“أبريل 2003” نص مسرحي.. للكاتب: خالد السيد وهدان
مسرحية
“أبريل 2003”
تأليف: خالد السيد وهدان*
كاتب مصري
ـ
الشخصيات
الثائر: شاب في الثلاثينيات
الربان: مسن ويرتدي ملابس الملوك
القائد: مسن يرتدي الملابس العسكرية
الحكيم: مسن يرتدي ملابس بيضاء
الشاب- الفتاة- الجندي
“بلاك”
الثائر: يقود المظاهرات..يحارب الدعارة السياسية.. يتصنع الإنسانية أمام شاشات العالم..يذهب إلى الحزب.. يرفض أن يعارضه أحد في الصباح..يشعل سيجاره وهو يسخر من المعارضين..يتناول غذاءه بطهي لحومنا بعد الظهر..يعود لقصره..يأخذ حماما ساخنا في المساء بماء المحاصرين..يزيد درجة حرارة المدفأة بودائع المهاجرين..يتهيأ لضبط مزاجه فيتجرع كأسين..يجذب حجرين كريمين..يشاهد بروفة مثيرة تعلمه فنون مضاجعة السيدة التي تعيش معه.. الفجر يصلي ركعتين ويشكر الدولار نعمة الطعام والمتعة والقصر المنيف..يشهد الناس على إيمانه ووطنيته ويرسل أولاده إلى المدارس الكاتدرائية..يؤنبه ضميره فيرسل ملابسه القديمة للهلال الأحمر..لمواساة ضحايا جرائمة العلنيةوالسرية..ذلك مجده الوحيدربان الحرب.
المنظر: (ربان يتوسط جوقة كبيرة من الرجال والنساء تحتشد في مقدمة سفينة عتيقة، الربان لديه عادة أن يحرك رأسه بعصبية في خوف، فيبدو عاجزا مذعورا، يقبض بصعوبة على عجلة السفينة المتهالكة التي يقودها، تلك السفينة التي نقشت علىها آثار محيت معالمها بفعل الإهمال، الربان والجوقة يرتدون ملابس غربية وأقنعة كأنهم في حفلة تنكرية، تمتد أماهم موائد الشراب واللحوم التي وضعت بدمها دون طهي، يشربون ويأكلون وهم يطلقون الضحكات المستهترة، الأمواج العاتية تستبد بالسفينة الواهنة فتوشك على إغراقـها، لا تستقر إلا في ظل صراخ مجموعة من الضعفاء، ويتأوهون)
أصوات: سفهاء يقودون السفينة.. أمس اليوم غدا لا فرق.. مجنون يرحل ومجنون يأتي بخبز جديد وسوط جديد.. نحن لا نملك إلا الدعاء بحمده والبكاء من سوطه.. إذا فاض الكيل اكتفينا بصدور نسـاءنا للاحتماء
المشهد الأول
الثائر: (يلوح بقبضته القابضة على الحجارة) أيها الناس. إن واجبي أن أكشف الأمور الخفية أمامكم. ها هو الربان الكهل تحيطه الجوقة الفاسدة من كل حدب وصوب، يقودون السفينة ويقسمون خيرها بلا عدل. لقد رأيت جريمتهم، يستطيبون لحومنا الحية على موائدهم الحرام. ويعشقون الأطعمة التي تكون الجريمة ثمنا لها. جوقة لا تجد لذة إلا أن تسحق بأسنانها المتوحشة أكباد الخلق الضعاف، أناس لا تجد المتعة إلا مشتهية اللحم الإنساني في معدتها النهمة. أي جريمة أن يسمن الإنسان جسمه الشره بجسم إنسان مثله التهمه لمجرد أنه فقير. ربان وجوقة أكلت جيلا كاملا حتى العظم.
(نرى فتاة وشابا جالسين أمام النهر الجاف، الفتـاة ألقت صنارتها إلى السماء بدلا من النهر، الشاب ألقى شباكه في الرمل بدلا من النهر، القائد بملابسه الفضفاضة واقفا يخدم على الجوقـة بملابسـها التنكرية، الحكيم شغل بالتأمل في البحر، الربان يقود السفينة ويمـد بصره إلى الفتاة والشاب)
الربان: (في ريبة) هذان؟
القائد: (ينظم هندامه العسكري الفضفاض على جسده النحيل، ويتحسس سلاحه المعلق في سرواله)أيها الربان. يدبران!
الحكيم:أمر مريب يحدث، إذا سارت الأمور على هذا النحو السيئ. (مخنوقا) عاشقان!
الربان:عاشقان؟ ماذا؟ لكن. لماذا ألقت الفتاة صنارتها إلى السماء بدلا من النهر؟ ولماذا وضع الشاب شباكه في الرمال بدلا من…؟
الشاب:افتراء عظيم أجف النهر، وجعلنا نضمر بداخلنا غضبا مدمرا.
الفتاة:لقد صلبت أحلامنا فوق صدورنا، وعرضت قلوبنا في سوق النخاسة، وهوت السياط فوق ظهورنا. لذا غضب جامح جعلنا نلجأ بأحلامنا إلى السماء بدلا من الأرض. لا مفر من الحيلة.
الشاب:الحيلة؟ يصطاد الأحرار الجوقة الفاسدة ويحطموا السجن.
الفتاة:(إلى الأفق) حينما يبلع البحر الهائج الغروب، كل شيء يتحقق.
الشاب:ماذا تقولين؟ ما بك؟ كيف تبدل ذهنك؟
الفتاة:الحيلة الملاذ الأخير للضعفاء. لقد أوصدوا في وجهـونا كل الأبواب، فوضعنا رهاننا على الجهلاء فخسرنا.
الشاب:الجهلاء الأقوياء لا يجلسـون إلا بجوار الربان، وهذا من سنن زماننا.
الفتاة:إذن لا مفر من الحيلة.
الربان:الحيلة؟! أواه. من يشر على بحيلة أثبت بها ملكي في العالمين؟ (تصيبه آلام مبرحة- في نفسه) أيهما أشد وأنكى أن يموت الإنسان سريعا أم يعيش ضريرا بالطاعون؟ أي حكيم. لماذا رفعت صنارتها إلى السماء؟
الحكيم:حكيم؟ أنا لست…. العاجز يلجأ إلى السماء دائما.
الربان: (يحرك رأسه بعصبية أكثر) عليك أن تلجأ إلى السماء. هكذا كانت تخبرني معشوقتي.
صوت: (فتاة)عليك أن تلجأ إلى السماء طالبا الشفاء، أما أنا فلن تهزمني وأكون لك. أنا أحتـقر ذلك الذي يحتقر إنســـانيتي، ما من امرأة شريفة تهتم لمثل هذه العواطف النجسة، التي تفوح من فمك الذي لم يكد يصمت عن الأقـوال الماجنة والإهانات الفاحشة، خير لك أن تتغزل في عشيقة تستجيب إرادتها لإرادتك ورغباتك الشاذة، وأنت تتفحص جسدها، وما بين فخذيها في اشتهاء مرضي، بدلا من أن تتزوجني وتعتبرني عشيقتـك، وتظن أنني سأنافسك في عرشك بحسبي وملكي القديم أو أن أهزمك بولد تتخيل أنه يدبر المكائد ليستـولي على حكمك.
الربان:وكانت تقول: لا خير لك أن تسعى إلى عشيقة مريضة بأنفاسها الموبوءة بكرهك فتزيدك هلاكا، بل خير لك أن تعيش مع أسرة سليمة قوية، تضمد جراحك من وباء الطاعون. (يشير للجميع بالانصراف) من وسوس لها بأمر الطاعون؟ (تصيبه نوبة، ويلملم أطراف ملابسه ويضعها في فمه)أسمع أحد صراخي المؤلم وعويلي المدوي كل ليلة؟ أرآني خدمي وأنا على سريري أتلوى وأبلله بدموعي كل ليلة؟ كلاب جهنم تنتش لحم جسدي، كأنه لا سلطان لي عليه! يا لها من حياة بائسة، أعيش فيها وحيدا بلا سند! الحيـاة تشقيني والموت لا يريحني. كيف سأنفق ما تبقي من عمري بجوار هذا الملعون؟
الثائر: (ينشد، من خلف الربان والجوقة، بينما نسمع أصوات اعتراض ورصاص) من بعيد أرى الناس، مشردين على غير هـدى، يقودهم العقل المشوش، يبحثون للحلم عن عقل يرشده، يرتجفون خوفا من زمن كذوب والفقر على أبواهم حاصد، متناسين أن الأرواح غير خاضعة للموت. إن تخلصوا من الجوقة خلدوا، وإن فشلوا لن تبلى أرواحهم المستقرة في الأفئدة.
الجندي: (إلى القائد، في ظل تزايد أصوات الرصاص) سيدي. قذفونا بالحجارة فقذفناهم بالرصاص.
الفتاة:رصاصة مقابل حجر؟! الخلاص في الحيلة.
الثائر: (وقد قبض على حجارة بيده) الخلاص في القانون والحجارة.
الشاب:رصاصة بحجر؟! اخلعوا أقنعتكم التنكرية.
الحكيم:رصاص عاجز، ينطلق ليستقر كله في قلوبنا.
القائد:لابد من الشدة في مواجهة العصاة.
الربان:لقد اشتد الأمر هذه المرة. دبرني يا حكيم.
الحكيم:الكل مهزوم. ولن ينتصر نصف الوطن، وينهزم الآخر.
الفتاة:الكل رابح مع الحيلة.
الربان:كيف يعيش الإنسان بنصف جسد؟ هذا يحدث مع الطاعون!
القائد:الطاعون أن نطوقهم بقوتنا الغشيمة.
الحكيم:القوة؟ طاعون الضعفاء.
الفتاة: (تحرك الصنارة) بعدما تيأس الشعوب من ربانها، تدبر طاعون الحيلة، والحيلة في ميقات.
الحكيم: (إلى الربان) أتحدث إليك كما يتحدث الأصدقاء الأوفياء. الطاعون أن تترك الجميع يتحدثون بما يريدون، ثم لا تهتم لرأي وتقوم بما تريد.
الربان:ماذا تقول؟!
الفتاة: (تحرك الصنارة في الهواء) صديقي هو حيلتي.
الحكيم:صديقا صادقا، صديقا كاذبا. أيهما تختار؟
الربان:يا حكيم. أنت عاجز تماما؛ لا تملك مثلنا إلا أن تتفرج على الأمور وهي تسير نحو الأسوأ.
الحكيم:عاجز؟! صدقت, فأنت جعلتنا عاجزين، أقزاما، فما كبيرا للثرثرة دون أفعال.
الفتاة: (تحرك الصنارة في الهواء بقوة) الحيلة ليست عاجزة.
القائد: (تائها) عاجز؟ لست عاجزا. المعارضون قتلوا ابني. بتلسينهم على مكانتي، فقاده عقله الضيق إلى الانتحار، علق حبلا فوق مصراعي باب قصري، وضع رأسه في عقدة الحبل وتدلي البائس ضاغطا على العروة التي تخنقه. رأيته وكانت حركات قدميه تضرب الباب والهواء، كما لو أن صاعقة مسته فرجّته فقتلته، حاولت عابثا أن أفك الحبل عن عنقه البارد مـن شدة العقدة، أخذته إلى أمه جثة هامدة. وضعته على صدرها. كنت أبعدته عن صدري الموبوء بلهب الانتقام لأرحمه، مطوقة بذراعها جسم ابننا الساخن، زفرنا الأنين من قلوبنا المكدودة، أبدلت قلبي بقطعة من حديد لا تعرف الشفقة، وعزمت على تدبير حيلة قتلهم.
الربان:لا تلعب غير دورك يا حكيم، فأنت هنا لمشورتي وليس لكرهي وتلطيخ حكمي ومكانتي بين الخلق، عليك من الآن أن تخفض صوت كرهك لي قبل أن يسمعك شيطاني.
الحكيم:شيـطانك؟
الثائر:إن القضية هي البحث عن الشخص الذي يستطيع أن يتحمل عبء مهمة بـهذه الخطورة بالنسبة لسفينة كانت ذات يوم محل أنظار الكون، وأن يخلـف ملوكا وتاريخا بهذه العظمة.
القائد:أيها الربان. إني أنتظر أوامرك.
الفتاة: الحيلة أدبرها بمفردي. إن الأوامر الرسمية أصبحت في بلادنا مثل قطاع الطرق، إذا وجدوا فريسة، لا يقتلها واحد وإنما يقتلوها جميعا، فيشاع دمها بينهم، فلا يقتص منهم أحد.
الربان:أيها القائد. عليك بشق صفوفهم.
الحكيم:لقد بدأ الهلاك، وأنصحكم بالصمت.
القائد:إذن فلنبدأ بالزعيم الذي يفسد علينا ولاياتنا المديدة.
الربان:إنهم الشوكة التي تؤرق منامي.
القائد:هؤلاء الذين يدعـون الدين لن يفلتوا من قبضتي.
الربان:لا تنس هؤلاء الطلبة الذين هتفوا ضدنا.
الحكيم:الحياة مهزومة بلا شك على أيديكم. أي عجزي.
الثائر:الحياة لا بد لها من قانون، لابد من قوة تعضدها.
الربان:لا تتـرك أحدا ينعم بالاعتراض علينا.
القائد:هذه هي سياستي بلا شك. أوه. ليت الحظ يقودهم نحوي وجها لوجه، لأجرب فيهم غضبي، حيث أطرحهم أرضا، أتمدد فوق أجسادهم مثل الأسد الغاضب، ألتهم أحشاءهم، أمزق بأظفاري أعضاءهم الحية، حيث يسيل دمهم من حلقومي، تنبض تحت أسناني لحموهم المهروسة، يغيبـون في بطني الذي لا يشبع، أخرجهم وأنا أتناول كأسي الممزوجة بدمائهم، ومن يتبقي أقدمه على موائدي دون طهي.
الفتاة:لقد قدمت للحيلة طريقه هلاكك، على النحو الذي تدبره للآخرين.
الشاب: (يحرك شباكه) ماذا تخبئه هـذه الحيلة للقائد؟
الحكيم:الشمال يقاتل الجنوب.. الجنوب يقاتل الجنـوب.. الحاكم يقتل الشعب.. الشعب يقتل الحاكم..مئاتالجرحي.. مئات الثكلي.. مآتم للجميع.. نهر من دموع.. أنهار من دماء.. جسر من لحم الأبناء يعبر عليه الأعداء.
الجندي: (يصيح من الخارج) لقد هزمنا يا قائدي. تقدم المتمردون من الجنوب وتقدم الأعداء من الشمال.
الفتاة:لا داعي للعجلة، للحيلة ميـقات لا ريب فيه. لقد بحت أصواتنا وشجعناه، وقلنا له: هلم يا أحكم الناس أصـلح أمر السفينة، أنقذها وارفع أمرها، فكر في مكانتك ومكانتنا بين الأمم، لكن.
الحكيم: (إلى القائد) آن الأوان أن تتوقف، لا تزفر غضبك ولا تشحب وجهك، أغلق فمك على دم المجزرة الذي لا يزال يقطر منه.
الفتاة:الحيلة؟ ما فائدة السفينة إذا خلت ولم يوجد من يلوذ بها وقت الملمات، أراد أن يحكمها غير مأهولة بأهلها.
الشاب:أهلها؟ ألحت عليهم المصائب وتضاعفت آلامهم، لذا من حقهم أن يقدموا على أي فعلة تعيد إليهم حقوقهم المسلوبة.
الربان:صوت الطاعون؟ طاعون ينتشر في جسدي، يهيئ موتا شنيعا للملك، مستدعيا إلى ذهني صور المصائب التي كابدتها سلالة عائلتي العريقة. انظروا بأية ضراوة تدبر المكائد ضدي، وأية مؤامرة شنيعة تجهز للإطاحة برأسي، إذ تفترس الآلام الهائجة على الدوام حياتي. حياتي؟ حياتي دون ولد أو زوجة أو عشيقة.
الثائر: (ينشد من خلف الربان والجوقة) المحبون ليسوا مجرد أجساد بالية، بل أرواح خالدة، تظل بلادنا مفتوحة منيرة بقلوبهم، بعدما هل الربان بجوقته وجراده وطرد الغسق ضوء الغروب وغمر ليله الأرض بظلماته.
الشاب:أي فتاتي. أنا لم أعد قادرا على تحمل الوحدة، لقد هلك أهلي جميعهم في معتقلات الربان، أنا بدونك، لا حيلة لي ولا أمل، ضحية متروكة للألم والأرق والسهاد. إنني أسألك أن تعالجي دائي أو تشفي جراحي، بمبادلتي العشق بالعشق، ليست القضية في نظري أن أضع شكلا لحبي لك. إنما أريد أن أقيم سنة بين المحبين المخلصين: أن يواجهوا الصعاب بالحب، إنــه المخرج الوحيد لبقاء الإنسان عافيا.
الفتاة:الحب؟ لا تظن بي غفلة، فإن قلبي ليس من حديد أو حجر، تسعي لحبي وأرفض توسلاتك. إن عقلي لم يستـطع أن يتغلب على الهموم التي تثقل قلبي بالحيلة التي أدبرها، فضلا عن أن الحب أصبح ملكا لمن يقدر على ثمنه.
الشاب:الثمن؟
الفتاة:كان على أن أدفع ثمن سذاجة أبي وحيلة زوجته، التي هي أمي أيضا، والتي دفعتني عبثا إلى ما كانت تفعله لمزاجها من رذيلة، برغم براءتي طردني أبي، كارها إياي، وبرغم عارها أبقاها مكرما إياها. رحلت وأنفاسي المحروقة تتصاعد من روحي المنهكة. جسدي كله لم يكن إلا جرحا كبيرا عاريا ينبح على الدوام، ما كنت لأستعيد الحياة أبدا لولا وجودك بجواري، أردت معك أن أتجاوز كل الحواجز والأبواب الموصدة. لكن.. الحيلة تملكتني، جعلتني لا أرى سواها.
الشاب:الحيلة. هل ستفتح الحيلة لنا الأبواب المغلقة؟
الفتاة: دون شك.
الشاب:إن قلوب الوطن وناسه لا يفتحون بالحيلة.
الفتاة:لكن. سيقدرون فعلتنا بكل تأكيد.
الشاب:ماذا تقولين؟
الفتاة:أنت شريكي في كل شيء. إن أردت.
الثائر:القانون للجميع، لا قسمة ولا مشاركة.
الشاب:أنا لا أفهم شيئا.
الفتاة:من يشاركني قلبي يشاركني حيلتي.
الشاب:ماذا؟ (بعد تفكير) إذن أخبريني بحيلتك.
الفتاة:الوقت المناسب لم يأت بعد.
الشاب:لا تجعليني عاريا من المزايا في عينيك. إن حبي لن ينتهي لك إلا بنهاية حياتي، ووقتها سترين جسدي ساكنا هامدا أمامك إلا من حبك.
الفتاة: إذن. ابق بجواري نصنع حيلة جيلنا بأيدينا. إننا جيل من ضحايا الفقر والاستبداد، علينا ألا نترك حياتنا للربان.
الربان:الربان؟ ما زلت أسأل لماذا تضع الفتاة صنارتها…؟ لماذا مدت خيط أشراك السمك إلى هذا الحد؟ لماذا اختارت شص بهذا الحجم الكبير؟ لماذا وضع الشاب شباكه في الرمال؟ هل هرمت إلى الحد الذي صار الجميع يتآمر ضدي؟ ما كانوا يفعلون لو علموا أن الربان هربت منه العافية. كما ترون عشت كثيرا، وزحفت إلى الشيخوخة التي أتحملها وأنا أرتجف، أنتظر برعب ذلك اليوم الذي تتقلص فيه هامتي ويجعلني محنيا وتصبح أعضائي واهنة. ماذا؟ (يمسك رأسه) صوت الطاعون؟ توقف. وإن بدا لك أنني غير مستحق ذلك. لقد زادت علة شرودي وأنا عاجز بلا ريب. أرجوك. لا تفرغ محجر عيني من الضوء بيديك الوحشيتين. إن هذا الأقل هولا مما أخشاه بعد موتي. الموت الذي أراه جاثما أمام عيني التي كانت تطوف بالدنيا دون كلل. أريد أن أظل ملكا كاملا خالدا غير مشوه حتى بعد رحيلي.
- أبريل 2003م هو تاريخ سقوط مدينة بغداد