مقالات ودراسات

“كأنك تراه” .. حين يقدم المسرح للجماهير روشتة علاج شافية.. لمشاكله المعاصرة!


المسرح نيوز ـ القاهرة| كمال سلطان

ـ

تعودنا فى شهر رمضان من كل عام على ظهور عدة عروض تتسم بالطابع الدينى ، تتشابه بعضها من حيث المضمون والتنفيذ ، ولكن بكل أسف لم يبق فى الذاكرة شيئا منها. وفى عرض “كأنك تراه” الذى تم عرضه على مسرح الطليعة، قرر المخرج الشاب ماهر محمود الا تمر تجربته مرور الكرام ، فحشد لها كل عناصر النجاح ودون الإعتماد على إسم نجم أو نجمة ، وإنما صنع نجومه بنفسه، حيث قدم خلال العرض عدد من الاصوات الشابة ، الذين اعطاهم الثقة فأصبحوا أيضا ممثلون جيدون ، وقد ساندهم ودعمهم بوجود عدد من الفنانين المحترفين وهم:

الفنان محمد يونس والفنان علاء النقيب والفنان مصطفى سامى والفنان سامح فكرى والفنان وليد الزرقانى، كما اعتمد على اسم كبير فى عالم الموسيقى لتلحين أغنيات العرض وهو الملحن الكبير محمد عزت صاحب التاريخ المسرحى المتميز، وأهداه الشاعر الكبير محمد بهجت بعض أشعار العرض والتى ساهمت كلماتها المغناة فى الارتقاء بالعرض. وعلى خلاف كل العروض والاعمال الفنية التى تكتفى بعرض مشاكلنا فقط دون التطرق لحلها إيمانا منهم بأن الفن ليست مهمته ان يقدم حلولا ، يقدم ماهر محمود عدد من القضايا التى نعانى منها ويعرض حلها من خلال رؤيته التى صاغتها الكاتبة الشابة نسمة سمير والتى تمتلك مخزونا من المفردات القوية وتستطيع صياغة حوار قوى ومتماسك رغم حداثة سنها ورغم أن تلك هى تجربتها الاولى للمسرح .

وتنطلق تلك الرؤى على لسان الفنان المبدع محمد يونس بصوته الهادىء واسلوبه السهل الممتنع لتخرج من فمه فتسكن فى عقل وقلب كل متفرج فى قاعة العرض ، حيث يتعرض لأكثر من مشكلة حياتية يتم تقديمها بأسلوب تمثيلى غنائى مثل مشكلة الأبناء الذين يفتقدون حنان أبائهم وأمهاتهم ، ومشكلة الاستغلال السيىء للدين فى الوصول لما تريده دون النظر إلى كونه حلالا أم حراما ، ولكن تبقى اللوحة الاهم هى تجسيدهم لمشكلة الهجرة غير الشرعية والتى قد يفقد فيها الانسان حياته تاركا خلفه أسرة تعانى مرارة العيش دون سند حيث تشكو له السيدة التى تتحايل لتستطيع بيع بعض الكتب من لجوئها لذلك بسبب ضيق العيش كى تستطيع الانفاق على ابنتها وسداد الدين عن زوجها الذى ابتلعه البحر وتركهم بلا عائل لتأتى نصيحته لمن يخوض تلك المغامرة بالا يفعلوا ذلك فيموتون مرة ويتركوا من ورائهم يموت كل ليلة.

ياتى ذلك فى مشهد تجمعت فيه كل عناصر الابداع فى الاداء للممثلة الشابة سلمى هشام التى عبرت عن كم البؤس والشقاء بكل ماتملك من امكانات تمثيلة ضاعف من اثر المشهد كونها مطربة بالأساس فقدمت احساسا مزدوجا وكان الفنان محمد يونس خير سند لها فى هذا المشهد الذى يعد الاقوى والاكثر تأثيرا من وجهة نظرى وتبرز من بينهم الموهبة الصاعدة انجى إيهاب والتى ينتظرها مستقبل باهر كمطربة وممثلة .

لمس العرض قضية الاحتقان الطائفى بصورة فى منتهى الرقة والتناغم من خلال علقة مخرج مسيحى يقوم بتصوير فيلم وثائقى عن المسجد والكنيسة أداه ببراعة الممثل الشاب سامح فكرى وبين رجل الشرطة المكلف بحراسة المكان ولعب دوره الممثل الشاب علاء النقيب بخفة ظله المعروفة دون السقوط فى فخ الاستظراف، او الاستسهال واستطاعا أن يقدما هذه العلاقة الانسانية الخالصة ببراعة يحسدان عليها.

وجسد الفنان مصطفى سامى شخصية رجل الاعمال الذى اتى للمكان ليحصل على توقيعات سكانه للتنازل عن بيوتهم ليهدمها ويبنى مكانها مشروعا استثماريا ضخما وقد استطاع بصوته الجهورى وملامح وجهه الجامدة أن يجعلنا نكره تلك الشخصية ونحبها بنفس القدر حين يفيق ويعود إلى رشده وبقدر جمال صوته كمطرب فإن ادائه التمثيلى لايقل جمالا.

جاء أداء أمنية حسن لشخصية نهى خطيبة شريف والذى جسده المخرج ماهر محمود ملائما وموفقا ومعبرا فى الوقت ذاته عن انطلاقة الشباب واهتمامهم بصنع إعلام بديل حيث أنها تسجل كل مايحدث من خلال كاميرا الموبايل وترفعه على الانترنت اولا باول. تحية خاصة للفنان الشاب وليد الزرقانى على تجسيده شخصية الارهابى فقد أعطى للدور روحا ومذاقا من خلال ادائه المتميز ،

وفى مشهد يبقى طويلا فى الذاكرة تحدث المواجهة بين جميع ابطال العرض والذين يمثلون كافة طوائف الشعب المصرى وبين الارهابى ويتحدون جميعا فى مواجهته ، وبالرغم من وجود سلاح فى يده وحزام ناسف على وسطه إلا انه لا يستطيع مواجهتهم فينسحب وينتصرون عليه وهو العلاج الأهم الذى يقدمه صناع العرض للمصريين حتى ينتصروا على الارهاب بالتكاتف والتلاحم.

وتبقى هدية العرض الحقيقية التى يقدمها لنا ماهر محمود هى تلك الكوكبة الرائعة من الموهوبين التى نتمنى أن يتبناهم الاستاذ إسماعيل مختار رئيس البيت الفنى للمسرح ويقدمهم فى عروض أخرى وهم إنجى إيهاب ، آلاء عمرو ، مريم هانى ، فاطيما إسماعيل ، بسام راضى ، عمرو خالد ، على الباهى ، عبد الرحمن عصام الدين ، محمود خالد ، علاء رضا ، تامر محمد ، محمود عزمى ، محمد عدلى. والذى يحتاج كل منهم إلى مقال منفرد تقديرا لموهبته الرائعة . وأخيرا وليس آخرا أحب أن أبعث بتحية خاصة إلى الأستاذ إسماعيل مختار والفنان شادى سرور على تحمسهم لهذا العرض وأتمنى أن يستمر ذلك الحماس عقب شهر رمضان فيخرج العرض فى جولة بالمحافظات حتى يتسنى أن يراه اكبر قدر من الناس.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock