نصوص

“كي لا نوقظ الموتى”.. نص مسرحي من فصل واحد .. للكاتب العراقي: عبد الله جدعان


المسرح نيوز ـ القاهرة ـ نصوص |تأليف : عبد الله جدعان

ـ

مسرحيه من فصل واحد
(( كي لا نوقظ الموتى ))

تأليف : عبد الله جدعان

الشخصيات :
1/ الرجل
2/ المخلوق
3/ صوت الأم
4/ صوت الزوجة
5/صوت الطفل
مجموعة الجسد :
1/ مجموعة الأشباح البيضاء
2/مجموعة الأشباح السوداء

( نسمع من خلال الإظلام موسيقى خوف وترقب ، تسلط على السايك أضاءه حمراء ثم زرقاء لنرى أسراب من طيور الغراب أو أشكالا هلامية غير محددة الملامح
وبالإمكان الاستعانة بواسطة جهاز الداتا شو لعرضها على شاشة السايك ـــ ثم يسمع اصواتا غير مفهومه ولا محدده مضخمه تأخذ بالارتفاع شيئا فشيئا )
(( تدخل مجموعة الأشباح البيضاء وهي ترتدي ثيابا بيضاء اللون طويلة ، وهي تتلوى وتتألم من هذه الأصوات المزعجة كأن احدهم يدور حول نفسه ( ويستمر ظهور أسراب الطيور ) وآخر يمسك رأسه يتفادى نقر الطيور ، آخر يتراجع حتى يمس ظهر الرابع ، آخرين يهرولون يسارا ثم يمينا دون هدى ( تختفي الطيور من السايك) . ( تبرق الاضاءه وكأنها برق مع صوت رعد يطغى على خشبة المسرح ثم تزداد ومضات البرق ونسمع أصوات هيجان أمواج البحر الممزوج بموسيقى مناسبة وكأن هذا الهيجان سيبتلع أفراد المجموعة من خلال حركاتهم ألجسديه داخل هذه الموجه القوية )
( تدخل مجموعة الأشباح السوداء وهي ترتدي ثيابا سوداء طويلة وكأنها ذئاب بشريه على أنغام موسيقى مناسبة لتحاصر مجموعة الأشباح البيضاء وتعترض طريقها بحالة تأهب وانقضاض ، دخان اصطناعي يغطي المسرح ونرى المجموعة وكأنها تسبح في بحر من الغيوم الممزوجة بأصوات أمواج البحر مع ترتيلات كوراليه ( نسميها رقصة الاستغاثة )
( المجموعة البيضاء تسقط على الأرض ثم تحاول النهوض لكنها لا تستطيع وتكرر المحاولة حتى تصبح كتله كبيره واحده ملتحمة ، يتصاعد نعيق غراب شيئا فشيئا
ثم يدورون حولهم ( هذه الرقصة تعبر عن حقد المجموعة السوداء تجاه المجموعة البيضاء وتخفت الأصوات ويسود الظلام على المسرح )
( موسيقى الناي نسمعها من خلال الظلام وتفتح الاضاءه تدريجيا فيظهر على خشبة المسرح قارب خشبي محطمه أضلاعه وقسم آخر مقلوع . دفه ( مجذاف ) محطمه وأشياء عديدة اختفت من القارب ، كما تتدلى منه بقايا شبكة صيد طويلة ( تزداد الاضاءه )
ــ نشاهد حركه بطيئة من أطراف رجل شبه عاري الجسد قد تكور على نفسه ، يحاول النهوض ، يقف بصعوبة من شدة التعب والوهن الذي بدا عليه ، يمشي مترنحا بضع خطوات قلقه نحو يمين المسرح وشماله ويقف في الوسط ينظر في كل الاتجاهات ،يحاول التذكر لكن الكلمات تضيع من فمه ، يحاول الابتسام لكنه يجهش بالبكاء وهو يتساءل :
الرجل / أين أنا ! ؟ وأين يمكن أن أكون . هل نجوت من طوفان ؟. . أم ميت ؟ !!
أفكار سوداء تملأ راسي . اليوم يعد بألف . كرامتنا مرمية على الأرض .
شبح القتل جاثم على حياتنا تداس بمخالب الغراب والخفاش . سمعت
دوي رهيب . من يسمع نداء البشر !.. من يسمع نداء الشجر!.. أبرقت
الدنيا وأرعدت ( يتصاعد وميض البرق وصوت الرعد في فضاء المسرح )
زعقت الصفارات (أصوات متداخلة ما بين صفارة إنذار ومنبه سيارات
الشرطة) زلزلت الأرض بنيران البارود ( صوت دوي وانفجارات ) سقط
الكثيرين مضرجين بالدماء( يتحسس جسده ) أين ثيابي ؟! أصبحت عاري !
أعوم في بحار من الدموع على أهلي ( يتوقف وكأنه تذكر للتو ) أين قاربي ؟!
أصبحت غريب عن هذه الأرض .(يركض هائما يسارا ثم يمينا حتى يقع بصره
على القارب ليتجه نحوه ويلتصق به يتلمسه بكل رقه وأناة ) أنني أتساءل من
يسبق من ؟ من يلحق من؟ ولماذا نحن في دوامة البارود والرحيل المتكرر،
هل أنا غريب عن جسدي .آه يا صديقي على ما يبدو أنت أيضا خجل مني
.أصبحنا نغنى فوق البارود وننام على أشلاء بعضنا . لكن عين الله لم تنم .
عالمنا مفعم برائحة الموت والحب والضياع والترحال . لهذا أبحرت بك نحو
الخلاص . صرت أشبه بالغواص الذي يدخل عوالم الأحزان باحثا عن شاطئ
الأمان لكن!..تكسر كل شيْ.
( صوت يطغى على المسرح ممزوج بصفير وأزيز ) رجل بين فكي الموت والخراب له ما يدافع عن كرامته سوى ذراعيه المفتوحتين للحياة . ( يترك القارب ، ينهض يدور في أرجاء المسرح يبحث عن مصدر الصوت ) ها هي الأصوات المرتبكة تعود لتقلقني وأنا في نوم عميق . من أنت؟ ومن تكون ؟ ( تتغير الاضاءه ثم تنحصر على بقعه واحده حول موج البحر الذي يتوسط المسرح وبالإمكان مشاهدته على السايك بواسطة الداتا شو ترافقه موسيقى )
( يخرج المخلوق وهو يتلوى)
الرجل (يبدأ بالتراجع خائفا وكأنه أبصر شيئا غريبا ومدهشا ، ثم يقف ويجمد في مكانه مترددا يتساءل ) : م…مم…..من تكون ؟!
المخلوق / مخلوق
الرجل ( يبتعد أكثر ) بل شيطان … وربما جني … أليس صحيحا ؟ من أين جئت؟
المخلوق ( يتلوى ثم يتدحرج على الأرض ويقف أثناء الكلام ) جئت من بين تلك الأمواج . نسبي ظلامي . في صورة كابوس للظلمة . كما لي جناح غراب أو قل خفاش لا يهم أيها العاري ( يتودد للرجل بثعلبيه ) اقترب .. هيا اقترب
(( تبدأ لوحه يتداخل الرجل بالمخلوق .. يلتحمان تماما .. يتحركان وكأنهما واحدا وهما يؤديان الرقصة ترافقهما موسيقى مناسبة ممزوجة بأصوات بشريه لاهثة ثم يقومان بتأدية حركات ايمائيه إيقاعيه .. الرجل يفطن إلى نفسه حتى ينسلخ عن المخلوق وهو يتلوى .. يمسك رأسه يجلس متهالكا في مكانه، تتوقف الموسيقى )
الرجل / اللعنة عليك ، لقد أفسدت عقلي ( يحتمي بالقارب ) أغويتني للولوج إلى
عالمك أيها المخلوق .. تريد أن تغير جلدتي كلا, تريد أن ارتدي جلود
الحيوانات أو جريد النخل أو الحجر يا هذا ؟ .. كلا
المخلوق ( باستهزاء ) انتم معشر البشر قبل التاريخ لم تكن لديكم غير كلمات من
مقطع واحد . حاول أن تكون أكثر تهذيبا يا هذا
الرجل ( يتألم ويختل توازنه قليلا ) صحيح .. فنحن معشر البشر قبل التاريخ كنا نحب عيشة الكهوف ونأكل لحم الماموث
المخلوق / والآن أصبح أحدكم يأكل لحم الآخر
الرجل / الحقيقة انه لا يسعني قول شيء في هذا الصدد سوى إن أنيابكم انغرست
في أجسادنا وخناجر الخفافيش انسلت في الظلام . ماذا تريدون ؟
هويتنا ! .. تاريخ يمتد ألاف الأعوام
المخلوق / الغضب كالعاصفة . همست للخفافيش أن تأخذ ساعات الليل .. فلا تصدق
التاريخ .. هذا الشيخ اللعوب .. سيقول لك : سيدي لن اكرر هذه الغلطة
مرة أخرى
الرجل /وهكذا الغرباء تكاثروا في الليل
المخلوق / لن تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك . ولن تستطيع أن
تمنعها من أن تعشعش في رأسك ( أضاءه خافته مع موسيقى مناسبة )
(( لوحه تعبيريه ـــ الرجل يعوم داخل القارب ، بينما المخلوق يتقدم وهو على رأس مجموعة الأشباح السوداء التي تزحف كالسلاحف هنا وهناك أمام القارب، يتصاعد الأنين ويحركون جذوعهم حركه موحده وهم يطلقون ألسنتهم خارج أفواههم باتجاه الرجل ))
ـــــــــــــــ أضاءه عامه ــ تخفت الموسيقى والمؤثرات ـــــ
الرجل ( يصيح بأعلى صوته ) جيوشا وفيالق . يا من ترتدون السواد .تشقون
انهارا من الدماء . تبا لكم . أغرقتم المدينة وصفحات تاريخها .
يا من تعبثون بحياتنا كيفما تشاءون
المخلوق / إذا جف البحر ترك رماله . وإذا غاب الإنسان ترك تاريخه
الرجل / هيهات أن يرجع ما فات . هيهات لا ينفع الندم على ما فات لان الحرية
هي لون الإنسان ( يبكي )
المخلوق / علام البكاء ؟ .. فالبكاء للمخانيث والمذنبين
الرجل / ما كنت مذنبا . لكنني حافظت على اسمي كما أردت أن لا أنسى طعم
تراب ارضي
المخلوق / وما جدوى الكلام بعد ما ضاعت الدنيا
الرجل / من يتعذب كثيرا يتعلم كثيرا
المخلوق /لن حياتكم مشغولة بخلافات لا أهميه لها
الرجل / انتم من أوجدها . صور شتى أمامي غارقة في الظلام وأخرى تكتنفها
أستار عاليه من الضباب . أصبحت عقولنا مشوشة بتلك الخلافات
المخلوق / لذلك تعيشون حياة بلا معنى
الرجل / من لا يعيش إلا لنفسه هو ميت بالنسبة للآخرين
المخلوق / لكن الزمن لا ينتظر أحدا .. والناس ينسون ما يفعله الزمن .
الرجل /ول خلود إلا في الحقيقة لأنها التي تبقى دائما
المخلوق / ميت ولازال راسك عنيدا يا هذا
الرجل / ويحك أيها الجني .. أتسخر مني ( يركض هائما في عدة اتجاهات غير
محدده حتى تقع عيناه على الدفة ليمسكها )
المخلوق / ماذا ستفعل ( يمسك بالدفة من نهايتها بكل قوه ) احترقت المدن
والأسماء والعناوين.. فأصبحت رماد .. ما عساك أن تفعل أيها العاري؟
هيا قل لي .تحاربني ا تحاربهم ؟ ..تأكل خبزا أم تحارب ؟.. فأنت ميت
لا محال
الرجل (محاولا أن يحرر الدفة يد المخلوق ) لكنك أبدا لن تمسك روحي ..روحي
المحلقة في الآفاق … مات الكثير دون ذنب اوسبب.. حتى الموتى
أضاعوا عظامهم .. فالدخان اخنق كل شيْ.. زعيق وصراخ ونشرات
الأخبار تدوي في جميع الأجواء .. وجود جديد ، غيروا ثيابكم وأسماؤكم..
انسوا الفعل الماضي واهتموا بالمضارع فهو الحاضر
المخلوق / لماذا الماضي ؟
الرجل /لأنه يعطينا التجربة والذكريات
المخلوق /والحاضر؟
الرجل / هو الذي يعطينا التحدي وفرحة التشبث بالحياة
المخلوق / كلام في الهواء .. الخوف أم الهزيمة .. الموت أم الحياة ..كلاهما إيقاع
لا ينقطع في سلم الوجود ( يستمر الصراع وكلاهما يمسك بالمجداف
على إيقاع قلق )
الرجل / الليل والظلام أصبح العنوان وذئاب الليل لا تخجل .. عاثت بالأرض فسادا
نبتت وكبرت الأشواك والعوسج وملأت جنباتها الغربان
( ينشد أبيات من الشعر الشعبي الدارمي ) : وشبعد ما خليت تنغط يلغراب
تنذكر ما تنشاف خليت الأحباب
المخلوق ( بحركة ليضع المجداف على رقبة الرجل ويطوقه بأحكام ) ليس هناك من
سبيل لخلاصك أيها اليائس.. فأنت مدفون تحت الرماد .. غريق بين
الأمواج ( يضحك بنشوة الانتصار ) أنت ميت لا محال
الرجل / تكتب شواهد لقبور لم تحفر بعد ( بحركة معاكسه وسريعة يتحرر من الدفة
ثم يطوق رقبة المخلوق ) يمكن أن يتحطم الإنسان ولكن لن يقهر ..
إن أمثالي لا يموتون.. قل ما يحلو لك أيها القبيح
المخلوق ( بهدوء وثعلبيه متوسلا بالرجل تحرير رقبته ) حقا فيما تقول :
قد تجد القبح في الإنسان الجميل .. وتجد الجمال يسكن في قلب إنسان
قبيح لا عجب في ذلك أليس صحيحا؟
الرجل / تقصد أن أتركك وشانك.. كل . هيهات أيها القبيح لان عالمك المخادع افسد
حياتنا .. فأصبحت مزيفه .. فرح كاذب .. دب اليأس على أحلامنا وداس
فوق لعب أطفالنا.. لم يبق لنا سوى أن يستبد بنا خوف دائم
المخلوق /أن تسقط ليس خطرا ولا معيبا أما المعيب والخطر فانه تبقى أرضا
الرجل / عندما لم يكن الحق موجود. فأي بقعه على الأرض تكون الخطيئة
مباحة بها
المخلوق /إذا أخطأت فأنت إنسان وإذا بكيت على الخطأ فأنت قديس وإذا تفاخرت
بالخطأ فأنت شيطان
الرجل / تتباهى بهذا الكلام لأنك شيطان .. اختنقت الانافي من الدخان .. وأصبحنا
كالأغصان اليابسة التي تكسرت في مهب الريح وطافت بين تلك الأمواج..
نلملم حكايات الأصدقاء الذين تحت الرماد ( يصمت للحظات ) اسمع
أنينهم.
( يبدأ صوت أنين بشري ثم يتصاعد )
المخلوق ( باستهزاء ساخرا ) هص ..لاتحدث صوتا ..كفى ..كي لا توقظ الموتى
الرجل / بل انه الخوف .. إننا نريد شرفا بالخوف من الموت . لا تسخر لان الخوف
سيظل يطوقك
المخلوق / أنا .. لست خائفا .. وأنت ؟
الرجل / أنا لست خائفا مثلك .. أتعرف لأي شيء ؟
المخلوق / لأي شيء ؟
الرجل / لأننا افتقدنا الأشياء الجميلة .. السماء الصافية .. استكان شاي العصر ..
روْية الأطفال وهم يلعبون عائدين من المدرسة .. ضحكاتهم تملأ الشارع..
شجره نرى اهتزازها .. تغريده طير تنصت إليها .. وألوان أخرى تبصرها
المخلوق / فقط ؟
الرجل / كلا .. وما أقسى الموت بعيدا عن الأهل والاحبه
المخلوق / التشبث بالحياة ؟
الرجل / كلا . بل للبحث عن وسيله لإنقاذ أحلامنا . فليالينا طويلة .. مدت الحروب
مخالبها على رؤوس المدن الحالمة
المخلوق / اخرج من جلدك لأحل فيه مكانك
الرجل / ماذا!! أأخرج من جلدي ؟ كلا
المخلوق /عفوا . بل غيره
الرجل/ كلا
المخلوق / اغتسل بمياه البحر
الرجل / بل أنت ممن يتوجب عليه ذلك .. اغسل مخالبك مما اقترفته من ذنوب
المخلوق / لكن البحر صديقي وأنت؟
الرجل (يجلس القرفصاء وكأنه يتذكر .. ينساب صوت ناي حزين ثم يتصاعد شيئا
فشيئا ) وأنا أيضا كان البحر صديقي
المخلوق / أنت؟ كيف ومتى ؟
الرجل / كنت فيما مضى جنديا في منطقة ( السيبه ) وتعرضت وحدتي العسكرية
لقصف مدفعي ( يخفت صوت الناي ويطغى أطلاقات المدافع ــــ يحتمي
بالقارب كأنه ساتر ترابي في جبهة القتال ) كانت رائحة البارود ممزوجة
برائحة البحر .. كنا نعد أيام الحرين اللاهب حر القذائف وحر الجو بصبر
نافذ .. ن.َض جفات قال لنا النقيب عبد الهادي يطلب من الجميع السيطرة
على النفس وضبط الأعصاب . تلك أوامر المراجع العليا . وقتها كنت أتمنى
املك قارب صغير له أجنحه ثم فكرت أن حركة الاجنحه لن تكون بالسرعة
التي تمنيتها
المخلوق ( باستهزاء) تهرب غالى اليابسة.. ربما ستقع ضحية لعروس البحر
الرجل / عروس البحر .. جميله ..لها رأس فتاة ونهاية سمكه .. سيسحرك صوتها
وهي تغني ثم تجرك إلى عرض البحر .. هذا ما كان يردده راضي
رحمه الله
المخلوق / ولهذا تذكرت صديقك راضي
الرجل / ونحن نعوم في قارب صغير كهذا ضمن واجب في مياهنا الاقليميه ..
كنت ارتدي سترة النجاة .. وتطلعت إلى السماء وأنا واثق أن الله
استجاب لدعائي .. صوت يتردد..صوت حبيبتي هناء
( خلف السايك صوت الزوجة ) : سأنتظر عودتك سالما
( صوت هيجان الحر وحفيف الهواء يطغى على المسرح )
الرجل / هذا الصوت جعلني اجمع شتات قواي وأسبح كمن يقاتل بأسنانه ..
فالبحر يزمجر كحيوان هائج .. تردد صوت ابني طارق
(خلف السايك صوت الطفل ) : قاوم أبي .. لا تضعف .. لا تهتز
الرجل / يكفي أن الله معي.. سالم إنشاء الله صوت أمي كلما التحقت بوحدتي
العسكرية
( خلف السايك صوت الأم ) : سالم محروس بجاه النبي
الرجل / كان يقول أبي أيضا
( خلف السايك صوت الأب ) : لا تضعف أمام جماعتك .. في البداية والنهاية ..
الموت حق .
المخلوق /صورة الموت هي التي تشغلك
الرجل / نعم ..متى سأموت وكيف ؟ كم ستبكي أمي حين تعلم بموتي ..
أوصيت زوجتي أن لا تبكي في غيابي
المخلوق / سنين مضت على هذه الحادثة . فما ذا تقول الآن ؟
الرجل / أمنت إن الحياة والموت أمران يقعان ضمن مشيئة الخالق ..
هو المستعان على اليأس .. والأشرار لا يصبحون إلا على الشر والعدوان
وان اليأس يتبدد ما دام هناك رجاء ( يتطلع إلى السماء ) أنا واثق إن الله
استجاب لدعائي .. اللهم اغفر لي .. لا ملاذ إلا إليك ..يا حي يا قيوم
( خلف السايك صوت الزوجة ) : لا تكن سجين اليأس .. قاوم .. قاوم
(خلف السايك صوت الأم ) : أسبح .. أسبح لا تضعف
( خلف السايك الأب ) : لا تهتز انثر رماد اليأس
( خلف السايك صوت الطفل ) : أبي دع بصرك في كل الاتجاهات حتى في ثقوب
البسامير
الرجل ( يتحرك ما بين الأصوات ) زوجتي الحبيبة .. أمي الغالية .. أبي يا عزيزي..
ولدي طارق .. ماذا تريدون مني . أن أكون بحرا إذا تسلطت عليك
الصواعق ..وصخرا إذا ثارت عليا الأمواج .. هل أنا غريق أم ميت ؟..
ربما جثتي طفت فوق هذه المياه .. كلا .. لابد من النجاة وإصلاح القارب .
الدفة؟( يبحث عن الدفة حتى تقع عيناه عليها ثم يعتلي القارب ويرفع الدفة
للأعلى) ليالينا مليئة بالكوابيس والمخاوف والقيود وما أكثرها التي تربط
الإنسان بالدنيا ومنها قيد الأمل ( تتغير الاضاءه وينبعث أنين)
(مجموعة الأشباح السوداء يحملون المخلوق على ظهورهم بحركات موحده ويعترضون القارب )
المخلوق / ما جدوى هذا الكلام بعد ما ضاعت الدنيا وحلاوتها
( مجموعة الأشباح السوداء يطوقون القارب ويدورون زاحفين على الأرض وكأنهم زواحف مخيفه ـــ يتصاعد الأنين شيئا فشيئا )
الرجل ( يضيق ذرعا من دوران مجموعة الأشباح السوداء ليضع راحتيه على
أذنيه اتقاء أصوات الأنين ثم يندفع هابطا من فوق القارب معلنا حربا
ضد الفراغ المحيط به )
( مجموعة الأشباح السوداء تنهض ــ يخفت الأنين ـــ تبدأ المجموعة بالتصفيق الحاد الموحد على نغمه معينه )
الرجل ( يسقط على الأرض.. ينهض .. يدور بين أفراد المجموعة مستعيدا قوته وكان يقاتل حتى يشعر بالتعب ثم ينهار على الأرض ليسقط )
( تختفي مجموعة الأشباح السوداء )
الرجل ( يصرخ ثم يمزج صراخه بلحن بدوي وينشد أبيات من شعر العتابه :
واجروح كلبس جثيره ماتعد بعد
والموت مجبل عليا ما يراد بعد
ضاعت حياتي من ايدي وين اراها بعد
وشيفيد ليا عليها لصفك راحات
ــــــــــــ أضاءه عامه ـــــــــــ
المخلوق /دعني أخرجك من ظلماتك . أريد إنقاذك
الرجل ( بعدم قناعه ) أنت ؟ .. ولماذا؟
المخلوق / لأنك إنسان . فلا تلقي علي اللوم .. القي اللوم على قلبك الضعيف
الرجل /دنيانا صارت غابه وسط بحر هائج . أناسها فقدوا روابطهم الحقيقيه
لا احد يهتم بالآخر
المخلوق / أنت لا تستحق الحياة .. لأنك كثير الشكوى .. ثرثار ليس إلا ..
تستحق أن ارمي بك وسط البحر
الرجل / ارميني لو كنت خائفا مترددا فلا بئس . الكل تحول وصار وحشا ..
أحس كأنني مع قوم يتكلمون غير لغتنا .. ابحث عن شخص يضمد جراحي
يعيد معي بناء القارب ويتحسسه بكل حب واهتمام ( يتكلم بلهجة اقرب إلى
البكاء ) حرية الإنسان أفضل من حياته ..أنت خلاصي .. ففيك نجاتي ..
لا تخيب ضني .. إن مع العسر يسرا ( يردد أكثر من مره وهو يبكي
ويستغيث )
المخلوق / وما نفع البكاء ( ينظر صوب الشبكة المتدلية أطرافها من القارب
ليلتقطها على عجله ثم يرميها بوجه الرجل ) مؤكد لقد أصابتك
اللعنة لولا وجود العسر لما كان لليسر معنى ولا قيمه
الرجل ( ممسك بالطرف الثاني للشبكة ) لولا وجود العسر لما كان لليسر معنى
المخلوق (يلف الشبكة أكثر حتى يقترب من الرجل ) ولولا وجود الظلام لما كان
للنجاح قيمه
الرجل ( يلف الشبكة أكثر وأكثر ) لم ينقطع الآمل أبدا في أن نحب بعضنا البعض
ونوزعه هنا وهناك وتشرق شموسا على هذه الأرض
( صوت الأم خلف السايك ) : قم وانهض لتبني جسرا فوق بحر اليأس
( يختفي القارب والمخلوق )
ـــــــــــــــ أضاءه عامه ـــــــــــ
الرجل ( يبحث عن القارب والمخلوق وهو منهك متعب ينادي ) :
أين أنت أيها الجني ؟.. أين قاربي!.. أين ذهبتما ؟.. هل أنا في يقظة
أم حلم!أين أختبئتما.. هيا قل لي .. كم أفعى في ثوبك ؟..كم خنجر
تحمل خلفك ؟..
( يجثو على الأرض وكمن يحمل براحة يديه حفنه من الرماد وينثرها
في الفضاء ) هذا رمادك سأنثره .
ـــــــــــــ تتغير الاضاءه ــــــــ
( تظهر مجموعة الأشباح البيضاء وهي تدور حول المسرح بينما مجموعة
الأشباح السوداء تعود إلى الوراء حتى نهاية المسرح بكل خنوع وانهيار )
( مجموعة الأشباح البيضاء تتوزع على المسرح وهي تردد معاً ) :
لنصطف معا ..بجسد واحد .. دون لون وهوية وجنس .. لنبني زورقا يتسع
الجميع ونبحر به ضد الأمواج والمخالب .. ونغسل مدننا والطرقات وباب كل دار والأشجار من رماد اليأس ( العبارة التالية تطغى على المسرح بطريقة الايكو أكثر من مره ) :
لكن دون أن نوقظ الموتى ..دون أن نوقظ الموتى
الرجل ( يسقط منهارا يتجمد في مكانه )
( مجموعة الأشباح البيضاء تخرج من المسرح وهي تردد أثناء خروجها ) :
لكن عظام الموتى ستورق .. أشجارا … تذكر كل جيل وجيل
( صوت الطفل خلف السايك ) : أبتي لا تحزن على الأمس فهو راحل لن يعود
ولا تأسف على اليوم فهو راحل
لكنني احلم بشمس مضيئة وغد جميل
ـــــــــــــــ إظلام ـــــــــــــــــ
( المسرح خالي من أي تكوين ـــ تنبعث موسيقى حالمة هادئة )
الطفل ( يأتي من أعلى وسط المسرح يرتدي ثياب بيضاء اللون وهو يتقدم بقارب
جديد ابيض اللون ويحمل معه مجموعه من الحمام الأبيض حتى يصل
مقدمة المسرح ) : نفعل كل ما بوسعنا حتى لا نوقظ الموتى ( يطلق
الحمامات في الفضاء ( تتصاعد الموسيقى )
ــــــــــــــــ تسدل الستارة ـــــــــــــــــــــــــــــ


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock