مقالات ودراسات

الكاتب والناقد العراقي حيدر عبد الله الشطري يكتب: الخطاب السمعبصري في عرض مسرحية “راديو” للمخرج د. محمد حسين حبيب


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

حيدر عبد الله الشطري

يتشكل الخطاب المسرحي وفق منظومة اسلوبية خاصة تشتغل على اللغة المسموعة والصورة المرئية ومن تظافر هذه المكونات ينتج الخطاب المسرحي التي يسعى الى بثه العرض الموجه ولتحقيق فعل التلقي الناجز. ويتركب ذلك مع تضمين الكثير من الدلالات بسياق فني مؤثر يتشكل لغرض انتاج المعنى الذي يطمح العرض الى تحقيقه وتأكيد تأثيراته على المتلقي . فالخطاب المسرحي الذي تتعدد فيه الطرائق المستخدمة في بنيته الاتصالية المنسجمة مع بعضها هو الخطاب الذي يكون هدفه واضحا في تكريس الموضوعات التي يطرحها لأنها تنشأ من وعي متقد يبحث في التجديد في اليات اشتغالاته الفنية والاسلوبية .
فتح الصورة
ويعد عرض مسرحية ( راديو ) لمؤلفها الكاتب (النيجيري كين تساور ويوا) واخرجها الفنان د. محمد حسين حبيب وقدمتها فرقة كلية الفنون الجميلة في بابل , يعد واحدا من هذه العروض المهمة التي سعت الى تنويع خطابها الفكري فأشتمل العرض على رسائل فنية مرئية مسموعة اعتمدت بشكل وافي لمعظم افكار النص . .بالإضافة الى قراءة مشهدية مبتكرة ومكملة من قبل المخرج حاولت اعادة صياغة الكثير من افكاره والتي كانت بمثابة خطاب موازي اظهره العرض المسرحي من خلال الاشتغال على عناصر العرض وتوظيفها بشكل فني يخدم بصورة كبيرة فكرته الرئيسية التي لا تذهب بعيدا عن افكار النص التي يتضمنها. استند النص على التأسيس المكاني والفكري لشكل مدينة فاسدة بكل تمظهراتها ومن خلال شخصيتين رئيسيتين يعيشان معاً في بيت للإيجار وكان اختيار هذا النص من قبل المخرج د. محمد حسين حبيب لتوافر الكثير من الاسباب الفنية والفكرية التي يحملها والتي تساعد في تحقيق فعل الاسقاط وكذلك لانفتاحه على مديات واسعة للتعبير عن الواقع المعاش وكشف مدنٍ فاسدة نعرفها نحن هي مدن اصابها الفساد ايضاً وعلينا ان نسلط الضوء عليها ولم يقتصر الامر على ذلك وانما كان لثراء النص وشموله على الكثير من الطروحات التي تتطابق مع الافكار التي سعى المخرج على تأكيدها مثل (الغش , التزوير, الفساد ) .
كل ذلك ساهم في تشكيل الخطاب السمعي الذي سعى العرض على تكريسه وبعدة طرق وأساليب فنية والذي كان مرتكزاً واضحا استند عليه المخرج في بث رسائله البصرية وفق معالجات اخراجية اجتهد فيها كثيراً انطلقت من فحوى النص لتشكل بالتالي فحوى العرض في سياقات فنية منسجمة وبهارموني سمعبصري يستدعي المتابعة والتركيز رغم مدة العرض الطويلة نسبياً ومن ثم محاولة تفكيك بعض شيفرات العرض الذي سعى الى تأسيسها بجانب رسائله المباشرة والواضحة فالمدينة الفاسدة والشخصيات المقهورة والاخرى المستبدة والسلوكيات الرخيصة هي خير ما نصوره نحن الذين ابتلينا بذلك .
فاستخدام ( المايكات ) المتعدد لم يكن الا معادلا تعبيرياً لخطاب النص المسموع وترجمته إخراجياً الى شكل فني مرئي يخلخل فعل الاستماع الافقي لجهاز الراديو بعد اختيار الكثير من الرسائل التي يختارها المخرج لكي يبثها من خلال ( المايك ), فهي بذلك رسائل بصوت عالٍ وصورة واضحة وجلية . لم يعتمد المخرج في تأسيس وتأثيث فضاء خشبة المسرح بتشكيلات إيقونية باذخة وزخرفية واعتمد على الاقتصاد بذلك فالأحداث في حالة توتر دائم واحتدام قائم على طول العرض المسرحي ومما يستدعي الانتقال الصعب من تشكيل الى اخر . فكان الاستخدام الواعي لعلامات العرض الواضحة منهجاً واسلوباً تميز به العرض وتخلص به من احتشاد خشبة العرض من كل ما تفيض به من زيادات .
ومن كل ما سبق نصل الى ان تقديم مثل هكذا عروض مسرحية وبهذا الكيفية الاسلوبية يحتاج الى قدرات تمثيلية عالية ومسؤولية فنية مضاعفة من قبل مجموعة العرض فنحن ازاء عرض يتطلب كثيرا من الممثلين الانفتاح نحو فتح افاق جديدة في التعبير التمثيلي وهذا ما سعى اليه جاهداً بطل العرض الممثل احمد عباس الذي استطاع ان يجد له شكلا تمثيليا متميزا وخاصاً ( كاركتر ) استطاع من خلاله ان يؤكد قدراته التمثيلية العالية في تجسيد هذه الشخصية وكذلك بقية الممثلين الذين تسابقوا في تشكيل وحدة ادائية منسجمة كانت وراءها ادارة اخراجية واعية تقودها نحو تحقيق اسلوب ادائي متميز ووفقا لكل شخصية من شخصيات العرض . فلم يكن يخفى على الممثل ( مهند بربن ) والذي ادى شخصية صاحب البيت ان شخصيته كانت تتطلب اداءً تلقائياً وغير متكلفاً هذا ما جسده على الخشبة .
وكذلك شخصية ( هينغن ) التي اداها الممثل ( حسنين الملا ) والذي استطاع من خلالها التأكيد على تعدد قدراته التمثيلية وتمكنه منها , وشخصية ( الموظف )والتي اداها الممثل( علي التويجري ) بأتقان وقدرة تمثيلية متميزة. وبهذا اسس عرض مسرحية ( راديو ) لشكلٍ فني تقديمي يستطيع ان يمد الكثير من جسور التواصل مع المتلقي وان يكون انموذجاً للعرض المسرحي الذي تتطلبه المرحلة ويكون خير معبر عن واقعنا المعاش بكل ظروفه واشكاله.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock