“بعد يوم القيامة”.. نص مسرحي للكاتب عمار نعمة جابر

المسرح نيوز ـ القاهرة: نصوص
ـ
بعد يوم القيامة
تأليف: عمار نعمة جابر
الشخصيات /
– رجل 1
– رجل 2
– رجل 3
( رجلان يقفان على جسر شاهق ، رجل 1 يقف ينظر باتجاه البحر ، رجل 2يجلس على الأرض يتسول )
رجل 1 : البحر هادئ هذا اليوم .
رجل 2 : كان هائجا جدا ، يوم أمس .
رجل 1 : البحر جميل حين يكون ساكنا .
رجل 2 : يكون اجمل ، حين يعبر الجسر شخص ، يساعدني بقطعة نقدية .
رجل 1 : لا تطلب المال هنا ، اذهب الى ضفة السوق ، قد تجد من يساعدك .
رجل 2 : هذا المكان ليس فيه شخص يتسول سواي .
رجل 1 : ولكن هذا اليوم ، كل المدينة فارغة ، هناك منع للتجوال .
رجل 2 : نعم ، أعرف .
رجل1 : لماذا خرجت من بيتك اذن .
رجل 2 : عائلتي تتضور جوعا .
رجل 1 : حسنا ، وأين كنت يوم أمس .
رجل 2 : كالعادة ، كنت أبحث عمن يساعدني ، بقطعة نقدية .
رجل 1 : ولكن الناس خرجوا يتظاهرون في كل مكان ، وأسقطوا نظام الحكم .
رجل 2 : لم أحصل منهم على ثمن العشاء لأطفالي ، وباتوا بلا عشاء .
رجل 1 : كل الشوارع فارغة اليوم ، لن تحصل على شيء !
رجل 2 : ولكن ، أنت موجود ، هل تستطيع ان تساعدني بقطعة نقدية يا سيدي ؟
رجل 1 : أنا !
رجل 2 : نعم ، انت يا سيدي ، انا عندي عائلة ، وعاجز عن العمل .
رجل 1 : وتريد مني أنا ، أن اساعدك !
رجل 2 : نعم يا سيدي ، لو تكرمت ، ستحصل على أجر من الله .
رجل 1 : ولكنني هذا اليوم ، صرت مثلك تماما .
رجل 2 : ماذا تقصد بمثلي تماما .
رجل 1 : انا مثلك الآن ، ما عدت املك شيئا .
رجل 2 : ليغفر لك الله ، تقول هذا ، لكي لا تعطيني قطعة نقدية صغيرة !
رجل 1 : لا ، اقسم لك انني لا املك ولا قطعة نقدية صغيرة في جيوبي الآن .
رجل 2 : ولكن يبدو عليك انك تملك الكثير من النقود .
رجل 1 : لا تقاس الامور بظاهرها ، المظاهر خادعة .
رجل 2 : ولماذا انت هنا ؟
رجل 1 : جئت لأتسول ، على هذا الجسر .
رجل 2 : ولكن هذا مكاني ، انا جلست هنا قبلك .
رجل 1 : جئت لأتسول أشياء أخرى .
رجل 2 : حسنا ، اذهب وتسول في مكان اخر .
رجل 1 : هذا هو المكان المناسب لي ، ما ابحث عنه موجود هنا .
رجل 2 : وكنت تحاول ان تطردني من هنا ، حين قلت لي ان اذهب الى ضفة السوق !
رجل 1 : كنت احاول مساعدتك ، فاليوم هناك منع للتجوال ، لن يأتي أحد .
رجل 2 : وماذا ستفعل انت ؟
رجل 1 : سأبقى اراقب البحر من هنا .
رجل 2 : وماذا سيأكل اطفالك في المساء .
رجل 1 : ربما لن يهتموا هذه الليلة لأمر العشاء .
رجل 2 : حسنا اذا حصلت على قطعة نقدية ، سأقتسمها معك .
رجل 1 : مشكلتي أكبر من أن تحلها نصف قطعة نقدية .
رجل 2. : نصف قطعة نقدية ، أفضل من لا شيء .
رجل 1. : ليتك تعرف أن الحياة ليست بهذه البساطة .
رجل 2 : المدينة فارغة ، ولكن قد يمر على الجسر شخص يساعدنا بقطعة نقدية .
رجل 1 : العالم يبدو صامتا هذا اليوم ، صمت رهيب ، لقد تغير كل شيء هنا .
رجل 2 : وماذا سنفعل في رأيك .
رجل 1 : أما أنا ، فسأبقى اراقب البحر .
( لحظات ترقب وصمت )
رجل 2 : هل صحيح أن هناك أشخاص قد عبروا الى الضفة الخضراء من البحر؟
رجل 1 : نعم عبر الناس الى هناك ، عبروا بالأمس كانوا كما الطوفان .
رجل 2 : لم يستطع احد سابقا ، العبور الى الضفة الخضراء ، إنها شديدة الحراسة .
رجل 1 : لقد كانت من ورق ، لم تصمد أمام التغيير ، أكلها القادم .
رجل 2 : تقصد أن كل شيء انتهى فيها .
رجل 1 : أكثر مما تتوقع .
رجل 2 : وهل تعرف انت ، ماذا وجدوا هناك ؟
رجل 1 : لقد عرفوا كل شيء ، لقد شاهدوا كل شيء .
رجل 2 : والمعبد الكبير في الضفة الخضراء .
رجل 1 : لقد كشفت عورته تماما ، ما عادت تستره كبر العمائم ، هدموه بالمعاول على رؤوس من فيه ، كانوا ينادون بأعلى أصواتهم ، اقطعوا رأس الافعى .
رجل 2 : ولكن كيف ستعيش هذه المدينة بلا معبد ! أنا خائف مما سيحدث هذا اليوم .
رجل 1 : لا تخف ، أنت لا تملك ما تخاف عليه .
رجل 2 : كيف لا ، اخاف على أطفالي ، سيبيتون هذه الليلة أيضا بلا عشاء .
رجل 1 : بعد أن هدم الناس كل المعابد والقصور في الضفة الخضراء ، يبدو أنه ستتغير أمور كثيرة .
رجل 2 : اخاف أن لا أحصل على عشاء لأطفالي ، ويبيتون هذه الليلة أيضا بلا عشاء ، سأنتظر هنا ، قد يجيء محسنا .
رجل 1 : حسنا انت ابقى جالسا ، واتركني اراقب البحر .
رجل 2 : نعم ، ليس في مقدورنا فعل شيء ، سوى الانتظار . ( يجلس )
( لحظات ترقب وصمت )
رجل 1 : هل عائلتك كبيرة ؟
رجل 2 : كبيرة جدا . وانت ؟
رجل 1 : اكبر بكثير من عائلتك .
رجل 2 : هل تزوجت اكثر من مرة .
رجل 1 : المفروض أنني مسؤول عن عائلة كبيرة جدا .
رجل 2 : ما كان يجب عليك ان تفعل ذلك .
رجل 1 : حب السلطة هو السبب .
رجل 2 : ( مستغربا ) ما علاقة السلطة بالأمر ، الزواج له اسباب اخرى .
رجل 1 : أبوتي روحية ، وهي نوع خطير من السلطة ، تستمد قوتها من السماء .
رجل 2 : رغم أنني لا أفهم ما تقول ، ولكن ما كان ينبغي لأمثالنا البسطاء ، توريط هذه الاطفال ، وهذه الزوجات معنا في الفقر .
رجل 1 : البحر هادئ هذا اليوم .
رجل 2 : كان هائجا جدا ، يوم أمس .
رجل 1 : لقد ابتلع الامس كل شيء .
( لحظات ترقب وصمت )
رجل 2 : أخاف على اطفالي ، مما جرى بالأمس ، ربما سيموتون من الجوع .
رجل 1 : كان علي أن لا أتأخر لهذا اليوم ، كان يجب أن أجئ الى البحر بالأمس .
رجل 2 : لن يكون هناك فرق ، بين الامس واليوم ، لم يساعدني أحد .
رجل 1 : في مثل حالتي ، أحتاج أن يكون البحر هائجا جدا هذا اليوم .
رجل 2 : وبماذا قد ينفعك حين يكون هائجا ؟
رجل 1 : سيبلعني بسرعة ، قبل ان يستطيع احد ان يراني .
رجل 2 : ( مستغربا ) هل تريد أن تنتحر !
رجل 1 : نعم .
رجل 2 : ومن سيبقى لأطفالك وزوجاتك ؟
رجل 1 : لن يفرق الامر بموتي ، فأنا شبه ميت اصلا .
رجل 2 : وجودك بقربهم قد يكفي .
رجل 1 : ربما الأمور معكوسة هذا اليوم ، بقائي بقربهم خطر عليهم .
رجل 2 : لا تكن انانيا وتفكر بنفسك وآلامك ، فكر بآلامهم بعد موتك .
( يدخل رجل 3 )
رجل 2 : ( يتكلم مع رجل 1 ) انظر احدهم قادم ، ولكن من الضفة الخضراء !
( يتحرك رجل 2 ، باتجاه رجل 3 ، بينما يبتعد رجل 1 )
رجل 2 : ( مع رجل 3 ) سيدي ، ساعدني ارجوك ، ساعدني بقطعة نقدية .
رجل 3 : ليس عندي فكة ، هل عندك فكة .
رجل 2 : لا يا سيدي ، انا مسكين وعندي عائلة كبيرة .
رجل 3 : وهل تظنني سأعطيك ورقة نقدية كبيرة .
رجل 2 : ولم لا ، سيكون أجرك كبيرا ، أنا عائلتي كبيرة ، سندعو لك كثيرا .
رجل 3 : ولماذا لا تدعو لنفسك .
رجل 2 : هو دعاء الاخ لأخيه ، دعاء مستجاب .
رجل 3 : لا احتاج الى دعائك ، احتاج الى فكة فقط .
رجل 2 : ولكننا بدون نقود .
رجل 3 : ومن انتم ، من معك هنا .
رجل 2 : صديقي هناك ، هو مثلي يتسول .
رجل 3 : وماذا يفعل هناك ؟
رجل 2 : يراقب البحر .
رجل 3 : متسول ، ويراقب البحر !
رجل 2 : بيني وبينك سيدي ، هو يفكر في الانتحار .
رجل 3 : فكرة سديدة ، يرتاح من هذه الحياة البائسة .
رجل 2 : مسكين لديه عائلة كبيرة جدا .
رجل 3 : حسنا لقد اثرت في مشاعري ، سأعطيكما ورقة نقدية كاملة ، ولكن بشرط .
رجل 2 : وما هو شرطك ؟
رجل 3 : أن تخبرني انت ، بسبب قوي ، يدفعني لكي أواصل الحياة .
رجل 2 : سيدي ، انت جئت الى هذا الجسر ، لكي تنتحر أيضا ؟
رجل 3 : نعم .
رجل 2 : ماذا حدث لكم اليوم ، لماذا لا تريدون البقاء أحياء .
رجل 3 : هو الخيار الوحيد المتبقي لي .
رجل 2 : طيب ، ولماذا كنت تبحث عن فكة ؟
رجل 3 : وهل تريد مني ان اعطيك مبلغا كبيرا !
رجل 2 : ولكنك يا سيدي ، كنت ستموت في كل الاحوال ، وستفقد كل اموالك المتبقية في البحر !
رجل 3 : لا اريد ان يعتقد ، من ينتشل جثتي ، أنني انتحرت مفلسا .
رجل 2 : وهل انت مفلس حقا !
رجل 3 : كنت قبل الأمس ، املك مناصب كبيرة ، وشركات وممتلكات لا حصر لها .
رجل 2 : حسنا ، فهمت ، اذن اترك نقودك في جيبك ، تحتاج أن تثبت أنك لم تخسر نقودك ، واذهب والقي بنفسك من أعلى الجسر .
رجل 3 : هل يعني ذلك ، انك لا تملك سببا يجعلني اعدل عن الفكرة .
رجل 2 : الاسباب التي اعرفها ربما لا تروق لك ، من الواضح انك من سكان الضفة الخضراء .
رجل 3 : لقد تركت تلك الضفة ، لقد أصبحت ركاما ، انت تراني أقف على الجسر أريد أن اموت ، واذا لم انتحر ربما سيأتي الوقت الذي أجلس هنا الى جانبك واتسول المعونة من المارة .
رجل 2 : عموما ، لن ينفعك ان تنتحر اليوم .
رجل 3 : لماذا !
رجل 2 : لان البحر هادئا هذا اليوم .
رجل 3 : وماذا سأفعل برأيك ؟
رجل 2 : اذهب وتأمل البحر ، بجانب ذلك الرجل .
رجل 3 : ولكنني يجب أن اموت هذا اليوم .
رجل 2 : هو ايضا يريد ان يموت هذا اليوم ، اذهب اليه ، ربما تكون لديه افكار جديدة بخصوص ذلك .
رجل 3 : طيب ، ولكن انتظر منك ان تفكر لي بسبب قوي وفاعل ، يدفعني الى التخلي عن فكرة الانتحار ، او على اقل تقدير تأجيلها بعض الوقت .
رجل 2 : حسنا ، مؤقتا فكر أن البحر هادئ ولا يصلح للانتحار ، انتظر أن يهيج البحر .
رجل 3 : فكرة جميلة ، سأفعل ذلك .
رجل 2 : أما أنا فسأبحث لنا عن شخص ، يعطينا فكة ، وسنتقاسمها نحن الثلاثة .
رجل 3 : ولكن لا تنسى ، عليك أن تبحث لي عن سبب قوي .
رجل 2 : اعطني الورقة النقدية ، واذهب لتتأمل النهر .
رجل 3. : حسنا .
( رجل 3 يعطي رجل 2 الورقة النقدية ، ويذهب ليقف الى جانب رجل 1 )
( لحظات ترقب وصمت )
رجل 1 : البحر هادئ هذا اليوم .
رجل 3 : قد يعود هائجا في أي وقت .
رجل 1 : البحر كما هذا العالم ، لا يبقى ساكنا الى الابد .
رجل 3 : كل شيء حدث بالأمس ، كان بسبب سوء تقدير الوضع ، من قبل سماحتكم .
رجل 1 : بل كل شيء حدث بالأمس ، كان بسبب سوء ادارة وقيادة فخامتكم .
رجل 3 : أليس من واجب سماحتكم ، ومؤسساتك ، أن تقنع الناس بالرضا والطاعة .
رجل 1 : ولكن بسبب كون فخامتكم ، نهبت قوتهم وحياتهم ، فطفح كيلهم ، وعبروا .
رجل 3 : لقد ارهقتم الناس باشتراطاتكم واحكامكم وفتاويكم المفصلة ، لقد فقدوا الشهية بطاعتكم ، ومن ثم عدم تطبيق توصياتكم وتوجيهاتكم .
رجل 1 : إن ما حدت ، هو أن سياساتكم في الكذب والخداع والسرقة ، حولت حياة الناس الى مأساة . واستنزفت طاقات تحملهم ، فانفجروا بوجهك ووجهي .
رجل 3 : لقد اكتشف الناس زيفكم .
رجل 1 : بل لقد اكتشف الناس ، خيانتكم ، قبل ذلك .
رجل 3 : عليك أن تعرف أنكم السبب في ضياع السلطة منا ، وضياع مستقبلنا السياسي .
رجل 1 : لولا تصرفاتكم الغبية في حكم الناس ، لما وصل الحال الى ما هو عليه الآن .
رجل 2 : ( ينادي بأعلى صوته ) أنتما تتحدثان معا ، هل تعرفان بعضكما ؟
رجل 1 : ( مع رجل 2 ) لم يسعدني أن أرى وجهه قبل هذا اليوم .
رجل 3 : ( مع رجل 1 ) لماذا لا تقول له الحقيقة ؟
رجل 1 : اترك الرجل المسكين بحاله ، يكفيه ما هو فيه .
رجل 3 : يريد أن يقاسمنا ما يحصل عليه من التسول ، لا يعرف من نكون .
رجل 1 : المرء يشعر بالخجل حين يقف أمام هكذا أشخاص .
رجل 3. : لقد كانوا حولك في كل صلاة تقيمها ، كانوا بالآلاف ، ولم تخجل سوى اليوم .
رجل 1. : هي غشاوة السلطة ، وتأليه الذات ، وغلظ البطانات من حولي .
رجل 3 : لا استطيع أن أتخيل أن سماحتك تقف على الجسر لتنتحر .
رجل 1 : لقد قتلت حين هدمت المعابد ، نحن موتى بالفعل ، أنا وأنت ليس لنا وجود ، لقد أغتال الناس كل السلطات التي نملكها .
رجل 3 : أنت رمز كبير ، حين تقتل وسط الناس ، ستصبح شهيدا ، وقد يبني محبيك على قبرك ضريح يزار ، لماذا تموت منتحرا ، فتموت كافرا بنظرهم .
رجل 1 : لماذا لا تريد أن تفهم ، أن الناس قرروا أن يتخلصوا من منصبي ومؤسساتي ، وكل تفاصيلي ، سيلقون بجثتي للكلاب ، مثلك تماما .
رجل 3 : أنا رئيس الحكومة ، وهذا وارد تماما في سير رجال السياسة ، نموت في العادة ، تحت الأحذية . ولكنك وسيط بين الناس والسماء .
رجل 1 : ما عاد لي مكان هنا ، لقد انتهى كل شيء . اختار الناس محو المعابد من حياتهم .
رجل 3 : ولكن ، لقد كانت لديك سلطة إله .
رجل 1 : نعم ، أعرف ذلك ، ولكن تهشمت فكرة المقدس في رؤوس الناس ، فانقطع الحبل المربوط في اعناقهم .
رجل 3 : سنين طويلة ، وسلطتك ومؤسساتك تجد الحلول ، لماذا لم تفعل هذه المرة !
رجل 1 : المعلومات التي وصلتني ، أن الأمور ساءت بعد أن بدأت بسؤال عند بعضهم ، لماذا يحدث هذا ؟ ثم انتشرت كالنار في الهشيم ، لم تنفعنا الأساليب القديمة .
رجل 3 : وما الحل ؟
رجل 1 : نخرج من هذا العالم بهدوء ، ما عدنا نملكه بعد ما جرى بالأمس .
رجل 3 : يجب أن يكون هناك مخرج ( يتحرك الى رجل 2 ) هل فكرت لي ؟
رجل 2 : نعم لقد فكرت لك بسبب يجعلك تترك فكرة الانتحار تماما .
رجل 3 : هات ما عندك ، اسرع .
رجل 2 : فكر بما سيجري لأطفالك وزوجتك من بعدك .
رجل 3 : زوجتي وأطفالي قمت بتسفيرهم سرا خارج البلاد ، انهم في أمان مع أطنان كافية من النقود والمجوهرات ، ستكفيهم لقرون ، لن يحتاجوني حيا .
رجل 2 : طيب ، ماذا لو فكرت أن تبدأ من الصفر ، انسى كل الذي جرى وأبدأ من الصفر .
رجل 3 : اذا نسيت أنا ، فان الناس لن تنسى ، سيتذكرون ما فعلت بهم .
رجل 2 : ( مع رجل 1 ) وماذا عنك انت ، الا تفكر بالعدول عن فكرة الانتحار .
رجل 1 : أنا ، لقد فقدت شهيتي في الحياة .
رجل 2 : يبدو أنك مصمم تماما .
رجل 1 : نعم .
رجل 2 : ولكنك يا سيدي لم تفكر بالجحيم !
رجل 3 : ( يضحك بصوت عال ) يفكر بالجحيم ( يضحك )
رجل 2 : لماذا تضحك ، أنت كذلك ستذهب للجحيم .
رجل 3 : ( يضحك ) الجحيم ( يضحك ) هل هناك جحيم ؟ .
رجل 2 : استغفر الله ، ماذا تقول يا سيدي .
رجل 3 : اسأل هذا الرجل ( يتحدث مع رجل 1 ) هل هناك جحيم ؟
رجل 2 : الجميع يعرف أن هناك جحيم .
رجل 3 : أقول لك اسأل هذا الرجل عن الجحيم .
رجل2 : ( يتحدث مع رجل 1 ) هل هو رجل مجنون ؟
رجل 1 : أنت قلت انه رجل مجنون ، لا تلتفت لكلامه .
رجل 2 : ( يتحدث مع رجل 3 ) سيدي عليك أن تعرف أنه يجب أن يكون جحيم في مكان ما ، جحيم لكل أولئك الذين يسحقون الناس ، ويقتلونهم من شدة الجوع ، ويسرقون طعامهم وحياتهم واطفالهم . ويجب أن يكون هناك نعيم لإنصاف المسحوقين والبائسين والتعساء في هذا العالم .
رجل 1 : انت على حق ، لابد من أن يكون هناك انصاف .
رجل 2 : كلنا نحن الجوعى والمحتاجين ، ممن يقتلنا برد الشتاء ، ويجلدنا حر الصيف ، نتمسك بهكذا أمل ، حتى وان كان بعيدا ، لكنه يجعلنا نواصل الحياة ، والا لاخترنا مثلك الانتحار .
رجل 3 : ( يتحدث مع رجل 1 ) ألم أخبرك أن افكارك لازالت مؤثرة في الناس ، أنصارك في كل مكان ، ابحث لنا عن مخرج .
رجل 1 : لماذا لا تريد أن تقتنع ، أن طوفان التغيير قد حانت ساعته ، واذا حان موعد فكرة ما ، لن يستطيع كل هذا العالم على ايقافها ، وهي تغزوا العالم .
رجل 3 : ماذا تقصد ؟
رجل 1 : هذه الناس ستأخذهم الأفكار الجديدة الى البعيد ، لم يعد لنا مكان هنا ، نحن اصبحنا جزء من الماضي .
رجل 2 : أنا لا أفهم عن أي شيء تتحدثان ، ثم لا ادري لماذا يبدو لي أنكما تعرفان بعضكما .
رجل 1 : نحن نشترك الآن بقرارنا في الانتحار .
رجل 3 : لماذا لا يوجد لي مخرج من خيار الانتحار ، أنا أريد أن أواصل في هذه الحياة .
رجل 2 : الخيار بيدك يا سيدي ، لم يجبرك أحد ، قلت لك حاول أن تبدأ من جديد .
رجل 3 : قلت لك ذلك مستحيل ، الجميع يعرفني في هذا العالم ، طبعا اذا استثنيناك .
رجل 1 : ( يتحدث مع رجل 3 ) هو يحاول ان يسحبك لمنطقته البسيطة ، لأفكاره السلسة ، لنظرته للأشياء ، لموقفه من الموت والحياة . لكنك تحاول ان تسحبه الى ما في موضوعك من تعقيد ، لن يفهم اللغة التي تفهمها .
رجل 3 : أحاول أن أجد طريقة للتخلص من خيار الانتحار .
رجل 1 : هل تخاف من الموت !
رجل 3 : كلنا نخاف من المجهول ، الموت يشبه أن يلقيك أحدهم في واد سحيق .
رجل 1 : انت تعرف أن الامور ليست بهذا السوء ، الموت تم تحريفه ، وتم استغلاله لغرض السلطة .
رجل 3 : أنا مدرك تماما أن الموت لا شيء ، ليس كما ذهب اليه خيال الناس ، هو لا شيء ذا بال .
رجل 2 : سيدي أنا لا أفهم ما تقصد بكل هذا الكلام ، اذا كنت ترى أنه لا شيء بعد الموت ، حسنا ، توكل على الله ، واذهب لتلقي بنفسك في النهر .
رجل 3 : لدي مشاريع لم اكملها بعد في هذه الحياة .
رجل 2 : اذا كان اطفالك وعائلتك لديهم اطنان من المجوهرات والنقود ، هذا يعني انك لن تحتاج الى المزيد منها .
رجل 3 : هناك المزيد من النقود والمجوهرات في هذا العالم .
رجل 2 : سيدي لن تملك كل شيء في هذا العالم ، لا تترك شراهتك تبتلع حياتك ، ربما قد تكفيك لقيمات وقميص واحد ، والكثير من حب اولادك وزوجتك .
رجل 1 : نعم ، أنت على حق ، الحياة أتفه من كل هذا التعقيد .
رجل 2 : سيدي أنا أحاول أن اساعده على التراجع عن فكرة الانتحار . أما انت فاني اراك عازم على الانتحار .
رجل 1 : أخطائي اكبر من اخطاءه .
رجل 2 : قد يغفر لك من أخطأت بحقهم .
رجل 1 : لا أظن ذلك ، لقد تاجرت ببضاعة عزيزة عليهم ، لقد شوهت سلامهم الداخلي .
رجل 2 : لا تدري أي باب ، قد يفتح أمامك في آخر لحظاتك .
رجل 1 : لقد حدث ذلك فعلا .
رجل 2 : كيف حدث ذلك !
رجل 1 : لقد حدث ، ووجدتك على هذا الجسر .
( لحظات ترقب وصمت )
رجل 3 : أنا خسارة كبيرة اذا انتحرت ، لن يتم تعويض وجودي بسهولة .
رجل 1 : كلنا لنا قيمة في هذه الحياة ، لا يمكن أبدا أن يكون هذه الحياة بلا قيمة أو معنى .
رجل 3 : شخص مثلي ، بخبراتي السياسية والدولية ، بهذا الخليط العجيب في الموازنة بين ادارة القضايا الداخلية والخارجية ، لن يتم تعويضه ، وفي النهاية أموت بهذا الشكل السخيف ، اموت مثل الطلبة الفاشلين في الدراسة ، أو الفتيات اللواتي فقدن عذريتهن ، مستحيل ، هذا شيء لا يطاق فعلا .
رجل 1 : إحساس مرير أن تقف أمام لحظة الرحيل ، وان تحدد بنفسك موعد موتك ، لكن الأكثر مرارة أن يمر أمام عينيك شريط حياتك الطويل ، وليس فيه عملا مشرفا واحدا .
رجل 3 : أما أنا ، فلست ساخطا على نفسي ، لقد حاولت لكنني فشلت .
رجل 1 : اختياراتنا الفاشلة شكلت تاريخ هذه المدينة ، وعبثت طويلا في حياة هذه الناس ، لقد أغلقنا كل أبواب الحياة في وجوههم ،وفتحنا لهم تيها عظيما من اليأس ، من الخوف ، من الجهل .
رجل 3 : حسنا ( يتحرك ) ليس هذا وقت البكاء على الاطلال ، نحن نبحث عن حل ( مع رجل 2 ) هل وجدت لي سببا مقنعا للعدول عن فكرة الانتحار ؟
رجل 2 : نعم يا سيدي . لقد وجدت لك سببا مؤثرا ، يجعلك تتخلى عن فكرة الموت بشكل نهائي .
رجل 3 : هل أنت جاد فيما تقول !
رجل 2 : نعم ، بكل تأكيد .
رجل 3 : حسنا ، هات ما عندك ، قبل أن ألقي بنفسي في النهر .
رجل 2 : تبدأ حالا بكتابة مذكراتك .
رجل 3 : ماذا !
رجل 1 : يكتب مذكراته ؟
رجل 2 : نعم يكتب مذكراته ، يتحدث فيها بالتفصيل عن أبويه ، وعن حياته ، وعن مشاريعه ومناصبه ، وعن المال والمجوهرات التي تركها مع عائلته بالأطنان .
رجل 1 : هل تدري ؟
رجل 2 : ماذا ؟
رجل 1 : نحن أكثر رجلين في هذه المدينة ، لا يصح أبدا أن نكتب مذكراتنا .
رجل 2 : لماذا ، انتما تبدوان كشخصيات كبيرة ، قد تحتاجان الى ان تقولا شيئا مهما ، قبل أن تغادرا هذه الحياة .
رجل 1 : نعم ، ربما يحتاج الاخرين الى سماعنا ، الى قراءة رأينا بما حدث ، ولكن من تراه سيمنحنا هذه الفرصة ، الامور أعقد بكثير من أن يسمح لنا بالكلام ، بعد يوم أمس .
رجل 3 : انت لا تعرف مدى السرية التي تدار فيها هذه المدينة ، السلطة هنا كما جبل الجليد ، يظهر منها الرأس وحسب ، أما الالاف من الاسماء والجهات والدول ، فهي متوارية خلف الستار ، تكون داعمة لك في وقت سلطتك ، لكنها تتبخر وتختفي في لحظة السقوط .
رجل 2 : ولكن لماذا تتحدثان بهذا الشكل ، هل أنتما على علاقة بكل الذي جرى ويجري ؟
رجل 1 : للأسف ، نعم يا صديقي .
رجل 3 : أنا الزعيم والرئيس والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس الوزراء ، ووزير الداخلية والدفاع والمالية وكالة .
رجل 1 : وأنا الزعيم الديني الاعلى ، والمفتي الاعلى ، والمفكر الديني الاكبر ، ورئيس هيئات الافتاء والصدقات والمؤسسة الدينية العليا ، ورئيس اللجنة العليا للسلطة الدينية .
( رجل 2 مذهول ، يبقى صامتا لفترة ، ثم ينتبه لنفسه )
رجل 2 : كنت ، كنت احسبكما ، احسبكما .. ( يقاطعه رجل 3 )
رجل 3 : تحسبنا ماذا ؟
رجل 2 : كنت احسبكما شخصين عاقلين ، يبدو أنكما جننتما بحق .
رجل 1 : لماذا تقول ذلك ؟
رجل 2 : ما هذا الكلام ، أنتما جننتما ، هل تريدان أن تذهبا الى السجن .
رجل 3 : يا سيدي نحن نريد ان ننتحر ، لكي لا نذهب الى المحاكمة .
رجل 2 : أنتما غريبا الاطوار ، وهل في هذه المدينة من يستطيع أن يقول ذلك !
رجل 1 : قل لي ، هل شاهدت يوما صور الزعيم ، أو صور الزعيم الديني الاعلى .
رجل 2 : نعم ، انها هناك في كل مكان ، في هذه المدينة .
رجل 1 : هل مر في بالك أننا قد نشبه الصور الى حد كبير ؟
رجل 2 : يا سيدي ، الكائنات التي في الصور ، كما الالهة لا يشبههم احد ، ولا يراهم احد ، اذا كان ورق صورهم مقدس ، لا يجب أن يمزقه أحد ، فكيف لنا أن نتخيل أصحاب الصور الحقيقيين .
رجل 3 : لقد كان هذا قبل يوم أمس ، اما اليوم فنحن فئران تلوذ بالفرار .
رجل 2 : يا الهي ، هل قامت القيامة !
رجل 1 : شيئا ما ، يشبه يوم القيامة .
رجل 3 : حسنا ، انت الآن أصبحت تعرفنا عن كثب ، حاول أن تساعدنا بالخروج من مأزقنا .
رجل 2 : ولكني يا سادتي الاجلاء مجرد متسول ، لازلت أخاف من صوركما المعلقة في الساحات ، كيف يمكنني أن أساعدكما .
رجل 3 : هكذا تجري الامور ، هذا ما حدث بعد يوم أمس ، حاول أن تفكر لنا بشيء يخلصنا من الانتحار .
رجل 2 : ( لحظة ) هاك سيدي الرئيس ورقتك النقدية ، أنا ذاهب .
رجل 3 : أين انت ذاهب ؟
رجل 2 : ذاهب الى بيتي ، ذاهب الى زوجتي واطفالي .
رجل 1 : ولكنك لم تحصل لهم على ثمن العشاء لهذه الليلة .
رجل 2 : أخاف عليهم مما سيحدث بعد الآن ، فأنا أصبحت أهذي مع نفسي ، ويتخيل الي أنني أرى أمامي شخصين يقولان أشياء غريبة ، ربما قد يكون تأثير الجوع ، وربما ارتفعت الحمى ، لقد خف عقلي .
رجل 3 : اسمعني جيدا ، سأترك لك الورقة النقدية كلها ، لا تذهب ، نحن بحاجة الى من يرشدنا ماذا نفعل الآن ، نحن مشوشون مما حدث يوم أمس .
رجل 2 : ( مع رجل 1 ) أرجوك سيدي قل لي أنني أهذي ..
رجل 1 : حسنا ، أنت تهذي ، نحن غير موجودين ، أنت لفرط الجوع والحمى تهذي .
رجل 2 : اشكرك سيدي الآن فقط ارتحت ، ولكن ، كيف يتسنى لي أن اصرفكما أيها السادة .
رجل 1 :لا تقلق بشأن ذلك ، أنا سألقي بنفسي في البحر .
رجل 3 : أما أنا فحاول أن تجد لي سببا يجعلني أترك فكرة الذهاب مع هذا الرجل الى قاع البحر .
رجل 2 : أيها السيدان ، لستما بحاجة لفعل ذلك ، أنا سأغادر المكان حالا .
رجل 1 : لا تذهب ، انتظر حتى النهاية .
رجل 2 : أية نهاية ؟
رجل 1 : أنظر الينا ، كن شاهدا ونحن نلقي بأنفسنا في البحر ، ستكون شاهدا على ذلك ، ستقول للناس أني رأيت نهايتهما بعيني ، اخبر العالم أن كل شيء قد أنتهى ، ستصبح شخصا مشهورا في العصر الجديد ، ربما ستحصل على الكثير من المال جراء ذلك .
رجل 3 : ولكنني لا أريد أن أموت ( مع رجل 2 ) أرجوك جد لي سبب للبقاء .
رجل 1 : قلت لك ستموت في كل الأحوال ، لا تترك الموضوع معلقا ، كن رجلا وأغلق الموضوع .
رجل 2 : ( مع رجل 1 ) سيدي هل فعلا أنتما أمامي .
رجل 1 : نعم ، لقد انهار هرم السلطة ، وانهار هرم المعبد . لقد هدموا كل القصور والمعابد .
رجل 2 : حسنا ، ربما تتغير الحكومات ، سمعنا عن ذلك ، ولكن كيف يمكن أن تهدم المعابد !
رجل 1 : لقد تم ربط الدين بالأسماء والاشخاص والجهات . وحتما حين تنهار هذه الاشياء يختل التوازن ، وتهمش الافكار ، ويأكل الناس الشك .
رجل 2 : وماذا سنفعل ، كيف سنحتمل كل هذا البؤس ، بلا أن يكون هناك فكرة عالم آخر ينصفنا .
رجل 1 : الخوف هو السبب ، اذا حدث وتخلصتم من الخوف ، وممن يصنع هذا الخوف فيكم ، ستكون الأمور أفضل بكثير .
رجل 3 : حسنا ، دعنا ننهي هذا الأمر بسرعة .
رجل 2 : انتظر ، ربما اجد لك سببا مقنعا للبقاء .
رجل 3 : ( بيأس تام ) أنت لم تشاهد عيونهم بالأمس ، حين عبروا ، لم تشاهد كل هذا الغضب ، كل هذا الاصرار على أن نتلاشى . لقد كانت اصواتهم تهز اركان القصور ودور العبادة .
رجل 1 : لقد بدأ البحر بالهيجان ، دعنا لا نفوت الفرصة .
رجل 3 : نسيت أن أقول لك أنني ماهر في السباحة .
رجل 1 : لا يهم ، اربط يديك وقدميك .
رجل 3 : ( يتحدث مع رجل 2 ) هل يمكنك ان تساعدني بهذا الامر يا صاحبي ؟
رجل 2 : أنا !
رجل 3 : نعم ، لا أعتقد أنك لا تجيد ذلك .
رجل 1 : اترك الرجل أنا سأربطك . وسألقيك أمامي في البحر .
( رجل 1 يربط رجل 3 بالحبال ، ويقفان سوية على حافة الجسر )
رجل 2 : عفوا ، ولكن هل تريدان أن تقولا شيئا قبل موتكما .
رجل 3 : ليس لدي أية رغبة في الكلام ، لقد تحدثت أطنانا رهيبة وانا في الحكم .
رجل 1 : لن أقول شيئا آخر ، فكل تلك المواعظ والخطب طوال حياتي لم تستطع أن توفر ثمن العشاء لأطفالك .
رجل 2 : حسنا ، لقد نسيت أن تأخذ ورقتك النقدية ، ضعها في جيبك . وداعا
رجل 1 : وداعا ، إلى الأبد .
( رجل 1 يلقي رجل 3 في البحر ، ثم يلقي بنفسه )
- ستار –
سامسون – تركيا
23 / 6 / 2019