ننشر كتاب “توبة الثعلب” 4 مسرحيات للطفل ( 1ـ 4) نص: توبة الثعلب للكاتب السوري أحمد اسماعيل اسماعيل
المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل
توبة الثعلب
تأليف: أحمد اسماعيل اسماعيل
(منظر وسط غابة: ثمة بيوت وأكواخ متناثرة وسط الأشجار، يُسمع صوت قرع على
الطبل وصوت المنادي الذي يدخل بعد لحظات. يتجمع حوله بعض سكان الغابة)
المنادي : أيها الأصحاب، أيها الأصدقاء، يا سكان الغابة من صغار و كبار. اسمعوا وعوا، لقد جاء عدونا الثعلب يعلن توبته، طالباً المغفرة والسماح على ما أقدم عليه من شرور، فعلى من يريد أن يرى ويسمع هذا الحدث الغريب التواجد حالاً في ساحة المحكمة.
( يتابع سيره) أيها الأصحاب، أيها الأصدقاء، يا سكان الغابة ..
( يخرج ويتلاشى صوته .. يظل الجميع في حالة ذهول تام )
الديك : (بسرور كمن استفاق من نومه ) كوكو.. ( للحمار ) أيها الصديق .
الحمار : نعم ؟
الديك : اقرصني .
الحمار : لماذا ؟!
الديك : لا تأكد من أنني لست في حلم .
( يقرص الحمار الديك الذي يقفز بعيداً عنه وهو يتوجع )
ما هذا القرص الخشن أيها الحمار ؟!
الحمار : أنت من طلب مني أن أفعل ذلك يا صديقي.
الديك : كان يجب أن تنتف ريشة صغيرة من جناحي.
الحمار : حاضر (يقتلع أكثر من ريشة بخشونة )
( يقفز الديك عالياً ويهبط )
الديك : (بألم ) آآآخ. كفَّ عن فعل ذلك، هل تريد سلخي؟
الحمار : طبعاً لا. ولكن أنت من طلب ذلك.
الأرنب : ( يفكر) أعتقد أن الثعلب جاء ليخدعنا .
الحمار : أصبت. إني أجزمُ بذلك.
الديك : أمّا أنا؛ فلا أعتقد أنه جاء ليخدعنا.
الأرنب : ( باستغراب ) ولماذا أيّها الديك الفصيح؟!
الديك : (بحذر. إلى الحمار ) ولا أجزم بذلك.
الحمار : (باندهاش) لا تجزم ؟!
الديك : نعم، حتى أرى، وأسمع .
الحمار الأرنب : (بامتعاض و سخرية ) لنشاهد ونسمع أيها الفصيح.
(يخرجون)
(يتغير المنظر، ساحة محاطة بالشجيرات، في صدر الساحة، وعلى جذع شجرة مقطوعة، يجلس القاضي بثوبه الأسود، غير بعيد عنه يقف الثعلب محاطاً بحارسين من حراس الغابة، إلى جانب القاضي يجلس الحصان والديك والحمار والخروف، وقبالتهم يقف جمهور من سكان الغابة. الهرج والمرج يسودان جو الساحة)
القاضي : هدوء. أرجو من الجميع التزام الصمت.
(يصمت الجميع) تدَّعي، أيها الثعلب، بأنك جئتَ تطلب المغفرة والصفح.
الثعلب : نعم يا سيدي، وسأعلن توبتي أيضاً يا سيدي.
القاضي : عظيم .
الثعلب : توبة صادقة يا سيدي .
القاضي : لا بأس، لكن ما الدوافع التي جعلتك تطلب المغفرة وتعلن التوبة ؟
الثعلب : (بخبث) حياتكم يا سيدي: حياتكم التي يَعُمّها الخير؛ حياتكم التي ينتشر فيها الأمن .. حياتكم التي يسودها السلام والتسامح والمحبة.
القاضي : (يقاطعه ) مفهوم ، مفهوم أيها الثعلب .
الديك : (بسرور) كلام جميل، كلام معقول .
القاضي : (بضيق ) ما هذا الكلام أيها المستشار؟!
الحمار : ( ينتف ريشة من الديك. بهمس ) استيقظ يا صاح .
الديك : أي . أي .
(يضحك الحاضرون في ساحة المحكمة )
القاضي : الهدوء، الهدوء ( للثعلب ) وحياتك السابقة أيها الثعلب، ألم تعد تعجبك ؟
الثعلب : (بانفعال زائد ) كلا، وألف كلّا يا سيدي .
الحصان : لماذا ؟
الثعلب : لأنَّ الحياة مع الوحوش لا خيرَ فيها، لا أمن فيها، ولا سلام فيها.
( يهمُّ الديك بالتصفيق، فيسارع الحمار وينتف ريشة منه فيصمت متألماً )
الخروف : ( باستغراب ) وحش يُدين حياة الوحوش ؟!
الحمار : شيء لا يمكن تصديقه!
الثعلب : إني أتبرأ من حياة الوحوش جميعها، وأعلن هنا أني لست وحشاً.
القاضي : لماذا ؟
الثعلب : (بشاعرية مزيفة ) لأن قلبي لم يعد يحتمل قسوة الوحوش، وشراستها.
الحصان : وماذا تقول عن شراستك، وعن افتراسك الحيوانات الضعيفة ؟
(الثعلب يتباكى ..)
القاضي : لماذا تبكي أيها الثعلب ؟
( يستمر الثعلب في التباكي ولا يرد )
الديك : لقد ندم على ما كان يفعله .
الحصان : لا أظن ذلك .
( الثعلب يتباكى بصوت أعلى)
القاضي : كفَّ عن البكاء وتكلم .
الثعلب : حاضر يا سيدي .
القاضي : لماذا تبكي ؟
الثعلب : لأنني مظلوم يا سيدي.
القاضي : من ظلمك ؟
الثعلب : أنتم .
الجميع : (باستغراب ) نحن ؟!
( تعلو الهمهمات في الساحة ..)
الثعلب : نعم، أنتم.
الخروف : كيف ؟
القاضي : اشرح لنا ادعاءك بوضوح .
الثعلب : دائماً وأبداً يا سيدي. دائماً وأبداً، كان قلبي يتمزق ألماً عندما كنت أمزق جوف أرنب. ودائماً وأبداً يا سيدي. دائماً وأبداً ، كانت الدموع تملأ عيوني عندما كنت أطبق فكي على عنق دجاجة لذيذة : أقصد مسكينة، أو ديك جميل؛ والديك طيب دائماً وحنون.
( ينظر إلى الديك بخبث)
الديك : (باستغراب وتأثر ) حقاً ؟! هل أنت صادق في ما تقوله أيها الثعلب؟
الثعلب : (يتباكى ) نعم .
الحصان : (يلكز الديك ) اصمت أيها المستشار.
الحمار : ( يقتلع منه ريشة ) استيقظ .
الديك : (بتوجع) آي . آي .
القاضي : (بضيق ) كفى أيها السادة .
المستشارون : حاضر يا سيدي.
القاضي : (للثعلب ) وما هو دليلك على صحة ما تقول؟
الثعلب : صديقي الذئب .
الجميع : من؟
الثعلب : ( مستدركاً ) أقصد قلبي الطيب، وعيوني يا سيدي.
الخروف : نريد دليلاً مادياً أيها الثعلب.
الثعلب : لو كان آخر ديك افترسته حيّاً لأخبركم كم كنت حزيناً حين افترسته، وكم بكيت عليه.
الديك : حقاً ؟! لقد كان أخي.
القاضي : اصمت أيها الديك (للثعلب) ما زلت بانتظار دليل قوي أيها الثعلب.
الثعلب : هل أقسم لكم يا سادة ؟ أقسم بكل المقدسات.
الديك : ( يهمس للخروف ) إنه يقسم بكل المقدسات !
الخروف : إنه يُقسم بمقدساته يا فهمان .
الديك : لم أفهم .
الخروف : ( يهمس ) ولن تفهم .
القاضي : القسم وحده لا يكفي لتصديقك أيها الثعلب .
الثعلب : سأشتم جميع الوحوش؛ جميعها على الإطلاق يا سيدي .
الحصان : نحن لا نحترم من يشتم الآخرين .
الديك : هذا صحيح، لكن ..
الحمار : لكن الشتائم كالأفعال الدنيئة تماماً .
الثعلب : حسن ، أنا مستعد لتنفيذ ما تطلبون مني فعله في الحال .
الخروف : عظيم .
القاضي : (للخروف) سيكون ذلك عظيماً إذا برهن الثعلب على حسن نواياه أيها المستشار .
الثعلب : سأفعل ذلك يا سيدي، عندما تساكنونني، سأبرهن على حسن نواياي الطيبة يا سيدي .
( هرج ومرج في المحكمة)
صوت : ( بحماس ) لا نقبل أن يسكن الثعلب بيننا .
صوت ثان: أحمق من يساكن عدوه.
القاضي : صمتاً أيها الحضور، أرجو التزام الهدوء .
الثعلب : ( يتباكى ) أنتم قساة، قلوبكم متحجرة .
( يعلو الهرج والمرج ويسودان الساحة ..)
القاضي : ترفع الجلسة ساعة واحدة للتشاور.
( يتغير المنظر، القاضي والمستشارون في مكان منفرد )
القاضي : ما رأيكم بقول الثعلب أيها السادة المستشارون ؟
الحصان : إنه كاذب .
الخروف : تصديق الثعلب خطأ كبير.
الحمار : وغباء.
الديك : إنكم تبالغون .
الحمار : ( بحنق ) يا للغباء !
الديك : لست غبياً .
الخروف : لا أفهم سبب تعاطف زميلنا الديك مع الثعلب.
الحمار : إني أشك في هذا الأمر.
الديك : (بانزعاج ) هذه إهانة، واتهام أحتج عليه..كوكو.
(يعلو صياحهم، القاضي يطلب منهم التزام الهدوء، يصمت الجميع.)
القاضي : نريد قراراً نهائياً .
الحصان : الطرد.
الحمار : ( يرفع يده ) موافق .
الخروف : أنا أيضاً ( يرفع يده )
القاضي : وأنت أيها الديك .
( الديك لا يجيب)
الحصان : أستغرب من الديك هذا الموقف تجاه وحش غدار!
الحمار : غباء.
الديك : إني أحتج .
الخروف : من المفروض أن تكون أول المعارضين لقبول توبة الثعلب أيها الديك .
الديك : لماذا ؟
الخروف : لأنه عدوك الأول، لقد افترس أخاك.
الديك : لقد جاء يطلب التوبة، ولا بدّ من حسن الظن.
الحصان : نحن أيضاً لا نسيء الظن بأحد، لكن الثعلب عدو.
الديك : أرجو أن يعمَّ السلام في كلّ أرجاء الغابة .
الخروف : نحن أيضاً نسعى إلى السلام .
الديك : لا بدَّ من حلّ آخر غير طرد الثعلب ؛ فقد يكون صادقاً .
القاضي : هل لديك حلّ آخر ؟
الديك : ( يفكر ) لا .
الحصان : لا أرى حلاً مناسباً غير الطرد .
الحمار : إني أوافقك الرأي .
القاضي : (يفكر ) لدي حلٌّ .
الجميع : ما هو ؟
القاضي : اسمعوا. سنوافق على طلب الثعلب. لكن ( يصمت )
الجميع : لكن ماذا ؟!
القاضي : ستعرفون ذلك في المحكمة .
( يتغير المنظر. ساحة المحكمة، يجلس الجميع في أماكنهم المخصصة لهم: القاضي
والمستشارون والثعلب والحضور .. أصوات متداخلة وهمهمات)
القاضي : صمتاً أيها الحضور، أرجو التزام الهدوء.
( يسود الصمت. للثعلب) أيها الثعلب.
الثعلب : نعم يا سيدي .
القاضي : تزعم أنك لست وحشاً، أليس كذلك ؟
الثعلب : نعم يا سيدي، وأقسم على ذلك .
القاضي : وأنك بريء من الوحوش ؟
الثعلب : نعم يا سيدي، أقسم على ذلك .
القاضي : وتريد أن تكون مثلنا: أليفاً ومسالماً ؟
الثعلب : نعم يا سيدي، أقسم على ذلك .
القاضي : لكن كيف ستثبت لنا ذلك ؟
الثعلب : (باستغراب ) كيف ؟! سأعيش كما تعيشون، وآكل معكم كما تأكلون.
وأنام كما تنامون، وحيث تنامون. أصيح مثل الديك كل صباح (يصيح)
كوكو . ( يعوي , يستدرك الموقف ) وأغرد مثل الحمار ( يحاول تقليد نهيق الحمار
فيعوي ) عفواً . عفواً. سأتدرب على ذلك في المستقبل.
الحمار : ( يهمس للحصان ) وهل سينجح في تقليد صوتي ؟
الحصان : نعم . عندما يصبح حماراً.
القاضي : لدي حلٌّ آخر أيها الثعلب .
الثعلب : إني أقبله. ما هو ؟
القاضي : أن تنزع مخالبك .
الثعلب : ( باندهاش ) ماذا ؟!
الحصان : اقترح معقول جداً .
الثعلب : سيكون ذلك مؤلماً يا سيدي القاضي .
القاضي : دعني أكمل .
الثعلب : تفضل .
القاضي : وأن تقتلع أنيابك .
الثعلب : (بخوف) ماذا ؟!
الخروف : حلٌّ ذكي .
الحمار : أصبت. إنه حل ذكي جداً.
الثعلب : سيكون ذلك مؤلماً جداً يا سيدي.
الحصان : ألا تريد أن تصبح مثلنا ؟
الثعلب : بلى .
الحمار : وتغرد مثلي ؟
الثعلب : (باستغراب ) أغرد ؟!
الحمار : نعم .
الثعلب : بلى . بلى.
الديك : نفذْ اقتراح القاضي إذاً.
الثعلب : لن أستطيع فعل ذلك .
الديك : لماذا ؟
الثعلب : لأنني أخاف الألم . أنا جبان والحمد لله.
القاضي : لا تخفْ، سيجري لك طبيب الغابة العملية، وهو طبيب ماهر جداً .
الثعلب : حسن. أنا موافق ، ليرافقني الديك إلى عيادته.
الحصان : ولماذا الديك بالذات ؟
الثعلب : لأنني أستطيع حمله على ظهري .
القاضي : لا حاجة لذلك أيها الصديق، فطبيب الغابة موجود هنا .
الثعلب : موجود هنا ؟!
القاضي : ( بصوت مرتفع ) ليدخل طبيب الغابة .
( يدخل الكلب بثيابه البيضاء . ينبح )
الثعلب : ( بخوف واستغراب ) الكلب ؟! ومتى حصل الكلب على شهادة الطب ؟!
القاضي : عندما أعلنت توبتك الصادقة أيها الثعلب .
الثعلب : ( باندهاش ) ومتى حدث ذلك؟!
القاضي : اليوم .
الثعلب : ( يفكر ) وهل اليوم هو يوم القيامة ؟!
القاضي : كلا .
الثعلب : إني أعتذر إذاً، لقد أخطأت يا سادة .
( ينسحب بحذر. يلاحقه الديك إلى الخارج )
الديك : اسمع أيها الثعلب، أنت لم تخطئ ، لتكن توبتك صادقة، لنعمل على نشر الوئام في الغابة
( يخرجان . يعلو صياح الديك في الخارج . ينبح الكلب وينطلق خارجاً . هرج ومرج أصوات مختلطة .)
الحقوا بالثعلب .
سيفترس الديك .
لقد خدعنا .
( يخرجون. تختلط الأصوات في الخارج . يدخل الجميع عدا الثعلب )
الحمار : من الواجب إيقاظ صديقنا .
الديك : ( بذهول ) ها !
الحصان : وحالاً .
الحمار : اسمح لي أن أنتف ريشة منك .
الديك : لماذا ؟
الخروف : لتستيقظ .
( ينتف الجميع ريش الديك وهو يصيح متوجعاً )
الديك : لقد استيقظت .. أقسم أني استيقظت ..
( يضحك الجميع. ثم يغنون أغنية ما)
إظلام