د. جبار خماط يكتب: التمثيل والفعل الاتصالي!
المسرح نيوز ـ القاهرة| مفالات ودراسات
ـ
د. جبار حماط*
ناقد و أكاديمي عراقيان الاتصال مقوم من مقومات الوجود البشري، يعمل بشكل ديناميكي، داخل الكيان الاجتماعي، مما يخضع تنظيمه الداخلي إلى تبادل المعلومات والمشاعر بين الأفراد، فالإنسان كائن يعيش على اتصال مستمر مع العالم الخارجي، عن طريق حواسه ويستجيب للمنبهات الخارجية بوساطة جهازه العصبي الذي يقوم بفحص المعلومات الواردة وخلق ما يعرف بالاستجابة. والاتصال أيضا يمثل ضرورة أساسية لسلوك الفرد وتوافقه مع المجتمع الإنساني، وذلك لما يقوم به من نقل نياته ورغباته وأفكاره منه والى الأفراد الذين يكونون معه المركب الاجتماعي. يذكر لنا (( ناثان نوبلر)) في كتابه ( حوار الرؤية ، ص 45) ان الرغبة بالاتصال تكمن في احساس الناس المشترك بالعالم المحيط بهم مباشرة.
وهذا يعني أن الاتصال فعل ضروري يرتبط بمفهوم ( العملية ) التي هي تغير مستمر لأي ظاهرة خلال زمن معين ( جيهان محمد رشتي، 50) ولهذا تمتاز عملية الاتصال بالحركة المتبادلة بين الأفراد، والتي يراد منها الوصول إلى هدف ما او إشباع حاجة معينة . واذا تواصلنا مع الفعل الاجتماعي الذي في جوهره فعل اتصالي ، فإننا نجده- مثلما يبينه هربرت ميد- العلاقة بين شخصين او اكثر يوجد بينهما تقسيم للعمل ( قيس النوري ، النظريات الاجتماعية ،ص 410) ولو رجعنا إلى فن التمثيل، وجدناه عملية اتصالية ، تقوم على الاستجابة المركبة ، لا تاخذ صفة الاستمرار والفاعلية والتأثير إلا بوجود وقود يساعد على إشتغالها على نحو مستقر. ويقصد بالوقود ، المعلومات، الواردة من النص اولا ، والمعالجة الإخراجية، وفهم الممثلين للنظام الادائي الداخلي للعرض ، وأمتلاك الممثل للمعلومات ، يعني المساعدة في إيجاد الاستجابة الادائية المسرحية الفاعلة التأثير. لان المبدأ الفاعل في الاتصال الفعال يقوم على فرضية ” من يمتلك المعلومات هو الأقوى ” ( مصطفى حجازي ، الاتصال الفعال في العلاقات الإنسانية، ص 50)
فالمعلومات المسرحية، الحركية والسمعية والبصرية ، تمثل جسد رسالة العرض ، الذي ينتقل عبر قنواته البشرية والمادية، بين المرسل ، االعرض المسرحي / والجمهور ، بشكل يصنع دائرة اتصال فاعلة . لقد استعمل ( الاتصال ) اولا في مجال الهندسة ، ومما يدل ذلك كثرة المصطلحات المستعملة في علم الهندسة والمواصلات والتي تستعمل في ( الاتصال ) مثل التغذية المرتدة( Feed back) والشبكة( Network) والرسالة ( Message) والمرسل ( Sender) والمتصل به او المستقبل( Receiver )وتسعى وهذه المفاهيم مجتمعة الى تحقيق الفاعلية الاتصالية من خلال توافر بعض الأمور التي تنحصر بنقل المعلومات بطريقة مناسبة للطرف الآخر اولا ، وفهم المعلومات بطريقة مناسبة من قبل الطرف الآخر ثانيا، وبقبول المعلومات بطريقة مناسبة من الطرف الآخر ثالثا. ويلاحظ ، ان الاتصال يتخذ بشكل عام أنواعا عدة هي :
1- الاتصال الذاتي: أي الاتصال بين الفرد وذاته، وهو يمثل الشعور والوعي والوجدان والعمليات النفسية والداخلية .
2- الاتصال الشخصي: وهو القائم بين فرد واخر ، وهنا يعاني الاتصال من فقدان بعض المعلومات .
3- الاتصال من مصدر واحد إلى عدة ملايين ، كما يحدث في أجهزة الإعلام السمعية والمرئية، أو بين الملايين والمصدر، كما يحدث عند التصويت في الانتخابات.
4- الاتصال الثقافي: حيث تتفاعل البيئة الثقافية في شكل عمليات اجتماعية ، تتنوع فيها المعلومات والمؤثرات ووسائل الاتصال الجماهيرية وادوارها المعقدة . بعد هذا العرض لمفهوم الاتصال بوصفه عملية ديناميكية، كيف يمكن فهم فن التمثيل بوصفه فعل اتصالي ، يمكن التواصل والفائدة من الأنواع الاتصالية ، ويمكن المقاربة مع الأنواع( 1، 2، 4) المذكورة أعلاه، لان الاتصال التمثيلي، يبدأ باتصال الممثل مع نفسه ، التخيل والتركيز والاحساس بالحركة والصوت / اللغة ) والاتصال مع الممثل الآخر ضمن الوحدة الادائية على خشبة المسرح. والاتصال المركب وهو اتصال الممثل مع البيئة المسرحية الذي يكون الجمهور – في بعض العروض – شريكا وفاعلا في الاتصال التمثيلي .
ويمكن إجمال السمات المشتركة لطبيعة الاتصال التمثيلي بأنه مسبب ، لابد من أسباب لمزاولته .ومدفوع حيث يرتبط بالمواقع، واتصال موجه، نظرا لتوجيهه- مسرحيا- باتجاه هدف معين . وحركي نظرا الاستمرارية في مزاولته على خشبة المسرح ، واجتماعي ، نظرا لارتباطه بالسلوك الإنساني ، وتفاعلي ، نظرا لعلاقات التداخل والتأثير والتأثر خلال العرض المسرحي ، ونوعي ، نظرا لاختلاف أنواعه وصوره في العرض المسرحي.
وبغية الاقتراب من مفهوم الاتصال التمثيلي والاستجابة، هنالك ثنائية منفصلة الطابع متصلة التأثير، فما هو نظري / النص يفتح ويقود العملي / العرض المسرحي بمكوناته البشرية والمادية ، فالفكرة المتحكمة بالنص هي الطاقة الأولية التي تأخذ لدى الممثل شكل المعرفة القبلية الأداء / الارتجال او على هيئة تراكم من الخبرات الادائية السابقة، التي تعيش في التاريخ الطويل لأساليب فن الأداء التمثيلي .