المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص مسرحية
ــ
عبد الفتاح رواس قلعه جي
ظلال
فتاة الغابة
مسرحية
الشخصيات
رامز الابن الأكبر
ظلال فتاة الغابة
الأم
طفل
رمزي الابن الأصغر
أعمى ورجل صغير عاجز راهبان مختلفان
أربعة بحارة
من العتم والعماء جئنا وإليه نعود
في مركبةِ حلمٍ مبحرة، نعتقدُ غير
واثقين بأنها الواقع.
(أي تناول على المسرح لأي من نصوصي المنشورة في هذا
الموقع يسبق بموافقة وإعلامي مباشرة أو عن طريق المسرح نيوز
ه: 00963955680098
(مساء موحش، تعطلت السيارة في مفترق أربع طرق، طريق ضيق يصل إلى الغابة، وفي مقابله طريق إلى البحر، ويسمع صوت الموج، وطريق رئيسية تمتد حتى خارج حدود النظر.
في طرف الغابة شجرة وارفة تجلس تحتها فتاة في في حوالي العشرين من العمر. سائق السيارة في الثانية والثلاثين من عمره منهمك في فحص محرك السيارة ويحاول إصلاحه عبثاً، ييأس، يتوقف مستنداً إلى السيارة، يشعل سيجارة، ينظر تجاه الغابة فيرى الفتاة الجالسة فيتجه إليها. الفتاة تبكي بصمت وبجانبها حقيبتها) |
||
رامز | : | مالك يا فتاة.. لماذا تبكين؟
(لا ترد وتتابع البكاء) هل كنت تائهة في الغابة أم قادمة من البحر؟ (لا ترد، يقترب منا فتشير إليه بالابتعاد) لا تخافي، لن ألمسك. (صمت، تخرج من حقيبتها منديلاً وتمسح دموعها) اسمي رامز، أ لك اسم؟ |
ظلال | : | ظلال. |
رامز | : | حسن، ها أنت تتكلمين، الحمد لله، كنت أظنك خرساء. من أين جئت؟ |
ظلال | : | من مكان بعيد.. بعيد جداً، وراء الغابة والبحر. |
رامز | : | أ لك أهل، أُم أب أخ ؟ (لا تجيب) لعلك هاربة.، مم تهربين. |
ظلال | : | من العتم والعماء والحرب. |
رامز | : | وإلى أين؟
(تهز كتفيها على أنها لا تعلم ولا تهتم) لا يمكن أن تبقي هنا، الليل يخيم، والغابة خطرة (يسمع عواء ذئب) هل سمعت عواء الذئب؟ (يبدو أن العواء لم يخفها) يجب أن تذهبي معي، ستفرح أمي بك، كانت أختي تشبهك وقد ماتت وهي في مثل عمرك تقريباً، ستكونين مثل ابنتها. (تشعر ببعض الأمان) هيا يا ظلال، السيارة معطلة، إذا لم تعمل سنجد وسيلة أخرى تنقلنا إلى البيت (يعلو ثانية عواء الذئب) هيا انهضي. |
(تغلق محفظتها وتنهض باستحياء، يسيران باتجاه السيارة) | ||
رامز | : | ابقي أمام المحرك، لا تفعلي شيئاً إلا إذا طلبت منك، سأحاول تشغيل السيارة.
(يجلس وراء المقود ، يمد يده في جيبه ويخرج مفتاح السيارة، وحين يهم بوضعه في مكانه تمد ظلال يدها إلى المحرك وتعبث بشيء ما فيه فيعلو فجأة هدير المحرك) يا الله..! ماذا فعلت؟ (يخرج من السيارة ويقف بجانبها) ماذا فعلت؟ ما الذي لمسته حتى اشتغلت؟ |
ظلال | : | لا اعرف.. لا أذكر. |
رامز | : | هيا ولننطلق قبل أن ينطفئ المحرك |
* * * | ||
(في المطبخ، الأم تمد رقائق العجين، تضع عليها اللحم المفروم لتصنع الفطائر يدخل ابنها الشاب رمزي وهو طالب جامعي في الواحدة والعشرين يدرس في كلية الفنون الجميلة) | ||
رمزي | : | صباح الخير ماما. |
الأم | : | (تلتفت) ها.. رمزي متى عدت؟ |
رمزي | : | الآن.. ما تصنعين؟ |
الأم | : | فطائر اللحم، أنت تحبها. |
رمزي | : | أجل، الأكل في مطعم الجامعة لا يسمن ولا يغني من جوع. |
الأم | : | وهل ستبقى طويلاً عندنا؟ |
رمزي | : | مدة الإجازة وبعدها الفصل الأخير. (يتناول فطيرة ممازحاً) ألا يمكن أن تؤكل نيئة؟ |
الأم | : | يبدو أنك جائع. |
رمزي | : | جائع للبيت أكثر. |
الأم | : | ألم تجد في فتيات الجامعة ما يشغلك عمن في البيت؟ |
رمزي | : | كلا.. فتيات جميلات لكنهن واضحات جداً، طالبات زواج قبل التخرج لئلا تفوتهن الفرصة وينهمكن في الحياة العملية. |
الأم | : | وهل الوضوح عيب؟ |
رمزي | : | أحب الفتاة الغامضة، كقصيدة رمزية. |
الأم | : | أنت كما أنت.. لم تغيرك أربع سنوات في الجامعة ومجتمعها. وهل وجدت قصيدتك الرمزية هذه؟ |
رمزي | : | ليس بعد. ماما من هذه الفتاة التي رأيتها تطل من شرفة أختي رحمها الله؟ |
الأم | : | تقصد ظلال فتاة الغابة. |
رمزي | : | ولكنها ليست متوحشة. |
الأم | : | (تبتسم) اسمها ظلال، وندعوها فتاة الغابة لأن أخاك وجدها وحيدة في طرف الغابة. |
رمزي | : | وهل كانت تعيش في الغابة؟ |
الأم | : | كلا.. ولكنها تقول: إنها جاءت من بلاد بعيدة جداً يسود فيها الجرب والعتم.. هكذا تقول.. ولكننا لا تعلم عنها شيئاً. بقيت ثلاثة أيام في الغابة حتى قطعتها طولاً. |
رمزي | : | ولكن هذا خطير ، الغابة مليئة بالوحوش. |
الأم | : | حيوانات الغابة لا تقترب منها، بل كانت تدلها على الطريق. هكذا تقول، وتقول إن الوحوش ليست في الغابة وإنما هناك فقط، في بلاد الحرب والعتم. |
رمزي | : | عجيب.. هذه فتاة غامضة أو.. |
الأم | : | أو ماذا؟ |
رمزي | : | أو قديسة صغيرة. |
الأم | : | (تضحك ممازحة) لعلك وجدت قصيدتك الرمزية يا ولد. |
* * * | ||
(على شاطئ البجر. الشمس في أول شروقها وأشعتها تنعكس على الأمواج، تهب نسمات عذاب، رامز وظلال وأمامهما مركب صغير (فلوكة) للنزهة والصيد، وبعض نوارس البحر تحلق تصعد وتهبط. تمر فترة صمت). | ||
رامز | : | لِم أنت صامتة؟ أرى آثار دموع، هل أنت حزينة وكنت تبكين؟ |
ظلال | : | كلا.. لكن عيناي تدمعان عندما أغرق في منظر كهذا. كل شيء من حولنا يتكلم بصمت: البحر، الصباح، الشمس، النسيم العليل، النوارس.. أنا أستمع. |
رامز | : | هذه لغات لا أعرفها، أنت تحلِّقين ولا تتكلمين وأنا أحب أن أسمع صوتك. |
ظلال | : | أنا أتكلم دائماً ولكنك لا تسمعني. |
رامز | : | هل تحبين البحر؟ |
ظلال | : | البحر سرق مني خاتمي. |
رامز | : | كيف؟ |
ظلال | : | سقط في البحر عندما كنت في السفينة، لا بد أن سمكة ذهبية التقطته وستعيده إلي. قرأت عن أحد الملوك العارفين أن سمكة أعادت له خاتمه الذي رماه في البحر*. |
رمز | : | هل كان خاتم زواج أم خطبة أم للزينة؟ |
ظلال | : | لا أدري، أهدانيه شاب جميل وقال: عندما أعود من العتم والحرب سنتزوج. وذهب ولم يعد. |
(يمر طفل يعلق بيده ثلاث سمكات للبيع إحداها سمكة ملونة ذهبية) | ||
الطفل | : | هل تشتريان.. صيد اليوم طازج. |
رامز | : | كلا .. شكراً. |
ظلال | : | أرني هذه (تأخذ السمكة الذهبية) كم ثمنها؟ |
الطفل | : | كما تدفعين، إنها سمكة فاخرة. |
ظلال | : | جميلة حقا. |
رامز | : | (رامز يدفع له الثمن) هل هذا يكفي؟ |
الطفل | : | شكرا.. الله يرزقك (للفتاة) طعمها لذيذ يا آنسة. |
ظلال | : | لا يهمني طعمها.. لقد أعجبتني. |
الطفل | : | ربما تجدين في جوفها لؤلؤة أو سمكة صغيرة. (يبتعد خطوات ثم يلتفت) أبي يصطاد كل يوم إن كنت تحبين أن تشتري مني. |
ظلال | : | أنا أشتري السمكات الذهبيات فقط.
(يخرج الطفل، تمر فترة صمت) |
رامز | : | هل تحبين البحر؟ أنا أهوى الصيد والنزهة في البحر، وهذه الفلوكة لي، ربما آخذك ذات يوم في جولة. |
ظلال | : | أهوى الغابة أكثر، ظلال وأضواء وأشجار معمرة وأشجار جديدة، كهوف تنبع منها الماء. |
رامز | : | ومخاطر وحيوانات مفترسة. تهت مرة في غابة فلم أعد أعرف الجهات، والشمس مختفية وراء الأشجار. البحر أكثر حرية، أشعر فيه بأنني سمكة تسبح في الماء. |
ظلال | : | ولكنك لست سمكة ذهبية (يشعر بالامتعاض) البحر امتداد كئيب، وهدوء ممل، أو هيجان مجنون. الغابة استكشاف. عثرت على مغارة في الغابة يقطر الماء من سقفها، فيها صواعد ونوازل من ترسبات نقط الماء، المنظر مثل مملكة فيها الملك والوزراء والجنود والشغيلة. كان في المغارة نهر يجري تحت الأرض تسمع هديره. لم أستطع الدخول فيها كثيراً بسب العتمة. علق شالي الحرير بأحد النوازل ففقدته. إذا ذهبتَ معي ومعنا مصباح فقد نعثر عليه. |
رامز | : | لا أحب هذه المغامرات. |
ظلال | : | (متابعة وصف الغابة) وكانت في الغابة هناك بين الأشجار بيضات كبيض الطيور ، لكنها كبيرة وملساء، الواحدة منها بحم بطيخة ، لعلها بيوض ديناصورات منقرضة. |
رامز | : | إذن كنت أمس في الغابة عندما تأخرتِ كثيراً في المساء، كانت أمي تنتظرك وهي قلقة عليك. |
ظلال | : | أجل كنت هناك، وآسف لأنني تأخرت. |
رامز | : | (يضع يده على يدها الممسكة بالسمكة) سمكة جميلة حقاً أصابعك جميلة، أود أن أقدم لك خاتما ذهبياً.. ما رأيك؟ |
ظلال | : | الخواتم تضيع مني في البحر.
(صمت يشعر بالأسى) |
رامز | : | لا بأس، هيا فلنعد إلى البيت، لا شك أن الفطور صار جاهزاً وأمي تنتظر.
(ينهضان ويخرجان صامتين) |
* * * | ||
(في غرفة الابنة المتوفاة حيث تقيم فيها الآن ظلال، الأم تفتح بالمفتاح خزانة ابنتها لترتب بعض ثياب ابنتها، تدخل ظلال) | ||
ظلال | : | مسا الخير ماما. |
الأم | : | مسا الخير..ها.. لقد عدت مبكرة. |
ظلال | : | لن أتأخر بعد اليوم ما دمت تقلقين عليّ. |
الأم | : | في الغابة طبعاً. |
ظلال | : | أجل..تعجبني، فيها عوالم غير مكتشفة. |
الأم | : | المهم أن تكوني حذرة على حياتك. |
ظلال | : | اطمئني، الغابة سلام وطمأنينة وحياة متجددة. (تقترب لترى ما في الخزانة) أراك تفتحين هذه الخزانة لأول مرة. |
الأم | : | هذه خزانة ملابس ابنتي رحمها الله، أفتحها كل فترة لأهويَّ الثياب. |
ظلال | : | (تدمع عيناها) آسفه، يرحمها الله، أعتقد أنه عزيز عليك أن أحتل غرفتها. |
الأم | : | بالعكس أنا مسرورة لذلك. وسأترك الخزانة مفتوحة لتلبسي ما يروق لك من ثيابها، كانت في عمرك تقريباً، والثياب أعتقد أنها على مقاسك. |
ظلال | : | تتركينها مفتوحة لي ؟ أنا خجلة وممتنة لهذا العطف الذي غمرتموني به. |
الأم | : | بل نحن سعداء وممتنون لوجودك معنا. لقد نثرتِ في هذا البيت المنكوب ذلك الدفء الذي كانت تنثره ابنتي بتول. |
ظلال | : | اسمها بتول؟ كم أحب هذا الاسم، أتمنى لو كانوا قد سموني بتولاً (صمت) ومِمَّ كانت تشكو؟ |
الأم | : | تعشقها السرطان وانتشر في جسمها، كانت مرحة للغاية، مرجوحتها ما تزال منصوبة هناك بين شجرتين في الغابة (تتناول ثوباً مرقشاً بنباتات وأوراق شجر وصور بلابل) انظري هذا هل يعجبك؟ البسيه هذا الليلة عند العشاء. |
ظلال | : | (تأخذ الثوب) يعجبني جداً، روضة كاملة حتى البلابل فيه تشدو، أني أسمع تجاوب شدوها، سألبسه إن كان ذلك لا يثير أحزانك. |
الأم | : | بالعكس، سأرى فيك ابنتي بتول، كان رمزي يقول لها حين تلبسه: بتول غابة خضراء بلا وحوش، أما رامز فكان يفضل ذلك الثوب الأزرق المموج كأمواه البحر (تلمس الثوب الآخر وتستعرضه). |
ظلال | : | كل منهما معجب بهوايته. |
الأم | : | من يعجبك منهما أكثر؟ رمزي أم رامز؟ |
ظلال | : | كلاهما لطيفان، لكنه سؤال مباغت، لكل منهما روح يتميز بها عن الآخر، لكنني لم ألتق بعد برمزي إلا في لحظات عابرة من خلال اجتماع الأسرة. |
الأم | : | رمزي فيه كثير من الطموح وشيء من الغموض. |
ظلال | : | أعتقد أنه سيتخرّج في الجامعة السنة القادمة. |
الأم | : | أجل. |
ظلال | : | وماذا يدرس؟ |
الأم | : | كلية الفنون الجميلة إنه رسام بارع. دعيه يرسمك. |
ظلال | : | الفنان يرسم ما يعجب به. وهل سيكمل الماجستير أم يتجه للحياة العملية؟ |
الأم | : | لا يتكلم في هذا الشأن كأنه يخفي شيئاً. يمكنك أن تسأليه لعله يفصح لك. كان أبوه نحاتاً، ينحت شواهد القبور ويزيّنها برسوم النباتات وأبيات من الشعر في الحياة والموت. |
ظلال | : | آه.. هذه الفكرة تراودني دائماً.. انبعاث الحياة من الموت.. ويستمر الوجود، وهذا ما دفعني إلى أن أرمي خاتمي في البحر وأنا متأكدة بأن سيولد من جديد في بطن سمكة ذهبية. |
الأم | : | (مستغربة) أنا لا أفهمك.. أنت صغيرة ولكن في فكرك طلاسم. |
ظلال | : | ستفكين هذه الطلاسم بعد أن أرحل. |
الأم | : | وهل سترحلين؟ |
ظلال | : | لا أعرف ..ربما عندما أسمع هاتفاً…. أنا في سفَر مستمر. |
(الأم تغلق الخزانة وتترك المفتاح عليها) | ||
الأم | : | المفتاح على الخزانة، هكذا يجب أن يكون، علينا أن نضع بين أيدي الآخرين مفتاحا ليعرفوا ما في خزائننا. |
(الأم تخرج.. ظلال صامتة تفكر.. إظلام) | ||
* * * | ||
(في الغابة، ظلال في الثوب الموشى بعروق النباتات تضع في عنقها طوق ياسمين، تحمل في ذراعها سلة صغيرة وتقطف بعض الزهور وتضعها فيها، تغني). | ||
ظلال | : | وردة حمراء
وردة صفراء من يزرع في هذا القلب قطيفة؟ وردة حمراء وردة صفراء زادُ الرحّالة في درب الحرب وفي درب العتم وردة حمراء وردة صفراء لم يقطفها أحد قبلي ذبلت لكن الزمن الأعمى لا يذبل. |
(رمزي يكمن خلفها تحت شجرة ويستمع، ينهض ويتقدم نحوها ويتابع الأغنية) | ||
رمزي | : | وردة حمراء
وردة صفراء هل تأذن مولاتي أن أزرعَ في هذا القلب قطيفة؟ |
ظلال | : | (تمسح دمعتين بسرعة) أوه.. رمزي، منذ متى وأنت هنا؟ |
رمزي | : | منذ القطيفة الأولى (يضحك) صوتك جميل. لو استطعت أن أرسمه. |
ظلال | : | (تضحك) وهل صرت فناناً ترسم الأصوات؟ |
رمزي | : | لن أكون فناناً حتى أبصر بأذنيَّ وأسمع بعينيّ. |
ظلال | : | أنت غريب.. ومدهش. |
رمزي | : | (يلمس شعرها ويرده على كتفيها) حاذري، شعرك إذا نسم الهواء سيتطاير ويعلق بأغصان الأشجار. |
ظلال | : | شعري طويل، طويل جداً، يتبعني كظلّي..ماذا أفعل؟ |
رمزي | : | اربطيه إلى الخلف وازرعي فيه وردة حمراء. |
ظلال | : | آ..شكراً
(تربطه وتحاول أن تزرع فيه الوردة) |
رمزي | : | دعيني أساعدك
(يتناول منها الوردة ويثبتها في عقدة شعرها من الخلف) |
ظلال | : | هل تدرسون فن التجميل أيضاً في الكلية؟ |
رمزي | : | الغواني مثلك لا يحتجن إلى تجميل؟ |
ظلال | : | هل تغازلني؟ |
رمزي | : | لا تنسي أنني باحث فني موضوعي. |
ظلال | : | أخشى أن تجعلني موضوع بحثك. الفنانون ذاتيون، وأعمالهم الفنية سبيكة لذواتهم. |
رمزي | : | آه.. ربما.. هناك حالات أمام الجمال الباهر تتعطل لغة الكلام والعقل. (صمت حزين) كانت أختي جميلة مثلك، وكانت عندما تلبس هذا الثوب تصير غابة متحركة. |
ظلال | : | آسفة.. أثرت شجونك، يرحمها الله. |
(يسيران صامتين ومتجاورين، وهي تقطف بين الحين والآخر بعض الزهور وتضعها في السلة) | ||
ظلال | : | لم أر رسومك بعد، لا يوجد في البيت لوحة واحدة معلقة من عملك. أمك قالت لي: اطلبي منه أن يرسمك. |
رمزي | : | إذا طلبت مني فسأفعل، ولكني أبحث عما هو أبعد من ذلك. |
ظلال | : | وعمَّ تبحث؟ |
رمزي | : | الرسم والتصوير هو فن تثبيت اللحظة، كيف لي أن أصل إلى أبعد من ذلك، اللوحة الحية المتحركة؟ |
ظلال | : | كصورة دوريان جراي*. |
رمزي | : | هل قرأتها؟ |
ظلال | : | أجل، ولكنها مجرد فكرة خطرت في بال روائي. |
رمزي | : | أنا أفكر في غير هذا، أفكر كيف يمكن للوحة بوساطة الظل والنور والنظر المكرور من زوايا عدة وفي أوقات مختلفة حسب ساعات النهار والليل أن تكون حياة كحياتنا هذه، متحركة متوالدة إلى ما لا نهاية للوحات حية لا يحصر عددها. |
ظلال | : | تقصد مثل الأنغام التي تسمع في أوقات معيّنة. هذا في الموسيقا أما في الرسم! هذه المهمة ألم تضطلع بها السينما؟ |
رمزي | : | اللوحات السينمائية تخضع لسيناريو مسبق، ما أقصده لوحة تشكيلية حرة حركتها ذاتية. |
ظلال | : | (ممازحة) إذا رسمتني هل ستحب لوحتك هذه، أقصد ظلال الثانية فتاة الغابة. |
رمزي | : | (يبتسم) بل لعلك تقصدين صاحبة اللوحة. |
ظلال | : | أراك عدت إلى الغزل، قصدي هو اللوحة. |
رمزي | : | (مستدركاً) آه..وتتحرك حركة ذاتية بمعزل ومختلف عن حركتك أنت في الحياة. |
ظلال | : | أجل.. وأيهما ستحب اللوحة أم الأصل. |
رمزي | : | (يضحك) هذه المرة أنت التي تعودين إلى الغزل وتطلبين مني اعترافاً.. طبعاً سأحب اللوحة التي رسمتها. |
ظلال | : | الفنانون عشاق فاشلون مثل الشعراء العذريين، أعلم أنه لا يجتمع اثنان: طالب عشق وطالب فن.
والآن كفانا مزاحاً وقل لي: ما هو بحثك كمشروع تخرّج للسنة القادمة؟ |
رمزي | : | أنا أدرس رسوم الكهوف التي خلفها لنا أجدادنا البدائيون على جدران المغاور الحجرية. |
ظلال | : | أعرف كهفاً هنا في الغابة فيه مثل هذه الرسوم. إنها رسوم رائعة كرسوم الأطفال، تحمل إلينا طزاجة حياة موغلة في القدم. هل ترغب أن تزوره؟ |
رمزي | : | بالتأكيد. |
ظلال | : | متى؟ |
رمزي | : | الآن. |
ظلال | : | إذن .. هيا معي.
(يخرجان) |
* * * | ||
(بعد الغروب وأول هبوط الظلام أمام الدار رجل أعمى طويل بصحة جيدة يحمل على ظهره رجلاً صغيراً (قزماً) أحدب الظهر مقعداً لكنه مبصر وهو يحمل بيده سلة صغيرة، هما راهبان مختلفان متعاونان يبدوان وكأنهما ينتظران قادماً. تدخل ظلال تتوقف أمامهما وفي يدها سلة الزهور، تنظر إليهما في انتظار أن يتكلما ولكنهما جامدان تماماً كتمثالين، يمد القزم السلة نحوها كأنه يطلب شيئاً، تضع له في السلة نقوداً ووردة صفراء ثم تدخل البيت. لحظات صمت وجمود ثم ينصرفان خارجاً) | ||
* * * | ||
(غرفة المعيشة في الدار، الأم جالسة على كرسي وهي تخيط وتصلح ثوباً وقد طوت أمامها على الطاولة بعض غسيلها. تدخل ظلال) | ||
ظلال | : | ماما، رأيت أمام الدار رجلين، أعمى طويل يحمل قزماً أحدب مقعداً، كانا جامدين حتى ظننت أنهما تمثالان.كأنهما كانا ينتظران أحداً. |
الأم | : | لا تخافي، إنهما جاران، راهبان من ديانتين مختلفتين، وهما يتعاونان يجمعان في السلة بعض الصدقات ويوزعانها على المحتاجين. |
ظلال | : | أعطيتهما ما فيه النصيب ووردة صفراء قطفتها من الغابة. |
الأم | : | جزيت خيراً. هما ليسا من البلدة، ولا أحد يعلم من أين جاءا، يقفان عادة على شاطئ البحر عند الفلوكة. |
ظلال | : | وما الذي جاء بهما إلى هنا؟ |
الأم | : | لا أدري، ربما هو البحث عن رامز، فهو مسافر منذ يومين. |
ظلال | : | مسافر ..إلى أين؟ |
الأم | : | سافر إلى المدينة ليشتري خاتماً. |
ظلال | : | خاتم! (مدركة سبب السفر) آا إنه عجول.
(تغير مجرى الحديث) من المؤكد أن الرجلين كانا عائدين من الشاطئ.. رائحة البحر في ثيابهما. |
الأم | : | ربما.. اللهم اجعله خيراً (صمت) ما هذا القلق الذي يراودني، يروح ويجيء منذ وفاة زوجي. |
ظلال | : | لعله من أثر التعب، أنت تعملين طول النهار في البيت.
(صمت) |
الأم | : | ظلال، رامز يحبك. |
ظلال | : | أعرف. |
الأم | : | وقد طلب مني أن أخطبك. رامز شاب بسيط واضح كالشمس وإنسان عملي وأموره جيدة. |
ظلال | : | رامز إنسان لطيف تتمناه كل فتاة.. لكن.. |
الأم | : | لكن ماذا؟ |
ظلال | : | لكن.. ما الذي يعرفه عني؟ بل ما الذي أعرفه عن نفسي؟ فتاة وجدها طرف الغابة جاءت من بلاد العتم والحرب.. هذا لا يكفي. |
الأم | : | ألا يكفي أنه يحبك؟ |
ظلال | : | الحب شيء آخر. |
الأم | : | أ لا تحبينه؟ |
ظلال | : | أنا لا أكرهه، أنا أحب صفاته النبيلة، أنا معجبة به كشاب نقي واضح وبسيط. وأخشى أن أكون فتاة عابرة في حياته لا تصلح له. |
الأم | : | فتاة عابرة، ما هذا الذي تقولينه وجميعنا ينظر إليك على أنك فرد في العائلة. |
ظلال | : | عابرة، لا أدري متى أرحل، أنتظر هاتفاً. |
الأم | : | هاتف ممن؟
تنتظرين هاتفاً وليس معك هاتف!؟ |
ظلال | : | هاتف هنا (مشيرة إلى صدرها) في شراييني.. في أعماقي. |
(صمت، تتناول ظلال طوق ياسمين وسطه وردة حمراء صنعته للأم تقدمه لها وتضعه في عنقها) | ||
ظلال | : | يا..ألله..كم أنت جميلة، أما آن أن تبعدي عنك شبح الحزن على زوجك الفقيد؟ |
الأم | : | أنا لم ألبس ثوب الحداد. |
ظلال | : | أعرف لكن الحِداد تلبَّسك. |
الأم | : | (تنهض تأخذ من الخزانة لوحة للزوج وهو يتكئ على حافة الفلوكة، وتعلقها)
هذه اللوحة رسمها رمزي من الذاكرة، كان صياداً ماهراً يلقي شباكه في الماء في المساء وفي الصباح يعرض على الشاطئ ما اصطاده، يبيع المارة ويحمل ما تبقى إلى البيت. كانت بتول تحب السمك. |
ظلال | : | وورث رمزي الفلوكة عن أبيه. |
الأم | : | أجل، ولكن الصيد عنده مجرد هواية. هو يحب أن يخرج بها في نزهة بحرية، ألم يدْعُك يوماً لصحبته؟ |
ظلال | : | أجل، دعاني ولكني أحب الغابة أكثر. |
الأم | : | بل تحبين رمزي، أليس كذلك؟ رأيتكما وأنتما تتبدلان القبل طرف الغابة. |
ظلال | : | القبلة يا ماما جزء من الطبيعة ونوع من الفاكهة ، مثلما تتلامس زهرتان يميل بهما النسيم، وليس معناها دائماً الحب أنا أحب كل الناس ولا أستطيع أن أكره أحداً. (صمت) كل ما في الطبيعة يجيد التقبيل، هذا جزء من حركة جمالها. |
الأم | : | أنت الطبيعة نفسها تمنح جمالها وعطرها لكل متجمِّل، لكن القبلة من الشفتين لها مدلول آخر. |
ظلال | : | وهذه أيضاً متواطأ على مدلولها وليست من كتاب منزل. |
الأم | : | مشكلة رامز أنه لا يجيد التقبيل، وهو يعبر عن عواطفه بطرق أخرى. |
ظلال | : | هل يعني هذا أنني لا أدرك مشاعر الآخرين، أم أن تصرفنا أنا ورمزي غير سليم؟ |
الأم | : | أنا لم أقل هذا ولا ذاك (صمت) أنتما طفلان. |
ظلال | : | هذا يسرني، في كل منا طفل مخبوء لا يكبر، أمس كنا نسير على الشاطئ، والشمس تجنح للغروب، كان ظلاّنا يمتدان طويلاً.. طويلا جداً حتى نهاية الشاطئ، خيِّل إليّ أننا لو كشطنا ظلانا قليلاً بعصا لتكشفا عن طفلين. |
الأم | : | لك خيال مدهش (يسمع أصوات تتكسر أغصان) أسمع أصوات تكسر الأغصان تحت الأقدام لا بد أن رامزاً قد عاد من المدينة .
(تكون الأم قد أنهت عملها، تنهض وتخرج.تبقى ظلال ساكنة ساهمة تفكر) |
ظلال | : | طفلان..!؟ |
(إظلام) | ||
* * * | ||
(غرفة المعيشة، الأم تحيك كنزة بصنارتين، رمزي يستعرض بعض الصور من رسوم الكهوف التي التقطها، رامز يبدو قلقاً وقد مضى على عودته من المدينة ثلاثة أيام وأمامه بعض الهدايا التي حملها من المدينة). | ||
رامز | : | (مخاطباً أخاه) ثلاثة أيام بعد عودتي من المدينة ولم أرك ، كأنك لا تعيش في البيت معنا. |
رمزي | : | كنت مشغولاً بتصوير ونقل رسوم بدائية على جدران بعض الكهوف في الغابة، هذا موضوع أطروحتي في الجامعة. |
رامز | : | حتى بعد المغيب وجانبٍ من الليل؟
(رمزي صامت) هل أنت متأكد بأنك مشغول بالبحث أم بموضوع آخر. |
رمزي | : | ماذا تقصد بهذا التلميح؟ |
رامز | : | (بغضب) أنتما طفلان، وظلال أمانة لدينا.
(يتناول سكيناً من الطاولة ويقطع تفاحة) بمثل هذه التفاحة كانت المعصية الأولى وهبوط آدم إلى الأرض وقَتْل قابيل آخاه هابيل. |
الأم | : | رامز اهدأ، لا تنس أن رمزي أخاك وقد ربيته على الفضيلة. أسميتكما رامز ورمزي لتعلما أنكما واحد في اثنين، ولئلا تتكرر مأساة الأخوين. |
رامز | : | أرجو ذلك . |
رمزي | : | أنت تسرف في الظن. |
رامز | : | أنا أراقب ولا أقع في الظن. |
رمزي | : | الفتاة عرفتُها جيدا، أنت لم تعرفها، الفتاة تختلف عما نفكر نحن و تفكر أنت. |
رامز | : | (ساخراً) وكيف، زدني معرفة. |
رمزي | : | إنها تعتبر نفسها بنت الطبيعة وملكها، بنت الغابة والبحر والسهل والجبل والنسيم، كعصفور على شجرة يطير حيث يشاء. ظلال لها أجنحة لا نراها نحن، إنها جزء من حزن الطبيعة وفرحها وحريتها، من ربيعها وخريفها، إنها قطرة ندى على وريقة من أوراق الشجر في صباح باسم، بل هي الطبيعة الكبرى التي تنطوي في مخلوق اسمه ظلال. وهي التي دلتني على المغارة التي فيها رسوم الإنسان الأول على الجدران، بعد أن عرفَت موضوع أطروحتي الجامعية. |
رامز | : | (ساخراً) ياه..هكذا إذن… هذا كلام لا أفهمه، إما أنه كلام شاعر وفنان ..أو كلام مخادع عن تصرفاته. |
الأم | : | (مغيرة الحديث) رامز ماذا أحضرت لنا من المدينة؟ |
(تدخل ظلال حاملة صينية الشاي) | ||
ظلال | : | الشاي جاهز، هذا المساء جميل بوجود رامز معنا . |
(رامز يبتسم ويهدأ، ظلال توزع كؤوس الشاي وقطعاً من البسكويت) | ||
رامز | : | ماما، اشتريت لك هذا الشال من الحرير تضعينه على كتفيك، أرجو أن يعجبك. |
الأم | : | (تفتح العلبة وتضع الشال) شكراً يا بني، كنت أفكر بشرائه. إنه جميل. |
رامز | : | وأنت يا ظلال، هذه قبعة من القش للشمس والمطر، وهذا حذاء خاص يفيدك في ارتياد الغابة أو البحر (ممازحاً) وحتى في تسلق الجبال. |
ظلال | : | أوه.. لا شك أن ثمنه غال..ما كنت أريد أن تبذر مالك من أجلي. |
رامز | : | (مخاطباً رمزي) وأنت، هذه مجموعة ألوان أعلم بأنك تحتاجها،كما أني دفعت جميع رسومك الجامعية للسنة القادمة، وآمل أن تبقى في المدينة تتابع دراستك فبقاؤك هنا يشغلك عن الدراسة. |
رمزي | : | هل هذه رسالة كي أرحل؟ |
رامز | : | هذه مصلحتك وأنت أعلم. |
(رمزي يترك علبة الألوان على الطاولة ويخرج غاضبا، يسود صمت قلق) | ||
رامز | : | (لظلال) شايك بنكهة النعنع..إنه لذيذ (تظل صامتة، تكاد تبكي) أما زلت تنتظرين تلك السمكة الذهبية التي تحمل إليك خاتمك الذي رميته في البحر (لا ترد) لا بد أن أحضر لك الخاتم الذهبي حتى ولو كلفني حياتي. |
(لا ترد، تنهض وتحمل صينية الشاي والكؤوس وتخرج صامتة، الأم حزينة وصامتة) | ||
رامز | : | لم تعد السهرة ممتعة، سأذهب للنوم. |
(يخرج، الأم تطوي شغل الإبرة وتضعه في كيسه وتبقى صامتة قلقة شاردة الذهن حزينة)
(إظلام) |
||
* * * | ||
(طرف الغابة حيث التقى رامز والفتاة، القمر الشاحب يظهر ويختفي بين الغيوم، ثم يختفي تماما وتتكاثف السحب وأصبح الجو ينذر بالمطر، عتمة ظليلة توشّح الطبيعة. رمزي وظلال يجلسان على صخرة وظهراهما للجمهور وقد أحاط خصرها بذراعه وأسندت رأسها إلى كتفه) | ||
رمزي | : | الليل يوشِّح الغابة. |
ظلال | : | ما زال هنالك بعض النور، إنها الغيوم والشمس لم تغرب إلا منذ دقائق. |
رمزي | : | ستمطر. |
ظلال | : | قطرات المطر تلتمع وتضيء لنا الطريق. |
رمزي | : | أحبك في الصحو وفي المطر، في العتم وفي الضوء. |
ظلال | : | تحب فتاة راحلة، جاءت من الغيب والعتم وترحل في المجهول!؟ |
رمزي | : | لا تذكري الرحيل؛ الحب لا يرحل. |
ظلال | : | في أغلب الروايات الحب دوامة تدور حول كارثة. |
رمزي | : | أنت متشائمة هذا المساء، ألا تحبينني؟ |
ظلال | : | قلبي يخفق لك لكنه مغشّى بسحابة مثقلة بالخوف ، سحابة تحمل العتم ولا تمطر. |
(يعلو صوت الرياح، تلتمع السماء بالبرق فيبدو عن بعد شبح الأعمى وصديقه الذي يحمله على ظهره كصنمين لا يتحركان، يتلو ذلك صوت الرعد) | ||
ظلال | : | أه.. ما الذي جاء بهما؟ |
رمزي | : | يطلبان الصدقات، لا تخافي إنهما وديعان جداً. كان أبي يعطيهما مما يصطاد ويفعل مثله أخي.
(يتوقف البرق ويختفي مشهد الأعمى) |
ظلال | أعتقد أنه رآنا. | |
رمزي | : | من؟ |
ظلال | : | أخوك، حين التمع البرق. كنت أحس بخطواته تتبعنا. |
رمزي | : | حسن، وهل نفعل شيئاً منكرا؟ كلانا يحبك وهذا حقك فأنت فتاة لا يمكن إلا أن يحبها الجميع، والفائز له قبلة، دعيني أقبلك. |
ظلال | : | ولماذا تعلن أنك الفائز ومن طرف واحد؟ |
رمزي | : | إذن وفي انتظار لجنة التحكيم دعيني أقبل شعرك ويسترنا الظلام. |
ظلال | : | نعم، قبل شعري. |
(يدني خصلات شعرها من فمه) | ||
رمزي | : | له عطر الغابة وغموضها. |
ظلال | : | نعم، أنا ابنة الغابة. |
رمزي | : | بين هذه الخصلات من شعرك ينطوي كون بأسره بنجومه وكواكبه ومجراته.هنا السماء الدنيا حيث ترقص الملائكة. |
ظلال | : | أنت شاعر، ما لك ولرسوم الجدران؟ |
رمزي | : | قُولي أحبك لأموت سعيداً ولا يهم بعد هذا إن صرت رسماً على جدار. |
ظلال | : | أحبك..أحبك. |
رمزي | : | يا لسعادتي! فليلتمع البرق وليقصف الرعد ولتمطر السماء حتى يحمل النور هذه الكلمة ويضعها تحت عرش الرب. |
ظلال | : | أنظر هناك. |
رمزي | ؛ | أين؟ |
ظلال | : | الجهة الغربية من السماء. إنها مظلمة تماماً.. لاشيء غير العتم والريح الهوجاء وصوت البحر الغاضب. |
رمزي | : | شعرك يظلل عيني فلا أستطيع أن أرى غير النور والهدوء والسلام. |
ظلال | : | أزح شعري عن عينيك وانظر. |
(يزيح شعرها عن عينيه) | ||
رمزي | : | آه.. كنت كمن كان يسبح في الفضاء ثم تحطمت مركبته.(يمعن النظر) يبدو أن عاصفة قادمة. يجب أن نعود إلى البيت. |
ظلال | : | أجل، يجب أن نعود. |
(فجأة تتوالى بقوة البروق والرعود وتنهمر أمطار غزيرة) | ||
رمزي | : | يا للهول! |
ظلال | : | إنها تمطر بغزارة وأسمع من هنا هيجان البحر. |
رمزي | : | فلنعد سريعاً إلى البيت. |
ظلال | : | (تنهض) أجل فلنعد. |
رمزي | : | (ينهض) يجب أن نصل قبل أن توحل الأرض. |
ظلال | : | هذه الأرض موحلة دائماً. |
(يديران وجهيهما نحو الجمهور ويتقدمان وهما يسيران متخاصرين نحو مقدمة المسرح) | ||
(إظلام قصير) | ||
* * * | ||
(غرفة المعيشة في البيت، المطر يضرب زجاج النافذة ويلتمع فيها البرق، صوت الرعد يختلط بصوت الرياح العاتية، الأم تجلس قلقة للغاية في وضع ابتهالي، يطرق الباب، تفتح، يدخل رمزي وظلال مبللين تماما يرتجفان من البرد) | ||
الأم | : | أين كنتما؟ هل عليَّ أن أقلق كلما خرجتما؟ |
رمزي | : | ها قد جئنا يا ماما، دهمتنا العاصفة المطرية فجأة. |
الأم | : | أخوك.. أنا قلقة جداً؟ |
رمزي | : | ما لأخي، أليس في البيت؟ |
الأم | : | خرج إلى البحر وركب الفلوكة. |
رمزي | : | غير معقول.. أفي هذا الجو؟ البحر عالي الموج. |
الأم | : | حاولت أن أُثنيَه فلم أستطع. عاد منزعجاً غاضباً، أخذ عدة البحر ومضى، كأنه يبحث عن شيء بين أنياب الموت. |
ظلال | : | الملاحون المتمرسون يتجنبون ركوب البحر في هذه الليلة. |
الأم | : | كنت أكلمه وكأنه لا يسمعني. خرج صامتاً ومضى من غير أن يقول كلمة واحدة. |
رمزي | : | هل أذهب وأبحث عنه؟ |
الأم | : | كلا.. لا أريد أن أفقد اثنين في ليلة واحدة، قلبي منقبض، سمعت نعيق غراب ضرب بجناحه زجاج النافذة. |
رمزي | : | دعك من هذه الخرافات، سيعود ، اطمئني.. تفاءلوا بالخير تجدوه. |
(ظلال تبكي بصمت) | ||
الأم | : | لماذا تبكين يا ابنتي؟ اذهبا وغيرا ثيابكما، ستصابان بالبرد.
(يخرج رمزي) (مخاطبة الفتاة) صلي من أجله يا ظلال، إنه يحبكحباً لا حدود له أجله أجله يا ابنتي، إنه يحبك حباً لا حدود له، لكنه لا يبين.أجله يا ظلال، إنه يحبك حباً لا حدود له لكنه لا يُبين. أعمق الحب وأكثره إيلاما هو الحب الصامت. (تخرج الفتاة وتمسح دمعتين على خدها) |
(إظلام سريع) | ||
* * * | ||
(في البيت، الوقت في غبش الفجر، يُطرق الباب، تخرج ظلال من غرفتها وآثار النوم في عينيها وتفتح الباب فتجد أمامها الأعمى وصاحبه كتمثالين لا يتحركان، تشعر بالتوجس والخوف، الرجل الصغير المحمول على ظهر الأعمى يمد لها يده ويناولها سمكة ذهبية معلقة بخيط الصنارة، لحظات ثم يستديران ويمضيان من غير أن يتكلما. الفتاة أمام باب الدار تنهار وتبكي في صمت والرجلان يبتعدان في الظلام) | ||
* * * | ||
(أول الليل، طريق تضيع فيه معالم المكان، أربعة بحارة وكأنهم في الظلام أشباح يحملون على لوح خشبي جثماناً ملفوفاً ومغطى بشبكة صيد وهم ينشدون لحناً جنائزياً على إيقاع بطيء) | ||
البحارة | : | هيلا..هيلا
هيلا..هوب ذاكرة الريح مليئة بالأحزان والقمر الشاحب في صمت ينتحب والمطر يملأ جرار الأرض من جديد وفراشة الحياة تقتحم زبد النار هيلا..هيلا هيلا..هوب نجمة تموت ونجمة تولد وموجة تعلو وموجة تهبط والكواكب في أفلاكها تدور وتدور والملائكة تخفق بأجنحتها لتبرِّد مهل الأرض هيلا..هيلا هيلا..هوب الدرب طويل طويل إلى البحر والفلك المبحر لا عودة عبث هذا الحب..عبث هذا الكره وعلى الشاطئ الآخر ترسو جميع المراكب هيلا..هيلا هيلا..هوب |
(إظلام قصير) | ||
* * * | ||
(ليل، والقمر هلال مكتنز يجنح للغروب، ضوؤه الشاحب يغمر المكان ويلقي ظلاله على شواهد بعض القبور. الإضاءة بشكل عام خفيفة جداً وشاحبة.
جثمان الميت وحوله البحارة الأربعة ينتظرون دفن الجثة، وأمامها يقف الأعمى وزميله كعمود ثابت في الأرض. من عمق المكان تتقدم باتجاه موقع الدفن ظلال وهي في ثوب العرس الأبيض والطفل الذي باعها السمكة يتبعها ويحمل لها ذيل ثوبها الطويل وهي تمسك بيدها وردتين حمراوين. في الزاوية وعن بعد الأم وابنها رمزي يقفان ويراقبان ما يجري والحزن باد عليهما) |
||
رمزي | : | ما الذي أراه يا أماه؟ |
الأم | : | لقد أصرت على عقد القران على رامز وأن تضع خاتم الخطبة الذي اشتراه لها ووجدوه في ثيابه حين غرق. |
رمزي | : | عقد على ميت!؟ وفي أي شرع هذا؟ |
الأم | : | حاولت أن أثنيها عن ذلك ولكنها أصرت وقالت: إن بعض الأقوام في الأرض يفعلون هذا ويعقدون القران على ميت. |
رمزي | : | ومن سيتولى عقد مثل هذا الزواج الغريب. |
الأم | : | لم تجد أحداً فتطوع الأعمى وزميله لعقد قرانهما. |
(ضوء على ظلال وقد وصلت حيث القبر ووقفت بجانب الجثة العريس أمام الأعمى وزميله المحمول.. صمت تام، ثم تسمع موسيقى جنائزية وكأنها هابطة من السماء.
الرجل الصغير الذي يحمله الأعمى يقدم لها خاتم الزواج فتضعه في إصبعها ثم تنحني وتضع على الجثة الوردتين. يعتم المشهد وتنقطع الموسيقى) |
||
المشهد الأخير | ||
(المكان كما في المشهد الأول مفترق طرق الأول رئيسي والثاني والثالث متقابلان أحدهما يتجه نحو البحر والآخر نحو الغابة.
ظلال تجلس في ظل شجرة وأمامها محفظتها وقد وضعت على رأسها قبعة القش في انتظار سيارة عابرة تقلها إلى الميناء لتسافر. على الطريق الرئيسة رمزي يقبل حاملاً محفظته الجامعية، يمر أمامها ويتجاوزها ثم يلتفت. |
||
رمزي | : | كأني رأيتك من قبل يا آنسة. |
ظلال | : | وأنا أيضاً..ولكن أين؟ |
رمزي | : | لا أتذكر أننا التقينا، لعله كان حلماً. |
ظلال | : | وأنا أيضاً..لعله كان حلماً |
رمزي | : | حلم مشترك. |
ظلال | : | ربما.. حلم مشترك. |
رمزي | : | ما ذا تنتظرين؟ |
ظلال | : | سيارة عابرة تقلني إلى الميناء. |
رمزي | : | مسافرة؟ |
ظلال | : | أجل.. وأنت؟ |
رمزي | : | عائد إلى الجامعة… هل نترافق في الطريق قليلاً؟ |
ظلال | : | طريقي في هذا الاتجاه. |
رمزي | : | إذن آسف..طريقي كما ترين في الاتجاه المعاكس.. وداعاً |
ظلال | : | وداعاً. |
رمزي | : | (يسير خطوة ويلتفت) آه تذكرت، كان حلما جميلاً .. غابة وأمطار غزيرة ونحن مبللان تماما. |
ظلال | : | أجل..وليل وقمر شاحب.. الحياة حلم |
رمزي | : | الحياة حلم.. صحيح.. وداعاً. |
ظلال | : | وداعاً. |
(يتابع السير وظلال تتابعه بنظراتها) | ||
– ستارة النهاية – |
حلب –سورية
8/آب/ 2020
19/ذي الحجة/1441
*المتصوف سلطان إبراهيم بن أدهم
* رواية دوريان جراي/ أوسكار وايلد