” وسوسة ” نص مونودراما للكاتب الجزائري..إدريس بن حديد
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
بقلم : إدريس بن حديد .تندوف .الجزائر
جو يوحي بالغموض..يظهر لنا كرسي وطاولة مستديرة صغيرة الحجم..عليهما بقعة ضوء واسعة نسبيا..نلاحظ وجود شاب في العقد العشرين في حالة اضطراب شديد..إنه في قمة الارتباك..يتحرك في المكان بشكل فوضوي ..يبدو وكأنه ينتظر شيئا..يطل بين الفينة والأخرى من نافذة…
نسمع أصوات لسلاسل أحذيةٍ عسكريةٍ
هو: إنهم قادمون..نعم إنهم قادمون.. بالأمس أيضا بدا وكأنهم قادمون لكنهم لم يأتوا..انتظرتهم طويلا ..لكن ..يتأفف..نعم..نعم… هذه المرة سيأتون ..ولن يبدو وكأنهم قادمون..سيأتون لا محالة …لذا سأكتب وصيتي …لن أنتظر يوما آخر
“يجلس..يرفع القلم كي يكتب..لكنه سرعان ما يضعه ثم يقف بانفعال..يتحرك في المكان “
:ترى بأي طريقة سيعدمونني؟ … يجوب بعينيه في المكان كأنه يبحث عن شخصٍ يجيبه عن سؤاله ثم يقف فجأة ..تنتابه رعشات سريعة ..ربما سيتم إعدامي بالمقصلة ..المقصلة ..هي المقصلة ..لكن ..لكن.. يمسك برقبته في خوف .. أرجو أن تكون الشفرة حادة ..ثم يتحرك من جديد ليتوقف مرة أخرى ..أيعقل أن يتم إعدامي رميا بالرصاص؟! ..تزداد عيناه جحوظا .. لكني لستُ عسكريًا ولا أسيرَ حربٍ، ولست قائدَ انقلاب بل إني لم أخض حربا واحدة في حياتي..الحرب الوحيدة كانت مع المعدومي الإحساس..مع الطواحين الآدمية..يفتش في المكان مرة أخرى كمن يبحث عن مجيب لسؤاله ثم يتوقف لتنتابه قهقهة عميقة..جيد إنني لم أكن يوميا سياسيا وإلا تم إعدامي رميا بالبصاق حتى الموت ” تزداد قهقهته قوة ثم يسكت فجأة “ المشنقة..نعم هي المشنقة ..قد تبدو هي أرحم وسيلة إلا أنَّ جرمها أعظم وأعظم ..لم يسبق أن نجا من أَحَدٌ من قَبلُ حسب علمي ..يتجه نحو الكرسي بخطى متثاقلة ..
..الآن وقد عرفت وسيلة الإعدام يجب أن أسعى لأن تكون الأنشوطة مناسبة ..لكن كيف السبيل إلى ذلك؟..يصمت قليلا ثم يتكلم بصوت منخفض بإمكاني أن أرشو أحد الحراس ” يضرب رأسه بيده “..هل أنت أحمق؟!..بماذا سوف ترشي الحارس؟.. بجورب مثقوب أم بقبعة ممزقة! … يصمت قليلا ثم يتكلم بصوت منخفض سأستعطفه مثلما لم أستعطف أحدًا من قبل ..سأتقمص دور قطة عمياء دون مأوى في ليلة ماطرة ، سأموء إن لزم الأمر ..” يلعق راحة يده ويمررها ماسحا بها على شعره ويقترب من الباب “
:سيدي الحارس هل بإمكاني أن أطلب منك طلبًا صغيرًا ، صغيرًا جدا…
” نسمع طرقا عنيفًا على الباب “
: فلتسمع طلبي أولا ..
“يزداد الطرق أكثر عنفا”
: حارس غبي
:نسمع طرقة واحدة لكنها عنيفة جدا
” يسقط أرضا مرتبكا ثم يسرع في الابتعاد عن الباب”
: في غضب شديد ..يا آمر السجن هذا السجان بالذات ينام ليلا مسندا رأسه على أحلامه
” يزداد الضرب على الباب ضربات متسارعة “
: حسنا سأصمت أيها الجبان …ها قد انقضى يوم آخر دون إعدامي …
” يبحث في زوايا المكان عن قطعة الطباشير ليخط خطًّا على الجدار ثم يرميها”
: تبا كان ذلك آخر خط في آخر مربع ، امتلأت الجدران الأربعة ولم أعدم بعد.. ناهيك عن الملل الممل ، ملل فظيع ، ماذا يحدث معي ..تبا..تبا .. الإعدام شنقا أهون من النوم كل ليلة على أمل أن أستيقظ ، أمل كاذب ليوم كاذب آخر ..لأجد نفسي لا أشبهني ..لكن عبثا أحاول، أنسى أو أتناسى ..فذلك الوغد الذي يسمى أنا لا يزال دون إرادتي يشبهني …
يضحك طويلا ..غريب ما يحدث لي فرغم كل شيء لازلت أحبني ، والأغرب أنني أجد في الموت راحة ، فقط لأرتاح من الملل.. يدور حول نفسه نص دورة ..ثم ما الحياة؟ أليست مجرد سراب؟! بل حياتنا كلنا مجرد سراب ولا تستحق فعلا أن تعاش ، أليس الموت أحسن من لعق شقائنا وبشكل يومي؟!.. أظنني أكثر الناس حظا لأنني مقبل على الموت ..يرفع رأسه في شموخ … حتى ولو كان ذلك شنقا …يقترب من الكرسي ليجلس لكنه يغير رأيه في آخر لحظة .. لكن ماذا لو أطلت حياتي بضعة ساعات بعد؟ بعض من المتعة والإثارة سيكون جميلا وسط كل هذا الملل ولن يضر، فالموت قادم لا محالة.. لم العجلة طالما هناك متعة؟!..سأخفي رأسي بل سأنتزعه عن جسدي ..وعندما يأتون لشنقي لن يجدوا رأسا يربطون الأنشوطة فيه ” يضحك طويلا “ أنا أحسن حظا من سيزيف المسكين فمأساتي لها نهاية عكسه هو الذي استمر في دحرجة الصخرة نحو القمة دون معنى ولا طائل…
سيضحك رأسي حد الإغماء وهو يشاهد جسدي يحاول الهرب من شانقيه ، سيصطدم بالجدار أولا ” يحاول تقليد جسده ويرتطم بالأشياء …يضحك ” ثم بالطاولة.. سيكون منظرا مضحكا وعندما يمسكون بي سيتفاجأون بعدم وجود رأسي على جسدي سيظنونني ميتا.. لكن لا لست ميتا فالموت يكون عندما تنتزع الروح منا انتزاعا وأنا فصلت رأسي عن جسدي طوعا وبإرادتي المطلقة وما دمت فعلت ذلك فروحي لن تبارح جسدي.. أأأقصد رأسي أأأووووف.. بعد كل هذا العمر الطويل لا أعرف أين تقع الروح رغم أنني كبرت معها منذ كانت صغيرة وكبرت معي منذ كنت صغيرا ..؟
… يقولون أن الروح تخرج من أصابع القدم عند الممات فليشنقوني من أصابع قدمي إذا … أصابع قدمي……
” ينزع حذاءَهُ “
:ربما كانت روحي في مقدمة حذائي! .. يتسائل في عبث .. لكن أيعقل أن تسكن الروح حذائي العفن؟ ..“يشتم الحذاء “: بئس الروح النتنة الكريهة الرائحة …لا مجال للشك فقد قطعته الرائحة … يا لروحي النتنة! … لا عجب أنها هنا فهذا الحذاء تعثر عثرات كثيرة والعجيب أنه دائما ما كان ينجو من كل تلك السقطات والعثرات حتى أنني أسميته “القط ” لأن له بين ضلعوه سبعة أرواح كالقطط وكثيييرا ما أنقذ الإسكافي حياته ” ينزل على ركبتيه ويخاطب الحذاء”
: لماذا لم تقل لي أن روحي تقطن فيك لكنت اعتنيت بك أكثر مما ينبغي.. لكنت لمعتك أكثر …أدركت الآن لِمَ كانت النعال تغار منك؟…مرت سنوات طويلة ولغبائي كنت ألبس جوارب بالية.. أدركت الآن لماذا كنت تتمنع الدخول إلى قدمي حتى أنك كنت تتعمد لخبطة خيوطك؟ ..نعم يا لي من غبي وأحمق أيضا .. ظننت أنك تحتج بتلك التصرفات على سياسة النوعية وأنك سئمت أن تكون مطية وضحية الإسفلت والأرصفة وأنك ضقت ذرعا بعنصريتي حين قررت أن أقتني حذاء آخر جديدا ….
” يرفع الحذاء ويوجهه إلى وجهه ويغني “
: جلد حذائي يابس
بطن حذائي ضيق
لون حذائي قاتم
أشعر بي كأنني ألبس قلب الحاكم
يعلو صرير كعبه
صوت الحذاء :قل غيرها يا ظالم
ليس لهذا الشيء قلب مطلقا
أما أنا فليس لي جرائم
بأي شرعة إذن
يمدح باسمي
وأنا أستقبل الشتائم *
: “يضحك حتى يستلقي على ظهره ثم يجثو على ركبتيه موجها الكلام نحو الجمهور بعد أن يلتقط الحذاء مرة أخرى “
:رهيب أمر هذا الحذاء إنه يدعي أنه إذا سب أحدهم الحاكم فيكون قد مدح الحاكم وسب الحذاء..غريب أن حذاء مثله يقبع تحت الأقدام …. حذاء له كرامة…..حذاء ذكيًا….حذاء يفكر ..حذاء فيه روح وروحي في هذا الحذاء ….في كل فرصة تتاح له يثبت هذا الحذاء أنه موجود …
ماهذه الفلسفة العقيمة؟ ..آه فلسفة عقيمة ..بالله أيها الحذاء ..هل سحرتني فجعلتني أهذي بكلام تملؤه الفلسفة العميقة..نعم إنك تأخذني إلى أيام قديمة ..أيام لا يمكن أن أنساها ..أيها الحذاء الأسود البالي أجبني ..ترى ما الغاية من أفكارك العبثية؟ ،يقف فجأة كأنه صنم ثم يتحرك بسرعة .. هذا السؤال يذكرني بأستاذ في امتحان الفلسفة عندما طلب منا أن نكتب عن الوجودية ،أذكر جيدا حينها أنني سلمت ورقة الإجابة فارغة ، كنت أنتظر أن تأتي درجة الصفر سريعا دون قيد أو انتظار ..لكن ما حدث لخبط كياني ..أستاذ الفسلفة أستاذي وبكل فخر أعطاني العلامة كاملة …” يضحك ” ثم تعاوده نوبة صمت عميقة ..ينتظر لحظات ثم يقول :غريب حتى وأنا مقبل على الموت ..شنقا..أجدني ألهو وأمزح ربما لأن أمي كانت تخوفني بالغولة و لهذا لم أعد أخاف من الموت ولا من شيءٍ آخر، فالخوف شعور جميل يُشْعِرُكَ بالأمان …. يُشْعِرُكَ بأنك موجود أنك أنت…. أقصد بأنت أنا …
” يلتفت إلى الباب ثم يوجه إليه الكلام بغضب “
أعرف أنك تسترق السمع أيها الحارس البليد …هه لابد أنك تتساءل من أنا؟…من أنا؟ ..سأقولك من أنا؟…أنا المجرم البريء ، أنا الظالم المسكين ، أنا المظلوم المتجبر ، أنا الشقي السعيد ، أنا التقي الآثم ،أنا الشرير الطيب ،أنا القبيح الجميل ، أنا الوفي الخائن ، أنا المجنون العاقل ، أنا الذكي الغبي ، أنا التافه المهم ، أنا القمة في سفح الجبل ، أنا المتذكر الناسي ، أنا اللين القاسي ……
أعرف أيضا أن أحد هؤلاء يضحك وأحدهم يبكي و أحدهم لم يعد يبالي ، وجميييعهم أنا .. .وما أدراني أنا من أنا
“يجثو على ركبتيه بعد أن يهدأ”
: لا أعرف حقا من أنا ، الشيء الوحيد الذي أعرفهُ و متأكد منه أنني الرجل الذي أحب أعداءه أن يكرهوه وكره أصدقاءه أن يحبوه
من أنا؟
من أين أتيت؟
وإلى أين سأذهب؟
قد أكون شريفا اليوم فاسدا غدا ، من يدري ربما أتيت من هناك لا يهم ما دمت هدهدا أرتحل وأنشر الحب بين الممالك..نعم أنا هدهد ، هدهد النوم قواه المتعبة ، لهذا في تحليقي المستمر بين جدران زنزانتي الضيقة أسعى إلى نشر الورود والأزهار ولن أنشر الأشواك تلك أفعال الغربان وقبائل البوم … لن ينتهي …سوف ينتهي ….انتهي..ثم ماذا ؟
ثم أموت كمدا …
ممَّ ؟؟
من كل شئ …
ومن لا شئ…
سأموت و أنا موعود بالخلود عند هؤلاء وبالعدمية عند آخرين …
لهذا أنا لا أخاف من الموت ، الخوف كل الخوف من الحياة فهي أشبه بلعبة نرد
“وأنت وزهرك ”
فَلأَستأجِر حظا جيدا إذا وليكن حظ قواد…
“نسمع ضربا على الباب من طرف الحارس “
: حسنا لا تغضب سأجد حظا آخر غير حظك
لا بد أنه حاقد ولابد أنه عرف أنني أحبذ الموت شنقا ولأنه حاقد سيشي بي وسيغيرون الوسيلة ويبقون على الغاية …يجب أن أفعل شيئا من شأنه أن يبقي على المشنقة…لأسرع فالموت يسترق النظر كما الحارس يسترق السمع …
“يجلس كأنما يشحذ شيئـًا بين رجليه ونسمع صوت الشحذ “
:ها أنا ذا أشحذ شفرة المقصلة ..أممممم ما أحلى الموت بالمقصلة ..
تضمن لك رحلة موت سعيدة ، لن تشعر حتى .. لا يعدو الأمر أكثر من مجرد طقطقت عظام ..لهذا كل المتهمين والمجرمين يفضلون المقصلة …
” ينتبه وينهض فجأة “
: تمهل رويدا.. المقصلة ، المشنقة وغيرهما أدوات الموت تلك بهارات للمجرمين ..لكنها ليست لي أنا ، فأنا لست مجرما كل ما في الأمر أني وجدتني دونما شعور أحتار في اختيار طريقة موتي بينما لم أعرف لما أنا هنا ..
“يبدأ في الدوران حول نفسه بهستيريا “
ماهي تهمتي؟ ، لما أنا هنا؟ ، لِمَ لا أذكر شيئا؟ ..لماذا لا أتذكر القاضي اللعين الذي زج بي في هذه الزنزانة؟ ، ولا حتى المحامي الذي نسي مواد القانون في غمرة احتياجي إليها …..سأحاول التذكر ،يدور في المكان دورة ..دورتين ..نعم ..نعم .. أتذكر أني كنت قطًّا مجنحًا يلتهم كل الطيور حتى آخر تغريدة ، كنت يوما كفيل مكتئب تدوس أقدامه الياسمين ، أذكر أيضا أنني فيما مضى كنت آبنوسًا لعينًا …نعم كنت كل ذلك أو أكثر.. لكنها جرائم لا ترقى لحد الحكم بالإعدام ….تلك تهم لا يحرك القاضي مطرقته من أجلها ولن يكلف نفسه الاستيقاظ من أحلامه ….
“يتجه نحو الباب ويمسك قضبان النافذة المطلة على الحارس ويهزها حتى تصدر صوتا”
: هاي أنت أيه القميء ماهي تهمتي؟ ، لماذا أنا هنا؟..ليحل عليك نحس أوديب إن أنت لم تخبرني …
” نسمع دقًّا على الباب “
أليس من حقي أن اسأل؟! ..أليس من حقي أن أدرك نهايتي؟!
صوت خارجي :هكذا أنت
أخيرًا تحدث الصنم
الصنم تحدث لأنه كره من أفعالك الصبيانية
صبيانية!
نعم صبيانية
لا لا تقل هذا أيها الحاقد
لا لست حاقدا ..يؤسفني أن أقول لك أنَّك تهذي بكلام غير مفهوم لأن الشك اعتصرك بشدة
: تهمة واهية
صوت خارجي :لأنك لست ما أنت عليه
: لست الوحيد الكل ليسوا على ماهم عليه
صوت خارجي :لأنَّك تستعمل جانبك الطيب للفعل الشرير
“يهم بالإجابة ثم يتراجع “
: لأكتب وصيتي إذا ” يتجه للجلوس على الكرسي ويكتب ”
:أوصيكم أن تحفظوا دمي بعد موتي و أن تتبرعوا به للموت لحظة موتها.. لتحيا …والسلام ختام
: لأنام قليلا … ” يقترب من الباب حيث الحارس “ سأنام آآسأنااام أرح أذنيك قليلا ، وأرح حقدك قليلا بعد …
“يستلقي على سرير متواضع ويلتحف ببطانية غير نظيفة يتململ في نومته ثم ينهض “
:أووووف لا نوم جيد دون تقلب جيد وجب أيضا أن ترفع البطانية لتضمن التنفس الجيد وإلا مات النائم اختناقا لهذا وجب عليه التهوية وتغير الهواء .. تماما مثل الحيتان …سلامات أخونا في الطبيعة أعلمتنا أم علمناك، أسبقتنا على الأرض أم سبقناك … يقولون أن من المستحيل الموت انتحارا عن طريق حبس أنفاسك ، إنه لا إثارة فيها فلا دماء تتناثر وتلطخ الجدران عند الإعدام بالرصاص أو الانتحار به ولا رؤوس تتدحرج عند الاعدام بالمقصلة ولن تتدلى منتصب القامة ومنتصب ال…..صدقوني تلك ميتة يتمناها الواهن ..” يخفض صوته “ الموت شنقا يتمناه الجميع ففيه لذة أخيرة
” يرفع صوته باتجاه الباب “ أما أنا فأحبذ الموت بالمقصلة …
الموت انتظره بشغف ..الموت مسألة لا تهم الميت إطلاقا بل هي قضية الباقين من الأحياء .. بدليل أن الباقين هم من يبكون أو يفرحون بموت الميت أما الميت فلا …..رغم ذلك لا وجود لشك يلامس الصواب كالحياة ولا صواب نتنافس لتجاهله كالموت ، نشك في الموت رغم وجوده بيننا كآلة حصاد لا يصيبها العطب… الموت ذلك الحيز المجهول الذي بعده لا يعود أحد من أولئك المنفيين إليه ، لا أحد يعود ولن يعود أحد إنما هو رحلة ذهاب لا إياب فيها ..
“يجلب طشتًا (طستًا) صغيرًا ويرفع دلوًا صغيرًا ويفرغ من الماء منه في الطشت ”
: فلأغسل وجهي وأنام ولأذهب بالجنون نحو أقصاه فالآخر هو الجحيم
“يغتسل أولا بالماء لكن عندما يعيد الكرة يغترف دمًا ويغسل به وجهه (أقترح أن يتم تقسيم الطشت إلى نصفين جهة فيها ماء والجهة الأخرى تحتوي على سائل أحمر ) تنتابه حالة من الهستيريا .. يأخذ حذاءَه ويحتضنه ويردد في صراخ عبارة : الآخر هو الجحيم وتنطفئ الإنارة تدريجيا حتى يغرق المسرح في ظلام دامس “
“تعود الإنارة مرة أخرى تدريجيا …نشاهد الشخصية وهي توضب الوسادة على هيئة شاهد ثم يطرح البطانية ليبدوان كَأَنَّهما قبر “
:لتدق النواقيس ولتنكس الأعلام وليعلن الحداد ثلاثين وعشرا من الأيام، فقد مت أنا أو مات الذي تبقى مني …سيقدم الخبز باردا على مائدة الجنازة ، جنازتي التي سأحضرها وأنا في كامل أناقتي سأضع ربطة عنق حمراء سيكون ذلك بمثابة احتفال مني بانتهاء هذا العالم القذر ..لن ينتهي بالنسبة للأحياء، أما أنا فلا ، سيستمر الجالسون على الطاولة السابعة إلى اليمين بالقهقهة والمائدة الرابعة بالقرب من النافدة سيغرق الجالسون عليها في النميمة رغم أنهم ليسوا نسوة ، سيكون الشاب الوسيم منهمكًا في كتابة رقم هاتفه على قصاصة ورق منتظرا فرصة سانحة حتى يدفع به للفتاة التي تتوسط أمها وعمتها لم أعد أذكر صلة قرابتي بهنَّ لا هن ولا الشاب الوسيم المسكين. ستكون المهمة صعبة …..
أما البقية فسيستغرقون في البكاء أو يدعون …
وسأصدح بصوت يشبه صوت النعي وأنا أرى وجوه المنافقين من حولي ممن سيحضرون التأبين …نعم صدقني إنهم منافقون حتى أؤلئك الذين سيبكون أربعين يوما متتالية ..منافقون طالما أنهم سيتوقفون عن البكاء ، فمن يحبك لن يتوقف عن البكاء أبدا وحتى وأن تعبت العين وجف الدمع سيواصل القلب طقوس الحزن وذرف الدموع الساخنة ….من المحزن أيضا أنني سأموت ولا يكون بجواري شخص أحبه بآخبر بأخر كلماتي …
سأكون وحدي في تلك الغرفة العارية الضيقة حيث الإنارة صفر والأمل صفر لن أكون معنيا بسطوع أشعة الشمس بالنسبة لي سيكون نور الصباح أشد عتمة من ظلام دامس وغائر في جوف ليل بهيم …ثم سنسافر أنا وأنا ….سنسافر نحو النعيم
” نسمع أصواتَ السلاسلِ والأحذية العسكرية مجددا “
: ماذا تريدون بعد ، ها أنا ذا مسجيٌ بالقرب مني ….
” تزداد الأصوات اقترابا وضرب شديد على الباب ، يلتقط حذاءه ويضمه إلى صدره ويجلس خائفا تنتابه حالة من الهستيريا موجها كلامه للحذاء”
: أنا وأنت وروحي سنسافر نحو النعيم …أنا وأنت سنسافر نحو النعيم ….
“يبقى يردد العبارة بخوف ثم تكون أنارة عامة تدريجيا لنرى بوضوح لافتةً أعلى المسرح مكتوبًا عليها “ مستشفى المجانين ”
* شعر أحمد مطر من قصيدة “الحذاء المظلوم”
النهاية
13:30
يوم : الخميس 25 فيفري 2021