مقالات ودراسات
د. بشار عليوي يكتب: ميمون الخالدي .. تكريم الصوت والإلقاء

المسرح نيوز ـ القاهرة: مقالات ودراسات
ـ
د. بشار عليوي
تُعَدْ التكريمات التي دأبَتْ عليها المهرجانات المسرحية, لحظة انفعالية ذات بُعد أنسي تُشيئ بالكثير من القيَمية بوصفها من أبرز مآلات المُمارسة المسرحية بكُليتها, لذا فالناظم لهذهِ التكريمات تُحددهُ فاعلية الذات المُكرمة والأثر البارز الذي تركتهُ داخل مُحيطها المسرحي المحلي,
ففي خطوة “مهرجان بغداد الدولي للمسرح”بدورتهِ الحالية الـ6 والمُتجسدة في أن تكون هذهِ الدورة تحمل اسم الأكاديمي والممثل المسرحي العراقي د. ميمون الخالدي, ثمةَ معانٍ ودلالات عِدّة اذا ما نحينا جانباً أنها اعتراف واضح بالجهود التراكمية الخلاقة التي بذلها جميع المُمثلون المسرحيون العراقيون وتأثيرها في المشهد المسرحي العراقي,
فإن هذهِ الخطوة هي استحقاق مُستحق لهذا الفنان الذي قدمَ الكثيرمن النتاجات المسرحية بوصفهِ واحداً من أبرز المُمثلينَ البارعينَ في المسرح العراقي على مدى سنوات طويلة.
لقد عَمِدَ د. ميمون الخالدي الى أن يُدمِجَ خبرته العملية والمهنية بشخصيتهِ الأكاديمية والمزاوجة بينها وبين جميع اشتغالاتهِ الأدائية إذ عُرِفَ عنهُ اهتمامهِ الواضح والمؤثر في تطوير عُدتهِ الصوتية كُمُمثل والاشتغال على هذا المُعطى بشكل بارز مُقارنةً بأبناء جيلهِ من المسرحيين العراقيين وفي عدة أشواط ورشوية وبحثية قطعها الخالدي خلال مسيرتهِ الفنية مما مهدَ الطريق لهُأن يبنيّ شخصيتهِ المُبتكرة كمُمثل مسرحي يُشار لهُ بالبنان مُتمكناً بشكل حَذِق من أدواتهِ الصوتية والجسدية جعلهُ من واحداً من أميزالممثلين المسرحيين العراقيين,
وقدَ تُمثلَ ذلكَ في مشروعهِ الأكاديمي الثَرْ المُتمثل بالاهتمام العلمي بموضوع “الصوت والالقاء” حينما أنجزَ أول بحث أكاديمي عن أهمية هذا الموضوع لدى الممثل وضرورة الاهتمام بهذا الجانب الحيوي من خلال رسالتهِ في الماجستير الموسومة “إشكالية الصوت والإلقاء لدى المُمثل العراقي” التي أنجزها عام 1989 في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد
إذ يُعد هذا البحث من أوائل البحوث الأكاديمية العربية التي سلطتْ الضوء على أهمية تربية الصوت والتَمَكُنْ من الإلقاء لدى الممثل المسرحي,والمُتكأ (أي البحث) على خبرة عملية للخالدي مُستقاة من مسيرتهِ المسرحية الطويلة, فضلاً عن كونهِ أولَ من درسَ مشاكل الصوت الالقاء بشكل علمي داخل المؤسسات الاكاديمية العراقية ولسنوات طويلة, ليُكملَ بعدها مشروعهِ الأكاديمي حينما أنجز اطروحتهِ في الدكتوراه الموسومة “الإلقاء في العرض المسرحي : دراسة في سيميائية الإلقاء” عام 1996 في كلية الفنونالجميلة بجامعة بغداد ليُصبحَ لميمون الخالدي ابن مدينة النجف الأشرف الريادة عراقياً وعربياً في هذا المجال,
وهذا الاهتمام من قبلهِ متأتي من رحم تجربتهِ المسرحية والفنية الخَلّاقة بوصفهِ مُمثلاَ مسرحياً بارعاً اكتشفهُ أستاذهُ الفنان المسرحي الراحل “مهدي سميسم” الذي أشركهُ في العديد من المسرحيات المدرسية فحققَ فيها نجاحات عديدة حينما كانَ طالباً ليدفعهُ شغفه بعالم المسرح لإكمال دراستهِ الفنية في بغداد,
وقد عملَ الخالدي مُمثلاً في عديد المسلسلات الاذاعية والتلفزيونية كأحد نجوم الدراما العراقية كما شاركَ في العديد الأفلام السينمائية, وحازَ على العديد من الجوائز المسرحية كمُمثل متميز وقادر على أداء مختلف الشخصيات المنوطةَ به.
لقد قُيظَ لي أن أتابعَ الخالدي مؤدياً في عدة عروض مسرحية عراقية متميزة فحضورهِ البارز في مسرحية “مُكاشفات” تأليف : قاسم محمد اخراج : غانم حميد بمعية القديرة د. شذى عبرَ تقديمهِ لشخصية (الحجاج), يُعَدّ نموذجاً مُتقدماًفي تَمَكُنْ الممثل من جميع أدواتهِ الأدائية, وكانَأخر أدوارهِ المسرحية التي قدمها في العرض المسرحي الملحمي “قيامة الأرض” مُستثمراً أقصى تبديات منظومتهِ الصوتية المميزة في أداء لافت لدور (الراوي).
ويُحسب لميمون الخالدي أنهُ قد عاصرَ عدة أجيال مسرحية عراقية منها جيل الرواد أمثال (سامي عبد الحميد/ جعفر السعدي/يوسف العاني/أسعد عبد الرزاق/قاسم محمد… وغيرهم) فضلاً عن جيل السبعينيات والثمانينات, وقد عملَ مع أغلبهم مُقدماً أدواراً مسرحية خالدة في ذاكرة المسرح العراقي منها دورهِ في مسرحية “بير وشناشيل” أخراج الراحل عوني كرومي والتي حازَ من خلالها على جائزة أفضل ممثل, وكذلكَ دورهِ في مسرحية “سيدرا” أخراج الراحل فاضل خليل, فضلاً عن أدوارهِ المتميزة في مسرحيات عديدة منها “حريق البنفسج” اخراج حيدر منعثر ومسرحية “مكاشفات” اخراج غانم حميد … وغيرها,
إذ يُحسب للخالدي أنهُ ما مازالَ متواصلاً في عطائهِ المسرحي حتى اليوم مما يجعل تكريمهُ في بغداد الدولي للمسرح تتويجاً لمشوار مسرحي متميز لفنان عراقي مبدع وهوَ تكريم قد صادفَ أهله.
المصدر: جريدة الصباح العراقية



