حصرياً.. الكاتب والناقد مجدي الحمزاوي يكتب عن عروض مهرجان “مسرح بلا إنتاج: “الرائعون.. كان يمكنهم أن يكونوا كذلك!”
مجدي الحمزاوي*
كاتب وناقد مسرحي مصري
ـ
كنت أود أن يكون مقالى في هذه الاحتفالية المسرحية بمهرجان مسرح بلا انتاج / من المقالات التي تعتني بشكل اكبر بكشف بواطن الجمال في العمل الفني كما ينص على هذا تعريف النقد كفرع من فروع علم الجمال.
خاصة وأن المقال سيتناول عملا لاشقاء ورفقاء دروب كفاحية طويلة وممتدة . والقطر الذي ينتمون اليه معروف بالتعددية الثقافية والمعرفية ؛ التي خلقت فنونا على مستوى رفيع من الجودة وخاصة فن المسرح.
والاحتفاء قائم بالفعل في هذا المقال . ولكنه احتفاءا خاصا وحقيقيا عملا بمقولة ان صديقك من صدقك لا من صُدقكٌ, فليس بأسهل من التركيز على بعض اللمحات الجمالية ليخرج الكل سعيدا ولكن دون استفادة حقيقية . حتى وان تمثلت هذه الاستفادة في معرفة راي واحدا من الجمهور العادي . حتى وأن كان يتعارض بعض الشيء مع الاتجاه العام للتلقي . خاصة إذا كان هذا الرأي تنبع حيثياته من داخل العمل ذاته. دون وضع أي اعتبار لأفكار قد يتناولها العرض او يشير اليها . فالمهم في العملية الفنية ليس مضمون الطرح القيمي في حد ذاته. بل في كيفية تقديم هذا الطرح.
ولا أحد ينكر ان فريق المسرح بقسم فنون الإعلام بكلية الأداب بالجامعة اللبنانية الأمريكية يمتلك طاقات فنية جيدة ؛ خاصة الممثلون نائلة الحارس، تانيا صعب ، مأمون طهيو، روجي عازار ، ومعهم بشير أبو زيد .
كما أنه من الواضح ان المخرجة سارة الموسوي تملك أيضا نفس الامكانيات . فهي تحاوةل ان تكون لها لغتها المسرحية الخاصة فيما يتعلق بالتشكيل الكلي لخشبة المسرح ؛ وربما تجربتها لم تمكنها بعدج بالشكل الكافي من أن يكون التوظيف الجمالي للشكل متسقا مع التوظيف المضموني له بحيث لا يكون هناك تعارض أو لبس . كما أن استعانتها ببعض المبدعين الذين يلمكون نفس الطاقات الطيقة في طاقم عناصر الاخراج المساعدة يحسب لها . خاصة عنصري تصميم الصوت/ الموسيقى والإضاءة.
كل هذا وأكثر منه ربما اتضح بعد مشاهدة عرض الرائعون من تأليف احمد عزت . والمقدم بالأمس ضمن فعاليات المهرجان .
ونضيف علاوة ان اتاجاه المخرجة في الختيار على الشكل العام كان جيدا ومتسقا مع بعض عناصر الطليعة العربية في مجال المسرح الآني. حيث اكتشف بعض الميدعون ومعهم بعص الحق أو كله في بعض الأحيان . ان التعامل مع اليومي والمعاش ؛ خاصة في مجالات السياسة والصراعات التي تعاني منها أقطارهم مهما تباعدت كل على حدة . وتعاني منها المنطقة العربية ككل . اكتشوفا أن هذه المعالجات لم تساعد على تضيمد جرح بدليل اتساع الجراحات ؛وحالاىت التشرزم والتنافر والصراعات التافهة بين أنظمة المنطقة ذاتها . او دعاوى الطائفية التي تضرب الشعوب. فاتخذت هذه الطليعة والمخرجة ساررة الموسوي منهم اتجاه التعامل مع القضايا الانسانية العامة . وهذا الاتجاه ليس هروبا من معالجة المشكلات سالفة الذكر ، ولكنه عن اقتناع بأن حال الأمة لن ينصلح ألا بعودة الانسان العربي لإنسانيته قبل كل شيء . واتساق مفهومه القيمي مع المفهوم الانساني العام الذي يوجد الانسان مكهما كانت لغته أو عرقه ضد دعاوي الشر والعنصرية.. الخ.
أول العرض فوجئنا بأن المخرجة منعت الجلوس في المنطقة الأمامية من صالة المسرح ؛ حيث ان بعض الرسومات المتواجدة على أرضية الخشبة والتي لم يبن منها الا بعض خطوط هندسية متوازية ومتقاطعة في آن واحد نظرا لتعددها ؛ بما يكون بعض الأشكال الهندسية المتسقة , وامتدت هذه الخطوط لتحتل الجانب الأيسر من وسط صالة المسرح . في المكان المحدد سلفا كمعبر يسير عليه المتفرجون للوصول لمقاعدهم او الخروج من الصالة. وعلى هذا فيكون التساؤل الأولى حتى قبل أن يبتدأ العرض . أنه مادام الامتداد بهذه المساحة فقط . ومعروف ان هذا الامتداد هو لمحاولة توسيع نطاق الحدث والإيهام بأن مايدور على خشبة المسرح يدور أيضا على الجمهور أي ان الجمهور من الممكن أن يكون فاعلا ومفعول به في نفس الوقت طبقا لسياق الحدث ! إذن ألم يكن من الأجدى ان يكون هذا الاختراق والجمهور متواجد فيما منعته عنه؟ بهذا سيكون هذا الاختراق قد تم وسط الجمع العام وليس بعيدا عنهم . وسيلتفت الجمهور حتما لهذا الاختراق لو كانت قد وضعت آلية دخول له تمنعه فقط من الجزء الصغير من هذا المعبر المستخدم . خاصة مع علمنا أنه ربما هذا الذي حدث من امتداد نتيجة راي عابر من أحد المعاونين ولم يكن متفقا عليه من قبل. بما يعضد رأينا السابق في الالتفات للجمال الشكلي اكثر من الالتفات لاتساق الشكل مع الوظيفة او المضمون.
يبدا العرض لنجد أنفسنا أمام كاسبر . وطبعا لابد ان نستدعي مسرحية كاسبر الشهيرة لبيتر هاندكه ، خاصة ان الظروف التي قالها الداخل عن نفسه تتشابه بعض الشيء في وضعه كفار تجارب أو كسجين .. الخ . وكنا نظن وقتها ان العمل سيير في الاتجاه المعارض لكاسبر الشهير ومكملا له منه وجهة النظر الأخرى . عن كيفية تعامل كاسبر مع الحياة لو كان أتيح له ان يتعايش معها . ولكننا فجأة وجدنا كاسبر يدخل الإطار الميتافيزيقي . ويقدمه العمل كأنه المحرك الأول للكون وبدلا من وجود ذكر وأنثى كنا أمام اثنان من كل نوع.
ولا مانع عندي على التطرق الفني لمثل هذه الأمور كما قلت سابقا. ولكن المانع ان يحتوي العمل على الشيء ونقيضه معا. فالمنظر الأول قدم بجانب المحرك الأول هذا اربعة من الشخصيات اثنان في يمين اسفل المسرح ويساره ملتصقين بالأرض او الخشبة . واثنان في يمين ويسار أعلى المسرح . ولكن القايم تعلى الجهة اليمنى كان موصولا بالمستوى الأعلى الفوق من جهة لأنه كانت هناك ارجوحة يتقافز عليها بعض الشي . والثاني على الأرض كالسابقين. وعندما يبدأ المحرك الأول تجربته في أنت يرى كل شخص منهم وجهه لأول مرة ماذا فعل. اسقط الموجود بالأعلى من فوق لنعرف من خلال حركاته وتقافزه وصوته السابق؛ أنه عبارة عن قرد . لندخل بالرغم عنا في التفسير الدارويني ، ولافكاك منه بعد ذلك مهما حاول المؤلف ومن بعده المخرج بالعكس التعامل كان كل لحظة يؤكد هذا.!! ثم عند بزوع بذرة الحياة الأولى من خلال الألم او ىالتعذيب الذي يمارسه المحرك الأول لبعث الحياة ، مع الوضع في الاعبترا ان الي كان حيا من البدء هو من اتخذ شكل القرد الذي اشرنا اليه الان. فكيف وصلت المرايا؟ كان يمكن ان يكون التعرف علىى الأول على الشكل من خلال اي سطح طبيعي عاكس كينبوع ماء مثلا أو ماشابه ولكن هكذا شاء المخرج والمؤلف ومحرك الحياة الموضوع بواسطتهما الذي ربما كان يجرب في كيفية تعذيب شخصياته او تجاربه دون ذنب. كما ان الرسومات الموضوعة على البانوراما الخلفية والتي صممهما ونفذها ربما عمر بعيني كما هو مكتبو في بامفلت العرض . كانت كلها لأشكال هندسية وادوات معملية لتتطابق مع ماقله كاسبر في أول الأمر بانه يجري تجاربا ما. ومن هنا يأتي التعارض الثاني لما رايناه فلو كان الأمر خارجا كما حاولا ان يفهمانا عن فكرة المحرك الأول للكون وان الأمر كله عبارة عن تجربة عملية . إلا ان المعامل لا تخلق احاسيس متبادلة كما راينا لاحقا.
ثم رأينا بع ذلك كيفية تعليم الكلمات ؛ وكيفية نزول الأقلام او ما شابهها من اعلى ليقوم الأشخاص بالرسم على الجدران كيفما اتفق . وتقديم التفاحة ليتشابه او يختلط مفهوم المحرك الأول مع الشر الأول وبأن كلاهما واحد او مكملا للآخر . لأنه بعد قضم التفاحة تبدأ عملية المشاعر بين الذكر والأنثى في التحرك غريزيا أولا ثم عاطفة فيما بعد. \
ثم بعدتعلم النطق يأتي الدور على الكلمات والموسيقى حيث يبدا المحرك في عملية خداع من جانب المخرجة والمؤلف بوضع سماعات فوق الأذن للأشخاص لنسمع الموسيقى ثم تبدأ عملية الرقص الأولى . ثم يلاحظ انهم انتزعوا هذه السماعات فبدت الموسيقى أعلى صوتا× والربقص أكثر اتساق! فهل معنى هذا أنهم لم يعودوا بحاجة للمحرك الأول؟ ربما كان هذا مافي الذهن لأنه بعد ذلك تبدأ المعاقبة . فحينما يبدأ الذكر الأول في ممارسة العاطفة مع الأنثى الأولى . وتحاول ان تقلدهما الثانية مع الذكر الثاني يدهخل المحرك بحقيبة الذهب ليلهيه. فيلتهي. فتبدأ الثامنية بمغازلة الذكر الأول ولكنه ينهرها . فتقبع وحيدة . ويدخل المحرك دافعا بكم من التفاحات . تقضم واحدة منها الأولى فتموت!! فيبدأ الجميع في التجاوب مع امر الموت كلا طبقا لمشاعره. ولكن الغريب انهم فقدوا القدرة على التعبير كلاميا وعادوا لمرحلة الهمهمة الأولىىى!!الى أن يصلوا للشعور العام بالفقد والفناء في النهاية . لنصل ثانية الى نص كاسبر الشهير حيث تبدأ عملية الانتحار . وينتهي العرض.
أعتقد انه بعد عملية الموت كانت هناك فرصة للمؤلف ان يخرج بالنص لآفاق ارحب تحتمل ماقلاع وأكثر منه / حيث كان هناك الكثير من التداعيات المنطقية سواء على الجانب الانساني او الميتافزيقي ذاته ؛ حيث سيكون هناك امرأة’ ورجلان .
من الواضح ان المخرجة كما قالت في كلمتها كانت تحاول ان تناقش مشكلة الحياة ذاتها وأنها لا تحمل إلا منطقها الخاص العاصي على الفهم ربنا وأن ان المستوى الأعلى لم يسهم لنا إلا بالقردج والمشنقة . مهع ان المشنقة هذه تسبب لي قلقا . فطبيعي انها شيئا جديدا علىهم ولم يعرفوها لأنها لم تستخدم من قبل . فكيف شنقوا انفسهم بها من مرة واحدة؟
نعم ربما كان القصد اشياء أخرى . روبما كان وراء تلك العلامات الفارقة التي تحدثنا عنها علامات مراوعة ولمنها في خلد الكاتب وربما المخرجة فقط.
لا يمكن ان أنكر ان سارة الموسوي لها رؤيتها الجمالية وتنفذ بالسيقة ما يتطلبه نص العرض من معاني . فعلى الأرض لم تكن هناك أي اضاءة من أعلى وكلها ضاءات سفلية فقط . حتى الظل استخدمته في تضخيم صورة كاسبر/ المحرك الأول وتبيان انه عملاق في بعض الأحيان . ولم يكن هناك استخدام للإضاءة الاتية من اعلى إلا في حالة القرد او شبيهه وعملية نزول المشانق/الموت؛ مع أن الموت دحرج من قبل!! والتي اقتصرت على المنابع الموجودة فوق خشبة المسرح فقط ؟ حيث لا منابع خارجية للأضاءة ؛ وهذا له معناه الواضح .
واضح ان هناك خللا في نص العرض وأنه ربما تكون العملية اقتصرت على بعض نوايا . وإذا نظرنا لسيرة الكاتب الموجودة بمطبوع العرض سنجد انها كلها تتعلق بالتمثيل والاخراج. أي انها ربما تكون المحاولة الأولى او من المحاولات الأولى للكتابة . وعلى هذا فأنا أعتقد انه بالجلوس مرة ثانية على النص ووضع مايراد من العرض او رسالته ومحاولة الوصول اليها من اقصر طريق مع اجراء التعديلات اللازمة سيكون مفيدا وأن علينا انتظار النص القادم للمؤلف.
وبناء عليه لو كان هذا هو الحال فلماذا هذا التجاوب الجمعي اللحظي مع العرض. والاجابة ببساطة تتلخص فيما قلت سابقا ان المخرجة احسنت اختيار ممثليها والكثير من عناصر اخراجها المساعدة كمنا ان لديها خط حركة خاص بها في تعاملها على خشبة المسرح ÷× وهذا لاتتسع له المساحة لتوضصيحه بالشكل التطبيقي المناسب . فكل هذه العوامل جعلت الجمهور العام يأخذ العرض كلوحات منفصلة متتابعة دون ان يعير بالا كثيرا لعملية الربط . تلك العملية التي ستترسب حيتما داخل المتلفي ربما بعد يوم او اسبوع . وكل هذه ىالعوامل ايضا تجعلنا نؤكد ان الفرقة فعلا علاوة على المخرجة التي استطاعت التهامل مع هذا الجمع واقتنائه نهم قادمون سويصبوح رائعون فعلا فقط قليلا من قوت وحسن اختيار.