثل واكاديمي من لبنان.
المصدر : صوت العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock