نص “براد الموتى” من تأليف الكاتب العراقي “علي العبادي”

المسرح نيوز ـ  نصوص| علي العبادي *

كاتب عراقي

ـ

تُفتح الستارة…مشهد فيدوي ويتم تنفيذه من خلال (الدات شو)…يبدأ عرضْ المقطع…شخصان يقومانِ بإدخالِ جثتين إلى برادِ الموتى بعد فتح بابِ البرَادْ…وبعد إدخالِهِما وغلق باب البرد ينتهي المقطع. دمْ مشهد استهلالي صامت (تشتعل الإضاءة) باحةُ المسرح يوجد فيها مجموعة من الجثثِ المنتشرة في إرجاءِ المسرح زيّ تلك الجثث أبيض…في وسطِ تلكَ الجثث هناك جثتانِ تبدأنِ بالتحركِ…شيئاً…فشيئا.. وبعدْ محاولات عديدة من الزحفِ في إرجاءِ المسرح يتكئُ أحداهُما على الأخرِ يشكلانِ عدةَ صورٍ توحي بألمهُما المريرِ…بعد أن يقفا على قدميهِما يقومانِ بعمليةِ بحثٍ بين تلك الجثث لفترةٍ قصيرةْ. دمْ (تشتعل الإضاءة) (يوجدَ في أعلى وسطِ المسرحِ ساعة)

جثة1: ضجيجُ ذاكرتي يهزني كأرجوحةٍ في الهواءْ.

جثة2: ضجيجُ قلبي مسخً عواطفي.

جثة1: تتقدمُ الأيامُ وتسيرُ بلا توقفٍ وأنا أموتُ بالتقسيط ِالمريحْ.

جثة2: النهارُ يلثمُ أحلامَ الليلِ. (مؤثر لصوت الساعة…تقوم جثة بتحطيمها يتوقف صوت المؤثر)

جثة1: آلةُ الزمنِ جعلتْ من نفسِها مطرقةً على أحلامنا.

جثة2: والضجيجُ جعلَنا مساميرَ لهذهِ المطرقةْ.

جثة1: أيامنُا أصحبتْ كلعبةِ طفلٍ ضائعة.

جثة2: بل نحنْ كلعبةِ طفلٍ ضائعةْ وليستْ أيامنا.

جثة1:(يصلُ إلى مرحلةٍ من الانفصامِ…ويبحث في إرجاءِ المسرحْ):هنا لا لا لا…هنا لا لا لا…هنا…لا لا لا.

جثة2:عن ماذا تبحثُ؟

جثة1:عن ابتسامات طفولتي التي تناثرت أشلاؤها على أبوابِ السلاطينْ.

جثة2:أوجدتَها؟

جثة1:كلا

جثة2:إذا أردتَ أيجادَها عليك العثورَ على تاريخٍ ممزق.

جثة1:سأعثرُ عليها.

جثة2: أ تحبُ إن أساعدكَ في البحثِ؟

جثة1:أكون شاكراً لكَ.

جثة2:(تصلُ إلى مرحلةٍ من الانفصامِ ويبحثُ مع جثة1 في أرجاءِ المسرح…يعثر على بابٍ مرميةٍ في باحة الخشبة يرفعُها)هذا ما تبحثُ عنه.

جثة1: لا ليسَ هذا. (يستمران بالبحث) (تقوم جثة2 بقلبِ سلة النفايات والتي حجما حوالي نصفِ مترٍ ويبحثُ بين النفاياتِ عندما لا يجدَ شيئاً يبحث في داخلْ السلةِ ومن ثمَ يصرخُ) أينْ..أينْ.

جثة1: انا هُنا.(يعثر جثة1 على جثة3 نائم باحة الخشبة يتأملهُ)هذا.

جثة2:(يأتي إليه بإحباطٍ عندما يصلُ)على ما إذن.

جثة1: انهُ هو.

جثة2: لا اعتقدُ.

جثة1: انهُ هو .

جثة2: لا اعتقدُ.

جثة1:لا تعتقدُ.

جثة2: اعتقدُ انهُ هو.

جثة1:لا اعتقد.

جثة2: انهُ هو.

جثة1:لا اعتقدُ.

جثة2: هو الذي.

جثة1:انه نائمٌ لنوقضه من النومْ. (يقومان بأيقاضهِ من النومِ من خلالِ تحريكهِما لجسدهِ الممددْ).

الاثنان:قمْ أنتَ يا رجل

جثة2: قمْ.

جثة1: يا رجلْ. (يقومْ الاثنان من سحبهِ وإيقافهِ على قدميهِ

جثة3 ينظرُ إلى جثة1 وجثة2 متأملاً أيهما بضجرٍ…يتصارعونَ في ما بينهما لمدةِ دقيقتين…يسقطَ جثة1 ضحيةً لجثة3…ثم تسقطُ جثة2 ضحية لجثة3).

جثة3: (يجلسُ على ركبتيهِ…وينظرُ إلى الجمهورِ بغضبْ) جثة1+جثة2:(يرفعانِ رأسيهِما أو نصفَ جسمهُما ويبقيانِ مستلقيانْ على الخشبة)

جثة1: أينْ؟

شخص2: أينْ؟

جثة1+ جثة2: أينْ؟ جثة3: (يقوم ويدور حولَهُما)منذُ زمنٍ طويلْ وانتمْ تصرخونْ.

جثة1: لكن صراخَنا لم يجدُ نفعاً. جثة2: ليوقظَ أحلامُنا التي تجمدتْ في بردِ الموتى. جثة3: وهل تسميَ عفونتكُم أحلاماً؟ جثة1: هذه ليستْ عفونة؟

جثة2: وهل تُسمي نفسكَ إنساناً؟

جثة3: إنسان…إنسان! سأقتص من ألسنَتكُم الثرثارة

جثة1: إن قتلتَ فينا لسانَ الجسدِ…

جثة2: لن تُقتلَ فينا لِسنا الروحِ!

جثة3: سأقطعكُم أرباً أرباً و أرميكُما في……..

جثة1:(تضحك بسخرية…إلى جثة2) يرمينا.

جثة2:( أيضاً يضحك بسخرية…إلى جثة1)يرمينا. (إلى جثة3):أينْ في برادِ الموتى.

جثة1:السنا في برادِ الموتى؟

جثة3: ماذا تُريدانْ؟

جثة1: أين؟ جثة2: أين تبحثُ عن أين!

جثة1: لا افهمُ ماذا تعنيا.

جثة2: ابحثُ عن ابتساماتي.

جثة3: (إلى جثة2) وأنتْ؟

جثة2: ابحثُ عن تاريخٍ مجهولْ في فضاءاتِ قُبحِكَ.

جثة3:(إلى جثة1 مشيراً إلى يسارِ المسرح) هناكَ ابتساماتُك التي تبحثُ عنها إلا تسمعَها(صوتُ طفلٍ يضحك) (يركضُ جثة1 باتجاهِ يسارِ المسرحْ ومن ثمَ يعودُ إلى مكانهِ يصاحبَ موقفهُ هذا هستريا صارخاً)وجدتُها…وجدتُها…وجدتُها…

جثة3:( إلى جثة2 مشيراً إلى يمينِ المسرح) هناكَ التاريخُ الذي تبحثُ عنه ألا تسمعه(صوتُ طفل يبكي) (يركض جثة2 باتجاهِ يمينِ المسرح ومن ثمَ يعودُ إلى مكانهِ يصاحبَ موقفهُ هذا هستريا صارخاً) لن أجدهُ…لن أجدهُ…لن أجدهُ…

جثة1: لم أجَدها…لم…أجدَها..

جثة2: (إلى جثة3)لماذا لا تبحثُ معنا؟

جثة3: اجل بحثتَ معكما…و أرشدتُكم إلى الطرقِ التي تبتغونَها. جثة1: أتعرفُ معنى الحياة …..

جثة2: في براد الموتى!

جثة3: أتعرفا معنى الحياة التي أنتُما فيها؟ (جثة1و جثة2 تتقدما باتجاهِ جثة3ويقوم جثة1بسحب اليدِ اليسرى لجثة 3بعنف ويقوم جثة2 بسحب اليدِ اليمنى لجثة3 بعنف جثة3 يحاولَ التخلصَ منهما)..

جثة3: ماذا تُريدانِ:

جثة1: الخروجُ من هذا البرّاد!

جثة2: الخروجُ إلى الأبدِ.

جثة3: سأخرِجَكُما! (جثة1و جثة2 يتركونَه فرحينْ)

جثة1و جثة2: حقاً ستخرُجَنا !

جثة3: سأخرُجَكُما…من هذا البراد…ومن عفونتهِ…مقابلَ إن تختاروني مسؤلا عنه.

جثة1 جثة2: موافقان.

جثة3: إذن …أنتما منذ اليوم ستعيشانِ حياةً سعيدة…خارجَ هذا البراد. (جثة1 و جثة2 بفرح كبير احدهما يمسك يد الأخر) جثة1: أ حقاً؟

جثة2:أ حقاً؟

جثة3: اجل الم تصدقا؟ ج

ثة1: سنودع…

جثة2: عفونةَ…

جثة1: هذا البراد. (يقترب جثة3 منهما ويقوم بإزالةِ وتمزيق القماشِ الأبيضِ الذي يرتديانه… بعد إزالتهِ القماش من جسدهما) جثة1: الحياةُ خارج البراد…بانتظارَكُما.( جثة3 يختفي من خشبةِ المسرح) (دمْ…ثم تشتعل الإضاءة تدريجياً… مشهد فيدوي…يبدأ عرض المقطع…شخصين يقومان بإخراج الجثتين من براد الموتى بعد فتح باب البراد…وبعد إدخالهما ينتهي المقطع…دمْ…ومن ثم تشتعل الإضاءة) (جثة1و جثة2 منبهران تائهان في باحة الخشبةِ وكأنهما دخلا إلى مدينة لأول مرة… جثة1 (يجلس على ركبتيه في وسط المسرح جثة2 يلصق نفسه به …يشكلان تمثال يرمز إلى الحلم إلى النصر…ومن ثم تنخفض الإضاءة تدريجياً…دمْ…تشتعل الإضاءة تدريجياً…وهما على هيئة تمثال يبدأ حوارهما…مع كل جملة يقومان بإلقائها…ينفصلان عن بعضهما ).

جثة1: انهُ رجلٌ نبيل.

جثة2: وطيبٌ أيضاً.

جثة1: أ استطيعُ بعد ألان رسمَ ملامح حياتي القادمة؟

جثة2: ا استطيعُ استئصالَ برودةَ ذلك البراد اللعين من جسدي؟

جثة1: بلا شكِ نستطيع.

جثة2: أ.. استطيعُ….

جثة1: أكيدْ تستطيعْ. (بعد انتقالهما في باحةِ المسرح من مكان إلى أخر وكأنهُما يبحثان عن شيء…وقد بدا الحزنُ على وجههُما …بعد إن لم يجدا ما يبحثانِ عنه)

جثة2: أ هذا الضياعُ؟ يسمى حياةً سعيد!

جثة1: عندما تصبحُ ذاكرةَ المرءِ دخان…تسمى حياةً سعيد.

جثة2: ماذا وجدتَ في هذه الحياةِ؟

جثة1: لم أجدْ سواكَ.

جثة2: إذاً أينْ الأمسْ؟… و أين اليوْم؟… و أين غدْ؟

جثة1: في مدفئةِ الأحلامْ.

جثة2: ومتى نرَاها؟

جثة1: عندما تحترقْ.

جثة2:لا أريدُ ا ن أرَها تحترقُ…سأرحلُ إلى ذلك البراد.

جثة1: سآتي معكَ. (تظهر جثة3 وقد ظهرَ بملامح عظمةٍ وترف…ينظرُ الى الشخصينِ…وقد بدأ عليهِما علاماتِ الحزن)

جثة3: ما الذي جرى لكُما! الجثتان: لا يردانْ.

جثة3: كيفَ حالِ الحياةِ خارجَ البراد؟ الجثتان:لا يردانْ.

جثة3: أنها جميلةْ …أليسْ كذلك؟

جثة1: بجمالِ قُبحِكَ.

جثة2: وبجمالِ لا إنسانيتكَ.

جثة1: أنت وهمٌ في ذاكرةِ الضميرْ.

جثة2: وجرحُ الأيامِ الثكلى.

جثة3: وما علاقتي بهذا كلهُ؟

جثة1: وذلك الوهمُ الذي رسمتهُ لنا.

جثة2: ما الفرقُ ما بينَ أمس البراد ويوم البراد.

جثة3: الفرقُ كبيرْ…من حيثِ المساحةِ…وال…

جثة1: العذابْ. جثة2: إيُ مساحةٍ تتحدثُ عنَها…مساحةِ الذاتْ المحترقة باللهيبِ الوجع…أم مساحة انتظارِ اللاشيء.

جثة1: لعلَ اللاشيءَ يصبحُ شيئا.

جثة2: كيف؟ ونحنُ مجرد ثقوبٍ في آلةِ الناي…

جثة3: أيُها المجنونانْ إراقت لكما الحياةُ في ذلك البراد.

جثة1: تعلَمنا في ذلكَ البراد درسانِ…الأول إن لا نكون أنتَ. (فترة صمت لمدة قصيرة جداً )

جثة3: والدرس الثاني. (جثة1 وجثة2 تتقدمان نحو جثة3…يجري صراعاً إيمائيا يستمرُ لمدة دقيقة ونصف…ومن ثمَ يخرجُ يسقط جثة3 منهزماً…ميتاً).

جثة1: هذا الدرسُ…

جثة2: الثاني.

ستار

ملاحظة : لا يسمح بتقديم النص دون أذن مسبق من المؤلف . الفيس الفيسبوك : علي العبادي البريد الإلكتروني : alabadiwe@gmail.com رقم الهاتف :

علي ألعبادي 1-8-2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock