مسابقات ومهرجانات

مهرجان الرستاق الكوميدي.. المشجِّع في البحث عن هوِّية المسرح وعلاقته بالجمهور.


المسرح نيوز ـ مملكة البحرين | علي باقر

ـ


تتواصل جهود الشَّباب الرِّيفي بمسرح الرِّيف و فرقة مسرح جلجامش بمملكة البحرين هذه الأيام في بحث يغوص في أعماق مسيرة المسرح البحريني و علاقته بالجمهور خلال متابعاتهم و معايشتهم للواقع الفنِّي المعاصر و اللقاءات التي بثت لفنَّاني البحرين الرواد و المخضرمين عبر وسائل الإعلام تذمروا فيها من الهوة السحيقة بين المسرح و جمهوره ، فنقلوا ذكرياتهم التي تختمر فيها إرهاصات المسرح و العروض المتواصلة في الماضي الجميل الذي له نكهة خاصة فتحسروا لأن  هؤلاء الرواد و المخضروين شهدوا نشوة المسرح البحريني و علاقته الوطيدة بالجمهور المتنوع في الثقافات الذين كانوا يتهافتون شوقاً متلذذين لمشاهدة العروض المسرحية في الثمانينات.

تلك الذكريات عن الجمهور الذي يرتاد المسارح البحرينية و يتناغم مع طرحها المتدفق بالهموم دون أن ترتسم على محياه الكآبة و الملل أو يضيع بين تفسير الحوارات الفلسفية المشحونة بالتشنجات الجسدية و الحركية المبالغ فيها تحت عنوانالتكوينات التعبيريةالتي هي بمثابة فقاعات جمالية باهتة لاروح فيها ولا صلة لها بالحدث المسرحي و لا بالممثلين الذين يتراشقون حواراتهم الفلسفية العميقة ، و يحاولون الضغط على نبرات أصواتهم لعلها تخترق مسامع الجمهور القليل الذي يحضر عادة متثاقلاً ويلتزم السكينة لعله يفهم ما يدور ، ولاترى منهم إلا جحوض عيونهم ، و في أفكارهم ترتسم علامات الاستفهام لحركات بهلونية يؤديها الممثلون بإضاءة خافته مسلطة على وجوه الممثلين و إضاءات أرضية متقاطعة ، و قد يستاء المتفرجون قهراً .. فيخرج بعضهم تاركاً مهزلة التَّطور في العرض المسرحي المزعوم ، هكذا يضيق صدرك كمتفرج متابع من الممثلين ، ولا تعاطف معهم حينما تراهم ينفخون في انفعالاتهم بين جدران الصَّالة ظنَّا منهم أنَّهم يقدمون مسرحاً نوعياً جميلا و متحضراً.

لأن هذه الصور المشهدية بحوارتها و حركتها و انسجامها على الخشبة لا تلامس همومنا لا القربية منا ولا البعيدة التي تعتصرنا كل يوم ولاتصل إلى لبِّ أفكارنا . فترانا نغرق في تحليل عمق الكلام لعله يصل قلوبنا ، ولكن لانجد إلا حوارات متراشقة عادة ما تكون بين ثلاث أو أربع أو ست شخصيات باهتة ، و تتضاعف حيرتنا كلما زاد مكوثنا متسمرين على مقعد المتفرجين نتابع ما يسمىمسرحيةلاتسرِّح همِّنا رغم ما يبذل فيها المخرج و الممثلون جهودا كبيرة دون جدوى . فنجد أن الممثلين أنفسهم ضاعوا بين نفث حواراتهم السفسطائية فاستعصى فهمهم لشخصياتهم وتركيباتها.

وما أن تنتهي بهرجة الصُّور ، ويصفق من واصل العرض الممل من الجمهور حتى تنظر يميناً و يسارا لمن حولك متفاخراً لعل  أن يحسب لك أنك كنت نبيهاً حللت الصور  المشهدية بكل تكويناتها و أدركت الهم العميق و الدَّفين في صدور الناس من خلال مشاهدتك لكي يشار إليك أنك مثقف فهمت التأويل القريب من العرض أو البعيد !! و تخرج من صالة العرض و الصورة الباهتة تتبخر من عقلك دون أن تقف على ركائز منها و دون أن يتعلق وجدانك بمشهد من مشاهد العرض الدَّسمة.

هذا هو حال المسرح الذي يبني فقط للتصدير و التعليب تحت عنوانصنع للخارجليناطح قامات الثقافة و التنوير كما يظنون دون أي إحساس بالجمهور المتنوع و المتذوق و المتعدد للثقافات. لذا هجر هذا النوع الجمهور حتى الفنانون أنفسهم و كذلك الفلاسفة منهم .. وبات المسرح فقيراً .. العرض لليلة واحدة باهتة.. و بعد هذا الجهد تعاني و أنت تبحث عن من يقدر تلك الجهود ويكرم جهود الممثلين و المخرجين بعد تدريبات مستميته تستمر شهرين أو أكثر.

لعل ذلك من أهم الأسباب التي فكر فيها الأخوة الأشقاء الفنانين في مسرح الرستاق العماني حسب اعتقادي المتواضع عندما كان إصرارهم في أن يكون مهرجانهم السبَّاق في الخليج بطابع كوميدي ليمتك المهرجان الجمهور و يتلاحم مع الخشبة فقدموا في الرابع من نوفمبر ٢٠١٦ مهرجانهم للمسرح العربي كوميدياً في دورته الأولى فجاءت مساعيهم مشجعة للجمهور الذي تهافت طيلة على صالة مسرح كلية العلوم التطبيقية بولاية الرستاق العمانية جنوب الباطنة طيلة المهرجان.

حيث تصدَّر مسيرة الافتتاح للعروض المسرحية الكوميدية مسرح أوال البحريني بقيادة الفنان المخرج المسرحي المخضرم عبدالله ملك بمسرحية اجتماعية جمعت بين النوعية و الكوميديا و تأطرت صورها المشهدية بين الواقعية و الرَّمزية هي  مسرحيةفي بيتنا حريقةتأليف الفنان يعقوب يوسف التي رسم المخرج مواقفها الكوميدية رسماً صحيحاً إخراجاً عبر اختياره للممثلين فنانين أكفاء.

مثل : حسن محمد ، سارة البلوشي ، عبدالله سويد ، سامي رشدان ، خليل المطوع و حمد عتيق.

أشعلت هذه المسرحية الجماهير ضحكاً .

و كذلك العرض المسرحي الاجتماعي الكوميدي الجزائري لفرقة جمعية آفاق للفنون الدرامية بعنوانالطيحةللكاتب نصر الدين بن غنيسة و إخراج الفنان الجزائري لطفي بن سبيع

الذي اتصف بلغته العربية الفصحى و رغم  ذلك  كان مرصوصا بالمواقف الكركترية الكوميدية التي أثارت ضحك الجمهور العماني المتنوع في الثقافة .

حيث تناولت هذه المسرحية الكوميدية الكركتيرية قصة مسؤول مدينة ما يتلقى اتصالا هاتفيا من صديق بالعاصمة يخبره عن وصول مفتش متنكر، وتبدأ المسرحية بسرد أحداثها تباعاً من بداية خوف المسؤول ومعاونيه وخادمه وتنفيذ عمليات تحري ومراقبة لمعرفة شخصية المفتش.

المسرحية من تمثيل كل من : عبدالقادر محامليه ومسعود بوبير ومحمد الطاهر زاوي وعبدالقادر خنصال وعلي سعدي.

و كذلك فرقةصلالةالعمانية التي قدمت عرضا مسرحياً اجتماعياً كوميدياً بعنوانالنوخذةتأليف الكاتب عبدالله الحضري و إخراج الفنان خالد الشنفري. فقد حصدت جائزة أفضل عرض مسرحي كوميدي بامتياز تألق فيها الفنان الشَّاب هشام صالح و الفنَّان عبدالله مرعي  ، وحصد الفنَّان هشام صالح جائرة أفضل ممثل دور أول .. و تميزت هذه المسرحية تمثيلا و إخراجا و استطاع المخرج خالد الشنفري أن يبني عرضاً مسرحياً  اجتماعياً و كوميديا وموظفاً بمواقف مذابة في سياق الحدث المسرحي بدون إسفاف ، كما أن بيئة العرض المسرحي أظهرت قدرات المخرج فعلاً في تقديم تقنيات فنية للعرض المسرحي و استطاع أن يخوض المسرحية و يلعب الواقعية بديكورها الجميل ، كما أبدع المخرج الشنفري في تعميق الحدث فيها بمشاهد فنتازية اشتعل فيها الخيال البعيد عن الواقع فتجلت مسرحية النوخذة بذوق و فكر و ثقافة فنية و بممثلين و جوقة و مخرج .. كلهم صنعوا عرضا فرجويا متماسكاً بما لديهم من الوعي الفني مسرحي كبير فاستحقوا التَّصدر في هذا المهرجان باقتدار و إبداع .

و إن كان التميز في المراتب الأولى لثلاثة عروض إلا أن التنافس بين فرق مسرحية  كان محموماً لمخرجين و ممثلين يمتلكون الخبرة و غيرهم من المواهب الذين شاركوا في المهرجان لتقييم جهدهم و الاستفادة من خبرات غيرهم.

لذا فإن تميزت بعض العروض المسرحية في الصدارة هذا لا يعني أن بعض العروض الأخرى كانت ساقطة و إنَّما كانت متفاوتة في طرحها و اشتغالها نتيجة لما يحملون من فروقات فردية

وهنا أرى ينبغي على المنظمين في مهرجان الرستاق للمسرح العربي الكوميدي في دورته الثانية البحث في مجالات لتطوير الشباب تمثيلا و إخراجاً عبر ورش تدريبية و أن تضاعف لجنة الجودة و الاختيار نشاطها المتمثل في اختيار الكفاءات لهذه اللجنة ممن لهم قدرات و كفاءات في قراءة النصوص المسرحية تمكِّنهم من الوقوف على نضوج الأفكار و معالجة همِّ اجتماعي إنساني ، متذوقين رصانة حوارات  و ترابط البناء تصاعد أحداثها ومدى صلاحية تلك النصوص قابليتها في المسرحة إخراجا و قدرتهم على النقد لإقناع المخرج المتحمس المتصدي للنَّص حول رؤيته في تنفيذ العرض.

مع اختيار لجنة أخرى فنية من ذوي الخبرات الإخراجية في مجال بلورة المسرح النوعي و القدرة الإخرجية في صناعة مواقف كوميدية ساخرة و توظيفها في الصورة المشهدية ضمن حبكة متماسكة تكون هذه اللجنة قادرة على العصف الذَّهني للمخرجين أثناء متابعاتهم للتدريبات و متابعة تفتح فكر المخرجين و الممثلين و تقييم مدى التطور و الحكم في النهاية على الجيد من العروض بتقرير يرفع إلى إدارة المهرجان لتحديد العروض المتنافسة من العروض التي تعرض خارج المسابقة ، بحيث لاتحرم من العروض بغية إكسابها الخبرات في المهرجانات القادمة.

و حينما أتحدث عن مهرجان الرستاق للمسرح العربي الكوميدي بإسهاب في دورته الأولى لا أعني أن كل المهرجانات دون قيمة فنية فهناك مهرجانات متنوعة و زاد بريقها

و هنا كان لزاما عليَّ أن أعرج على مهرجان الدَّن المسرحي العماني أيضا الذي تنظمه فرقة مسرح الدَّن للثقافة و الفن الذي أصبح متوهجاً و متألقاً في سماء المسرح الخليجي و العربي ، فهو ينظم بثلاثة أشكال متنوعة من العروض المسرحية للكبار و الشارع و الطفل في آن واحد .. هذا التَّطور لم يأتِ صدفة بل جاء نتيجة خبرات إدارية متراكمة و متدفقة بالعطاء لها القدرة على الاختيار و المتابعة الفنية ، و من ورائهم لجنة إعلامية فنية قديرة متوهجة و مشتعلة حماساً تعمل بشكل متوازٍ و تتابع و تنقل كل العروض المسرحية و حلقات القراءات النقدية المعقبة للعروض المسرحية ، و تنقل أيضا التطورات عبر قنواتها المرئية و المسموعة و المكتوبة لتصل لأعماق قلوبنا و مشاعرنا في بلدان الخليج و الوطن العربي ..  فتحيتي لكل القائمين على تنظيم مهرجانات الدِّن و على رأسهم صاحبة السمو السيدة الدكتورة تغريد بنت تركي بن محمود آل سعيد الرئيس الفخري للفرقة و الفنان محمد بن سالم النبهاني رئيس مجلس إدارة الفرقة و الفنان إدريس بن خميس النبهاني نائب رئيس الفرقة و كافة الأعضاء و المنتسبين


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock