رسائل الى الله .. مسرحية مونودراما للأطفال.. تأليف: الكاتب عمار سيف
المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طقل
ـ
مسرحية مونودراما للأطفال
رسائل الى الله
تأليف
عمار سيف
الناصرية – تموز / 2017
ammarsaef@hotmail.com
الشخصيات
طفل
عمر 10 – 16
(يكون ذكي واعي مرن )
المنظر
باحةُ بيتٍ فيها اثاثٌ بسيطٌ من ضمنه كرسيٌ وشاشةٌ في عمقِ وسطِ المسرح وصندوقٌ اشبهُ بمحرابٍ يقعُ في عمقِ يسارِ المسرحِ ، يملى المكانَ ببالوناتٍ ملونةٍ وسط المسرح
( أصواتٌ متداخلةٌ من خارج المسرح لأطفالٍ تبيعُ الكلينكس واكياساً لحملِ الخضار والمناديل وأيضا لبيع البالونات ، نسمعُ صوتَ انفجارٍ ، تكسر الزجاج ومن ثم أصوات الإسعاف وسيارات مطافئ تتعالى حتى تبتعدَ وتختفي يعمُ الهدوء لثوانٍ بالمسرح ثم صوت موسيقى صاخبة مخيفة يدخل طفل عمره 10 – 16 عاما مرتبكاَ خائفاَ ملابسه ممزقةٌ رثةٌ غير مرتبهٍ قائلا )
الطفل
اينَ انا ؟ اين .. اين ( يحاولُ استعادةَ ذاكرتهَ متأملا المكانَ بحذر ) هذا بيتنا هل وصلتُ اليه أيعقلُ هذا ، لكن ما ذلك الصوتُ ..؟ هل كان رعدا ام صاعقةَ ( ينظر الى نفسه ويتحسسُ جسمَهً ) ما زلت حياَ ، نعم نعم .. انا حيٌ .. وهذه يدي.. قدمي .. ( يتحسسُ قدمَهُ ) اه .. وهذا رأسي ايضاَ.؟ منظرُ عجيبٌ .. عجيب جدا …!!
( يختبئُ خلفَ الكرسي ثم يبداُ بإخراجِ راسه شيئاَ فشيئاَ )
ما شاهدتُهُ كانَ مخيفا جدا .. لن اخرجَ من البيتِ ولن اذهبَ للسوقِ سأبقى مختَبئاَ هنا من هذهِ اللحظةِ، ( يتأمل الكرسي ) لالا هذا الكرسيُ لا يحميني
( يبدا بالظهور من خلفِ الكرسي قائلا )
أووه .. ماذا اصابني انهُ انفجارٌ .. ! نعم انفجارٌ كبيرٌ ، نفسُ الصوتِ ونفسُ العصفِ ، لكن هذهِ المرة قريب مني جدا .. هزني بشدةٍ . هذه الأصواتُ اصبحت لا تفارقنا نصحو عليها ونغفو ، لكن هذه المرة كانَ مختلفاً حيثُ رأيتُ كلَ شيءٍ طائراً في السماءِ .. السياراتِ.. العرباتِ وأيضا أطفالاَ بعمري يا الهي اين اختبئ
( يبحثُ عن مكانٍ يختبئُ فيهِ ومن ثم يسقطُ على الأرضِ )
لا يوجدُ مكانٌ يجعلني لا اطيرُ اذا حصلَ ما شاهدته مرةً ثانيةً , ماذا افعلُ لابد ان اجدَ حلاَ
( وهو يفكرُ يسمعُ صوت قطٍ غاضبٍ ، يصرخُ الطفلُ خائفاَ راكضا َ)
ماما .. ماما
( يختبئُ خلفَ ستارٍ تصلح ان تكون شاشة لعرض سينمائي في عمق المسرح كأنه ا أيضا مدخلٌ الى البيتِ يبدا بإخراجِ راسهِ شيئا فشيئا وشفتاهُ ترتجفان )
الطفل
( يضحك ) يا لغبائي انه صوتُ قطتي لوسي ( ساخرا من نفسه ) أي مهزلةٍ وجبنٍ أصبحتُ بها ( يجلسُ على ركبتيه حزيناً ) أصدقائي تحولوا الى أشلاءٍ ( يرتجفُ من الخوفِ ) كنت ارنو اليهم وانا منبطحٌ في الطين ساعةَ الانفجارِ
( يمثل عمليةَ الانبطاحِ والتأملِ لأصدقائهِ الموتى ويبداُ يردد بأسمائهم وكانه معهم )
إبراهيم هل تسمعي .. يا علي اينَ انتَ اقتربْ مني .. يا عمر لا تبتعدْ .. اه منك عيسى انني افتقدُكَ ( يبكي ) اينَ رحلتم هل صعدتم الى السماءِ هناك حيثُ الطمأنينةُ والراحةُ الأبديةُ لماذا تتركوني وحيداَ لماذا .؟ هل ساراكم مرةً أخرى فالمكانُ موحشٌ بدونكم
( يبكي بصوتٍ خافتٍ واذا بصوتِ موبايله يرنُ وينقطعُ . يرمي نفسَهُ على الأرضِ )
الطفل
ما كانَ ذلكَ الصوتُ ( يتلفتُ يميناَ يساراَ يرفعُ راَسهُ مبتسماَ ) مرةً أخرى يخدعني الخوفُ . آه .. ما اجبنني انهُ صوتُ موبايلي ، ( بحزن ) بدأنا نخافُ من كلِ صوتٍ نسمعَهُ ، كيفَ لا نخافُ ونحن نذهبُ للموتِ كلما خرجنا من المنزل متجهين الى ذلك السوقِ اللعينِ كي نحظى برغيف خبز اخرَ النهار ، كلُ شيءٍ باتَ مخيفاَ ، الشوارعُ أصواتُ السياراتِ وزحمةُ البشرِ حتى زقزقة العصافير . لقد رحلتْ الطفولةُ حتى نسينا اننا أطفالٌ علينا ان نلعبَ ، أحيانا أحاول ان أتذكرَ العابَ الأطفالِ
( يحاولُ ان يتذكرَ يهز وراسه يائساَ ، ولكن سرعان ما يقول )
أصبحتْ ذاكرتنا وطفولتنا عاطلةً نمارسها حينما نشاهدُ اطفالَ الشعوبِ من خلالِ التلفاز
( يتنهد ) مرةً حاولنا ان نلعبَ كرةَ قدم بإحدى هذهِ البالوناتِ انا واصدقائي الذين رحلوا
( يأخذ بالونهَ ويبدا بممارسة لعبَ كرة القدم كانه مع أصدقائهِ قائلا )
هيا ناولني الكرةَ ، لا تكنْ انانياً وتحاول تسجيلَ الهدفِ بمفردكَ يا صديقي هيا ارمِ الكرةَ والا لن العبَ معكم هيا أرسلها لي أرسلها ، أووه لن العبَ معكم مرةَ أخرى لأننا نعلبُ للتسليةِ وليسَ للفوز
( يتركُ التخيلَ ويجلسُ على ركبتيهِ وبيدهِ البالونهُ )
ها انا الان وحدي دون أصدقائي انا البالونة نحاول ان نعيش طفولتنا بلا خوفٍ ولكن من يتركنا على حالنا ، من يجعلني اذهب الى المراجيح دون ان اسمع صوتاً يخيفُ الكبارَ قبلَ الصغارِ ، من يتركنا نجلسُ قربَ بابِ البيتِ انا واصدقائي ونلعبُ بات ( لعبة المحيبس ) دون ان نرى نساءَ ورجالَ محلتنا يركضونَ وهم يصرخونَ علينا ادخلوا الى منازلكم ربما يحصلُ انفجارٌ اخرُ، اه .. من يجعلنا نلعب ختيلان دون ان تتعرض للاختطاف مقابل فدية من المالٍ .؟ من يجعلنا.. نفرح .. نضحك .. نرقص .. بلا موت
( يجلسُ على الكرسي وفي حضنهِ بالونهٌ ينظرُ للسماءِ متخيلاً كانه يرى أصدقائه طيوراَ تحلقُ فوقَ يديرُ راسَهُ الى الأعلى بكلِ الجهاتِ مبتسماَ )
الطفل
ما هذا اني أرى أصدقائي طائرينَ ، هيه .. كيفَ طرتم .. كيفَ حلقتم في هذا الفضاءِ الشاسعِ اخبروني كيفْ .
( يعود لواقعهِ وهو ينزلُ راسَهُ للأسفلِ تفلتُ من يده البالونةٌ ينظر لها وهي تصعدُ الى اعلا حينها يقف بشكلٍ مفاجئ )
ايتها البالونةُ اذهبي الى أصدقائي وقولي لهم انني افتقدهم واحبهم اكثرَ من حبهم لي اذهبي .. اذهبي
( يتأملُ البالونةَ محلقةً وهو يدورُ حولَ الكرسي رافعاً راسَهُ للسماءِ ومن ثم يجلسُ )
كنتُ أتمنى ان امسكَها واصعدَ معها ( يشير بيدهِ نحو السماءِ ) لكن هل ستصلُ اليهم..؟ ( وهو ينهضً ) بالتأكيد ستصلُ لأنها تصعدُ الى السماءِ هناك حيثُ يتواجدُ اللهُ وهم الانَ قربَهُ ، انهم طيورٌ في الجنةِ نعم اخبرتني ماما بذلكَ اه كم احسدهم على ذلكَ ،( يفكرُ قليلاَ ) اعتقدُ انني وجدتُ فكرةً اكتبُ لهم ما اريدُ ( بفرح ) نعم سأكتبُ لهم رسالةً واضعها بشوقٍ في البالونةِ واجعلها تطيرُ .. تطير .. حتى تصل اليهم
( يحضرُ ورقةً وقلماَ من داخلِ البيت أي خلفَ الستارِ الموجودِ بعمقِ المسرح ويتقدمُ الى مقدمةِ يسارِ المسرحِ ينامُ على بطنةِ رافعا ساقيهِ الى اعلى متخيلاً في نفس اللحظة يظهر لنا تصويرُ مشهدٍ خارجي ممنتج فيه حركة أصدقائه وهم يمارسون السباحةَ في نهر ِاو مسبح يرافقُ هذا المشهدَ صوتُ الطفلِ مع اصدقائهِ وبعد انتهاءِ الفيديو السينمائي يبداُ بالكتابةِ
الطفل
أصدقائي انا بدونكم حزينٌ جدا وخائفٌ جدا كنتُ معكم احسُ بالأمانِ وذكرياتكم لا تفارقني .. أتذكرون حينَ كنا نذهب للنهرِ في الصيفِ دونَ ان نخبرَ اهلنا بذلك
( يبدأ بحركاتٍ وكانه يمارسُ السباحةَ بالنهرِ ) وكيف كنت اخيفكم حين ادعي انني غرقتُ
( يضحك بطريقةٍ مجنونةٍ وهو ينامُ على ظهرهِ ) وكيفَ كنا نسرقُ عربة “أبي جاسم” وتصعدونَ بها وادفعكم
( يمارسُ حركاتِ كانهُ يدفعُ بعربة وهو يضحكُ )
وحين احسُ بالتعبِ اجعلها تنقلبُ وتسقطونَ في الطينِ وتركضونَ خلفي تريدونَ ضربي وانا اهربُ منكم ضاحكا ( يعودُ للكتابهِ بنفسِ الطريقةِ السابقةِ ) اه كم كانت أياماَ جميلةً رغمَ انها كانتْ تغتالَ طفولتنا ولكن اوعدكم أصدقائي سأبقى ابحث عن الطفولةِ
( يغلقُ الرسالةَ ويضعها في البالونة ويتركها تطيرُ )
هي انتِ يا بالونهُ قبلي لي أصدقائي فقد نسيتُ ان اقبلَهم برسالتي ، لا تنسي ذلكَ واحداً واحداً ..ارجوك
( يجلسُ في احدى زوايا المسرح ونسمعُ موسيقى مغناة تمنحُ الطفلَ شيئاَ من القوةِ والصبرِ والإصرارِ بالاستمرارِ ، وبالوقتِ نفسه يبدو على الطفلِ بانه يفكرُ في شيءٍ مهمٍ جدا وحينَ تنتهي الاغنيةُ يقول )
الطفل
لم لا ، انا متأكدٌ من ذلكَ ، ولكن ..؟ ان لم يتحققْ ، لا اعتقدُ انها لن تصل اليه ، بل ستصل بكل تأكيدٍ ، كما وصلتْ التي قبلها ، ولكن ماذا سأكتبُ له
( ينسحبُ مفكراً خلفَ شاشةِ او قطعةٍ قماشٍ بيضاء ويسلطُ عليهِ بقعةُ ضوءٍ ليظهر لنا على شكل خيالٍ ظل جالسا على هيئة مناجاتٍ )
نعم سأكتبُ لمن لا يفارقنا ، سأكتبُ لمن هو قريبٌ لنا ، سأكتب لصاحبِ الامرِ ، سأكتبُ لمن اعتنى بأصدقائي وهم بضيافتهِ الانْ
(يخرجُ من خيالِ الظلِ مرتدياً قطعةَ قماشٍ على رأسهِ وبيدهِ مجموعةُ أوراقٍ وقلمٌ جالساً في مكانِ اشبه بمحرابٍ في عمقِ يسارِ المسرح ويسلطُ عليه بقعةُ ضوءٍ محاولاً ان يكتبَ ويتردد تتكررُ هذه العمليةَ مرتينِ او ثلاث ثم يكتب )
الطفل
إلهي اكتبُ رسالتي هذهِ من ارضٍ بلا طفولة ، لقد اغتالوها ممن خلقتهم انتَ ، وانا اعلمُ انك تعلمُ بحالنا ، وترى كل شيءٍ ، فانتَ أقربُ الينا من حبلِ الوريدِ ،
( يغلقُ الرسالةَ ويضعها داخل البالونةِ ويرميها للأعلى )
ارجوكِ يا بالونهُ لا تتأخري في ايصالهاِ فانتِ اصبحتِ ساعيَ البريدِ لنا لأنك بكل بساطةٍ تستطيعينَ الطيرانَ بدونَ طيارٍ ولا احد يستطيعُ ان يوجهك حينَ تحلقينَ الى الأعلى وتصلينَ اليهِ سبحانه من غير اذنٍ ووساطةٍ
( ينام وسطَ المسرحِ واضعاً ساقاً على ساق وهو يفكرُ مع تصاعد موسيقى مغناة كأنها موشحٌ ديني فيهِ شيء من الخشوعِ وبعدَ ان تنتهي يقفُ قائلا )
الطفل
سأكتبُ رسالةً أخرى الى اللهِ ( يبدا بالكتابةِ )
اليكَ سبحانكَ اعلمُ انكَ غفورٌ رحيمٌ ارحمنا من هذا الموت نريدُ ان نعيش اطفالاً ، نريدُ ان نلعبَ ، نريدُ ان نفرحَ ، بدونِ خوفٍ وقتلٍ وانفجار
( يضعُ الرسالةَ أيضا في البالونةِ ويتركها تطيرُ ومن ثم يقولُ )
هل سيجيبُ على رسائلي وان اجابَ كيف استلمُ الجوابَ منهُ .. كيف .. كيف ؟ اهو .. ليسَ مهماً ، المهم انها تصل .
( يرفعُ راسَهُ للسماءِ يبدا بكتابةِ رسالةٍ أخرى )
سبحانكَ انتَ في كلِ مكانِ وتسمعُ وتنظرُ لنا فأرجوك لا تتخلى عنا
( يكررُ وضعَ الرسالةِ في البالونةِ ويرميها ، وكلما يكتبُ رسالةً يفعلُ ذلكَ )
( يمارسُ كتابةَ رسالةٍ أخرى وهو جالسٌ على الكرسي )
إلهي انتَ قلت “وكرمنا بني ادم وجعلته كريماَ بينَ مخلوقاتِك ” اكرمني بطفولتي واعد لي أصدقائي
(يمارسُ الدورانَ في كلِ انحاءِ المسرحِ ممارسا كتابة رسالةٍ أخرى )
الهي الفقراءُ عيالُكَ ، اللهً ربي إن من عيالك طفلاً فقيراً يحتاجُ ان يعيشَ بلا خوفٍ
( يتجهُ يسارَ مقدمةِ المسرحِ ويكتبُ رسالةَ بخشوعٍ )
سبحانك لم اجدْ احداً اهلاً بالكتابة لهُ ، فوجدتك اهلاً لذلك كتبتُ اليكَ
( يبدا بالانتقال ببطءٍ الى يمين وسط المسرح والقلم في فمه ثم ينظرُ للأفقِ كانهُ شاهده والوالدة متذكرا حديثها ويتوجه في رسالة )
ألهى اخبرتني امي الموتى ينتقلونَ بعدَ الموتِ الى عالمٍ اخر بمشيئتك
( يجلس على ركبتيه )
ربي ما اخبارُ أصدقائي وهم قربكَ هل يلعبونَ فان ساحةَ اللعبِ التي كنا نلعبُ فيها أصبحت مغلقةً ومحاطةً بكتلٍ كونكريتية
( يضعُ هذهِ الرسائلَ كلها في بالوناتِ ويجعلها تطيرُ يتأملها ثم يتجهُ مقدمةَ مقدمة المسرح منتفضا قائلا )
لن ابقى انا وحدي اكتبُ رسائلَ الى اللهِ سأجعلُ كلَ من في هذه الأرضِ يكتبونَ رسائلَهم ويستنجدونَ بالربِ الواحدِ الاحد ، فهو وحدهُ الذي يعلمُ بمصائرنا
( يزل عن المسرح وبيده بالوناتٌ كثيرةٌ ويبدا بتوزيعِ البالوناتِ على الجمهورِ قائلا)
الطفل
هيا يا أصدقائي اكتبوا شكواكم بهذه الحياة الى الله ثبتوها على هذه البالونة ودعوها تحلقُ عاليا حتى تصلَ الى خالقِ هذا الكونِ هيا يا اصدقائي اكتبوا.. اكتبوا
( يمتلئ المكان بالبالوناتِ ومن ثم دفعةً واحدهً والجميعُ يطلقونَ البالوناتِ الى السماءِ صارخين)
رحماك ربي
( انتهت المسرحية )
الناصرية / 2017