حصريا.. ننشر .. “عالم افتراضي” نص مسرحي للكاتبة سحر الشامي
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
عالم افتراضي
مسرحية في فصل واحد
تأليف .. سحر الشامي
شخوص المسرحية :
سلمان : شاب حالم .
جابر : شاب لديه روح السخرية .
المشهد الأول :
( الوقت ليلا ، المكان شارع ، على الأرض يجلس شابان بملابس بسيطة وبجانب كليهما سلاح ، خلفهما صف من الدكاكين .. تطفأ الأنوار )
– سلمان : (بغضب) اللعنة .
– جابر : أقسم إن البركات تتنزل كما المطر .
– سلمان : بركات الشياطين .
– جابر : تشتتت الرؤية أمام عيني .
– سلمان : وأنا ، فجأة ، لم أعد أعلم أي شيء .
– جابر : وماذا تريد أن تعلم . نحن الآن في المحنة الكبرى .. هذا الظلام اللعين المفتعل .
– سلمان : ماذا أقول ..
– جابر : قل : كلامك صحيح .
– سلمان : كلامك غير صحيح .
– جابر : كيف ؟
– سلمان : ماقولك لو أني شتّت هذا الظلام؟
– جابر : أيها الحالم ، لا تعقدها .
– سلمان : (مع صوت موسيقى هادئة يغمض عينيه) .. أترى ما أراه ؟
– جابر : ما عدا سواد الليل .. لا أرى شيئا .
– سلمان : هذه الزهرة .
– جابر : ( بسخرية) .. الزهرة السوداء ؟
– سلمان : والشجرة .
– جابر : الشجرة السوداء ؟
– سلمان : واشعة الشمس التي تشبه باقة من ورود قرمزية .
– جابر : أجل .. باقة من ورود قرمزية سوداء !
– سلمان : كم أتمنى اللا تتلاشى .
– جابر : الظلام المفتعل أقوى من كل أحلامك .
– سلمان : ولكن انا لا أحلم . انظر إلي . إنني يقض تماماً .. انا موجود ، وأتكلم معك .
– جابر : أنت موجود ، وتتكلم عما لا أراه
– سلمان : بربك !؟
– جابر : (يحتج) بربك انت .. أفي هذا الظلام : زهرة وشجرة واشعة شمس مثل باقة ورود .. ماذا ؟
– سلمان : قرمزية .
– جابر : عفواً .. قرمزية .. قرمزية .. (صمت) هل تصر على أن أشعة الشمس كباقة ورود قرمزية ؟
– سلمان : دون شك . حيث إني أراها .
– جابر : في احلامك .
– سلمان : (بغضب) أنت تستفزني .
– جابر : أقسم أن لساني كاد ينطقها .
– سلمان : هل تحتج على حريتي ؟
– جابر : ليتني احتج على سمعي . ولكن لا حيلة لدي .
– سلمان : انت تكرهني .
– جابر : انا أكره نفسي عند سماعك .
– سلمان : تكرهني لأنك لا تصدقني .
– جابر : أي مجنون يسمعك . يشفى من جنونه فى الحال ويردد : هراء .. هراء .. هراء .
– سلمان : كم انت ثائر ، وأحسب انك بعد ثوانٍ معدودة ستعلن الانتقام … (القاء مباشر) : حسنا ، حذف الزهرة ، وكذلك الشجرة ، واشعة الشمس ال ..ال ..
– جابر : (بابتسامة صفراء)القرمزية !
– سلمان : لقد نسيت .
– جابر : (بدهاء)… هل نسيت شيئا تراه؟
– سلمان : أعتقد اني بدأت أفقد ذلك اللون .
– جابر : هل حل الغروب ؟
– سلمان : (بعد تأمل) الآن .. حذف الكل .
– جابر : (يتحسس ذراعه).. الآن أنت حاضر بعظمك و هههه.. عظمك .
– سلمان : مع ذلك ، لا أشعر بحضوري كلياً .
– جابر : مالذي تقصده ؟
– سلمان : ( يقوم بإشعال فانوس) حضوري رهن الاعتقال دائما .. أشعر بنفسي أحياناً .. لكني افقدها أحياناً
– جابر : تفقدها أم تفتقدها؟
– سلمان : أفقدها .. لدرجة أني أسعى للبحث عنها .
– جابر : في أين ؟
– سلمان : (بحماس) في الف أين وأين ، والف زقاق وزقاق ، وألف قصر وقصر ، والف متاهة ومتاهة .. متاهات متاهات .. متاهات .
– جابر : (في محاولة للتهدئة) . لنعود إلى الحديث عن الزهرة والشجرة و ..
– سلمان : قلت لك اني قمت بحذف الكل ، فلا زهرة ولا شجرة ولا شمس .
– جابر : حسافة .
– سلمان : هلّا أكمل؟
– جابر : حسناً ، تفضل .
– سلمان : متاهات .. متاهات.. متاهات ..
– جابر : هل ستعدها؟
سلمان : بل إن بأستطاعتي أن اقيس مساحات كل تلك المتاهات .
– جابر : (يمسك يده ويتوسل) بالله عليك ، لا تفعل .
– سلمان : (تأمل) ما أن اصل نهاية تلك المتاهات وألقي القبض على نفسي .. حينها. . أشعر بالذنب.. بالاثم .. الخطيئة التي يكون عقوبتها الموت .
– جابر : يارب دخيلك .
– سلمان : تتوسل إلي أن احررها .. اتوسل اليها أن لا تفقدني القرار .. تتوسل الي أن أترك لها القرار .. اتوسل إليها أن تدرأ عني الدمار تجيب أن في قرارها خير مدرار وسؤدد ومنار .. انذرها أن في نهاية المطاف سيعتلي الدمار ، فتجيب أن الدمار هو .. اللاتختار .
– جابر : (بصوت عال).. ليُسكت أحدكم هذا الثرثااار ..
– سلمان : ( بعد صمت).. قادتني في طريق كثيف الأشجار ، وادخلتني قصر فخم فيه وجوه كالاقمار . قدمتني نفسي إليهم عرفتني بهم .. أحبوني .. أحببتهم . حاوروني . حاورتهم .. توددوا إلي .. توددت إليهم .. وجهوا لي طلب صداقة .. ترددت .. سبقني اصبعي .. ضغط على زر “موافق” .. قرأت على وجوههم ” شكرا على قبول الصداقة ” ترددت مرة أخرى .. سبقتني نفسي : “يشرفني”
– جابر : (معلناً) “سلمان في بلاد العجائب”
المشهد الثاني :
(نفس الأجواء .. جابر يحظر الشاي)
– جابر : (وهو يتناول الشاي) كيف وجدت ذلك العالم ؟
– سلمان : (يشرب الشاي متأملا) وجدته عالم جميل . كل شيء فيه بالمجان ! هناك لا يعد الكبرياء خطيئة ! الزمن لا يحدد أفعالي . بل أنا من يحدد الزمن .. الزمن لعبة بين يدي .. وأي شيء هناك .. وأي أمر يكون لعبة ، وأكون حتماً سيدهااا .
– جابر : (يرفع يديه) دخيلك يا سيد سلمان .
– سلمان : هناك لا شيء بالإكراه ؛ العائلة المملة . الفقر الممل . الصيف الممل . الشتاء الممل . الوجوه القبيحة المملة ، والوجوه الجميلة المملة .
– جابر : (بهدوء) صديقك أبو جعفر الممل .. قميصك المهترئ من تكرار الخياطة .. بنطالك الذي لا يلائم قميصك المهترئ من تكرار الخياطة .. وحذاءك الممل ، الذي يعرفه كل اسكافي ، لدرجة انك لو سألت أحدهم عن رقمه ، يجيب : اثنان وأربعون !
– سلمان : أكمل : الذي .. ؟!
– جابر : ( مسعفا).. الذي لا يلامس بنطالك ، الذي لا يلائم قميصك المهترئ من تكرار الخياطة .
– سلمان : انت دائما من يفهمني .
– جابر : هذا من فقري .
– سلمان : هناك .. أفترض ما يريحني من أحداث .
– جابر : هل يوجد فتيات؟
– سلمان : وفاتنات .
– جابر : عدني بواحدة منهن .. ألم تقل أن كل شيء هناك بالمجان ؟
– سلمان : مستحيل (بغرور) فأنا المنتمي الأوحد . فحين أتأمل ذلك العالم . تتحرر كل حاسة من حواسي ، فأرى واتسمع واتكبر .. وأتجبر إذا شئت .
جابر : (بصوت عال) أيها الزعييم !
– سلمان : أحيانا ، تأخذني أفكار مطلقة ، لا متناهية .. تفتح لي أبوابا لم احلم يوما أن اطرقها في الواقع الآني ، بل وحتى كل أوان .
– جابر : أي أبواب ؟
– سلمان : أبواب ..مثلا ، أتسّمع عند اعتابها صوت حلم الطفولة الملائكي ، فتراني أدخل ليتحقق حلمي في تلك القاعة الكبيرة ، حيث يفتتح كرنفال العشق على أنغام رائعتها ( موسيقى “ليالي الأنس في فيينا” ، يهيم سلمان ويغمض عينيه ويرقص على النغم بانسيابية الجمهور)
– جابر : (يطرق كفيه) إنوخذنا .
(سلمان مستمر في رقصه على رائعة اسمهان ) .
– جابر : سلمان ، سلمان ، من يراك الآن سيقول عنك مجنون .
– سلمان : ( يفتح عينيه) ماذا .. حقا سيقول عني مجنون ، ولكني غير آبه .. فالجنون عندي فنون ، وبالفنون .. أنا مفتوووون (ضحكة عالية) .
– جابر : (يناوله قدح ماء ويصيح) اشرب الماء .. صحتوون .
– سلمان :(يشرب الماء) شكرا .
– جابر : اذن فقد كنت في فيينا توا!؟
– سلمان : اه .. نعم كنت اهيم مع “اسمى..هان ” عشقي الذي لا يضام ، وهي تغني (يحاول أن يبدأ بالغناء ولكن جابر يقاطعه) .
– جابر : ( مقاطعا) أرجوك ، لقد سمعت صوتك من قبل ، ولا أظن أنك تجيد الغناء يا صديقي ، بصراحة .. فأنا لا اتخيلك تغني هذه الأغنية (يكلم نفسه) لو كانت اسمهان حية لاعتزلت في الحال .
– سلمان : (مبتسما) كم انا محظوظ ياجابر ، فأنا أشعر أني أمارس حياتي الإفتراضية بإحترافية يعجز عنها كل الواهمون .
– جابر : (يبتسم مجبرا) وأنا أيضا محظوظ ، لإني أمارس مهامي كمستمع ، باحترافية يعجز عنها كل الصابرون .
– سلمان : (ينظر إليه شزرا) .
– جابر : (محاولا تهدئته) حدثني عن فيينا ، كيف وجدتها ؟
– سلمان : (يتمدد على الأرض) أنا لا اخوض في شوارع فينا ، ولا يهمني انتمائي إلى مكان آخر في العالم ، أنا فقط احاور جمال صوت ” اسمى .. هان” وصورتها . ( موسيقى الأغنية من جديد) أنا ورغم أني “أنا” و “هناك” إلا أني أجد نفسي مأخوذا في التعاطف مع حسنها وجمالها .. لا ابيح لنفسي مجاراتها ، أو تذليل الصعاب لوصلها .. (بحزم) أنا من حرّمت ذلك على نفسي .. فشعوري نحوها أنها “ملائكية” اذنت لنفسي أن أظل منزويا عنها ، أقتات على طبع قبلة على أطراف أصابعها .. وأنا أنحني بكل جوارحي وأقول : فأين الشمس من عينيك والأقمار :
– جابر : (يغني) ياستااار .. ياستااار .
– سلمان : فتبتسم بكبرياء ..ثم ترحل .
– جابر : تجعلها ترحل يامجنون !؟
– سلمان : نعم ، أجعلها ترحل .
– جابر : والله عندك صبر .
– سلمان : كلا ، ليس صبرا ، إنها القداسة يا صديقي .. قداسة تشعرني بأني رجل ولست متنمر .
– جابر : آها ، ترفض أن تكون متنمرا . همم (صمت ، يدخن سيكارة ) قلت توا ، أن الإنتماء إلى مكان آخر لا يهمك !؟
– سلمان : (يتناول ماتبقى من الشاي) على فكرة ، لم يخطر ببالي يوما أن اغير انتمائي الأرضي ، إنه كمال حاضر في داخلي ..كآية في التنزيل .. سر قد حوى سره .
– جابر : حتى في فيينا ومع (يتنفس بعمق) أسمى .. هااان ؟
– سلمان : نعم ، قلت لك أني اقتات على عالمي الإفتراضي لتعويض كل نقص .. لا أجد نقصا في انتمائي لوطني .. ولكن ماعداه أجدني أتضائل بإستمرار .
– جابر : ( يخرج بعض الرسائل) لا الومك ،
فأنا أيضا أقتات على ذكريات عشق ماضية .
– سلمان : (بزهو) اقرأ لي ياجابر رسائل العشق ، فأنا منصت بالدليل القاطع .
– جابر : أي دليل !؟
– سلمان : (يغمض عينيه ويسترخي ) هذا هو الدليل .
– جابر : ( وهو يفتح اول رسالة ) عزيزي ..
– سلمان : (مغمض العينين وحالم) آااه … عزيزي ، مااروعها من كلمة !
– جابر : .. اللورد روتشيلد يسرني جدا أن ابلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته …
– سلمان : (فجأة يفتح عينيه) ماذا !؟ أنت تقرأ جزءا من وعد بلفور !
– جابر : (يقلب الورقة) نعم ، هي كذلك ،(بإستهجان) البخيلة كتبت الرسالة على ظهر هذه الصفحة الملعونة . عذرا صديقي ، أها ، هذه هي ، إسمع :
نوري دق بابنا .
ماما في السوق تشتري اللحم .
نوري دق بابنا .
اختي فوزية تلعب الحبل .
نوري مازال يدق بابنا .
أمي مازالت في السوق .
نزل المطر .
رجع نوري إلى داره .
رجعت أمي من السوق .
توقف المطر .
نوري دق بابنا .
– سلمان : ( بنفاد صبر) حقا هذه رسالة عشق !؟
جابر : نعم ارسلتها حبيبتي عندما كنا صغارا .
– سلمان : كيف أحتمل .. هذا هراء ؟
– جابر : (يصيح) تحمَّل يا صديقي .. فما الصداقة إلا إحتمال ، ثم إحتمال ، ثم إحتمال .
– سلمان : خفة عقل ، وبراءة أطفال !؟
– جابر : خفة عقل !؟ براءة أطفال !؟(يفتش عن رسالة أخرى) إذن ، اسمع هذا الشعر ، كتبته لي عندما أصبحنا في الثانوية
وأحكم .. إحم ، إحم .
– سلمان : أهذه بداية الشعر ؟
– جابر : كلا ، هذه حنحنة ، اسمع :
حبيبي جابر
لابد من أن أخاطر
وقلبي فاطر
لأن الأمر بخطبتي سائر
على ما اتخذه قاهر
وما ادراك من القاهر
إنه أبي الجائر
قال لي اتركي جابر فإنه فاجر
وتزوجي من له مال وبيت عامر
فعلمت أن أبي” قافل”
هل تعلم ياجابر
من هو الخطيب الحاضر ؟
أنه نوري الذي دق بابنا !
لما كان الجو غائم ثم ماطر
قلت لك ياجابر (بغضب وصوت عال)
نوري دق بابنا !
نوري دق بابنا !
نوري دق بابنا !
– سلمان : ( بغضب) إلى جهنم هي ونوري .
– جابر : (يبكي بشكل كوميدي) مؤلم ، أليس كذلك ؟
– سلمان : مؤلم .
المشهد الثالث :
( نفس المكان ، بداية طلوع الفجر ، سلمان يدخل ومعه كعكة وحلوى وعصائر )
– سلمان : اليوم عيد مولدي ، لا أعلم كيف تذكرته ، أحيانا يكون الأمر محض صدفة !
– جابر : حلو ، (يغني)
” سنة حلوة يا سلمان ”
“سنة حلوة يا سلمان ”
” سنة حلوة يا سلوم ”
“سنة حلوة يا سلمان ”
(ينفخ جابر فيطفئ شعلة الفانوس )
– سلمان : ماذا فعلت !؟ هل تحسبها شمعة عيد الميلاد !؟
– جابر : (ببرود مع إشارة إلى الأعلى) لا ، أحسب الفجر قد لاح .
– سلمان : (متحيرا) لم تتأخر مرة في إنقاذ نفسك .
– جابر : ولن !! (وهو يأكل) في عالمك الخاص المفترض ، هل تلتزم ببعض القواعد او الأخلاق ؟
– سلمان : الأخلاق هناك لا تبدو لي لزاماً .. وبالتالي لا يمكنني الاحساس بالواجب .
– جابر : هممم .
– سلمان : هناك اصطحب معي هويتي الوحيدة : جنسي .. شكلي .. اسمي .
– جابر : فقط ؟
– سلمان : فقط .
– جابر : حقاً؟
– سلمان : حقاً .
– جابر : وماذا عن هنا ؟
– سلمان : أنا هنا مقيد بورقة انسخها ألف مرة لكي ترمى في القمامة ..
– جابر : وماذا عن هناك ؟
– سلمان : هناك .. وما أروع الحديث عن هناك .. انا كائن فوق بشري لا يطاله العلم ولا العقل .
– جابر : وماذا عن هنا ؟
– سلمان : هنا الأنا الأمارة بالسوء تقيدني .. تعبث بي .. تستهلكني في دهاليز الواقع المظلم .
– جابر : ( تحلو له لعبة الحوار) .. وماذا عن هناك ؟
– سلمان : (يبتسم) . هناك نظام إجتماعي بلا شك ، ولكن لا توجد سلطة تقوم بالجزاء !
– جابر : وماذا عن هنا ؟
– سلمان : (يتأوه ) أتمنى لو أن الله يأذن لأمثالنا بالانتحار .
– جابر : وماذا عن هناك ؟
– سلمان : هناك.. نموذج من نماذج الفردوس بغير حساب .
– جابر : وماذا عن هنا؟
– سلمان : (باستهزاء).. هنا .. كل شيء يؤدي بك إلى التراجع .. الصحة تتراجع .. العائلة تتراجع .. الأجر يتراجع .. الهمة تتراجع .. والشباب يتراجع .
– جابر : expire
– سلمان : إن شئت ، فعملية الدخول بسيطة مثل تقنية الهاتف الذكي : تحديث . تثبيت ثم .. تم .
– جابر : حلو !! اعمل لي إشارة .. تاك .. تاك !
– سلمان : ( بعد تأمل) يقولون لا يمكن الإشارة إليك لأنك فارغ المحتوى !
– جابر : طيب ، فعّل زر المشاركة ، لكي أرى ماتراه ، وأسمع ماتسمع … وههههه وأفعل ماتفعل ؟
– سلمان : ( بعد تأمل) يقولون أنه لا يمكن تفعيل زر المشاركة طالما أنك لست في قائمة الأصدقاء !
– جابر : سهلة .. اطلب منهم أن يرسلوا لي طلب صداقة .. هيا .. هيا .
– سلمان : (بعد تأمل) يقولون إن طلبات الصداقة لديهم وصلت الحد الأقصى .
– جابر : ياوالحظ .
– سلمان : (يتأمل) ششش .. صمتا .
– جابر : (يقترب من سلمان ويحاول أن ينصت ) ماذا ؟ .. ماذا يقولون ؟
– سلمان : يقولون أن بإمكانك إرسال إعجابك وتعليقاتك فقط ، ويعتذرون عن تحميل الصور !
– جابر : (باحتجاج ) يعني بس اكابلك واكعد .
– سلمان : (ينهي شرب العصير) بالضبط .
– جابر : إذا ، تكلم عن عالمك .. على الاقل نقتل هذه الساعات المقيتة .
– سلمان : (يقف) عندما أكون هناك ، فإني اقول للشيء كن فيكون .. إذا أعجبتني سيارة ، مثلاً (يطق اصبعه) اقودها في الحال ، وإن رأيت بيتا جميلاً (يطق اصبعه) اسكنه في الحال . ولو بادرت إلى ذهني فكرة شركة كبيرة(يطق اصبعه) أصبح مديرها ..في الحال .
– جابر : (يطق اصبعه في الهواء مع كل كلمة ). . سيارة .. بيت .. شركة .. سيارة .. بيت شركة .. سيارة .. بيت .. شركة .
– سلمان : وهكذا صار عالمي الجديد جزء مني ، بل وجدته كلّي ، أقتات عليه .. أرتوي منه ، كلما اختليت عن سائر البشر .. أهيم مع نفسي .. (يصيح) لأكون في لحظة : جاري الإرساااال .
– جابر : أو قد لا تكون ! هل هذا معقول ؟
– سلمان : نعم ، معقول .. مثلا ، إن طرق أحد باب غرفتي . أجدني اختفي فجأة .. اراجع أحداث حياتي الآنية اللعينة .. أستعد للعودة إليها ، أو إنها من تعيدني إليها بلا إختيار .. بلا استئذان .. بالإكراه .. (بحزن) حينها أعود حزيناً. . محبطا. . معصور الفؤاد .. وسقيم .
– جابر : (يقلد صوت دقات الساعة وبحزن) تن .. تن .. تن..” سلمان بعد الثانية عشرة ”
– سلمان : أحيانا اتجاوز مشقة الرجوع ، وقطع حبل أفكاري الحبيبه . يحدث ذلك في أيام استراحاتي ، حين اصحو على صوت والدتي ، وهي توقضني صباحاً .
(يقلد صوت امه) :
– يمة سلمان كعدت ؟
– روح جيب صمون .
– وياك مر عالوكيل ، بلكي وزع كمية ، صار أربع أشهر ما مستلمين .
– فدوة ، وياك نفط للصوبة كهرباء من أمس ماكو .الطاقة طايحة .
– يالله يمة ، حتى تشغّل الستوتة توصل إخوانك للمدرسة .
(صمت) حينها اقول لنفسي : لقد ذهبت السكرة وحلّت الفكرة اللعينة .
( يضرب كفيه) .
– جابر : تسجيل خروج !
– سلمان : بالتأكيد .
– جابر : أين هي حياتك الحقيقية ، هنا أم هناك ؟
– سلمان : لو كانت حياتي كلها هنا لهلكت ، ولو صار عالمي هناك محضا ، لتقطعت أسباب الفكرة ، فتنعدم الحكمة .
– جابر : وأين تجد الحكمة ؟ هنا ؟
– سلمان : ……
– جابر: أم هناك ؟.. هناك ، أليس كذلك؟
– سلمان : لا أعلم ، فهناك .. أستطيع تقويم ذاتي .. تقييمها .. استنهضها من سباتها .. ألهمها أن بأستطاعتي حملها نحو أمل متجدد ، علها تجد سعادتها المغيبة .
– جابر : تلهمها أم توهمها ؟
– سلمان : وهم .. وهم .. نعم ، إنه وهم ، ولكني أصبحت سعيدا بهذا الوهم .
– جابر : تُقر بأنه وهم ، وتُقر بأنك سعيد بهذا الوهم !؟
– سلمان : إن تمسكت بالوهم فتلك مصيبة ، وإن تخليت عنه فالمصيبة أعظم .
– جابر : إذا استمر بك الحال هناك ، فستضيع حتماً .
– سلمان : وإذا أستمر الحال بي هنا .. فأنا حتماً .. سوف أستشهد .
( يدخل مجموعة من الرجال ، كل يتجه نحو دكانه ، أصوات فتح الدكاكين تمتزج مع اصوات التحايا بين الجميع ، الشابين يلملمان متاعهما ويخرجان ) .
سحر الشامي
العراق
الناصرية
Saharalshamy1974@gmail.com