الناقد والمؤرخ الكبير.. سمير حنفي محمود يكتب عن: “سمير خفاجى”.. متعدد المواهب وصانع النجوم!
المسرح نيوز القاهرة| سمير حنفي محمود*
ناقد ومؤرح مصري
ـ
مقدمة : رحل منذ أيام قليلة عن عالمنا الفنان سمير خفاجى، وربما تساءل البعض عن سر الأحتفاء بسمير خفاجى، رغم أن أسمه لم يتردد كثيراً بين أبناء هذا الجيل.
لم يكن سمير خفاجى فنان متعدد المواهب فقط، بل أيضاً كان متفرداً فى كل مجال طرق بابه، سواء كان مؤلفاً، أو مخرجاً، أو منتجاً، بل كانت له ميزة فريدة، فقد كان يمتلك عينان ثاقبتان قادران على ألتقاط الجواهر الفنية، فى أى مكان، ثم بلورتها، وصقلها، فلاعجب أن يكون هو أول من بلور موهبة، فؤاد المهندس، ومحمد عوض، وعادل أمام، وهذا ما سأتحدث عنه فى المقالة التالية
أحتفاء فنانى مصر به : ربما لم يحظى أحد من كتاب الدراما فى مصر خلال الأعوام الأخيرة بما حظى به سمير خفاجه من شعبية وحب من كل فنانى مصر
من الغريب أن يعتبر كل فنانى مصر ونجومها يوم 13 أغسطس عيداً فنياً عليهم أن يجتمعوا فيه ليحتفلوا معه بيوم مولده .. يذكرون بعضهم البعض بهذا اليوم .. ويلومون من يتخلف عن هذه الأحتفالية الفنية .. التى يحضرها كل فنان صغر شأنه أم كبر .
صانع النجوم: ربما كان مؤلفاً فريداً، أو أدارياً محنكاً ،لكنه كان يمتلك موهبة فريدة .. قل أن تجدها فى عالم اليوم .. كانت له قدرة فائقة فى أكتشاف الموهبة الفنية .. كانت له عين الخبير .. ونظرة مكتشف الجواهر النفيسة .. استطاع أن يتنبأ بموهبة العديدين فى مراحل مبكرة، كان يمنحهم الفرصة كاملة .. قدم لهم البطولات الأولى فى أفلام ومسرحيات من أنتاجه أو من تأليفه وهم فى بداية الطريق، حتى صاروا نجوماً فى الصف الأول .. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الثنائى فؤاد المهندس وشويكار، النجم عادل أمام، أمين الهنيدى، محمد عوض، وغيرهم كثيرُ
نشاته: ولد سمير خفاجه من أحدى الأسر الأرستقراطية فى 13 أغسطس من عام 1930 فى مدينة أشتهر معظم أهلها بالأحساس الفنى .. الأسكندرية، كانت شقتة الرحبة تطل على فيلا الأميرة شويكار .. وكان يتطلع من نافذة حجرته تلك الليالى الأرستقراطية، فى قصرها، ويشاهد الملك فاروق وهو يذهب أليها ليسهر ليحضر تلك الأمسيات.
ورغم نشأته الأستقراطية إلا أنه كان يجنح للأنطلاق .. لمعايشة الطبقات الشعبية .. كان يعشق منطقة الطابية التى كانت تتناثر حولها كل مظاهر الحياة الشعبية
لم يرث سمير خفاجه الفن من أى فرد من أفراد أسرته ولكنه عشقه من مشاهداته لأعمال نجيب الريحانى .. أحب سمير خفاجى المسرح من خلاله ومن خلال كتابات بديع خيرى الذى كان يلقبة دائماً بلقب الأستاذ ويتحدث عنه بأنبهار الطفل المتطلع . درس سمير خفاجى القانون .. ولكنه بدلاً من أن يتجه لوظيفة حكومية فى مجلس الوزراء تحقيقاً لرغبة أسرته.
بدايته مع ساعة لقلبك: أتجه للعمل فى فرقة ساعة لقلبك، التى كانت منجم النجوم.
وفى فرقة ساعة لقلبك تعرف سمير خفاجى على أبطال الفرقة أبو لمعه (محمد احمد المصرى ) ، الخواجة بيجو ( فؤاد راتب ) الدكتور شديد ( محمد فرحات عمر )، فهلاو ( أمين الهنيدى ) ، محمود يا حبيبى ( فؤاد المهندس ) .. وغيرهم.
ورغم أنه كاتب فقد أكتشف أيضاً عدداً من كتاب الكوميديا فى مصر وأتاح لهم فرصة الكتابة المبكرة فى أعمال من أنتاجه مثل بهجت قمر، على سالم،
سمير خفاجى وفؤاد المهندس: وبنظرة المنقب الصائغ الذى يدقق ليبحث عن جواهرة النفيسة أدرك سمير خفاجى أن الأستمرارية والنجومية ستكون من نصيب فؤاد المهندس دون غيره من أعضاء فرقة ساعة لقلبك . فكون سمير خفاجى فرقة مسرحية بطلها هو فؤاد المهندس الذى أختصه بأجر أكبر من باقى زملائه مما أثار عليه أعضاء الفرقة، حسب أقوال سمير خفاجى، فى لقاء له بالمركز القومى للمسرح.
وضم للفرقة وجها جديدا .. فتاه توسم فيها ملامح النجومية كانت هى زهرة العلا. وقدم للفرقة أول مسرحية على مسرح الأزبكية الصيفى بعنوان ( دور على غيرها ) وكانت بطولة مشتركه ولم يشترك فيها فؤاد المهندس ونجحت المسرحية مما جعل أفراد الفرقة يرفضون قيام فؤاد المهندس ببطولة أى عمل للفرقة بعد ذلك، و يشترطون رفع أجورهم من أربعون جنيهاً إلى مائة وخمسون جنيهاً. وأمام أرتباط سمير خفاجى مع التليفزيون بأنتاج أربعة مسرحيات وافق على شروطهم .. لكن الأمر أنتهى بأفلاسة .. حتى انه أستدان من أحد أقاربه أجرة سفره إلى الأسكندرية ليتزود ببعض المال الذى يعينه على مواصله طريقه.
مرحلة التخبط الفنى: عاد سمير خفاجى من الأسكندرية ليجد أن أن الفندق الذى ترك فيه كل كتبه وملابسه قد تم هدمه … فأضطر أمام الظروف الماليه أن يقيم بفندق متواضع الحال .. لكنه تقبله فى سبيل أتمام حلمه، فى ظل رفض أسرته على إعانته، لرفضها أحترافه المجال الفنى.
تمرد عليه عدد كبير من نجوم فرقة ساعة لقلبك .. فأستبدلهم بوجوه أخرى جديدة أمثال، محمد رضا ،وأستيفان روستى.
وقدم على مسرح 26 يوليو مسرحية ( البعض يفضلونها قديمة )، لكن سمير خفاجى لم يستطيع سمير خفاجى الأستمرار نظراً لأرتفاع أجر المسرح، ..
سمير خفاجى ومسرح التليفزيون: فى ظل هذا التخبط الفنى والمالى، بعد أن تخلت عنه أسرته الأرستقراطية، لرفضها هذا النهج الفنى، كان مسرح التليفزيزن هو طوق النجاة لسمير خفاجى، رغم مادياته المتواضعة، لهذا فقد رحب بدعوة التليفزيون المصرى للانضمام أليه وأندمجت فرقته مع مسرح التليفزيون. ومسرح التليفزيون رغم صغر حجمه إلا انه كان يمرس الفنان على العمل فى ظل الظروف الصعبة .. وبأجر ذهيد لهذا فقد خرج من مدرسته فنانين كبار أمثال، نور الشريف، عزت العلاليلى، ومحمود ياسين، وأتجه سمير خفاجى فى هذه الفترة ليكتب للأذاعة مع وجدى الحكيم
كتب سمير خفاجه لمسرح التلفزيون سبع مسرحيات منها أنا وهو وهى، نمرة 2 يكسب، لوكاندة الفردوس،
مابعد مسرح التليفزيون: كانت الأمور تسير بشكل جيد حتى تم حل فرقة مسرح التلبفزيون عام 1966 وضم أعضاءها إلى مؤسسة فنون المسرح وأصبح هو خارج اللعبة سواء اللعبة، سواء فى المسرح أو الأذاعة، ومرة أخرى يعود إلى الأسكندرية، بعد أن أستدان أجرة تذكرة السفر، وكان قد عقد العزم على أن يهجر المسرح بعد تجربتان أنتهيا بالأفلاس.
سمير خفاجى وفرقة البحيرة: لكن قدره كان يناديه للعوده إلى المسرح … فبينما هو ماضى فى طريقه على كورنيش الأسكندرية يقابل وجيه أباظه الذى يستوقفه ويلومه لأنه وعده بكتابة نص مسرحى لفرقة البحيرة ولكنه لم يوفى بعهده، وبسرعه قال له سمير خفاجى، النص موجود جاهز .. كم ستدفعون، وحصل سمير خفاجه على مبلغ 300 جنية كانت بداية لأنطلاقته الجديدة للمسرح، بسبب فرقة البحيرة.
العودة مع فؤاد المهندس وفرقة الفنانين المتحدين: عاد سمير خفاجه إلى القاهرة ليتعاون مع رفيق دربه فؤاد المهندس ويقدمون مسرحية ( أنا فين وأنت فين ) على مسرح دار الأوبرا .. وتنجح المسرحبة نجاحاً مدوياً، ومن جاء التفكير فى تكوين أتحاد الفنانين ( أو الفنانين المتحدين ) كأول فرقة خاصة تظهر فى الستينات، وثار جدل كبير حول تكوين فرقة مسرحية كبرى فى هذا الوقت،
وبدأت (فرقة الفنانين المتحدين) بأول إنتاج لها رواية ( المغفل) بالصدفة قبل نكسة ١٩٦٧ بأيام، فقد توقف عرضها يوم ٤ يونيو ١٩٦٧! ولم تكن المسرحية تقصد إلى إسقاط سياسى على النكسة. كانت وقتها مصر مشحونة بأقلام أمثال جليل البندارى ونعمان عاشور، وأنبرت الأقلام والألسن تهاجم الفرقة فمحمود السعدنى يحذر من تسلط الفكر الأمريكى وعلى الراعى يحذر من ضرورة مراجعة مصادر تمويل الفرقة .
ويتذكر خفاجي تأسيسه لفرقة «الفنانين المتحدين» قائلاً: «مع ظهور التلفزيون بأجوره العالية توقف المسرح الحر، ووجدت أن الوقت مناسب لتكوين فرقة لنتحكم في أقدارنا، ولا يتحكم فينا أحد، وكان الراحلون فؤاد المهندس ومحمد عوض وعبدالمنعم مدبولي إلى جانب شويكار عناصر جيدة، وبدأنا «المتحدين» في شهر تموز (يوليو) عام 1966، وقدمت بعد «نمرة 2 يكسب» لمسرح التلفزيون عدداً من الروائع للفرقة منها «أنا وهو وسموه» و «حواء الساعة 12» و «الزوج العاشر» و «بمبة كشر» وتوالت الأعمال حتى «سيدتي الجميلة» التي انسحب بعدها المهندس من الفرقة.
سمير خفاجى وعادل أمام: بعد أنسحاب فؤاد المهندس من فرقة الفانين المتحدين، كان لابد من التفكير فى بناء جيل جديد من الفنانين، وكان فى مخليه الممثل الذى قام بدور، فراش المحامى فى مسرحية أنا وهو وهى، وجد سمير خفاجى أن الفرصة سانحة، لتقديم هذه الموهبة فى بطوله منفردة، وكان هذا الممثل هو عادل أمام، وكان معه فى الفرقة مجموعة من الشباب وجد فيهم خفاجى شعلة متقدة من الموهبة، وهم عادل إمام وسعيد صالح وأحمد زكي وقدم مسرحيتي «حصة قبل النوم» و «سري جداً» اللتين لم تصورا للآسف، ثم قدم «هاللو شلبي» ثم «مدرسة المشاغبين» وبعدها «قصة الحي الغربي» و «شاهد مشافش حاجة» و «أولادنا في لندن» ثم «شارع محمد علي» و «علشان خاطر عيونك» و «ريا وسكينة» و «الزعيم» و «بودي جارد».
وعن تعاونه مع عادل إمام من دون غيره من النجوم، يقول «عند مشاهدتي لاستقبال الجمهور لعادل في «أنا وهو وهي» عرفت أنه سيكون نجماً جماهيرياً، ومنذ هذا التاريخ لم يعمل خارج فرقتي، والتزامه بالمسرح لا حدود له ويعتبره أهم من بيته ويذهب قبل رفع الستارة بثلاث ساعات، وأحياناً يجلس في المسرح طويلاً بعد انتهاء العرض، هذا بغض النظر عن الموهبة، وهو من القلائل الذين جمعوا بين الموهبة والنجومية، وهو حافظ على هذا الأمر بذكاء شديد».
والحقيقة أن عادل أمام، كان محافظاً على جميل سمير خفاجى، فهو رغم قدرته عن الأنفصال عن سمير خفاجى فى فرقة مستقله به، رفض هذا، حتى قرر سمير خفاجى التوقف عن الأنتاج، وعندما سأله أحد الصحفيين وقتها، عن نيته فى الأنفصال، عن فرقة الفنانين المتحدين، قال عادل أمام مداعباً، أنت عايز سمير خفاجى يروح فيها.
سمير خفاجى ومسرحية ريا وسكينة: وسمير خفاجى مغامر.. مغامر فى فكره لضرورة تحويل الميلودراما إلى كوميديا، كما حدث فى «ريا وسكينة» .. ونفس المغامرة أقدم عليها بخطوات الواثق عندما قدم أمينه رزق فى دور كوميدى فى مسرحية ( أنها حقاً عائلة محترمة )
سمير خفاجى كمنتج: كما كان مغامرا كمنتج فى مسرحيتى هاللو شلبى التى قدم فيها مجموعة من الشباب الجديد وقتذاك أمثال محمد صبحى وسعيد صالح مثلما حدث فى مسرحية مدرسة المشاغبين التى قدم فيها عادل أمام ويونس شلبى وأحمد زكى .. لكن كل هذه المغامرات كانت مغامرات محسوبة مصقولة بنظرة الصائغ الخبير.
سمير خفاجى والتليفزيون : كتب خفاجي للتلفزيون عملاً واحداً بالأشتراك مع يوسف معاطي وهو مسلسل «عباس الأبيض في اليوم الأسود» ليحيي الفخراني .
كما سبق له أن أنتج مسلسلات كثيرة للتلفزيون، نذكر منها
«أوراق الورد» لوردة، و «أحلام الفتي الطائر» لعادل إمام، و «طائر الأحلام» لنور الشريف، و «الشاهد الوحيد» لفريد شوقي وسهير البابلي،
إلى جانب مسرحيات
«زهرة الصبار» و «جحا» لسعيد صالح.
سمير خفاجى سينمائياً: كما أنتج للسينما أفلام «حب في الزنزانة» و «غريب في بيتي» و «عصابة حمادة وتوتو» واشترك في كتابة العديد من الأفلام».
وعلى رغم انه قد تخطى الثمانين من عمره، إلا انه لم يتزوج، ويقول: «كنت وحيداً لأبي الذي كان يعمل مهندساً زراعياً، وبعد وفاة أبي وأمي وتخرجي في كلية الحقوق أخذني العمل كثيراً، لدرجة أنني كنت أقيم في الفنادق على رغم امتلاكي شقة، وفجأة مر قطار العمر».
يجلس ليتأمل ليجتر الذكريات ببيته فى شارع رشدان بالدقى يجلس أمام التلفاز ليتابع أعماله على العديد من الفضائيات، بعد أن أصيب منذ سنتين أثناء عرض مسرحية «بودي جارد» في دبي بجلطة في المخ أصابته بشلل نصفي لكنها لم تؤثر في قدرته على الكلام، ولا على حلمه في أن يقف على قدميه من جديد ليقدم المزيد من الروائع الفن
من الأفلام التى قدمها للسينما نذكر على سبيل المثال أفلام
المليونير المزيف قصةعام 1968
أنا وهو وهى عام 1964
كلام فى الحب عام 1973
لقد كان سرنجاح سمير خفاجه هو الحب .. لقد أحب كل من عمل معه .. وكان مخلصاً لعمله وفنه .. فأحبه كل من تعاون معه فى أعماله