سينما وتليفزيون
د. خالد عاشور يكتب: ثلاثية فلسفة الوجود.. بين داود عبد السيد ونجيب محفوظ.
المسرح نيوز ـ القاهرة| سينما وتليفزيون
ـ
د. خالد عاشور
في كل اللقاءات التي قابلت فيها أستاذنا داود عبد السيد او اللقاءات التلفزيونية التي أجريت معه لم يدّعي الفلسفة في أفلامه.. غير ان الحقيقة هي إنه تحول إلى فيلسوف السينما المصرية بلا منازع.. واذا كان استاذنا نجيب محفوظ في ثلاثيته الخاصة بالوجودية في أفلام “اللص والكلاب والطريق والسمان والخريف”
فإن داود عبد السيد لديه ثلاثية لا تقل امتاعاً في فلسفة الوجود وصراع الأنسان مع نفسه أولا ثم مع محيطه ثانياً انتهاءاً بوجوده ورؤيته لهذا الصراع في ثلاثيته الأكثر جمالا والتي بدأها بـ”أرض الخوف 2000″ ثم “رسائل البحر 2010” حتى تحفته الأخيرة “قدرات غير عادية 2015” ..
وكما كانت معظم فلسفة نجيب محفوظ في كتباته الروائية والتي تحولت الى السينما فيما بعد تدور حول صراع الأنسان منا بين ” الهو والأنا والأنا العليا” أو كما لخصها علم النفس بداية من فرويد بأن شخصية الأنسان مكونة من ثلاثة أنظمة متضافرة هي “الهو” و”الأنا” و”الأنا الأعلى”.. وإن شخصية كل واحد فينا هي حصيلة التفاعل بين هذه الأنظمة الثلاثة.
تفاحة آدم.. وتفاحة داود عبد السيد
التفاح من أشهر أنواع الفاكهة في الأديان والأساطير القديمة، ولدى الأنسان مفاهيم مختلفة عنه.. فهو رمز الخطيئة والطرد والحب والحرب والحيرة والخلود والجمال في ذات الوقت بداية من تفاحة ادم الى حرب طروادة في الأساطير اليونانية مرورا بتفاحة نيوتن و”أبل” وحتى داود عبد السيد في افلامه الثلاثة.
فبداية التفاحة مع “يحيي المنقبادي” في أرض الخوف.. تفاح يحمله ثلاثة اطفال وكأنهما اسقاط على ثلاثية النفس البشرية “الهو والأنا والأنا الأعلى”.. قبل يحيي المنقبادي المهمة بالنزول الى ارض الخوف.. وتعلق بوهم الأنا الأعلى مرورا بصراع الأنا حتى انغماسه في الهو ليكتشف وهم المهمة ووهم الرسالة.. وكأنه اسقاط آخر على وهم الأله الذي تبعثه رسائل الأديان المتصارعة فيما بينها على ارض الخوف.. من صاحب الرسالة الأصح بينها جميعا.. أم انها جميعا مجرد وهم صنعه “الأنا الأعلى” ليوازن به او يهرب منه في صراعه مع “الهو” وا”لأنا”.
ذهب الى ذات التفاحة ورمزية الحيرة مع يحيي آخر في فيلم رسائل البحر.. رسائل البحر والحياة.. الحياة كبحر والأنسان مجرد سمكة صغيرة بين اسماك وحيتان آخرين.. مفترس.. أو مفتَرس.. مركب على سطح البحر أحيانا تمتلك مجداف.. وكثيرا ما تفقده.
أما في اخر افلامه التي اكمل بها ثلاثيته الوجودية.. مع ان افلام داود عبد السيد التسعة الطويلة تعتبر فيلما واحدا ومشروعا واحدا برؤى مختلفة كما يبدو الضوء ابيض ولكن اذا ما وضع امامه منشور تبين انه سبعة الوان متضافرة في لون واحد.
في فيلم قدرات غير عادية ظهرت تفاحة اخرى من تفاحات داود عبد السيد ومع يحيي آخر واخير.. صراع الأنسان مع الطبيعة وبحثه عن القدرات الغير عادية لدى الغير.. لنتبين ان القدرات غير العادية هي ان لا تكون جزء من الأشخاص العادية.. ان لا تكون مع القطيع.. فالقطيع هم العاديون.. أما صاحب القدرات العادية هو من يختلف او يفكر.. ولو ان الأنسان بطبيعته مقتنع انه اعقل واكثر فهما من الجميع.. ولو خيرت انسان بين اي شئ وعقله لن يعجبه شئ سوى عقله لن يرضى عن سواه وتخيله انه الأذكى والأقوى والأفهم.. القدرات الغير عادية ببساطة ان تختلف.. فقط ان تكون حرا مبتعدا عن القطيع.