مقالات ودراسات

قراءة نقدية شابة في النص المسرحي “قاضي الطلاق” لـ “ثربانس”


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

بقلم: محمد كامل

مسرحية (قاضي الطلاق) .. تتسأل هل الطلاق هو الحل؟

وتعرض و قانون ثربانس في العلاقاتِ الزوجيهِ

 

“المسرح نيوز” يقدم اليوم ناقدا شابا وهو “محمد كامل” الطالب بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي يتلمس خطاه في طريق النقد المسرحي على وعورته ونتمنى أن يكون هذا المقال أولى خطواته في انطلاقة واسعة نحو النقد الذي يقرأ و يحلل ويستنتج بوعي وثقة.. كما نتمنى له أن يصير من النقاد الأكفاء.

 

قاضى الطلاقِ هو .. النصُ  المسرحىُ الذى كتبَهُ “ميغل دي ثربانس” في القرنِ السابعِ عشر.

من هو “ثربانس” ؟

جندي وكاتب مسرحي وروائي، شاعر إسباني ولد في ألكالا دي إيناريس، مدريد، إسبانيا في 29 سبتمبر 1547. يعد إحدى الشخصيات الرائدة في الأدب الإسباني على مستوى العالم، واشتهر عالميًا بعد كتابة روايته الشهيرة دون كيخوطي دي لا مانتشا بين عامي (1605 – 1615)، التي تعد واحدة من بين أفضل الأعمال الروائية المكتوبة قبل أي وقت مضى، واعتبرها الكثير من النقاد بمثابة أول رواية أوروبية حديثة وواحدة من أعظم الأعمال في الأدب العالمي. وقامت إسبانيا بتكريمه واضعة صورته على قطعة الـ50 سنتًا الجديدة. وكان لثيربانتس تأثير بالغ على اللغة الإسبانية، حتى أطُلق عليها (لغة ثيربانتس) ،

 

و يُعد “ثربانس” أحدُ روادِ حركةِ النهضهِ الأسبانيهِ في المسرحِ، وبالرغمِ من أن “ثربانس” قد أشتُهرَ بالروايهِ أكثر من المسرحِ، إلا أنه تمكّن من أن يضعَ بصمتَهُ الخاصةَ في المسرحِ في ظلِّ وجودِ عملاقَين كبيرَين في الدراما المسرحيةِ الأسبانيةِ في هذه الفترةِ “لوبي دي فيجا – كالديرون ديلا باركا ” وقد أسسَ “ثربانس” (عروض دراما الفصل الواحد) وهى نوعٌ من المسرحياتِ تتخللُ العروضَ التراجيديةَ الطويلةَ

 

وكانت تُعرضُ في فتراتِ الأستراحةِ بين فصولِ المسرحياتِ وكانت تتميزُ بالكوميديا، ويُطلقُ علي هذا النوعِ من الدراما ( الأنترميث) وهو نفسُهُ الجنسُ الدرامىُ الذى تنتمى له مسرحيةُ (قاضى الطلاق) تلك المسرحيةُ التي عَرضَ فيها “ثربانس” مشكلةً من مشكلاتِ القرنِ السابعِ عشر في إسبانيا و لا زالت مستمرةً إلي وقتِنا هذا في كلِّ دولِ العالمِ تقريباً، والطريقهُ التي عَرضَ بها “ثربانس” النصَ ، وشخصياتُهُ تُبرز أفكارَهُ التي تبناها حول الحريةِ. .

 

 قاضى الطلاق

إذا توقفنا عند الاسمِ لوجدنا أن الإسمَ وحدَهُ من الممكنِ أن يجذبَ القارئَ إلي قراءةِ النصِ للإجابةِ علي سؤالٍ واحدٍ فقط

ـ هل كان هناك يوماً قاضي يختصُ بالطلاقِ فقط أم أن هذا الإسمَ مجردُ عنوانٍ للنصِ؟

والإجابةُ هي أن قاضي الطلاق وهو إسمُ العرضِ المسرحي يحملُ معنى كبير في ذاتِهِ وإن كَنا لا نملكُ الدليلَ إذا كانت وظيفةُ – قاضي الطلاق –  هي وظيفةٌ حقيقيةٌ في هذا العصرِ أم أنها من وحي خيالِ المؤلفِ لتُناسبَ الدراما في النصِ، فقد عَرض ثربانس نماذجاً مختلفهً في المسرحيهِ للأزواجِ الباحثين عن الطلاقِ كحَلٍّ من وجهةِ نظرِهم للمشاكلِ التي تجتاحُ حياتَهم، و من اللافتِ للنظرِ أن ثربانس لم يقُم بتحميلِ أحدِ الجنسينِ كاملَ المسئوليةِ علي حسابِ الجنسِ الأخر، حيث أنه قام بالدورِ المطلوب من أىِّ مؤلفٍ وهو أن يكون محايداً وهذا يدل علي براعةِ ثربانس في عرضِ أفكارِه المتحررِةِ بحياديهٍ، فقد عرض نماذجاً مختلفةً من الأزواجِ وخلافاتِهم.

الشخصياتِ ..  

عرض “ثربانس”  نموذجاً للمرأهِ التي تطلبُ الطلاقَ لأن زوجَها أكبرُ منها بعشرين عاماً وانها قد فقدتْ شبابَها في خدمةِ رجلٍ لا يصلحُ لأي شئٍ ولكن ليست هذه هي الحقيقةُ الكاملةُ ولكنها تنظر إلي الأمورِ فقط من وجهةِ نظرِها ولا تُريدَ أن تتذكرَ أن زوجَها حينما كان شاباً لم تكن تري كلَّ هذه الفوارقِ لأن لديه المالَ وجاءَ ردُ القاضي في هذا النزاعِ قاطعاً حيث أنه رفضَ تطليقِهما لأن سببَ الطلاقِ الذي تستِندُ عليه المرأةُ هو أعتراضٌ علي عواملِ الزمنِ التي لا  يمكنُ الوقوفُ أمامَها فإن الجميعَ يتقدمون في السنِ ويتعرضون للأمراضِ، وفي النموذجِ الثانى؛ الرجلُ الذي يطلبُ الطلاقَ لأنه لايمكنُه النظرَ إلي زوجتِهِ فإنه يرى عندما يشاهدُ وجهَها العفاريتَ.. و قام القاضي برفضِ الدعوةِ، واخيراً المرأةُ التي تتطلبُ الطلاقََ من زوجِها لأنه يتمسكُ بمبادئِهِ ويكتبُ الشِعرَ ولا يقدرُ علي أن يحصُلَ علي المالِ لكى يعولَ البيتَ،

 

وعلي الرغمِ من أن كلَّ الأسبابِ التي قدمها الأزواجُ المتنازعونَ قد تدعوا للطلاقِ من منطقِ القانونِ إلا أن القاضي لم يُصدر الحكمَ مستنداً إلي روحِ القانونِ لا نصِه، ففى رأي القاضى أن الطلاقَ ليس بالأمرِ الهينِ السهلِ حتي يكون النطقُ به بهذه السهولهِ، ومن الملاحظِ أن شخصياتِ الرجال في النَصِ تحمِلُ أسماءَ الوظائفِ وكأن ثربانس يُشيرُ إلي أن الرجالَ في المجتمعِ يَحمِلونَ عاتقَ العملِ والنساءَ يحصُلنَ علي المالِ في محاولهٍ لتذكيرِ كلٍّ من الجنسَين بأن له حقوقاً وعليه واجباتٌ، لأن الرجلَ لابد أن يُعيلَ بيتَهُ علي اكمَلِ وجهٍ والمرأةَ لابد وأن تحتوي البيتَ خيرَ إحتواءٍ، وفي عَرضِهِ لشخصيةِ الرجلِ العجوزِ إشارةٌ إلي أن الزمنَ لا يُبقِي شيئاً علي حالِهِ فإن البشرَ منذ القِدمِ و هم في صراعٍ مستمرٍ مع الزمنِ ويحاولون أن يُبقوا علي شبابِهم ولكن هيهات لمن يظن أن بإمكانِه الوقوفُ في وجهِ عجلةِ الزمنِ فإنها مسألةٌ قدريةٌ وحتميةُ الحدوثِ فإن الجميعَ يولدُ ويشُبُّ ويشيبُ ويموتُ وهذه هي الرحلةُ الحتميةُ لكلِ المخلوقاتِ علي وجهِ الأرضِ.

الحبكه..

استخدمَ ثربانس حبكةً معقدةً في النَصِ حيث تكونَتْ من مجموعةٍ من الحبكاتِ تَظهرُ في  الصراعاتِ، تبدأُ بعرضِ المشكلةِ وتنتهى برَدِ القاضي علي المتنازعِين، وتأتي كلُّ هذه الحبكاتِ مغلفةً في إطارٍ من الإرشاداتِ الضِمنيةِ فلم نجد أن هناك إرشادةٌ مسرحيةٌ في النصِ تُوضحُ حركةً أو إماءةً أو تصرفاً لشخصيةٍ من الشخصياتِ، لكن تظهرُ الإيماءاتُ والإنفعالاتُ علي لسانِ الشخصياتِ أثناءَ الحديثِ و في سياقِ الأحداثِ .

هل ثربانس يوافق على  طلاق المرأة من  الرجل؟ 

لقد عَرض ثربانس قضيةً شغلتْهُ في القرنِ السابعِ عشر بين الرجلِ والمرأةِ ، حاوَلَ من خلالِ هذا النصِ أن يعرضَ رأيَهُ في أن الإنفصالَ بين الرجِل والمرأةِ لا يمكن أن يكون علي أسبابٍ يمكن علاجَها أو لأسبابٍ قدَريةٍ من تقدُمِ العمرِ علي سبيلِ المثالِ، وفي الواقعِ أن هذه القضيةَ لازالت متواجدةً حتي وقتِنا الحالي فإذا نظرنا حولَنا في مجتمعِنا الحالي نجد أن الطلاقَ بين الأزواجِ لأسبابٍ لاتختلفُ كثيراً عن الأسبابِ التي عرضَها ثربانس منذ ثلاثةِ قرونٍ تقريباً، وقد طبَّقَ ثرباس الحُكمَ في نَصهِ طِبقاً لروحِ القانونِ التي لا تنظرُ إلي الشكاوي فقط بل تحتاجُ إلي اكثر من ذلك حتي تنطقَ بحكمِ الطلاقِ،

ويَعرضُ لنا في ختامِ المسرحيةِ نموذجاً لزَوجَين تقدَما إلي القاضي من أجلِ الطلاقِ لكن القاضي لم يُطلقْهُما وساعدَهما علي تجاوزِ المشاكلِ التي بينهما وهما الأن يدعوانُه إلي حفلِ عيدِ زواجِهما السنوي تأكيداً من ثربانس علي فكرةِ أن الطلاقَ ليس الحل.

وفي رأيى الشخصي أن ثربانس قد سبقَ عصرَه بمئاتِ السنين في عرضِ افكارِه وحتي في أسلوبِ تفكيرِه مما سببَ له مشكلاتٍ كثيرةٍ مع معارضيه، ويظهرُ إبداعُ ثربانس في  تمكُنِهِ من عرضِ العديدِ من المشكلاتِ بأنماطِها المختلفهِ و وحَدَ المكانَ داخلَ المحكمةِ و وحدَ الزمانَ يوماً واحداً ملتزماً بقواعدِ كتابةِ الكوميديا في هذا الوقتِ وفي نفسِ الوقتِ وظَّفَ جميعَ العواملِ في النصِ لعرضِ فكرتِه بحياديةٍ تامةٍ وجسَّدَ رأيَهُ الشخصي في شخصيةِ القاضي، دون أن يشعُرَ القارئُ أنه يتحيزُ إلي جنسٍ علي حسابِ الأخر .

 

فقد عرض المشكلةَ بين الرجلِ والمرأهِ من وَحي الواقعِ الذي يعيشُه وعرضَ القانونَ الذي يُنظمُ العلاقاتِ ثم وضَعَ الحلَّ من وجهةِ نظرِهِ وفرَضَ قانونَهُ الخاص ؛ قانونُ الحفاظِ علي العلاقاتِ من أجلِ البقاءِ،  وتركَ التقييمَ للمُتلقى.

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock