“إخناتون والكهنة” نص مسرحي جديد للكاتب المصري محمود القليني
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
مسرحية
إخناتون والكهنة
تأليف : محمود القليني
شخصيات المسرحية :
- إخناتون ………………….إمنحمات الرابع ملك الإمبراطورة المصرية.
- نفرتيتي…………………….الملكة الزوجة .
- تي …………………….الملكة الأم ..أم إخناتون
- آي …………………………أخو الملكة ( تي ) ومن رجال الملك .
- وزراء إخناتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون .
- حور محب ………………وزير الحربية .
- ماحو ……………….رئيس الشرطة
- ساتاو ……………………..وزير الخزانة
- دودو……………………..وزير الخارجية
- ماي ……………………رئيس القضاء الملكي
- نخت ياأتون ……وزير الأمن القومي .
- رعمسيس ….. مستشار الملك .
- آبي ……………………المشرف على البريد الذي يرد من الخارج .
- أحمس …………………كاتب الملك
- حويا …………………..ياور الملكة (تي )
- بارنفر ………………..مستشار الملك
- نفرو خبيرو …………حاكم ( أخيتاتون )
- بن حابو ………………العراف .
- باواح…………………كاهن ( أتون )
.
- كهنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة آمون
- رئيس الكهنة
- سنسورتس.
- نبراسيس .
- سنوهي .
- مارع .
- نسو .
- كتبة ومثقفون في قصر أخناتون
- كاجمني .
- باي خارو .
- رخ مي رع .
- بنات آتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون .
- مكت آتون
- بكتاتن
- مريت آتون
- حويا …………………..ياور الملكة (تي )
- بيك ……………………………………رئيس المثالين .
- زمان المسرحية : منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد .
- مكان المسرحية : تدور الأحداث ما بين مدينتي 🙁 طيبة) و( العمارنة )
المشهد الأول .
يسود الظلام المسرح ، تظهر طاقة ضوء في الجانب الشرقي من أعلى ، مضيئة سماء المسرح إضاءة خافتة ، يُسمع صوتُ زقزقة العصاقير ونوح الحمائم وهديل اليمام ، تتردد صدى مناجاة بصوت إنسان متضرع خاشع مع إتساع مساحة ووضوح طاقة الضوء شيئا فشيئا :
إنك تشرق جميلا في أفق السماء .
يا أتون الحي يا بدء الحياة .
إنك إذا أشرقت من جبل النور الشرقي .
ملأت كل بلد بجمالك ومحبتك .
إنك جميل . إنك عظيم .
إنك تتلألأ عاليا فوق كل بلد .
إن أشعتك تحيط بالأراضي كلها وبكل شيء خلقته .
لأنك رع ، وتستطيع الوصول إلى نهايتها .
وتستطيع أن تجعل كل بلد أسيرا لك .
إنك الإله الذي دان الجميع بحبك .
إنك ناء ولكن أشعتك على الأرض .
إنك تشرق على وجوه الناس .
ولا يستطيع أحد منهم أن يتكهن بسر قدومك .
[تختفي طاقة الضوء تدريجيا ، ويسود الظلام المسرح ثم يضاء ]
القاعة الرئيسة من قاعات قصر (إخناتون) في مدينة ( أخيتاتون ) بالعمارنة ،وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام : قسم خاص بالملك يتصدر المكان ، وعلى يمينه عدد من المقاعد والمناضد للوزراء ورجال الدولة ، وعلى يساره عدد من الأرفف مرصوص عليها لفائف أوارق البردي وأسفلها خزائن تحوي أكداسا من الأوراق من مختلف الأحجام والأشكال ، ومنضدة عريضة حولها مقاعد ، عليها لفائف من الأوراق والأختام وأدوات الكتابة ، أشعة الشمس تنفذ من خلال نوافذ القاعة لتلقي بظلالها على عدد من تماثيل (إخناتون) في أرجاء المكان ، ورسومات لجدارية كبيرة الحجم على الحائط لإخناتون وزوجته ( نفرت) ومعه بناته ، وفوقهم قرص الشمس تنساب أشعته الذهبية والتي تنتهي بأيدي مبسوطة تحيط بالجالسين، كبير المثالين ( بيك ) يقف يتابع ما حوله ويتمتم بكلمات وكأنه يحدث نفسه ومساعدوه ينظفون المكان بحرص وحذر ،وينظرون إلى التماثيل وإلى اللوحات على الجدران بحب وقدسية . يدور حديث هامس بينهم .
المساعد الأول : ( يشير إلى تمثال كبير الحجم لإخناتون ) كيف يسمح ملكنا المعظم بأن يجسم بتلك الهيئة وتلك الصورة والتي تساويه ببقية الناس ؟!
المساعد الثاني : كما تقول ..وهو من كان يجب أن تكون هيئته عين الكمال ، وصورته نبع الجمال ، لاسيما وأن الصدق في تجسيمه يبرز ما له من إعوجاج في الخلقة وانحراف في في بسطة الجسم ، أم أنه يريد أن يبعث على هذا الشكل ؟!
المساعد الثالث ) : مفزوعا ) صه ..قاتلتكم الآلهة ..أأخرجتكم الجرأة عن حدودكما..حتى لتتحدثا عن إعوجاج خلقة ملكنا المعظم ؟!
المساعد الأول : ألست معنا يا هذا …إن ما يحدث الآن لم نشهد له مثيلا من قبل ؟! لقد دأبنا ودأب معلمونا على خلق صفات الكمال والقوة على من يجسمونهم، لاسيما وإن كان التجسيم لملوكنا العظام ..فهذا يتوافق وما لهم من إحترام وتوقير وسمو في صدور شعوبهم ،( مشيرا إلى صورة إخناتون ) أما أن يجسم بتلك الهيئة فهذا لا يتوافق وما في الصدور والعقول من جلال وعظمة وجمال لملكنا المعظم !
المساعد الثالث : بلى ، إن ما تقولانه لعجيب …ولم الحيرة ؟ تعاليا نحدث معلمنا في هذا .
[ يتجهون إليه وهو جالس يتأمل تمثال ( إخناتون ) الذي يتصدر المكان ]
المساعد الثاني 🙁 مترددا ) سيدى ( بيك ) أتسمح لنا بمحادثتك لمدة وجيزة ؟
بيك : ( ملتفتا إليهم ) ما وقوفكم هنا ؟!أأنهيتم أعمالكم ، ملكنا المعظم على وشك المثول ، وهيا لننتقل إلى العمل في قاعة أخرى بعد أن أنهينا عملنا هنا في القاعة الرئيسة التي سيجلس فيها الملك ويجتمع فيها الوزراء وكبار رجال الدولة وكتبة الملك ، حتى نهيئ القاعات الأخرى من القصر .
المساعد الأول : نعم يا سيدي …ولكن شغلنا أمرٌ ونريد منك …
بيك : ( مقاطعا ساخرا) ومثلكم تشغلهم أمور !
المساعد الأول : ألسنا كبقية الخلق ؟!
بيك : لا ، لستم كبقية الخلق ..بل أنتم أشد غباء من الدواب .
المساعد الثالث :ومع ذلك لا نظفر بما تظفر به الدواب من حمد بعد كل هذا العمل ليلا ونهارا حتى تنتهي من تجهيز القاعة
المساعد الأول : كفاك جدلا أيها الزميل ..( يتجه إلى بيك ) سيدي ..أنظرت بعين عقلك لكل ما حولنا في القاعة ؟
بيك : ( يتأمل ما حوله بحرص مندهشا ) ما تقصد ؟!
المساعد الأول : أترى أمامك كمالا أو قواما أو شموخا أو سموا ..أترى ملكا يفخر الإنسان بالانتساب إليه ، ويرجوه في بشاشته ويخشاه في غضبه ؟!
بيك : (متأملا ما أمامه ) …………
المساعد الثالث : سيدى ( بيك ) لقد أمعنتَ في إبراز بعض الانحراف في خلقة الملك ، إن كان لهذا سببٌ فنحن لا نفهمه .
المساعد الأول : لقد كثرتْ الأشياء التي تعظم على أفهامنا في تلك الأيام ، انتقال الملك من طيبة إلى هنا ، وتولينا عن (أمون) إلى (آتون) …أمام كل تلك الأحداث نشعر وكأننا دواب لا تعي مما يدور حولها شيئا !
بيك 🙁 مشيرا إلى ما حوله من لوحات جدارية ) لقد استدعاني ذات ليلة ، وحدثني كثيرا عن ( الماعت ) وأخبرني أن أضحي بكل غال في سبيل ( الماعت ) وأول ما يحرص عليه الإنسان الصدق مع النفس ومع الناس .
المساعد الأول : وإن كان هذا الصدق سيظهر عيوبنا ؟!
بيك : ليس بعيب أن يكون لنا عيوب ..ولكن العيب أن نخفيها بسرابيل الزيف والضلال لقد قال لي ذلك .
المساعد الثاني 🙁 مقاطعا مشيرا إلى التماثيل حوله) ولكن ستكون تماثيلنا عاطلة من الجمال ، فنحن نصلح ما أفسدتْه الطبيعة ونقوم ما إعوج ، ومن هنا يكتسب فننا خلوده من جماله وجلاله .
المساعد الأول : وإلا فنحن لم نفعل شيئا طالما نسجل ما أمامنا بدون إصلاح أو تقويم .
بيك : ( مشيرا إلى قرص الشمس في اللوحة الجدارية) أبنائي ..الصدق كشعاع (أتون ) ، يضيء ويكشف ، ويبدد ظلمات الزيف ، ومع الصدق تظهر كل محاسنُنا وتختفي كل عيوبنُا .
المساعد الأول : (متعجبا) وهل سيكون هناك محاسن ونحن دائبون على كشف وفضح عيوبنا ؟!
بيك : لقد أخبرني ملكنا المعظم ( إخناتون ) بأن كل ما حولنا قد خلقه (أتون) كاملا جميلا ، وإن لمحنا عيبا فيه فذلك لأننا قاصرون عن إدراك ما فيه من جمال ..فالقبح في الشكل وإن كان قبحا فهو صدق ، والتجمل وإن كان جميلا فهو كذب ..فالجمال يولد من القبح كما يولد النور من الظلام .
المساعد الثالث : وهل تؤمن بكل ما يقوله ملكنا لا سيما عن الآلهة ؟
بيك : ولم لا …وهو يتلقى عن (أتون) .
المساعد الأول : سيدي …كيف يمكن أن تجمع الآلهة الثلاثة : (أمون) و(رع ) و(بتاح) في (أتون) ..تختفي كل تلك الآلهة ولا يظهر غير (أتون) ؟ ! وإن كان هو الإله الحق فلماذا لم يظهر سوى الآن ؟ أيمكن لإله أن يختفي كل تلك المدة …وفجأة يظهر ؟!
المساعد الثاني : ( ينهره ) مالك أنت وتلك الأمور التي تعظم عن أفهامنا ؟! إن كل ما نجيده هو كيف نجعل الحجر طوع بنانا …أما تلك الأمور فلا نفهمها .
المساعد الأول : أنه يعي أشياء لا نعيها .
المساعد الثالث : أليس بملك ؟ وإلا لماذا أختاره (أتون) دونا عن غيره ؟!.
بيك :(محتدا ) كفاكم جدلا ..الذي أريده منكم هو تحري الصدق في عملكم ..حتى ولو كنتم بإزاء القبح والدمامة ..فهذا ما يريده ملكنا العظيم .
المساعد الثالث : ( هامسا ) لقد ضاع الفن ..أصبحنا نهتم بالقبح والدمامة وأنصرفنا عن الجمال والجلال .
المساعد الأول : ( هامسا ) ما رأيكم لو صنعنا تمثالا ( لبيك) وصدقنا كل الصدق ؟
المساعد الثاني : ( ضاحكا ) لن يتفوه بمثل هذا الكلام مرة أخرى .
المساعد الثالث : ومن يدري ..لعلها تكون طريقة جديدة في الفن ..فالفن كالبحر الواسع .
بيك : ( منصرفا ) هيا اجمعوا معداتكم وننتقل إلى القاعة المجاورة .
[ يُظلم المكانُ ثم يُضاء ]
[تدخل الملكة (نفر) ووراءها بناتها يتقدمنها الوصيفاتُ ، تدور في أرجاء القاعة وتمس تماثيل (إخناتون) الواحد تلو الآخر في حب وشغف، تجفل بسماع صوت من خلفها]
الصوت : ( مداعبا ) صاحب التمثال أولى بتلك اللمسات الحانية .
نفر : ( تلتفت مندهشة ) مليكي (إخناتون ) ! منذ متى وأنت هنا ؟!
إخناتون : ( ممسكا بيدها مشيرا إلى محتويات القاعة ) ما رأيك يا مليكتي في أجمل قاعة بالقصر ؟!
نفر : ( مبهورة ) لم أتوقع أنها ستكون بهذا الجمال !
إخناتون : كانوا يعملون ليل نهار ، ستكون القاعة الملكية ، وأيضا مكانا لإجتماع الوزراء وكتبة القصر والمسجلين ، حتى ينتهوا من بقية قاعات القصر .
نفر : ( مشيرة إلى بناتها المتفرقات في أرجاء القاعة ) ( مريت أتون ) ( ملكت أتون ) ( عنخ أس أتون ) تعالين .
البنات : ( يحطن بأبيهم ويقبلن يده وفي صوت واحد ) ليحفظ أتون مليكنا ويبارك لنا في حياته .
إخناتون : ( متجها إلى كرسي العرش ) لكم أنا في شوق إليكن هيا نجلس .
ملكت أتون : ( تثب وتجلس على ركبة أبيها ) ونحن في شوق إليك فنحن لم نرك منذ يومين .
نفر : ( مستنكرة ) (مكت أتون) ..تعال وإجلسي هنا .
إخناتون : ( يربت على رأس ابنته ) اتركيها …فانا لا أشعر بالراحة والهدوء إلا وأنتن حولي ؛ ذلك لأني في أشد الحاجة إليهن بعد ما لقيتُه من الكهنة ..أعداء ( أتون ) .
نفر : ( مستفسرة ) هل تاكدت أنهم المدبرون لمؤامرة قتلك ؟
إخنانون : (محتدا) ومن تظنين غيرهم قادرين على مثل تلك المؤامرة ؟!
نفر : ( منزعجة ) لينصرك (أتون) عليهم ويحيطك بحفظه ورعايته .
إخناتون : يحزنني عداؤهم (لأتون )!
نفر : ( تقف غاضبة ) ولا يحزنك محاولاتهم قتلك ؟!
إخناتون : ( ينهض مقتربا من الجدارية مشيرا إلى قرص الشمس ) لا يشغلني أمر نفسي ، ولكن أمر ( أتون ) هو شاغلي .
نفر : ( تنهض وتقف خلفه واضعة يدها على كتفه ) لابد أن تضرب بيد من حديد .
إخناتون : ( مستديرا لها متعجبا ) ما معنى ذلك ؟! وماذا تقصدين ؟!
نفر : ( تشير إلى وصيفة من الوصيفات ) خذي الأميرات إلى مخادعهن ، ( وإلى بقية الوصيفات ) وأنتن إنصرفن إلى مقصوراتكن ( تلتفت إلى إخناتون وتمسك بيده ) لقد أعلنوا الحرب عليك ، وأمامك خياران إما أنت وإما هم .
إخناتون : ( مندهشا ) الحرب ! وما تظنني فاعلا بهم ؟!
نفر : ( محدقة في عينيه ) تغلق معابد (أمون) في جميع المملكة ، وتقبض عليهم وتحاكمهم وتسجنهم وتشتت شملهم ولو وصل الأمر أن تعدم الرؤوس لتنصاع لك الذيول .
إخناتون : ( يجذب يده من يدها مبتعدا ) لا ، لا يمكن أن أفعل ذلك ، لا لأنهم لا يستحقون ولكن ( مشيرا إلى صدره ) إخناتون منزهٌ عن ذلك ( مقتربا من الجدارية مشيرا إلى قرص الشمس ) علمني ( أتون ) الحب والرحمة والسلام ، وأمرني أن يكون طريقي مفروشا بالتسامح والغفران ، وألهمنى أن أكون رفيقا عطوفا حتى بأعدائي …
نفر : ( تقف بينه وبين الجدارية محتدة ) ولكنهم لن يكونوا رفقاء بك ولا رحماء بنا ، أتظن أن محاولة قتلك ستكون الأخيرة ، إنهم بدأوا في تحريض رعيتك عليك ويصفونك بأنك زنديق وأنك …
إخناتون : ( مقاطعا في حدة مبتعدا عنها ) لا تشعلي نار الكراهية ضدهم في صدري ، لقد تركتُ لهم العالم كله ، وأتيتُ إلى هنا لكي لا أدخل في صدام معهم .
نفر : (تجذبه إليها ) وربما يكون هذا خطأك الأكبر .
إخناتون : ( يبعد يدها عنها مندهشا ) خطئي ! أنت لم تحدثيني بتلك الطريقة من قبل ( مشيرا إلى صدره ) أنا الإمبراطور…أنا إخناتون !
نفر : ( تقترب منه محتضة إياه باكية ) وأنا أكثر من يحبك في هذا العالم ، لا أتخيل كيف أتحمل الحياة بدونك ، الموت أهون عندي من أن أفتح عيني ذات صباح ولا أجدك بجانبي ، أنت الهواء الذي أتنفسه ، بل أنت روحي .
إخناتون : (يداعب وجنتيها ويسير بها إلى كرسي العرش ) لنجلس سويا هنا ، مما تخشين علي يا مليكتي ؟!
نفر : (خجلى ) اقبل عذري على ما تلفظت به ، ولكنني ..
إخناتون : ( واضعا يده على فمها مقاطعا ) أعلم كل ما تفكرين به ، وقد أشار المستشارون علي بما يجب أن أتخذه من إجراءات ضد الكهنة ، وبإشارة منى تمتلأ بهم السجون وينفوا من الأرض ، وتغلق المعابد ( ينهض ويسير خطوات في المكان ، ويقف أمام الجدارية مشيرا إلى قرص الشمس ) ولكن كل هذا لن يرضى عنه ( أتون ) وأنا أتيتُ لكي أنشر الحب والسلام ، أجعل البشر كلهم إخوانا ، أنزع من قلوبهم الكراهية والحقد وأزرع مكانهما الود والحب ، يجب أن نتعلم منه ، إنه يحنو على الجميع بلا استثناء ، يمنح الحياة بكل سخاء لكل من يدب على وجه الأرض ، حتى من ينكر فضله ويجحد نعمه يعطيه الحياة ويمنحه القدرة ، أتدرين لماذا ؟
نفر : ( تنهض وتقترب منه ) لماذا ؟
إخناتون : لأنه يحبنا ، ولهذا خلقنا ، فسببُ الخلق الحبُ ، ولذلك هو يسامح ويغفر ويعذر ، لعل البشر يثوبون إلى رشدهم ويحبونه كما يحبهم .ولعل كهنة (آمون) يدركون هذا وأجدهم ذات يوم يطوفون بدروب ( أخيتاتون ) طالبين العغو والغفران من ( أتون ) .
نفر : ( ساخرة ) تلك أمنية نبيلة ولكني أراها مستحيلة يا مليكي .
الحاحب : ( مستأذنا ) السيد (بارنفر) يستأذن في المثول بين يديكم ملكنا المعظم .
نفر : ( تنصرف ) سأذهب إلى الأميرات ..وسننتظرك على طعام الغداء .
إخناتون : ( مرحبا ) (بارنفر) ..لقد كنتُ على وشك استقدامك .
بارنفر : ( منحنيا ) أنا طوع بنان ملك مصر العليا والسفلى ، الذي يعيش على الحق سيد الأرضين الذي يعيش على الحق سيد التيجان إخناتون ، الذي مدى حياته طويل
إخناتون : ( مداعبا ) يا لك من ثرثار لعين ، لماذا لم أرك طيلة أمس ؟
بارنفر : ( يتأمل ما حوله ) كنت أتنسم الأخبار في أرجاء ( أخيتاتون ) وأمضيت اليوم كله عند ( نفر خيبرو ) حاكم المدينة .
إخناتون : وما أحوال ( أخيتاتون ) ؟
بارنفر : أبواب ( أخيتاتون ) تستقبل كل صباح أفواجا من رعاع البشر وقد حار ( نفر خيبرو ) أيسمح بتواجدهم في المدينة أم يأمر بطردهم ؟
إخناتون : ( غاضبا ) كيف توصدون الأبواب أمامهم وقد إلتجأوا إلى ( أتون ) وقد آمنوا به ؟!
بارنفر : رعاع الناس لا جدوى منهم ، ما قصدوا أبواب ( أخيتاتون ) إلا ل…
إخناتون : ( ينهض ثائرا ويتحرك متوترا مقاطعا ) أليسوا بشرا من لحم ودم ؟!
بارنفر : ( مرتعشا ) بلى
إخناتون : ( يأخذ بيده ويجذبه نحو الجدارية مشيرا إلى قرص الشمس ) أترى أشعته المباركة يفيضها على كل البشر ، هل حجبها على فئة من الناس ووهبها لفئة أخرى ، أم أن أياديه ممدودة إلى كل البشر تشملهم بحبه وعطفه وعطائه ؟ بل إن هؤلاء الذين تقول عنهم رعاع هم الأولى بالرعاية والاهتمام لأنهم حُرموا من كل شيء ،وقصدوا ( أتون ) ولن يرد (أتون ) من يقصده حتى لو كان أشعث أغبر أجرب .
بارنفر 🙁 معتذرا ) كل يوم نتعلم منك الكثير والكثير ، سأخبر ( نفرو خبيرو ) أن يزيل أبواب ( أخيتاتون ) ويحسن استقبال كل رعاع المملكة .
إخناتون : ( مهددا ) إنهم بشر وليسوا رعاعا .
بارنفر : سمعا وطاعة ملكنا المبجل المعظم .
إخناتون : ( يعود إلى كرسيه محدقا في عينيه) تريد أن تخبرني بأمر ما ، هات ما عندك يا ( بارنفر )
بارنفر : ( مترددا ) لقد تناقشنا في هذا الأمر من قبل ، وأعرف موقفك ، ولكن الأمور تطورت بشكل سريع وخرجتْ عن سيطرتنا ولابد من إتخاذ إجراء و..
إخناتون : ( مفكرا ) تقصد كهنة أمون ؟
بارنفر :لقد تجاوزا كل حدودهم لا أريد ان أسمعك ماذا يقولون عنك .
إخناتون : ( مبتسما ) زنديق العمارنة ..أليس كذلك ؟!
بارنفر : ( ثائرا ) لابد من قطع ألسنتهم .
إخناتون : ( متسامحا) لعل الألسنة التي تريد قطعها اليوم تسبح بحمد ( أتون ) غدا .
بارنفر : لن يتخلوا أبدا عن ( أمون ) وليتهم يكتفوا بذلك ، بل سينشرون الفوضى والفساد في أرجاء الممكلة و ..
إخناتون : ( مقاطعا في ضيق ) وبماذا تشير أيها المستشار ؟
بارنفر : ( مترددا ) مجرد تحذير وإنذار حتى يعلموا أن (أتون ) كما هو ذو رحمة وشفقة فهو ذو بأس وقوة .
إخناتون : ( بأسى وكأنه يحدث نفسه ) نفس رأي الملكة كلكلم تريدون البأس والشدة ..ربما أكون مخطئا .
بارنفر : ( مقتربا ) هل يقول ملكنا المعظم شيئا ؟
إخناتون : ( منتبها ) وما ستفعلون معهم ؟!
بارنفر : ( مفكرا ) إغلاق بعض معابدهم ، مصادرة بعض أموالهم ، القبض على بعض من خاض في سيرة الملك المعظم .
إخناتون : ( ينهض متجها نحو الباب متوعدا ) لا يزد كل ما تفعلونه عن مجرد إنذار وتحذير ثم يُعاد فتحُ المعابد وتُرد الأموالُ إلى أصحابها ويُطلق سراحُ من قُبض عليهم، لدي أمل أنه في يوم سيقصدون أبواب ( أخيتاتون) فهو الذي رحمهم من عذاب ونجاهم من هلاك .
[تظلم القاعة ثم تضاء ]
يدخل ( أحمس) كاتب الملك ووراءه مساعدوه من الكتاب والمسجلين حاملين لفائف من أوراق البردى من مختلف الأحجام والأشكال يجلسون إلى المنضدة ويضع كل منهم ما يحمله عليها }
أحمس : (مشيرا إلى الأرفف في ركن القاعة ) (كاجمنى) راجع كل الرسائل التي وردتْ بالأمس ورتبها كي نرسلها إلى الوزارات، ( باي خارو ) ما تم تسجيله بالأمس عن يوميات ( العمارنة ) ضعه في مكانه من الأرفف ، ( رخ مي رع ) رتب السجلات التي على المنضدة وكذلك الأختام وأزل الغبار عن اللفائف ولا تنصرفوا إلا والمكان في قمة النظافة وكل شيء في مكانه ، سأذهب عند ( آبي ) كي أستلم منه الرسائل الواردة من الخارج.
كاجمني : ( مستفسرا ) ماذا تقرأ ؟
باي خارو : ( مقلبا ما بيده من أوراق) لا أدري!
كاجمني : ( متعجبا ) إذن ماذا كنت تفعل ؟!
باي خارو : (ناظرا إلى تماثيل إخناتون وإلى الجدارية التي تغطي الحائط قائلا في حيرة ) كنت أفكر فيما يحدث حولنا !
كاجمني : وما الذي يحدث ؟
باي خارو : (ينقر بأصابعه فوق المنضدة) هذا ما نحن في حاجة إلى معرفته ، لقد تعودنا أن نكتب اليوميات ( رافعا لفائف الأوراق ) وأن نقيِّم الأحداث ونسجلها ونعطي لها أسماءها أما ما نواجهه الآن …
كاجمني : ( مقاطعا ) تقصد مجيئنا إلى ( أخيتاتون ) ؟
باي خارو : ( يبسط ذراعيه على المنضدة ) وأمور كثيرة غير ذلك .
كاجمني : ( ساخرا ) أنت تعطي الأمر أكثر مما يستحق .
باي خارو : ( متعجبا ) إن ما يحدث لغريب ، فلم يسبق في تاريخ مصر كله أن تزعم ملك مثل تلك الدعوة ، وبمثل هذا الإصرار والعناد .
رخ مي رع : ( مقتربا منهما وكان ينصت لما يدور بينهما وبيده مجموعة من الأوراق ) الحق ما يقول ( باي خارو ) فليس من عادة الملوك أن يكونوا أصحاب دعوة دينية ، وأكثر شيء يحرص الملك عليه السلطة وأي دعوة دينية قد تقوض السلطة .
كاجمني : ولكن الناس يأتون كل صباح إلى( أخيتاتون) .
رخ مي رع : ( ضاحكا ) إن من يتبع إخناتون يتبعه لكونه ملكا ، بينما يريد ممن يتبعه أن يعتبروه ابن أتون والمتلقى عنه .
باي خارو : ( متعجبا ) وهل هناك فرق ؟!
رخ مي رع : ملك.. أي يحكم تلك المملكة التي نعيش فيها ونحن رعاياه ، أما كونه (إخناتون) فكل الناس في المملكة متساوون مع إخناتون ، لا فرق بينه وبينهم سوى أنه يتلقى عن (أتون) ويخبرهم بما تلقاه .
باي خارو : ( متعجبا ) كأن إخناتون يرفض أن يكون ملكا ؟!
رخ مي رع : لا شك في هذا ، فالبشر عنده سواسيه ، كذلك لا فرق بين (مصر وبقية البلدان .
باي خارو : إذن ( إخناتون ) لا يسعى لأن يكون ( أتون ) عقيدة للمصريين فقط .
رخ مي رع : إخناتون يريد أن يكون(أتون) إله للعالم كله شرقه وغربه شماله وجنوبه ، يريد البشر كلهم يسيرون سيرته كإخناتون ، والعالم كله يكون ( أخيتاتون ) .
باي خارو : أهذا يمكن تحقيقه ؟!
رخ مي رع : لا ، هو لا يحاول تحقيقه ، لأنه يراه قد تحقق فعلا ، لأن تلك إرادة ( أتون ) وما يريده (أتون) لابد أن يكون .
باي خارو : ( يمسك رأسه ) إن رأسي يدور .
رخ مي رع : ( ساخرا ) ليس رأسك فقط .
باي خارو : والحل ؟!
رخ مي رع : لا يوجد حل .
باي خارو : لماذا ؟
رخ مي رع : لأن الصراع هنا صراع بين الألهة .
باي خارو : ما تقول ؟!
رخ مي رع : أو صراع بين بشر يرون أنفسهم نائبين عن الألهة، الكهنة يرون أنفسهم نائبين عن ( أمون ) وإخناتون يرى نفسه نائبا عن ( أتون ) ، والفرق بينهما ، أن الكهنة يضحون بكل شيء في سبيل مصالحهم ، وإخناتون يضحي بكل مصالحه بل بكونه ملكا في سبيل ( أتون )
باي خارو : إذن إخناتون على حق .
رخ مي رع : ربما ، فكلها وجهات نظر .
كاجمني : ( وكان منصتا لما يدور بين رفيقيه ) قد لا يُكتب لتلك الدعوة البقاء .
رخ مي رع : أو تبقى طالما (إخناتون) باق وتنتهي بإنتهائه .
باي خارو : ولماذا لا تقول إخناتون ينتهي بإنتهاء دعوته ؟
رخ مي رع : لقد فتح بابا للعالم لن يغلقه أحد بعده أبدا.
كاجمني : ما هذا الباب ؟!
رخ مي رع : ( مشيرا إلى الجدارية ) أن يجمع الألهة كلها في إله واحد .
كاجمني : ولكننا تعودنا أن قوة الألهة مستمدة من كثرتها وتنوعها ، فهي ( أمون ) في شفافيتها وتغلغلها في جميع الكون والمخلوقات ، وهي ( رع ) في ضيائها ، وهي ( بتاح) في خلقها وإبداعها وهي ( خنوم ) في صنعها للبشر صورهم وأشكالهم على عجلة فخارها ، فكيف يصنع كل هذا إله واحد ؟!
رخ مي رع : كما يقول (إخناتون) حينما سألناه ذات مرة وأجابنا أن القوة الحقيقة ليست في الكثرة وإنما في الوحدة والتفرد ، فالذي يخلق الكتوت في قلب البيضة ، هو نفسه الذي يبث الروح في الجنين في أحشاء الأنثى وهو الذي يجعله ينمو ويعطيه صورته وشكله ، أشياء كثيرة مختلفة تحدث ولكن هناك شيئا واحدا يجمع بينها هو الخالق ، وأنه شيء لا يسع العقل إلا التسليم به .
كاجمني : ( مبهورا ) لكم هو عظيم هذا الرجل ، ولكم هي عظيمة دعوته تلك .
رخ مي رع : أخشى أن تكون عظمته وعظمة دعوته أكبر منا .
كاجمني : ما معنى ذلك ؟!
رخ مي رع : أنها سابقة عصرها وأوانها .
كاجمني : وما دليلك ؟
رخ مي رع : إذا كنا نحن المثقفين اختلفنا على تقييم الدعوة ورأينا فيها العجب لخروج تعاليمها على ما تعودنا وألفنا فما بالك ببقية الناس الذين لا يهتمون إلا بالخبز ؟!
كاجمني : وما يدريك أنهم لا يعرضون الدعوة على عقولهم كما نفعل ؟
رخ مي رع : ( متعجبا ) وعلام يعرضونها ؟!
كاجمني : على قلوبهم وضمائرهم .
رخ مي رع : ( مفكرا ) المستقبل هو الذي سيحكم على الدعوة وصاحبها .
كاجمني : ( متلفتا حوله ) لقد تأخر بنا الوقت هيا لننصرف
باى خارو : ( منصرفا ومعه رفقاؤه ) لننصرف بدون إحداث أي ضجة .
إظلام .
المشهد الثاني
في قاعة من قاعات القصر الذي هجره (إخناتون ) في مدينة (طيبة) تخطو الملكة الأم
( تي ) بخطى متثاقلة وتتقدم من كرسي العرش ، تنظر حولها بدهشة ..يدخل الحاجب معلنا عن وصول العراف العجوز ( أمنحتب بن حابو )
تي : ( مرحبة ) أجلس أيها الخادم المخلص .
ابن حابو : (يتلمس طريقه بعصاه الطويلة ) مليكتي ، ما تلك الأشباح السوداء التي تطوف حولك وتحجب نور بهائك عنا ؟!
تي : ( ساخرة ) أشباح ..وسوداء ؟! أرأيتهم يا ابن حابو ؟!
ابن حابو : ( مبتسما ) سخريتك مني تثلج صدري ، ولا أدري أأنزلت الألهة بي نعمة أم نقمة بأخذها بصري وجعلتني أعتمد على بصيرتي وليس على بصري ، فأكثر الناس ضلالا من يرون بأعينهم فحسب ، فهي كاذبة وما تراه غالبا يكون زائفا .
تي : ( تحدق في ملامح وجهه ) وما الذي تراه الآن يا ابن حابو ؟
ابن حابو : ( يمد يده أمامه وكأنه يتصفح صفحات كتاب ) أرى أمامي روحا حائرة تريد أن تستقر ، ونفسا معذبة تود أن تستريح .
تي : ( تنهض وتأخذ بيده وتجلسه ) ابن حابو ..أكل ما يحدث لنا من صنع الالهة ؟
ابن حابو : ( يتحسس حانب المقعد ) لا ريب في هذا .
تي : ( تدور حوله ) فما بالها تفتن في تعذيبنا ؟
ابن حابو : ( يضع عصاه بين ركبتيه ) إن من العذاب ما هو رحمة ، وإن كنا عاجزين عن معرفة حكمة الألهة من إنزال العذاب بالبشر ..وكل ما نعلمه أن كل ما تفعله الألهة خير وإن كان في ظاهره شرا .
تي : ( تعصر يديها بتوتر ) أتعذبهم كي يجأروا لها بالشكوى ؟!
ابن حابو : ( مبتسما ) وماذا تأخذ الألهة من عذاب البشر ؟
تي : (تجلس بجواره) أشعر أن قلبي مريض وروحي عليلة .
ابن حابو : ( يرفع يده إلى أعلى ) الابن (إخناتون ) .
تي : ( تضع يدها على صدرها ) لقد أصبت موطن الداء ومقر العلة يا ابن حابو .
ابن حابو : ( يقلب مقبض العصا في توتر ) الطريق مظلم حوله ويزداد إظلاما وأفاعي الوادي وتماسيح النهر تحيط به من كل جانب ..
تي : ( تنهض مفزوعة وتمسك بكتفيه ) ثم ماذا ؟! أكمل يا ابن حابو بحق الألهة …أحدث شر لإخناتون ؟!
ابن حابو : ( يربت على يدها الموضوعة على كتفه ) لا نفزعي فلن يحدث له شر .
تي : ( متعجبة ) كيف ؟!
ابن حابو : فقد انشقت الأرض من تحت قدميه ؟
تي : ( مبتعدة عنه في جزع ) انشقت الأرض من تحت قدميه وتقول لن يحدث له شر ؟!
ابن حابو : في أوقات تكون باطن الأرض أسلم وأفضل من ظهرها .
صوت : ( ساخرا) إذن نرسلك إلى باطن الأرض إلى غير رجعة أيها العراف المخرف ونريح العالم منك ومن ترهاتك .
تي : ( تستدير إلى مصدر الصوت غاضبة ) أخي ( أي ) لقد أخبرتُك أكثر من مرة ألا تدخل على بدون إذن …سآمربعقاب الحاجب أن سمح لك بالدخول هكذا !
أي : ( ساخرا ) على رسلك أيتها الملكة ، أنا لستُ بالغريب حتى أطلب الأذن ، والحاجب موجود بالخارج وأنا الذي منعتُه من إخبارك بقدومي حتى أسمع بعض ترهات ابن حابو ( يتقم منه ساخرا ) منذ متى باطن الأرض خير من ظهرها أيها الأعمى ؟!
ابن حابو : ( يثب واقفا تتقدمه عصاه ) إن أذنت لي الملكة بالإنصراف .
أي : ( يعترضه ) إلى أين يا ابن حابو ؟أوكلما رأيتني انصرفت مسرعا ..أتخافني ؟ !
ابن حابو : ( يغير وجهته مبتعدا عنه ) وكيف أخاف من لا أراه .
أي : أتقصد أنني لستُ بالموجود ؟!
ابن حابو : إذن من الذي يسد الطريق أمامي الآن ؟
أي : ( يمسك بطرف العصا ) أأنت خارج إذن ؟
ابن حابو : ( يجذب العصا مبتعدا عنه ) نعم ، فلقد ألم بصدري ضيق ، وأتلمس أن أجد له مخرجا .
أي : ( يتنحى عن طريقه ) تفضل أيها الأعمي .
تي : ( مستنكرة في غضب ) لم أرك من قبل هكذا ثائرا غاضيا .
أي : ( يتحرك بتوتر ) غاضبا وثائرا بسبب ما صارت إليه المملكة .
تي : ( متعجبة ) المملكة ؟!
أي : نعم ، المملكة موزعة بين الملك .. الابن الذي ترك العالم كله وأنزوى في بفعة صغيرة تسمى ( أخيتاتون ) ، وبين المكة الأم التي تركت رجال وزعماء وساسة المملكة وجلست تستمع إلى ترهات عجوز أعمي يعجز أن يقود نفسه .
تي : ( تنتفض غاضبة في مواجهته ) المملكة موزعة بين كثيرين وأولهم أنت .
أي : ( مندهشا ) ماذا تقصدين ؟!
تي : ( تقترب أكثر منه رافعة يدها نحوه ) بماذا تفسر ما فعله كهنة (أمون) ، والذي أعرفه أن بينكم علاقات وثيقة ويعملون لك ألف حساب ؟
أي : ( ينهض ماسحا على صدره بعنف ) أهذا إتهام صريح لي بأنني من يقف وراء عملية إغتيال الملك ؟!
تي : ( تجذب يده قابضة عليها بقوة ) لن تستطيع أن تقنعني أن مؤامرة الأغتيال مرتْ بمعزل عنك ، فأن لم يكن لك يدٌ فيها فإنك على الأقل كنت تعلم بما يُدبر في الخفاء ووقفت صامتا ، وأنت تعرف معنى الصمت في تلك الأحوال .
أي ):يخلص يده مبتعدا عنها في أسى ) أيمكن أن أصل إلى هذا الدرك من الضعة والدناءة ..أتآمر على قتل الملك ..ابن اختى ..ومن التي تقول ذلك ؟! ( يعود إليها صارخا ) هذا الاتهام قد أقبله من أي شخص إلا منك ، وهذا القول قد يقدر على قوله إي إنسان فأصدقه ولكن أنا أكذب أذني فيما سمعتُ منك ولا أطاوع عقلي فيما فهمتُ عنك، أنا ..أنا..لم يضح أحد مثلما ضحيتُ لتبقى تلك الإمبراطورية واقفة على قدمين ثابتتين متحدية كل العواصف والأعاصير التي مرت عليها ، ( يستدير موليا لها ظهره ) ولكن العاصفة تلك المرة أقوى مننا ..
تي : ( تتقدم منه محتضنة إياه وتجهش بالبكاء )لا أدري ما الذي أقوله ..لم أعد أستطيع التفكير ، فإن ما يفعله بي ولدي لهو الجنون بعينه .
أي : ( يستدير إليها ويمسح دمعها ) عزيزٌ علىَّ أن أرى دموعك وقد عهدتُك أقوى من عرفتُ من النساء .
تي : ( تتهاوى على كرسي العرش في أسى ) ما يفلعه حتما سيقضي علىَّ .
أي : ( مواسيا ) أنت أقوى من ذلك ، وأريد أن أطمئنك قد لا يكون الكهنة هم المدبرين ذلك ، وإن كانت منهم فهي من بعض الكهنة المتهورين ، ولسوف يكون لي معهم تصرف آخر ،أما الملك فليعتقد بما يشاء ولكن لا ينسى أنه في المقام الأول ملك من واجبه المقدس الحفاظ على تلك الإمبراطورية الواسعة لا أن يكون أول الضاربين في قواعدها الراسخة ليحطمها .
تي : ليس هو فقط ولكن معه زوجته أيضا .
أي : نعم فهي على شاكلته ..بل أخال أنها أصلب رأيا منه ، ولا تستبعدي أنه يستمد عناده وإصراره منها ..المهم ماذا نحن فاعلون الآن ؟
تي : ( تنهض وتسير خطوات في أرجاء المكان ثم تلتفت إليه ) عليك بالذهاب إلى (إخناتون) وأعرض عليه كل أمور الإمبراطورية ، وحاول إقناعه بالعودة إلى (طيبة) ، حينئذ لا يبقى لنا سوى الكهنة ، فإذا أعدناهم إلى أيدينا وجبرنا ما صدعه (إخناتون) أمنا شرهم .
أي : أنا كفيل بكهنة (أمون) ..وسأعرف كيف أروض تلك النمور الشرسة .
تي : ماذا ستفعل ؟!
أي : ( مشيرا إلى تحت قدميها ) سآتي بهم إلى هنا .
تي : ( مندهشة ) تأتي بهم ؟!
أي : وما في ذلك ؟! ألست الملكة الأم ؟! وأليسوا كهنة أمون ؟!
تي : ( تغادر المكان ) لتفعل ما تراه صوابا أني مجهدة سأذهب لأنام .
إظلام .
المشهد الثالث .
في معبد الكرنك ، معقل ( أمون ) زعماء الكهنة مجتمعون في إحدى قاعاته ، وقد ثار بينهم لغط شديد تطور إلى الشجار وأن يشتم بعضهم بعضا ،وبأيديهم قرارت غلق بعض المعابد ومصادرة أموال عدد من الكهنة والقبض على أخرين ، ، يتحرك الكاهن ( سنوهي ) ويقف بجوار كبير الكهنة واضعا يده على جانب كرسي كبير الكهنة رافعا يده الأخرى مصوبا نظراته الغاضبة إلى الجميع .
سنوهي : ( يسير خطوات حتى منتصف القاعة صارخا فجأة ) صهٍ قاتلكم (أمون) .وأنزل في قلوبكم سم أفاعي الوادي ، وساق إليكم تماسيح النهر لتنهش أكبادكم وتمزق أجسادكم ..أنحن في حاجة إلى أن نكون على قلب رجل واحد أم نتفرق شيعا وأحزابا ونتصارع كالكلاب القذرة ..إن ما وصلنا إليه نحن سبب له ، فقد أنصرفتم إلى الحياة الدنيا وألهتكم بزخرفها الكاذب ونعيمها الزائف ، وأصبح كل همكم كنز الذهب والفضة وضم الأراضي الواسعة والمفاخرة بينكم أيكم أكثر مالا وأطول أرضا ..ونسيتم أنفسكم ..أنكم كهنة ..كلنا شركاء فيما حدث لأمون وحدث للبعض من مصادرة أموال وسجن ونفي ، و(أمون) ينظر الآن من عليائه ..ينتظر ماذا سبفعل حماته وأتباعه ..ليسأل كل منكم نفسه ماذا سأفعل؟!
سنورتس : ( ينهض غاضبا مشيرا إلى سنوهي ) كفاك توبيخا لنا ، وليس معنى أنك نائب كبير الكهنة أن نسمح لك بقول لم يقله كبيرنا نفسه .
كبير الكهنة : ( مشيرا إلى سنوهي ) لو لم يقل (سنوهي) ما قاله لأسمعتكم أسوأ مما قاله .
مارع : ( متقدما من سنوهي ) دعونا أيها الكهنة من قيل وقال… ماذا نحن فاعلون الآن ؟
نبراسيس : ( مفكرا ) معك حق ماذا نحن فاعلون ؟ فطالما بقى هذا الرجل على العرش فالكل يعرف مصيره إما السجن أو النفي أو الإعدام ؟
نسو : ( بصوت منخفض ) لقد حاولنا قتله ولكنه نجا منها .
سارع : ( مغتاظا ) إنه كالقطط بسبعة أرواح .
سنوهي : ( موبخا ) أنت يا (نسو) ويا (سارع) ..لقد دبرتما تلك المؤامرة ولم تستشيرونا فيها و …
نسو : ( مقاطعا في حدة ) لا أنت ولا كبيرنا كنتما ستوافقان .
سارع : ثم إن هدفنا واحد وهو الخلاص من إخناتون .
سنوهي : ألم تفكروا لحظة أن مؤامرتكم قد تفشل ؟!
مارع : ( مرعوبا ) (سنوهي) معه حق وبالفعل المؤامرة فشلت .
نبراسيس : وحالفنا الحظ أن (ماحو) رئيس الشرطة أمر بقتل تلك الشرزمة البلهاء التي نفذت المؤامرة .
مارع : ماذا لو تم القبض عليهم أحياء وأعترفوا بكل شيء وهم تحت سياط التعذيب ؟!
نبراسيس : ومع كل ذلك فالكثيرون يشكون أننا لنا يد في هذا .
نسو : كيف ؟! ولا يوجد دليل واحد .
سنوهي : يوجد أقوى دليل ، وهو المصلحة ، لو سألت أي شخص في مصلحة من قتل إخناتون ؟ سيقول لك كهنة أمون .
سنورتس : (متضايقا ) نحن ندور في حلقة مفرغة والوقت ليس في صالحنا ، ماذا علينا الآن أن نفعله ؟
كبير الكهنة : ( مشيرا إلى سنوهي ) لنترك (سنوهي) يجيب ، فهو أقدركم على التصرف في مثل تلك الأمور الحرجة والخطيرة .
مارع : ( مؤيدا ) نعم ، فهو أقدرنا بما له من عقل متمرس وخبرة عميقة .
سارع : ( مبتسما ) ودهاء ومكر لا يعرفه إلا من جربه .
سنوهي : ( يسير بينهم مطرقا ثم يرفع رأسه محدقا في وجوههم ) أنا لا أري أي خطورة فيما اتخذه إخناتون ضدنا ، وكل ضربة يوجهها لنا هي قوة لنا وإضعاف له .
مارع : ( متعجبا ) كيف هذا ؟!
سنوهي : إن ولاء الناس مازال موصولا (بأمون ) فهم يأتون كل صباح ولا تسل عما يشتعل في قلوبهم من مشاعر الغضب والثورة حينما يجدوا أبواب معابد أمون موصدة في وجوههم ، ويجب علينا أن نوجه هذا الغضب ونحيله إلى ثورة ضد ملكهم .
سنورتس : أتقصد أن نضرم نار الكراهية في قلوبهم ضد إخناتون ؟
سنوهي : ليس في (طيبة) فحسب بل في جميع أنحاء الممكلة .
مارع : ولنتركه يوجه ضرباته .
نبراسيس ولنظهر بمظهر المظلومين .
نسو :والناس دائما يتعاطفون معهم .
سنوهي : ونحن ضمير الناس ، فالظلم واقع على الناس والظالم هو ملكهم .
كبير الكهنة : ولن يعطي هذا ثماره إلا إذا جددنا الدعوة ل (أمون) ..مع أن قلوب الناس عامرة به ، ولتكن دعوتنا ضد (أتون) في الخفاء وضد إخناتون ..واتصلوا بكل الكهنة في مصر وخارجها ، نريد أن نثير كل مصري ضد هذا الرجل .
سنوهي : ( مشيرا إلى الجميع) لنترك بروجنا وننسى أطماعنا وننزل إلى الناس نبصرهم بما فعله ملكهم بأمون وكهنته .
سنورتس : ولنمزق من على جسده جلباب السلطان .
مارع :ولنكسر صولجان الملك .
نبراسيس :ولنلبسه سرابيل الجنون والفسق والزندقة .
نسو : ولن تجدوا مشقة في ذلك .
سنوهي : فالناس يجدون متعة في تلويث النظيف .
سنورتس : وتدنيس الطاهر.
مارع : وإسقاط المرتفع .
نسو : وحينئذ لن يكون ل (أتون) أتباع .
نبراسيس : ولا أنصار .
سنورتس : حينئذ يرجع إلينا خاضعا .
مارع : ذليلا.
نسو : يستمد منا ما استمده الملوك من قبله .
سنوهي : ( مفكرا ) ولكننا نسينا شيئا في غاية الخطورة .
الجميع : ( في صوت واحد ) ما هو ؟!
سنوهي : (أي) خال ( إخناتون ) وأخو الملكة الأم ( تي ) .
كبير الكهنة : ( مفكرا ) معك حق ، أنه سندنا ورجلنا .
نبراسيس : وطالما قدم لنا خدمات جليلة .
سنورتس : ولكن ما أعلمه أنه غير راض عما فعله ( إخناتون ) .
سنوهي : ( ساخرا ) وليس معنى ذلك أن يكون راضيا عن مؤامرة قتله .
مارع : أو على ما سوف نفعله ضد إخناتون .
سنوهي : سنفعله كل شيء بدون أن نظهر أمام الناس .
نبراسيس : لا شيء يخفى عن ( أي ) فهو على علم بكل ما يحدث في المملكة .
نسو : إنه أخطر رجل في المملكة كلها .
كبير الكهنة : اتركوا ( أي ) لي أنا أعرف كيف أحافظ على علاقتنا به ( رافعا يده ) أما وقد عرف كل منا واجبه فلنفض الاجتماع ، وليكن ما دار بيننا اليوم سرا لا يعلم به أحد وإلا الجميع يعرف المصير المحقق .
[ إظلام ثم إضاءة ]
يدخل ( أي ) ووراءه مساعده (نارمر ) و ( أوناس ) رئيس خدم المعبد .
أي : ( ملتفتا إلى (أوناس) مربتا على كتفه) اليوم أثبت أنك من أخلص الرجال الذين صادفتهم ولك منى مكافأة كبيرة على إتاحة الفرصة لي لأطلع سرا على اجتماع كهنة أمون .
أوناس :(ممتنا ) أكبر مكافأة أن أتحت لي الفرصة أن أشرف بتقديم خدمة لشخصكم الجليل .
أي : اذهب وكن على يقظة وحذر خوفا من عودة أحدهم .
أوناس 🙁 متجها نحو الباب ) لقد أنصرفوا ولن يعودوا إلا غدا فلا تخش شيئا .
أي : ( يسير مطرقا وكأنه يحدث نفسه ) كما توقعتُ اثنان منهم هم من دبروا المؤامرة وبدون علم بقية الكهنة ، كما قلتُ للملكة .
نارمر : ( يقترب منه ) أتقول شيئا يا سيدي ؟
أي : ( منتبها ) هؤلاء الكهنة أمرهم عجيب .
نارمر : وماذا سنفعل بهم ؟
أي : ( ساخرا ) بل قل ماذا سيفعلون بنا ! كما سمعت أنهم يملكون من أمور المملكة ما لا نملكه .
نارمر : تقصد من ؟
أي : ( يذهب ويجلس على مقعد كبير الكهنة ) الناس في المملكة .
نارمر : ( يجلس بجواره ) لنحيل بينهم وبين الناس .
أي : كيف ؟!
نارمر : السجن ..النفي ..
أي : ( ينهض مقاطعا ) هؤلاء هم الرؤوس ، ولهم أتباع في جميع أنحاء المملكة وهؤلاء الأتباع أخطر وأشرس منهم .
نارمر : ( متعجبا )أتباعُ الكهنة أخطرُ وأشرس من الكهنة أنفسهم ..كيف ؟!
أي : لأننا لا نعرفهم ولا نعرف أماكنهم ، وهم أشد تعصبا ورعونة من الكهنة أنفسهم ، على الأقل الكهنة يحكمون العقل وأيضا يضعون مصالحهم في الحسبان .
نارمر : ( مندهشا ) ظننتُ أن الكهنة .
أي : ( محدقا في عينيه ) ليسوا ملائكة .إنهم بشر وكما سمعت من نائب كبير الكهنة كيف وبخهم على أطماعهم وتكلابهم .
نارمر : إذن الملك إخناتون على حق .
أي : ( مربتا على كتفه ) ولا الملك إخناتون ، فهو مثلهم لا يري إلا ما يريده .
نارمر : ( مندهشا ) هل تسوى بين الملك والكهنة ؟!
أي : كلاهما حريصٌ ومستميتٌ في تحقيق هدفه ،الكهنةُ حريصون على مصالحهم ويرون أن ما يدعو إليه (إخناتون) ضياع لهم ولمكانتهم ومصالحهم ومكاسبهم ، وإخناتون حريص على نشر عقيدته حتى لو أدى هذا الأمر إلى إنهيار المملكة وإحداث فتنة لا تبقي على أحد .
نارمر : ونحن مع من ؟
أي : (مفكرا) لا مع الملك ولا مع الكهنة .
نارمر : وماذا سنفعل ؟!
أي : ( مشيرا له أن يتبعه ) سنحاول أن نخرج المملكة من هذا الإعصار بأقل الخسائر الممكنة .
نارمر : كأن هناك خسائر .
أي : ستخسر المملكة كما لم تخسر من قبل ..الأمر أخطر مما تتصور ، لتحمي الألهة البلد كما حمتها من قبل ، فالأمر – أظن – على وشك أن يخرج من يد البشر .
إظلام .
المشهد الرابع .
القاهة الرئيسة بقصر (إخناتون) بالعمارنة ، الساقون يعدون أقداح الشراب حتى يحضر الملك .
رئيس السقاة : ( محذرا السقاة )لا تكسروا شيئا ، فما كسرتموه بالأمس لا يحصى ..( مشيرا إلى ساق ) انتبه أيها الأعمى ..لا تتمايل هكذا.
الساقي الأول : ( يشم قناني النبيذ ) إن رائحة هذا النبيذ تسلب الروح من الجسد .
الساقي الثاني : ( ضاحكا ) هذا يفسر ما حدث بالأمس ..فقد كنت جسدا بلا روح .
الساقي الأول : نعم فقد شربتُ قليلا منه ..ولا أحدثك عما شعرتُ به .
رئيس السقاة : ( صائحا )أنهيا عملكما ..فملكنا المعظم على وشك الحضور .
الساقي الثاني : ( هامسا ) أرايته بالأمس كيف كان يجلس بين بناته الأميرات بضاحكهن ويلاعبهن ؟!
الساقي الأول : نعم ، فهو يتبسط مع بناته أكثر مما نتبسط نحن مع أولادنا .
الساقي الثاني : ذلك لأنه يحبهن حبا جما ، لا سيما ( بكتاتن ) وربما ذلك لأنها أصغرهن .
الساقي الأول : لا ..فهو يحب ( مريت أتون ) أكثر من غيرها .
الساقي الأول : (ساخرا ) بل ( بكتاتن) يحبها أكثر ، ألم تر كيف يجلسها على ركبتيه ويقبلها ويحملها بين يديه .
الساقي الأول : أنت ..
رئيس السقاة : ( صائحا فيهما ) أيها الغبيان ..علام تختلفان ؟!
الساقي الأول : ( مقتربا من رئيسه ) كنا نختلف على أيهما أقرب إلى قلب ملكنا ..( بكتاتن ) أم ( مريت أتون ) ؟
رئيس السقاة : ( ينظر بوله إلى تمثاله في جانب القاعة ) إنه يفيض حيا وعطفا على كل من حوله ( منتبها ) ما هذا؟!ّ انصرفا إني أسمع وقع أقدامه تقترب ..هيا نخرج بسرعة .
{ يدخل إخناتون ووراءه ( باواح ) كبير كهنة أتون }
إخناتون : ( مشيرا إلي (باوح ) )أجلس وتناول قدحا من النبيذ .
باواح : ( منحنيا ) عفوا أيها الملك .
إخناتون : ( متعجبا ) لا أدري لماذا اخترتك لتكون كاهنا لأتون ؟!
باواح : ( ممتنا ) أرجو أن أكون عند حسن ظنكم أيها الملك المبجل .
إخناتون : ( مشيرا إلى جدارية أتون على الحائط ) أحيانا أنظر إلى ( أتون ) ضاحكا ..أتعرف لماذا ؟
باواح : لماذا ؟
إخناتون : ( مفكرا ) أيستمتع ( أتون ) حينما ينظر إلينا في عليائه ونحن نخوض غمار تلك الحياة ..نتصارع ..نتخاصم ننمو ونهرم ونموت ..جاهلين ما نصير إليه وما تؤول إليه أمورنا ..بينما هو يعلم ما سيحدث لنا ..إنها لعبة مشوقة بلعبها بنا (أتون) …ثم أسأل نفسي ..لماذا خلقنا ؟!
باواح : ( متأملا الجدارية ) لنشهد له بالعظمة والقوة والوحدانية .
إخناتون : (مندهشا ) أهو في حاجة لمثل تلك الشهادة ؟!
باواح : لا ريب في هذا .
{ يعلن الحاجب عن مقدم السيد ( أي ) }
باواح : أيُسمح لي بالإنصراف ؟
إخناتون : ( مشيرا إليه ) تفضل .( مرحبا ) أهلا بك يا ( أي ) في أخيتاتون ..أجلس لتسترح من إرهاق السفر .
أي : ( يتأمل ما حوله ) نعم ، فما أشق الانتقال من (طيبة) إلى هنا .
إخناتون : ولماذا لا تبقى هنا ( ساخرا ) أما أنك لا تستطيع التخلي عن ( أمون) .
أي : ( مترددا ) الأمور التي حدثت وستحدث أهم من (أتون) و(أمون) يا ملكنا المعظم .
إخناتون : ( غاضبا ) ما هذا الذي يزيد أهمية عن ( أتون ) و..
أي 🙁مقاطعا ) أيها الملك المعظم ..إني مكلفٌ بتبليغ رسالة .
إخناوتون : ( محتدا ) ممن ؟!
أي : ( محدقا في عينيه ) من الملكة الأم .
إحناتون : ( ينهض مبتعدا عنه ) الملكة ..أمي ..التي رفضت أن تطيع ابنها وفضلتْ أن تبقى في ( طيبة ) .
أي 🙁يمسح جبينه ) أناقم عليها ؟
إخناتون : ( يوليه ظهره ) أنا لا أنقم على أحد .كنت آمل أن تنتقلوا معي إلى ( أتون ) ولكن ( أمون ) ..
أي 🙁 مقاطعا ) الأمر لا علاقة له (بأمون) أو (أتون) .
إحناتون : ( مقبلا عليه ) إذن ما سبب إصراركم على البقاء في ( طيبة ) ؟!
أي : ( مطرقا ) سبب هذا هو مصر .
إخناتون : ( متعجبا) مصر !!
أي : ( يشبك أصابع يديه ويضعها على صدره ) أمور الإمبراطورية لا تُدار إلا من ( طيبة ) وليس من ( أخيتاتون ) ، فهي العاصمة ..كرسي الملك ، وبإنتقالك إلى هنا كان لزاما علينا أن نسد الفراغ الذي تركته .
إخناتون : ولم لا تُدار الإمبراطورية من ( أخيتاتون) ؟! الملكُ ملكٌ أينما حل .
أي : ولكن الأمر أكبر من استبدال مدينة بأخرى ، أنت تطالب الناس أن يتحولوا عن (أمون) إلى (أتون) .
إخناتون : بقاء الإنسان في الظلام دهرا ليس مبررا لعدم إخراجه إلى النور .
أي : تلك ليس مهمتنا .
إخناتون : ( متعجبا ) وما مهمتنا إذن ؟!
أي : أن نسوس الناس ،وندبر أمور معاشهم ونحافظ على وطنهم ، تلك مهمتنا وللكهنة مهمتهم الحفاظ على العقيدة ودعوة الناس إلى التمسك بها ، هكذا سارت الإمبراطورية المصرية منذ البداية .
إخناتون : ( غاضبا ) أنت تعلم الكهنة ..
أي : ( مقاطعا في حزم ) لم لا تتصالح وهم ؟
إخناتون : ( متفاجئا ) كيف ؟!
أي : ( يسير في المكان خطوات مفكرا ، ثم يلتفت إليه )أن يكون ( أتون ) واحدا من ضمن الألهة وأن تقبل (أمون) ، وهم أيضا لا يرفضون (أتون) أو ليختر كل منكما ما يشاء ، ولا شأن لأحدكما بالآخر .
إخناتون : أتظن الأمر بيدى أختار ما أشاء ؟
أي : ( مندهشا ) إذن بيد من ؟
إخناتون : ( يتجه إلى الجدارية مشيرا إلى قرص الشمس ) بيده هو ، لقد ملأ بنوره قلبي وبإشراقه عقلي ونشر السلام بنفسي ، لا إله إلا هو و ..
أي : ( مقاطعا ) أنت تفرض عليهم قسرا وجبرا ..والإقتناع لا يكون إلا من الداخل .
إحناتون : ( يقترب منه مربتا على كتفه ) ها قد وصلتَ إلى ما أريده ويريده أتون ( يشير إلى قلبه ) من داخلهم .
أي : هم أحرار ولا نستطيع أن نجبر قلوبهم .
إخناتون : لو تخلوا عن عنادهم ، ولو ازاحوا الغشاوة من على قلوبهم .
أي : ( متضرعا ) أمنحهم وقتا ..لعلهم يقتنعون بما تدعو إليه .
إخناتون : الوقت في صالحهم وليس في صالحي ( بحزن وأسى ) أدرك أن عمري قصير .
أي : ( متعجبا ) وما أدراك ؟!
إخناتون : هو أخبرني بذلك ، جتى لو طال عمري آلاف السنين فلن يتسع أن أنقل عنه ما يجب أن أنقله .
أي : ( متعجبا ) أيحدثك وتحدثه ؟!
إحناتون : ( بشغف ) نعم ( يتجه نحو الجدارية )حينما يشاء يغمرني بنوره وأصير شعاعا من أشعته ، قبسة نور من أنواره، يمد يده ويعرج بي إلى عليائه ويريني الكثير من عجائب قدرته وعظيم نعمائه .
نفرت : ( تتقدم وتضع يدها على ظهره بحنان ) فلينصرك ( أتون ) و ..
إخناتون : ( ملتفتا إليها مندهشا ) أنت هنا ؟! أين ذهب ( أي ) ؟!
نفرت : ( تبحث حولها متعجبة ) لقد دخلتُ فوجدتُك تناجي ( أتون ) ولم أجد أحدا معك .
إخناتون : ( مكفهرا ) إذن لقد أنصرف .
نفرت : ( تسوى من ملابسه ) وفيم جاء ؟
إخناتون : ( يأخذ بيدها ويجلسان ) يحمل رسالة من الملكة ( تي ).
نفرت : ( متعجبة ) ومنذ متى يحمل رسائل من ( تي )؟!
إخناتون : لم تسألي عن مضمون الرسالة ؟
نفرت : ( مستفسرة ) ماذا تريد ( تي ) ؟!
إخناتون : ( ينهض ويسير خطوات مفكرا ثم يقف في مواجهتها ) أن
أعود إلى (طيبة) .
نفرت : ( تنتفض غاضبة ) أرى أنهم حزموا أمرهم وبسرعة .
إخناتون : ( متعجبا ) أي أمر تقصدين ؟!
نفرت : ( مشيرة إليه محتدة ) التخلص منك .
إخناتون : ( مشيرا إلى رأسها ) أجننتي ؟! ( مشيرا إلى صدره ) يتخلصون منى ؟ ( باسطا ذراعيه) ومن يفعل ذلك ؟! الملكة الأم ؟! و ( أي )؟!
نفرت : ( تقترب منه ممسكا بيديه في قوة ) إذن لماذا يطالبونك بالعودة إلى (طيبة) بعد كل ما فعلته هنا ؟!
إخناتون : ( يحذب يده ويدور حول نفسه ) هل ( إخناتون ) ألعوبة بيدهم ؟!
نفرت : ( بحزم ) نعم .
إخناتون : ( مهددا في غضب ) لا تنسي أنك تحدثين الملك أقوى وأعلى ..
نفرت : ( ترفع قبضتها في وجهه مقاطعة) نعم ، أنت أقوى وأعلى من في تلك المملكة ويجب أن تكون كلمتك قاطعة ورأيك هو النافذ والجميع يطيعونك بدون مناقشة ، لا معقب على حكمك ، ولا راد لرأيك ، الجميع يسيرون حيث سرتَ ، ويقفون حيث وقفتَ ولكنك ..
إخناتون : ( محتدا ) ولكنني ماذا ؟!
نفرت : لم يروا منك سوى (إخناتون) المتسامح العطوف المسالم فظنوا بك الضعف ، لابد أن تريهم الوجه الأخر من إخناتون القوى الحازم الذي يُخشى بأسه وبطشه وغضبه من الأصدقاء قبل الأعداء.
إخناتون 🙁يتهاوى على كرسيه ممسكا رأسه) وما بيدى أن أفعل ؟
نفرت : ( تقترب منه وتجذب يده قابضة عليها بقوة ) هنا لا تصلح أنصاف القرارت وأنصاف الحلول .
إخناتون : ( ناظرا إلى عينيها ) كيف ؟
نفرت : ( تبتعد عنه مفكرة وتعود جاثمة على ركبتيها أمامه ) قرارت ملكية بإغلاق كل معابد أمون في المملكة ، ليس هذا فحسب بل محو كل رسوم ( أمون ) من على الجدران ومن على الأختام ومن الرسائل ، والقبض على جميع كهنة (أمون) ومحاكمتهم .
إخناتون : ( حائرا ) بأي تهمة ؟!
نفرت : بتهمة محاولة قتلك ، ووصفك بالهرطقة ( تنهض وتمسك بيده ) إذا أردتَ ( مشيرة إلى الجدارية ) (لأتون) البقاء والانتشار لابد أن تقضي على ( أمون ) وكهنته في المملكة كلها وإلا فأنك خذلتَ (أتون) في وقت كان يجب أن تنصره .
إخناتون : ( مطرقا ) ……………….
نفرت : فيم تفكر ؟
إخناتون : ( متأثرا ) كنت أتمنى ألا ألجأ إلى كل هذا و لكن ..
نفرت : ( مقاطعة في حزم ) لقد جربتَ كل الوسائل ولكن للأسف أصبح الأمر إما أنت أو هم ، إما ( أتون ) أو ( أمون ) .
إخناتون : ( ينهض مصمما ) سوف يرون ما لم يروه من إخناتون من قبل .
إظلام .
المشهد الخامس .
في الفاعة الرئيسة في قصر ( إخناتون ) جميع وزراء ورجال المملكة يملأون المكان ويخوضون في أحاديث شتى انتظارا لمجئ الملك ، والسقاة والخدم يحملون أقداح النبيذ وأطباق الفاكهة يتحركون بحرص وحذر بين الجميع .
حور محب : ( مخاطبا (أي)) ترى فيم سيحدثنا الملك ؟
رعمسيس : ( متدخلا بينهما ) ربما بعض الإجراءات التي سيتخذها لإصلاح ما تدهورمن أمور في جوانب المملكة .
أي : ( بصوت منخفض ) الإمبراطورية وليس في المملكة فقط .
نخت ياأتون : ( يفرغ الكأس في جوفه وقد سمع كلام ( أي ) ) لقد سمعتُ أن ( شوبيلوليوما ) ملك الحيثيين قد عقد معاهدة بين ( ايتوجاما ) أمير قادش وأولاد ( عبدى شرتا ) ملك (آمور) وأنهم بدأوا يبسطون نفوذهم على ما حولهم من ولايات تابعة للتاج المصري ، ( ساخرا ) والذي أبلى بلاء حسنا في هذا المضمار هو ( عزيرو ) الذي يدعي أنه من خدام التاج المصري .
ماحو : ( منتبها إلى حديثهم ) إذن سوريا الشمالية والوسطى إن لم نسارع بإرسال الجيش والمشاة سيضع الحيثيون وأذنابهم أيديهم عليها .
رعمسيس : ( ثائرا ) ألا يعرفون نتيجة تهورهم هذا ؟!
حور محب : ( واضعا يده على منطقة سلاحه ) إن بلطة التاج المصري قد علاها الصدأ ، ولم تحصد رقاب هؤلاء منذ وقت طويل ، فقد كان أباؤهم خاضعين بل إذلاء لمصر وسلطانها .
نخت يا أتون :المصيبة الكبرى أن ( لابايا ) حاكم مدينة ( سشم ) تعاون و ( الخابيرو ) تلك العصابات المخربة وبدأوا يغيرون على ما حولهم من ولايات تابعة أيضا للتاج المصري ، وأن بعضا من تلك الولايات سقطت بالفعل في أيديهم كل تلك الأخبار سمعتُ بها من تابعين لنا عادوا توا من الخارج .
حور محب : ( مندهشا ) إذن فلسطين مهددة أيضا بالسقوط في أيديهم !
رعمسيس : ألم تخير الملك بأن الوضع يحتم إرسال الجيش هناك .
حور محب : لقد أرسلنا بعض فرق المشاة ، ولكن الأمر أخطر من مجرد إرسال فرق مشاة .
رعمسيس : ( مشيرا إلى وزير الخزانة ) لماذا لا ترصدون أموالا لتجهيز العديد من الحملات يا وزير الخزانة ؟
ساتاو : حزانة المملكة لا تحتمل مثل تلك التجهيزات .
أي : ( مندهشا ) كيف هذا ؟! أخزانة الإمبراطورية لا تحتمل تجهيز حملات لإرسالها إلى هناك ؟!
ساتاو : معظم الأموال أنفق على تأسيس ( أخيتاتون ) وهناك أموال طائلة مرصودة لإكمالها ومناجم الذهب ب(النوبة) تضاءل مايرد منها مؤخرا .
نخت يا أتون : ( منزعجا ) ما سمعناه يقلق حقا هناك متأمرون يمثلون تهديدا للأمن على حدود الإمبراطورية .
أي : ( متفقدا من حوله ) أين (دودو) وزير الخارجية ليخبرنا بحقيقة ما يحدث على حدودنا ؟!
ساتاو : ( مشيرا إليه ساخرا ) هناك يأكل ويعب من أقداح النبيذ كعادته .
دودو : ( قادما نحوهم حاملا قدح النبيذ وتفاحة ) طالما أشار إلى ( ساتاو ) فأنتم تريدونني أليس كذلك ؟
أي : ( محدقا في عينيه ) أما نسمعه من وجود قلاقل ومشاكل على حدودنا الشرقية حقا أم مبالغة أيها الوزير ؟
دودو : (يسير مختالا بين الوزراء واضعا يديه حول خصره ) أريد أن أوضح لك شيئا ، أن كل الحكام والأمراء في الولايات الأخرى التابعة للتاج المصري الذين أرسلوا يطلبون عونا في الحقيقة هم لا يطلبون هذا إلا ليعززوا موقفهم أمام شعوبهم أو أمام خصومهم ومعظمهم يطمعون في ذهب مصر وخيولها وعرباتها الحربية ومشاتها ، فكيف يحصلون على كل هذا سوى بالشكوى وإيهامنا أن الحدود الشرقية تتعرض للخطر ؟ بينما الأمور على الحدود الشرقية أمنة ..أمنة ..فلا تخشوا شيئا .
{ يعلن الحاجب عن وصول الملك ، يقف الجميع ويدخل الملك على يمينه حامل المروحة وعلى يساره كاتبه يحمل العديد من لفائف ورق البردى}
إخناتون : ( مشيرا لهم بالتحية جالسا على كرسيه مفرقا نظراته على الجالسين ) كما عودتكم – وأنتم وزاء الدولة ورجالها – أن أجتمع بكم كلما كان هناك حدث جلل ،والأحدات الخطيرة قد توالت بشكل سريع ، لذلك كان علىَّ اتخاذ العديد من القرارات والتي ستقرأ عليكم الآن ، وتلك القرارات كان لابد من اتخاذها منذ أن انتقلت إلى هنا ( أخيتاتون ) ولكن كل شيء ( مشيرا إلى الجدارية ) بمشيئة ( أتون ) وإرادته ، وما نحن إلا أسباب لتنفيذ تلك المشيئة والإرادة ، وإني أعلم ما سيترتب على تنفيذ تلك القرارات من أثار خطيرة وعلى المدى الطويل ( يصمت متابعا أثر كلماته على وجوه الجالسين ) ولكن هي إرادة ( أتون ) وما أنا إلا منفذ لتلك الإرادة ( مشيرا إلى الكاتب ) فلتقرأ عليهم تلك القرارات .
أحمس : ( يتقدم بخطوات ثابتة أمامه منجنيا باسطا ورقة رافعا صوته ) قرار ملكي من ملك مصر العليا والسفلى الذي يعيش على الحق سيد الأرضين وأن رع ابن رع ، الذي يعيش على الحق سيد التبجان ، إخناتون ، الذي مدى حياته طويل قرر الأتي :
أولا : إلغاء عبادة (أمون) من الإمبراطورية المصرية وكذلك من كل البلاد والولايات التابعة للتاج المصري .
ثانيا : محو كل أثر أو رسم لأمون من كل الأبنية والسجلات والمراسلات وأختام الإمبراطورية .
ثالثا : مصادرة كل أراضي وممتلكات كهنة أمون .
رابعا: (أتون) الإله الرسمي الأحد للإمبراطورية المصرية ، وليس هناك من إله غيره ليدين به كل البشر على وجه الأرض .( يطوي أحمس الورقة منحينا ويعود إلى مكانه )
[ يسود الصمت العميق وتتعلق الأبصار كلها بالملك ]إخناتون 🙁 ينهض محدقا في عيونهم ) المفاجأة تعقد ألسنتكم ، ومع ذلك لابد أن تنحل تلك الألسنة من عقالها،( يتقدم ويسير خطوات بينهم فينهضون فيومئ لهم بالجلوس ، ويستدير ويجلس على كرسيه ) إما أن زمن القرارات قد مضى أوانه ، أو لم يحن بعد ، (رافعا يده ) ليتحدث من أراد .
دودو : ( واقفا مشيرا إلى الملك ) حكمة ملك مصر العليا والسفلى تجعل الزمن يختار قرارته و..
إخناتون : ( رافعا يده مقاطعا ) نعم أيها الوزير دودو .
بارنفر 🙁 واقفا مشيرا إلى الجميع ) أظن كلنا راضون ومرحبون بتلك القرارات و ..
إخناتون : ( رافعا يده ) لا تكلف نفسك مشقة الحديث نيابة عن الأخرين ..تفضل أيها الوزير بارنفر.
ماحو : ( ينهض ويتقدم خطوة رافعا يديه ) سأمر الأجهزة في الدولة بتنفيذ القرارات بعد أذن الملك .
إخناتون : ( ينقر بأصابعه على مسند كرسيه موجها نظره إلى ( أي )) أظن أن عددا من الوزراء لهم رأي آخر فليتفضل من يريد الحديث .
أي 🙁يقف ويتقدم خطوة ويتبادل النظر مع الجالسين ) كل ما يتخذه الملك من قرارات ينفذ على الفور ( تسود فترة صمت ينقل بصره بين الملك والوزراء ) ولكن الكهنة ..
إخناتون : ( منتفضا صائحا ) الكهنة ..الكهنة ..أنهم يظنون أنفسهم أوصياء علينا ( مشيرا إلى كاتبه أحمس ) إلى بالأوراق التي سجلت عليها كل أقوالهم وأفعالهم .
أحمس : ( يلتقط العديد من اللفائف الورقية من على المنضدة ويرفعها للملك ) تفضل أيها الملك المعظم .
إخناتون : ( يأخذ اللفائف ويلقيها في وجوههم غاضبا) أقرأتم تلك التقارير التي رًفعتً إلىَّ ..إنهم يتأمرون عليَّ ..ليس هذا فقط بل يرمونني بالهرطقة والجنون ،ويشيعون كل هذا ليصير مضغة على كل لسان ، ويرسلون إلى البلاد الأخرى ليقولوا أن الإمبراطور قد صار مجنونا ومجرما ( يتقدم ويطأ الوراق بقدمه ثم يعود إلى كرسيه وصدره يعلو ويهبط من الانفعال والعيومن معلقة به ) ما حكمكم على من يفعل ذلك ؟!
بارنفر : ( يقف ويلتقط ورقة مما ألقاه الملك ناظرا فيها ) أما وقد فعلوا ذلك فقد أستوجبوا أشد أنواع العقاب .
دودو : إنهم يسيئون إلى الملك وإلى الإمبراطورية في الخارج ويعرضونها لأكبر الخطر .
ماحو : إنهم ليسوا فوق القانون والمساءلة .
ساتاو : ما يمس شرف الإمبراطور يعتبر خيانة عظمى تستوجب القتل .
حور محب : ( مواجها الجميع ثم ملتفتا إلى الملك ) أنا أؤيد كل ما قيل ، ولكن محو كل أثر لأمون من على المعابد ومن على الأختام سيحدث قلاقل في الداخل والخارج .
إخناتون : ( محتدا ) أنت تفرق بين الكهنة وأمون ، بينما الكهنة يستمدون قوتهم منه وبه يسيطرون على عقول الناس .
أي : وهذا ما يدفعنا إلى الحرص والحذر في تعاملنا معهم ، فهم يملكون استقرار الأمور في المملكة .
إخناتون : ( معرضا عنه ) أدرك أنك متعاطفٌ مع الكهنة ..ولكن أمران لا ثالث لهما : إما الملك أو الكهنة .
أي : ( مدافعا عن نفسه ومقتربا من الملك ) مطالبتي بالحذر والحرص معهم ما هو إلا محاولة منى لإحتوائهم كي أجنب المملكة مكرهم وشرهم .
حور محب : وليس معنى هذا أننا نخشى الكهنة ، ولكن أيديهم قابضة على مراكز تمس عصب كيان الإمبراطورية ، وإن كنا نطالب بالحذر والحرص في التعامل معهم فمن أجل مدى تأثيرهم على الناس في جميع أنحاء المملكة .
بارنفر : هذا إذا كانت معهم أسلحتهم ووسائل تاثيرهم على العامة ، ولكن بدون أسلحتهم لن يفعلوا شيئا ، فالمعابد مغلقة والأملاك مصادرة وسنأمرهم بعدم مغادرة بيوتهم حتى يُحاكموا كي لا ينفثوا سموهم في أنحاء المملكة ( يرفع يده ويسير بضع خطوات حتى يقف في المنتصف ) وأرفعوا أيديكم تحية وإجلالا ومباركة لما أتخذه ملكنا المعظم من قرارات وليحيا إخناتون ملك مصر العليا والسفى الذي يعيش على الحق دائما .
إظلام .
المشهد السادس .
في بهو من أبهاء معبد (أمون) ، كل شيء محطم ، خُربتْ كل الرسومات على الجدران ، قطع الحجارة متناثرة في كل مكان ، وكأن عاصفة قد مرتْ على المكان فدمرتْ كل شيء، أصوات الطيور الجارحة تتردد صداها في المكان ، يتوالي دخول عدد من الرجال متخفين في ملابس سوداء من أكثر من ناحية ويتجمعون متلفتين يمينا ويسارا ، وغير بعيد عدد من الرجال يراقبون المكان .
أي : ( يتقدم متعثرا في قطع الحجارة ، يزيح القناع من على وجهه مذهولا مما يرى ) لم يتركوا شيئا سليما !
كبير الكهنة : ( يتقدم مشيرا إلى ما حوله ) زيارتك تأخرتْ كثيرا ، وأخشى أن أقول إنها لم تعد لها فائدة ؛ لأننا لم نعد كهنة كما كنا ، ولم يعد هناك مبرر لوجودنا ، فنحن مطاردون في كل مكان بعد ما صُودرتْ كل أملاكنا ، (ساخرا ) بلغ شكرنا للملك على كل ما قدمه ويقدمه لنا .
نبراسيس : ( يتقدم خطوة متلفتا حوله ) بلغه أننا لن نيأس ، وأن ما فعله لن يضعفنا بل سيزيدنا قوة وإصرارا ، وأننا لن نبرح عاكفين على ( أمون ) ولو مزق الملك أجسادنا وألقانا لتماسيح النهر .
سنوهي : ( متعجبا ) ماذا حدث يا سيد (أي) حتى تتركنا لقمة سائغة في فم الملك ؟! لقد كنا نعقد عليك آمالا .
مارع : أي ذنب جنيناه حتى يفعل بنا ما فعل .
كبير الكهنة : ليتلقى شعب مصر اللعنات التي سيصبها (أمون) عليهم.. سيشح النهر بمائه وستضن الأرض بزرعها وستجف ضروع البهائم وتهزل أجسادها ، وسينتشر القجط والجوع في مصر وسيتخبط الناس حائرين لا يدرون ما يفعلون ، وسيتوجهون إلى ( أمون ) متضرعين فلا يُستجاب لهم؛ جزاء ما أقترفه ملكهم ، فالملوك يزرعون المر والرعايا يحصدون ما زرعه ملوكهم .
أي : (يسير بخطوات واثقة بينهم مشيرا إلى ما حوله من دمار موبخا ) كل ما حدث أنتم السبب الأول له ، فما صدر منكم من تصرفات ضد الملك لا سيما المؤامرة الفاشلة لقتله وتلك الإفتراءات التي تمس شخصه ، والتي نشرتموها في أرجاء الملكة هي التي دفعته لذلك ، وبذلك لم نجد ما ندافع به عنكم .
نبراسيس : صرنا متهمين في حاجة إلى من يدافع عنا ..ألسنا خصوم الملك ؟!
أي : ( متعجبا ) ومن الذي جعلكم خصومه ؟!
نبراسيس : بما فعله (بأمون ) .
أي : ألم يترك لكم ( طيبة ) بأكملها تفعلون بها ما تشاءون ؟!
سنوهي : وكيف نقف مكتوفي الأيدي ، بعدما هجر ( أمون ) وأتخذ ( أتون )؟!
أي : ( ساخرا ) لذلك عملتم جاهدين لإكتساب عداوته .
كبير الكهنة : ( محتدا ) دعنا مما حدث ماذا سنفعل الآن ؟
أي : ( مفكرا ) ربما بعدما يهدأ الملك من غضبته يعدل عن قرارته ، وحتى هذا الحين لا أريد منكم سوى السكون والصمت .
مارع : ( غاضبا ) إلى أن يتم القضاء علينا ولا تقوم لنا قائمة بعده .
سنوهي : ( ثائرا ) أنت متواطئ مع الملك ، وكنت جاسوسا علينا وقد أخبرنا رئيس خدم المعبد بذلك .
نبراسيس : ( مقتربا منه ) لقد كشفنا حقيقتك .
مارع : ولكن للأسف هذا الإكتشاف قد جاء متأخرا .
سنوهي : ( ينحنى ملتقطا قطعة من الحجر ) ومع ذلك لابد أن تنال عقابك الرجم حتى الموت ، وتلك رسالة نوجهها للملك .
الجميع : ( في صوت واحد ملتقطين قطع الحجارة ) الرجم حتى الموت .
[ يسمع صوت جلبة وضجيج تقترب من المكان ]
عدد من المراقبين : ( يدخلون مرعوبين في صوت واحد) قوات من الجنود
تحاصر المكان وتتقدم نحونا .
سنوهي : لقد غُرر بنا
كبير الكهنة : ( مذهولا ) قُضي علينا .
[ بعض الكهنة يخرجون هربا ولكنهم يعودون القهقري وخلفهم الحرس شاهرين أسلحتهم ،يحيطون بالكهنة وتدخل الملكة ( تي ) وتتابعها العيون المفزوعة ]أي : ( مندهشا ) الملكة ؟ من الذي أخبرك بمكاني ؟
الملكة : كنت أعرف أنك ستتصل بالكهنة فكلفتُ من يراقبك .
أي : ( مدافعا عن نفسه ) ولكنني …
الملكة : ( تقاطعه ) لا تدافع عن نفسك ، أعرف ما تفكر فيه وما الذي كنت تريده ، وإنك تريد الصلاح لكل الإطراف ، ( مشيرة إلى الكهنة ساخرة ) ومع ذلك فإن تلك النمور الشرسة كانت على وشك تمزيقك ( تقترب من رئيس الكهنة ) أنا لا أرضى عما حدث منكم للملك ، ولا على ما حدث من الملك لكم ، ولستُ بالراغبة في استمرار هذا الصراع بينكما ، ولا أريد لكيان الدولة أن ينقسم على نفسه ،( تلتفت مشيرة إلى جميع الكهنة وهم تحت السلاح ) أطالبكم ولا أريد أن أقول لآمركم … أطالبكم بالصمت والسكون وبدون بذل أي وعد منى ، وإلا سوف أكون أول الآمرين بقطع رأس من يسير في طريق التمرد والعصيان وإني على ذلك لقديرة .
كبير الكهنة : ( مستعطفا )أيتها الملكة ..
تي : ( مقاطعة في حزم ) لست بالراغبة في سماع تعقيب من أحد ، أنتم تسمعون ما أقوله فقط ( تسير خطوات في المكان ) كل الأمور ستعود إلى ما كانتْ عليه ، بشرط أن تكبحوا جماح غضبكم ، ولا تظهروا غير المسالمة ، كي لا يزداد الأمر تعقيدا ، وصبرا …صبرا .( تشير إلي ( أي) فيقترب منها وتهمس إليه )أني ذاهبة إلى (أخيتاتون ) ( وتخرج ووراءها ركبها وحراسها )
أي : صحبتك عناية الألهة .
إظلام .
المشهد السابع .
في القاعة الرئيسة في قصر إخناتون بالعمارنة ،يجلس الملك والملكة الأم ( تي ) والزوجة (نفرتيتي ) وبنات الملك .
نفرت : لقد اشتقنا إليك كثيرا ، وها قد أنستْ نفوسُنا بوجودك معنا وعبقتْ جوانب (أخيتاتون) بحلولك بها .
بكتاتن : ( تذهب إلى جدتها ( تي ) وتصعد إلى ركبتيها وتبادلها القبلات والعناق ) لماذا لا تبقين معنا ؟
تي : ( ضاحكة ) لدي في (طيبة) مسئوليات كثيرة ، فلا أستطيع البقاء هنا .
مكت أتون : ( جالسة على ركبتي الملكة ) أذن نذهب معك حيث تذهبين .
تي : وتتركان والديكما ؟!
بكتاتن : ولم لا يأتيان معنا ونبقى كلنا في ( طيبة ) ؟!
تي : ( تنقل البصر بين إخناتون ونفرنيني ) هذا ما قد أتيتُ من أجله .
مريت أتون : إذن هيا بنا .
نفرت : ( ممتعضة ) هيا إلى وصيفتكن لقد أثقلتن على جدتكن .
بكتاتن : ( معترضة ) لا ..أريد أن أبقى مع جدتي .
تي : ( ملاطفة ) هيا إلى مخدعكن وسوف أوافيكن هناك .
إخناتون : ( متجها إلى أمه متوددا ) ها قد أستجبت لرجاء ابنك وأتيت إلى ( أخيتاتون ) .
تي : ( بحزم ) لم آت إلى هنا لأبقى ، ولكن لنعود كلنا إلى طيبة .
إخناتون : ( محتدا ناهضا من على كرسيه ) أنت تعرفين موقفي ، وقد تناقشنا في هذا الأمر من قبل وأتخذتً فيه قرارا ( يعود إلى الجلوس متجنبا النظر إليها ) ثم لا أستطيع أن أعيش بعيدا عن ( أتون )
تي : ( تطارده بنظراتها ) وإذا كان أمن واستقرار الإمبراطورية يتطلب منك أن تضحي يإخيتاتون و(أتون) !
إخناتون : ( ينهض ويقترب من الجدارية مصعدا نظره إلى (أتون) ) على استعداد أن أضحي يأعز شيء لدي في سبيل ( أتون ) .
تي : أنت بذلك تتخلى عن مسئوليتك كملك .
إخناتون : ( يعود ويقف في مواجهتها ) ألا أكون ملكاإلا إذا نفذتُ رغبات المحيطين بي .
تي : لا ، أنت ملك طالما ضحيت بكل العالم في سبيل ما تملكه .
إخناتون : وقد ضحيتُ بكل شيء في سبيل (أتون)
تي : ولكنك لا تملكه وإنما هو المالك لك .
إخناتون : ( مشيرا إلى الجدارية ) ليس مالكي فحسب ، بل مالك العالم كله ، وأمامه يهون كل شيء ، ( متقدما منها ) ثم من قال إن تمسكي بأتون سيسبب تصدع الإمبراطورية ، كيف تفكرون ؟! بل هذا من شأنه أن سيزيد من قوتها وتماسكها ، فنور الهدى والتوحيد سيشرق من (أخيتاتون) إلى أنحاء العالم ، وسيحج جميع البشر إلى هنا حيث معبد ( أتون ) ويدينون له بالولاء والطاعة والخضوع وسيسود السلام والمحبة كل أنحاء العالم ، وسيصبح الناس إخوانا ..هذا ما أريد تحقيقه وما تريدون أن تحيلوا بيني وبينه .
تي : ليت كل ما نأمله يتحقق !
نفرت : ( متدخلة في الحديث بينهما ) بالصبر والإصرار والمثابرة سيحقق الملك ما يريد .
تي : ولكن الناس و ..
إخناتون : ( مقاطعا ) نعم ، ولكن لو وجدوا من يترفق بهم سيكونون ألين من طمي نهرنا الخالد .
تي : ولكن هذا لن يتحقق إلا على المدى الطويل ، دع الزمن يفعل فعله ويجعل الغريب مألوفا والبعيد قريبا ، ولتعد إلى ( طيبة ) وحاول أن تجبر الصدع الذي حدث بينك وبين الكهنة و ..
إخناتون : ( ناهضا ذاهبا إلى أقصى المسرح غاضبا ) الكهنة ..الكهنة ..تلك العقبة الكئود تقف في طريقي وأجدها أينما توجهت ..ألاتعلمي ماذا فعلوا و ..
تي : ( مقاطعة ) فعلوا ما فعلوه لأنك بعيد عنهم .
إخناتون : ( مقبلا عليها ) وماذا على فعله الآن ؟
تي : أن ترجع إلى ( طيبة)
إخناتون : ( مشيرا إلى الجدارية ) وأتون ؟!
تي : أن تعدل عنه إلى (أمون) .أرجع إلى (طيبة) وأرتد تاجك فقد خلعته حينما غادرت (طيبة) ، إن الإمبراطورية وكل ملوكها السابقين ينظرون إليك وينتظرونك ، فعلى قرارك يتوقف مصير الإمبراطورية ، مصر كلها تنتظرك في (طيبة) ، ( تقف وتنادي على ( حويا ) الياور الخاص بها مشيرة إلي الملك) أعط للملك كل الرسائل التي وردت إليك ( تخرج من المسرح ) كما قلت لك مصر كلها تنتظر في (طيبة) .
حويا : ( يتقدم بلفائف الأوراق منحنيا ويقدمها لإخناتون ) تفضل أيها الملك المعظم .
إخناتون : ( يأخذها متعجبا) ما أكثرها !
نفرت : ( تقترب منه مستفسرة) ما هذا ؟!
إخناتون : رسائل موجهة إلىَّ من الخارج .
نفرت : ولماذا لم ترد عليها .
إخناتون : ( ينحيها جانبا حائرا ) لا أدري .
نفرت : وما قالته الملكة ؟
إخناتون : الإنسان أتعس المخلوقات لأنه الوحيد الذي يملك أن يقرر لاسيما وأن قراره يكون مصيريا .
نفرت : إذن أرح نفسك .
إخناتون : ( متأثرا) لا أملكها.
نفرت : ظننتك اتخذت قرارك منذ مجيئك إلى هنا .
إخناتون : أتخذتً قرارا فيما يخص إخناتون ، أما فيما يخص ملك الإمبراطورية فلا أدري .
نفرت 🙁 تقترب منه ممسكة بيده مفزوعة ) ما هذا الذي أسمعه ؟!لقد اتخذت قرارك ولن تتراجع عنه أبدا وإلا سينهار كل ما بنيته ..لا تتخل عن (أتون) كي لا يتخلى عنك ، حارب العالم كله وسينصرك (أتون ).
إخناتون : ( يخلص يده من يدها ) ولكنني لا أريد حربا ..ألا يكون هناك منتصر إلا إذا كان مهزوم ؟!إلا يسعد الناس إلا بشقاء آخرين ؟!لم لا ننتصر كلنا على أنفسنا ؟! لم لا نقيم سعادتنا على سعادة الآخرين ؟!
نفرت : ( تلاحقه ) هذا العالم لا تكون فيه إلا احد اثنين ، إما أن تكون متنصرا أو مهزوما ملكا أم عبدا ..آكلا أم مأكولا ، مسجودا لك أو
ساجدا .
إخناتون : ( يقف متجها نحو الجدارية رافعا نظره إلى السماء ) وهذا ما أنا في حاجة إلى تغييره ، لا أريد أن اكون منتصرا كي لا يكون هناك مهزوم، أريد كل العالم كالأسرة الواحدة من دم واحد من جسد واحد ومن إله واحد ..كيف أدعو إلى كل هذا ثم أكون أول الخارقين له ، ليتني لم أكن ملكا لكنتُ حرا فيما أدعو ولم أخش شيئا ولكن ..
نفرت : ( تقاطعة مهددة ) ولكن التراجع وما اتخذتَه من قرارت محال ، لقد صار ( أتون ) فكرة وعقيدة ملأتْ كياني ووجداني حتى أصبحتُ جزءا منه ، فإذا ما فكرتَ بالتخلي عن (أتون) فلا أملك إلا أن أهجر القصر إلى غير رجعة .( تغادر المسرح ).
إخناتون : ( يدور حول نفسه في المكان ) كالثور الذي يحاول أن يمر من ثقب صغير ..إن التراجع في قرار في حاجة إلى قوة العالم كله لا يقدر عليها ..لا لن أتراجع ولن أهادن أولئك الكهنة إذن ليس أمامي إلا مقاتلتهم وأنا لا أريد سوى السلام والأمن حتى مع أعدائي ، بل أريد ألا يكون لي أعداء، أريد العالم كله أنشودة حب وسلام ( يظلم المسرح إلا من طاقة ضوء مسلطة عليه وطاقة ضوء أخرى مضببة على الجدارية ، تومض وتطفيء، يسير بخطى متثاقلة إلى وسط المكان ، يدور حول نفسه باسطا ذراعيه ، ثم يقبضهما ويضعهما على صدره ) ما هذا اليأس والقنوط الذي يعلو صدري ؟! يا ترى نابع من القلب ، أم واصل إلى من تعنت الآخرين ، الجميع غير راض ، حتى إخناتون غير راض على الملك ، والملك ناقم على إخناتون ، و(أخيتاتون) و(طيبة) في حالة خصام وعداء ،( يعود ويتهاوى على كرسيه ممسكا رأسه بين يديه ) وما أدراني أني على حق ؟! ألا يمكن أن يكون الكهنة على صواب وأنني مجنون كما يشيعون ؟!وكل ما أنا فيه ترهات مجنون ؟! ( يدق على رأسه) أيمكن أن يكون ما في هذا الرأس قد أصابه العطب ؟!( يشير إلى صدره ) ولكن قلبي يمتلأ بالإيمان واليقين أنني على حق ( يتقدم نحو الجدارية يجثو على ركبتيه رافعا يديه ) (أتون) وأنت في عليائك أهدني سبيل الرشاد ، تفرقت بي السبل وأن لم تهدن فلن أهتدي أبدا فمنك وحدك استمد القدرة .
[ يظلم المكان ثم يضاء ]
في نفس القاعة وقد امتلأتْ بالوزراء ورجال الدولة ، والوجوم والحزن
مرتسم على الوجوه .
حور محب : ( متعجبا ) أمعقول كل تلك المصائب والكوارث تحدث هكذا في تلك المدة القصيرة ؟!
آبي : ( مشيرا إلى لفائف الأوراق على المنضدة ) من كان يصدق أن الوزير ( دودو) كان يحجب الرسائل التي ترد من الخارج كي لا أعرضها على الملك ، حتى ما كان يمر من تحت يديه ورقابته كان الملك يرفض أن يرد عليها لأنها مختومة بخاتم أمون .
ماي : لقد حكمتُ عليه بالسجن المؤبد نظير خيانته وتعاونه مع ( عزيرو ) وصادرتُ ما حصل عليه من كميات الذهب التي كان يرسلها إليه .
ماحو : وأنا قبضتُ على كل المتعاونين معه في المملكة وقدمتهم ليحاكموا .
حور محب : ولكن ماذا سنفعل والكثير من البلدان والولايات الخاضعة للتاج المصري قد خرجتْ من تحت إمرتنا ؟
ماحو : ( غاضبا ) الخائن باعها ، يجب أن يُعدم .
أي : ( مشيرا إلى ( حور محب ) ) هذا دورك بصفتك وزير الحربية أن تعيد كل تلك الولايات مرة أخرى .
حور محب : ( بأسى ) كل الأمور في الإمبراطورية لم تعد كما كانت ، أدعو معي إلا نفقد الكثير من الولايات في المستقبل..هيبة مصر في الخارج قد نالها الكثير في المدة الأخيرة
ماحو : (متعجبا ) يحدث هذا وأنت وزير الحربية ولك ما لك من صيت ومجد !
حور محب : ( ساخرا ) ما أنا إلا سيف من سيوف الملك ، وقد ظل في جرابه سنوات حتى علاه الصدأ
أي : ( متأثرا ) مصائب في الخارج ومصائب أشد في الداخل .
ماحو : أتقصد مرض الملك .
أي : ( متأثرا ) لم أتصور أن يتحمل كل تلك المصائب بعد حدوث ما حدث .
حور محب : ولكنه لم يتحمل وهو لا يفارق الفراش منذ مدة والطبيب لا ينقطع عن زيارته .
أي : موت ابنته وترك الملكة ( نفرت ) للقصر ، وقطيعة الملكة ( تي ) الأم له وخيانة الوزير وضياع الولايات .
ساتاو : وخلو الخزينة من الأموال و
آبي 🙁مقاطعا ) وشح النيل وانتشار والأوبئة والأمراض .
ماحو : وهجرة الناس من ( إخيتاتون) وعودتهم إلى ( طيبة ) .
ساتاو : والناس أصبحوا يصدقون كل ما يقوله كهنة (أمون) ، ويبشرون الناس بمزيد من المصائب والكوارث ، وتلك لعنات يصبها عليهم ( أمون ) بسبب إغلاق المعابد وتشريد كهنته .
ماحو : (ساخرا ) لم أر الناس مرتبطين هكذا بالمعابد وبالكهنة مثلما رأيتهم في آخر زيارة لي ل(طيبة) .
أي : الأحداث كلها – وللأسف – في صالح الكهنة ، وأغلب الشعب يرى أن ما يحدث لهم بسبب الملك .
حور محب : ( مفكرا ) ونحن ما موقفنا الآن ؟!
أي : ( محدقا في عينيه متعجبا ) ماذا تقصد ؟!
حور محب : هل سنظل هكذا مكتوفي الأيدي والوضع كل ساعة يزداد سوءا وحال الإمبراطورية يتدهور إلى الأسوأ ، نحن في مهب الريح .
ماحو : نحن لا نستطيع فعل أي شيء بدون وجود الملك .
ساتاو : كما أننا لا نستطيع فعل أي شيء والملك موجود .
حور محب : ( يقترب من ( أي ) ممسكا بيديه وبصوت منخفض عميق ) لقد قلت لي ذات مرة أن في سبيل الإمبراطورية يجب أن نضحي بكل شيء …( مترددا ) ولو كان الملك نفسه .
[ يسود صمت عميق ، الجميع يتبادلون النظرات الحائرة فيما بينهم
متلفتين حولهم ]
أي : ( متجنبا نظراتهم مفكرا) أظن أنني قلتُ هذا ، ولكن كثيرا ما يقول الإنسان كلاما بدون أن يفكر في كيفية تنفيذه.
ساتاو : ( مفكرا ) كلامُ (حور محب) من حيث المبدأ مقبولٌ ، مصلحة الإمبراطورية فوقنا كلنا ، فنحن الزائلون وهي الباقية ، هذا الأمر لا خلاف عليه .
ماحو : ( حازما ) إذن يجب أن تنخذ قرارا الآن وينفذ بدون تردد ، ولا تنسوا أن الملك هو من وضعنا أمام هذا الاختيار .
الجميع : ( يقتربون فيما بينهم مشكلين دائرة وتتشابك أيديهم معا وفي صوت واحد عميق ) نقتل الملك .
أي : ( يسحب يده مبتعدا ) ولكن كيف سنواجه الناس بعد ذلك وأيدينا ملوثة بدمائه .
ماحو : لا تنس أن الكهنة صاروا كالنمور الشرسة ولابد من القضاء عليهم ، سنلقي التهمة عليهم وبذلك نقضي عليهم .
أي : ( مترددا ) لا لا أستطيع أن أوافقكم على هذا …إن ما تقترحونه لشنيع !
ماحو : إذن عليك أن تختار الملك أو الإمبراطورية ، ولا ملك بدون إمبراطورية ، فليس أمامك سوى اختيارين إما الإمبراطورية أو الإمبراطورية ,
أي : ( محدقا في وجوههم بأسى ) لا تحاولوا أن تجعلوها فكرة لا محيد عنها . ..يالكم من رجال غلاظ الأكباد .
حور محب : ولكننا رحماء بالناس والإمبراطورية .
أي : ( متجنبا النظر إليهم ) نعم ، ولكن أطرحوا فكرة القتل تلك ، أنا أرى أنها لا مبرر لها .
ماحو : المهم هو إبعاد الملك عن الحكم والعودة إلى ( طيبة ) .
أي : ( متعجبا ) أتقصد نفيه ؟!
حور محب : وأظن أن هذا ليس بالإجراء القاسي .
ساتاو : وبالأخص هو الذي نفى نفسه منذ مجيئة إلى هنا .
أي : ( مفكرا) نعم ، هذا أفضل له ولنا .
ماحو : و(أتون ) ؟!
أي : ليعد كل شيء إلى ما كان عليه ، ولكن ننتظر قليلا عسى أن يحدث ما ليس في الحسبان .
حور محب : لا نريد أن يحدث شيء إلا ما خططنا له ، وكفى ما حدث ويحدث وسيحدث لمصر .
[ يظلم المسرح ثم يضاء ]
كًتاب القصر والمسجلون ورئيسهم ( أحمس ) ، ومعهم المثالون ورئيسهم ( بيك)
يقفون انتظارا لقدوم الملك ،تعلو وجوه الجميع الكأبة والحزن .
أحمس : ( يتقدم من ( بيك ) منكس الرأس ) أكان يدور بخلدك كل ما حدث ؟!
بيك : ( متأثرا ) ولا حتى في أحلامي .. بعد أن كانت ( أخيتاتون )كأنها روضة من الرياض المعطرة الظليلة ، تصير خرابا ويهجرها الجميع .
أحمس : ( ناظرا إلى تمثال (أخناتون) حزينا ) وملكنا المعظم يمرض وتحيط به المصائب والكوارث من كل مكان .
بيك : لقد تركه الجميع وحيدا و ..
المساعد الأول : (مقاطعا ) ونحن ألن نترك (أخيتاتون) ونرجع إلى (طيبة) كما فعل الجميع ؟!
المساعد الثاني : ( متأثرا متأملا ما حوله ) أنترك ( أخيتاتون ) بعد كل ما شيدناه؟!
المساعد الثالث : ( حزينا ) أنا حزين وفي نفس الوقت سعيد .
بيك : ( مشيرا إلى رأسه متعجبا ) أجننت يا هذا ؟!
المساعد الثالث : ( حائرا ) حزين لما صارت إليه الأمور ، وسعيد أننا سنقابل الملك ويتحدث إلينا كما كان يفعل فيما مضى .
كاجمني : ( يحمل كما من لفائف الأوراق متقدما بها إلى ( أحمس ) ) وتلك الأناشيد التي كان يلقيها علينا الملك لنكتبها ماذا سنفعل بها ؟!
أحمس : ( يحتضنها في حرص ) تحافظ عليها كما تحافظ على روحك ، كما تعلم أنه تلقاها من (أتون) وكثيرا ما كان يطلب منا أن نسمعه أياها بين الوقت والآخر .
باي خارو : ( مشيرا إلى اللفائف على الأرفف ) واليوميات التي كنا نكتبها ونسجل كل شاردة وواردة و ..
رخ مي رع :(متعجبا ) من يسمعكم يظن أننا سنترك القصر ونترك (أخيتاتون )!
بيك : بقاؤنا من بقاء الملك .
أحمس : وهل تظن أن الملك سيترك ( أخيتاتون ) ؟!
بيك : حتى ولو لم يتركها .
احمس : ماذا تقصد ؟!
[ يدخل الحاجب ويعلن عن وصول الملك ، يدخل حاسر الرأس بدون تاج أو صولجان ، مرتديا ثيابا بيضاء متواضعة يسير بينهم فينحني الجميع له )
إخناتون : ( مشيرا إليهم في وهن ) لا أحد ينحني لي، ( مشيرا إلى الجدارية ) وحده المستحق أن ننحني له ، فكلنا أبناؤه وأحباؤه .
أحمس : ( رافعا يديه نحوالجدارية) دام أتون مشرقا على العالم ودام أخناتون ..
إحناتون : (مشيرا إليه ) نعم هو الخالد والدائم ونحن الزائلون ( يذهب نحو المنضدة ويجلس على مقعد وسطهم مبتعدا عن كرسي العرش) كنتم أول من قابلتُ في (أخيتاتون) وأظن أخر من سأقابل، ( مشيرا إلى ما حوله ) أعرف أن كل ما شيدتموه وكل ما سجلتموه سيُخرب ويُمحى ، ولكن ما صنعه ( أتون ) وما أراده (أتون) سيقى خالدا ، ( ينهض ويسير بخطوات متثاقلة ناظرا إلى الجدارية ) لقد ضاق بي العالم وضقتُ به ، أما هو فسوف يسعنى ، إني ذاهبٌ إليه ، في رحابه الواسعة ، أني أسمعه لا يتوقف عن منادتي ويمد أياديه المباركة ليضمد جراحي وينتشلني من أحزاني ..هناك وسط بحار أنواره ورياض أفضاله .
أحمس : (متعجبا ) هل سنرجع إلى ( طيبة ) ؟
أخناتون : لا .
بيك : إذن سنبقى هنا في ( أخيتاتون ).
إحناتون : لا .
بيك : إذن أين سيذهب ملكنا المعظم .
إخناتون : ( مبتسما في مرارة ) إلى أي مكان أكون فيه أنا و(أتون) وحدي أكون فيه (إخناتون ) فحسب ، وليس ملكا
احمس : ( متعجبا ) ولكن أتعيش وحيدا ؟!
بيك : وغريبا ؟!
إخناتون : ( متأثرا ) أني الآن وحيد …فلا أم ولا زوجة ..ولا أولاد ولا اتباع ، وغريب وكأنني وُلدتُ في غير زماني ووُجدتُ في غير مكاني ..كلمة حائرة في الفضاء الواسع تبحث عن لسان لتجري عليه وعلى شفاه لتنطق بها وعلى أذن لتستمع إليها وعلى قلب ليفهمها .أشعر أن العالم قد أظلم من حولي .
كاجمني : لابد أن يتراجع الظلام أمام النور .
أخناتون : ( ينهض ويقترب منه مربتا على كتفه ) نعم ، ولكن يبدو أن هذا ليس موعده فللظلام وقتٌ وللنور وقتٌ ، وأنا دفقةُ نور ظهرتْ مبكرا عن موعدها فبددها الظلام .
باي خارو : ( يقترب منه متناولا يده يقبلها ) ولكننا في حاجة إليك ، العالم كله .
إخناتون : ( مشيرا إلى الجدارية ) العالم في حاجة إلى ( أتون ) وليس في حاجة إلي ، فهو الباقي وهو الخالد .
رخ مي رع : ولكنه أختارك لتتلقى عنه .
إخناتون : سيختار من يلقي إليه كلامه ، وسيكون أفضل مني ..لقد أصبحتُ عقبة في طريق الكثير ، ويجب أن أسدي صنيعا لتلك الإمبراطورية ، وهذا الصنيع يعوض ما أوقعتُه بها من مصائب ، بأن أختفي من العالم ( يشير إليهم فيقتربون منه في شكل دائرة ) ولا تنسوا أن تروا عني بكل صدق كما علمتُكم كيف تكونوا صادقين مع أنفسكم ومع العالم ، أرووا لماذا اختفيتُ فإن حكم الناس قاس ، وحكم التاريخ أشد قسوة ، ( يشير أن يفتحوا الدائرة حوله متجها نحو الباب ) أرجو ألا تخبروا أحدا بخروجي من القصر الآن .. وفي مصر رجال وأنتم منهم يصلحون ما أفسدتُه في الإمبراطورية ..هذا إذا كان ما فعلتُه فسادا .
[يسود الظلام المسرح ، تظهر طاقة ضوء في الجانب الشرقي من أعلى
مضيئة سماء المسرح إضاءة خافتة ، يُسمع صوتُ زقزقة العصاقير ونوح
الحمائم وهديل اليمام ، تتردد مناجاة بصوت إنسان متضرع خاشع مع
إتساع مساحة ووضوح طاقة الضوء شيئا فشيئا ]
إنك تشرق جميلا في أفق السماء .
يا أتون الحي يا بدء الحياة .
إنك إذا أشرقت من جبل النور الشرقي .
ملأت كل بلد بجمالك ومحبتك .
إنك جميل . إنك عظيم .
إنك تتلألأعاليا فوق كل بلد .
إن أشعتك تحيط بالأراضي كلها وبكل شيء خلقته .
لأنك رع ، وتستطيع الوصول إلى نهايتها .
وتستطيع أن تجعل كل بلد أسيرا لك .
إنك الإله الذي دان الجميع بحبك .
إنك ناء ولكن أشعتك على الأرض .
إنك تشرق على وجوه الناس .
ولا يستطيع أحد منهم أن يتكهن بسر قدومك .
[تختفي طاقة الضوء ويسود الظلام المسرح ]
( ستار الختام )