الأمير “دماء على نهر دجلة” نص مسرحي في ثلاثة فصول للكاتب سعيد نصر سليم (1 ـ 2)
الأمـــــير
مسرحية من ثلاثة فصول
تأليف : سعيد نصر سليم
كاتب وأكاديمي مصري مقيم بالجزائر
ـ
الجزائر ـ سبتمبر 2014
” فاقصُصْ القَصَص لعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرون ’’
صدق الله العظيم
إهــــــــــــداء
ــــــــــــــــــــــ
أبي ..
يامُلهِمي .. وقُدْوَتي
أ ُهديك َ ماخطّت ْ يدي ..
تقديم
ــــــــ
ـــ الصراع بين السيف ، والكلمة ـــ
ويبقى السؤال :
مَن ْ يواجه طغيان الحكام ؟
جاءت المسرحيّة تعبيرا ً عن إيمان ٍ بالكلمة في
مواجهة السيف .
العمل يستلهم تجربة رجال ٍ ؛ وقفوا منفردين َ
كسد ٍمنيع ٍ في وجه ِ حُكام ٍ مُستبدِّين ، ورغم محاربة السلطة
لرجال فكرٍ ، ودينٍ مِن ْ مُعارضيهم ، من أجل بقاء وديمومة
كراسيهم .. بقىّ الرجال ، واختفت أسماء جلاّديهم .
نجد في ( الأمير ) نماذج للطغاة ، الذين يعانون
من العقم السياسي ، فيمارسون الساديّة ..
إنّ موقف هؤلاء الرجال ، يؤكد أنّ أيَّ سُلطة
لا بُدّ أن يتوفّر لها مكبح وقيد ، يقيها مِن ْ خطر السرعة ،
والتهور في القيادة بلا بصيرة .
إنّ الشخوص في ( الأمير) عليهم أن يتحملوا
أقدارهم .. لأنَّ كُلّ ٍ منهم قضية ، وليس فردا ً .
الإفتتاحية
ــــــــــــــــــــ
سيداتي .. آنساتي .. سادتي
أحبابي .. أهلى .. وعِزْوَتي
أبناء شعبي .. وعشيرتي ..
دامَت معزّتُكُم ..
طبتُم .. وطاب مساؤكم
إسمحوا لي الليلة
أنْ تكونوا في ضيافتي
وشكرا ً لكم ..
شكرا ً لكل من لبّىَ دعوتي
ها قد واتتكم الفرصة
لكيّ أ ُقدّمَ لكم نفسي
وبكل تواضع ،
تتعرفوا على مكانتي
قومي .. وبني وطني
أنا منكم .. وعليكم
أوه .. عفوا ً ..
زلّة لسان ..
أنا منكم ..
نعم ..
وعليكم ..
لكن باختيارِكم .
لست ُ مفروضا ً عليكم ..
حاشا .. وكلا ..
لكنني قدَرَكُم ..
( مستدرِكا ً )
لكنّه ُ قدركم ..
( فجأة ، يلمح أحد المتفرجين واقفا ً في الصالة )
من آداب الضيافة
أنْ تجلس في كرسي الحِفافة ؛
عفوا ً .. كرسي الضيافة ..
وبلطافة .. إغلق الجوّال
وإلا .. صادرناه في الحال
هيه .. ماذا كنت أقول ؟ ..
ماذا كنت أقول ؟
آه .. ( كمن تذَكّر )
بالي طويل ..
صبري طويل ..
نفسي طويل ..
( مستدرِكا ً )
عمري طويل ..
وعُـمْـر كل من يعارضني
قصير .
ساقي طويل ..
( مستدرِكا ً ) أنفى طويل
( مستدرِكا ً ) يدي طويل
يدي مؤنث ، مُذَّكَّرْ ؟ .. لا يهُم
لكن .. قبضتي حرير ..
كُلُّ ذلك لا يهُم ..
الأهم ..
هيبتي ..
كرامتي ..
وعِزَّتي
والكرسي طبعا ً ..
ففيه سِحْرُ قوّتي ..
( مُستَدْرِكا ً ) ييه ..
فيه ِ سِرُّ قوَّتي ..
لكن يُنَغِّص عليّ عيشتي
من يُزايد علىّ ..
ويرتدي ثوب الضمير
الضمير ..
من قال أنّي لا أملك ضمير ؟
حقير ٌ حقير ..
كلُّ من يصفني بانعدام الضمير
هل عرفتم من أنا ؟ ..
أنا ؟ .. من أنا ؟
أنا ؛ مَنْ أنا …
هناك من يقول : أنني الكبير
وأنني الناصر ، والفارس ،
والبطل ، والفاتح ،
والمُلهِمَ ، والقدير ..
لكنني ــ والله ِ ــ
لمْ أزعُم يوما ً
ــ معاذَ الله ــ
أنني النافخ ُ في النفير
ولكن هتافات ٌ تعلوا ..
وأشعار ٌ تُتلَى َ ..
وأغان ٍ تصدح ُ ..
وأناشيد تتغنَّى ..
بأنني .. الأول َ ، والأخير
أنني الأول ، والأخير
أنني الأول ، والأخير
أيضا ً .. كل هذا لا يهم
الأهم .. أنني الأمير
مسرحية الأمــيـر
الفصل الأول
الوالي .. و .. الوليّ
( الحــــلاج .. شهيدا ً )
مُقَدّمة :
الحلاج .. لازمني .. أرّقني .. إثنين وأربعين عاماً .. ولم يزل ..
عاش معي أربعة عقود .. قدّمَه ُ لي صلاح عبد الصبور ..
فأنست له ُ .. سعيت إليه .. وصادقته .. فسيطر عليّْ
أسَـرَني .. أجهدني .. أرعبني .. أبكاني .. وبكيت ُ عليه ..
تسلّط عليّْ .. تملّكني .. تعلّقت ُ به ِ ، وأحببته بكل جنون ..
ومِن َالجنون أن ْ أكتُب َ عن الحلاج بعد صلاح عبد الصبور ..
ولصلاح عبد الصبور أعتذر ، وأقول :
مَن ْ أنا في آخِر ِ الأمر ِ حتّىَ أقف إلى َ جِوارِك َ سيّدِي ؟ ..
وكان حَدْسي دوما ً ، أنَّ الحلاج َ مظلوم .. فهل أنصفتُه ؟ …
سعيد نصر سليم
الجزائر في الأحد 07 سبتمبر 2014
الشخصيات :
ــــــــــــــــــــــ
ــ الحلاّج …………….. شيخ على مشارف الستين من العمر .
ــ أم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع البصري ………. زوجة الحلاج .
إمرأة على مشارف الأربعين من العمر .
ــ بنت السِمَري ……………………………….. زوجة ابن الحلاّج .
في العشرين من العُمر .
ــ أبو يعقوب بن الأقطع البصري ……………… والد زوجة الحلاّج .
تجاوز السِّـتِّـين مِن َ العُمْر .
ــ محمـد بن سعيد …………………………….. خادم الحلاج .
في الأربعين من العُمْر .
ــ الشبلي ……………………………………. صديق الحلاج .
شيخ في الستين من العُمْر .
ــ نصر القشوري ………………………… حاجب الخليفة المُقتدِر .
في الأربعين مِن العُمْر .
ــ ابن عفيف ………………………….……….. حارس السجن .
في الأربعين مِن َ العُمْر .
ــ ابن سُـرَيْج ……………………….…………. قاض ٍ شافعي .
في السبعين مِن َ العُمْر .
ــ أبو العـَبـَّـاس ابن عطاء …………………….. قاض ٍ حنبَـلِّي ّ .
في الخمسين مِن َ العُمْر .
ــ أبو عُمَر محمـد يوسف الحمادي ……………… قاض ٍ مالكيّ ،
ورئيس المحكمة العُليا ببغداد .
في السبعين مِن َ العُمْر .
ــ محمـد ابن داود الظاهري …………….. قاض ٍ
مِن ْ خصوم الحلاج .
في الستين مِن العُمْر .
ــ ابراهيم بن شيبان ……………… مِن ْ خصوم الحلاج .
في الثلاثين مِن َ العُمْر .
ــ الخليفة العباسي المقتدر بالله …. في الخامسة والعشرين
من العُمْر .
ــ حامد بن العباس ………….. وزير الخليفة المقتدر .
مِن ْ خصوم الحلاج .
في الخمسين مِن َ العُمْر .
ــ محمـد بن عبد الصمد ……………….. قائد الشرطة .
مِن ْ خصوم الحلاج .
في الأربعين مِن َ العُمْر .
ــ الجنيد ………………………. مِن ْ أقطاب الصوفية .
في السبعين مِن َ العُمْر .
ــ سجين 01 .
ــ سجين 02 .
ــ سجين 03 .
ــ شرطي سِـرّي 01 .
ــ شرطي سِـرّي 02 .
ــ الجلاّد ( وهو أيضا ً السيّاف ) .
المكان : بغداد
الزمان : عهد الخليفة العباسي
المقتدر بالله .
الفترة : من 910 م .
إلى 922 م .
تنويه :
ـــــــــــ
ــ المنصور بن حسين الحلاج
ــ وُلد بفارس عام 858 م .
ــ اعترض على فلسفته في التصوف قاضي بغداد
الفقيه محمـد بن داود الظاهريّ .
ــ لقى مصرعه مصلوبا ً على يدّ الوزير حامد بن العباس ؛
تنفيذا ً لأمر الخليفة العباسي المقتدر بالله . .
ــ كانت وفاته في بغداد يوم الخميس 26 مارس 922 م .
المشهد الأول
ــــــــــــــــــــــ
المنظر : الحلاج مصلوبا ً على
جِذع نخلة .
الشبلي : يابغداد ابنك اليوم شهيد ..
نصر القشوري : ليس أول شهيد ..
ابن عفيف : ولا آخر شهيد ..
القاضي سُرَيْج : مِن ْ دِجلة َ للفرات ،
كانوا يُعِدُّون َ الرِّماح .
القاضي ابن عطاء : أخذوك َ غيلة .. إغتالوك َ حيلة
أولاد السِفاح .
محمـد بن سعيد : جلدوك فما ركعت .. صلبوك فما
فما انحنيت ، وانحنى النخيل .
نصر القشوري : ياراحلا ً ، دون رحيل .
المجموعة : لأنّ َ الموت َ أرحم ،
إختار َ المسكين لِيَرحل
نصر القشوري : تحت السِّـياط ِ الجلد شاط ،
وما قال يوما ً آه …
الشبلي ّ : لِم َ قد بُحْت ؟ ..
لِم َ لم تكتُم مابينك وما بين
الله ؟ .. وها أنا قد كتمت .
محمـد بن سعيد : كان يقول : كيف أخاف ُ المَنون ،
وإنّا إلى الله ِ راجعون .
نصر القشوري : أين من تدافع عنهم .. تخلّوْ عنك ..
باعوك .. خذلوك ..
إبن عفيف : كأنّي أرىَ الحُسين ..
الشبلي : هو أيضا ً حُسَيْن ..
نصر القشوري : هل نحن في بغداد ، أم ِ في كربلاء ..
محمـد بن سعيد : لا فرق .. العراق ُ كُلُّها أضحت كربلاء .
ابن عفيف : ياالله .. كأنّهُ المسيح ..
نصر القشوري : هل المسيح عاد من جديد ؟
الشبليّ : بل هو مسيح ٌ جديد .
محمـد بن سعيد : كأنه صورة ٌ منه .. نُسخَة ً عنه ..
نصر القشوري : في بلادِنا يُستَشهَد ُ كُلَّ يوم ٍ حُسَيْن ،
ويُصلَب ْ مسيح .
المجموعة : ويمضي الكبار ، في صمت ٍ ووقار
الشبلي : بدا مُضيئا ً ، لينتهي شهيدا ً .
محمـد بن سعيد : كان قلبه مصباحا ً دُرِّيا .
المجموعة : لم نكتشف ظلمنا إلا على ضوء
جراحِه ِ ، فأفقنا .
نصر القشوري : أنتم شاركتم في القتل .
المجموعة : كيف ؟
نصر القشوري : تواطأتُمْ بالصمت .
المجموعة : خِفنا ..
نصر القشوري : خِفتُم ؟
المجموعة 01 : خِفنا مِنْ بَطش ِ الوالي
المجموعة 02 : خِفنا مِن ْ جَوْر ِ الوالي
ابن عفيف : نحن ضحايا مثله ..
محمـد بن سعيد : أ ُسكُت .. لا تجهر بالصوت .
المجموعة : يامن زرعت فينا الألم ، والندم ،
وتأنيب الضمير بعد الرحيل .
الشبلي : ذبحتوه بلفظ قاتل ..
أبو يعقوب : قالوا .. زنديق كافر
ابن عفيف : قتلوه باسم الدين
نصر القشوري : بل قتلوه من أجل الدين
المجموعة : قتلته السياسة ، ولم يقتله الدين
الشبلي : الدين لا يقتل أحدا ً ،
ولكنها السياسة .
القاضى ابن داود : قتلناه ُ بسيف الشرع ..
فطبّقنا عليه الحد .
الشبليّ : عِشقُهُ الإلهي تجاوز َ حدود َ الموت
محمـد بن سعيد : كان يقول : لحميَّ لحمُك ..
ابراهيم بن شيبان : وكنا نقول : لحدُك َ وحدَك .
القاضى ابن عطاء : دماءه تتجدد ..
مع كل قطرة نزف تتبدد ..
نصر القشوري : نُحِر َ الحلاج ُ ليحيا .
محمـد بن سعيد : مات الحلاج ُ ليبقى َ .
الشبلي : كان يصدح ُ برأيه ِ ، ولا يُبالي .
نصر القشوري : فارتعب منه الوالي .
ابن عفيف : الحكومة أغرت الناس بالمال ..
وترصدوه على الطرقات .
الشبلي : قبضتم الثمن .. دنانير ملوثة بالدم .
المجموعة 01 : فارقتنا .. ونحن ُ عطشى َ لِما
تجود ُ مِن ْ عَطاء
المجموعة 02 : ونحن أيضاً نِلنا مِنْك .. بتخاذُلِنا ..
بتنكُرِنا .. إن ْ كُنّا نُخبَة ، أوْ دهماء .
أم الحُسين بنت
أبي يعقوب : قتلوووووووووووووووووووووووه
شرطي ّ : أخفضى صوتك ياإأمَة َ الله .
أم الحسين بنت
أبى يعقوب : أيها الراحل ُ عنّا ياأعزّ الراحلين ..
تركتنا وحدنا نواجه عصف السنين .
شُرطيِّ : إخرسى .. قبَّحَـك ِ الله .
محمـد بن يوسف : خسرناه ، في لحظة ٍ ليس فيها سِواه .
أم الحسين : ياسيّد الرجال .. يانفيس الأولياء ..
أما فكّرت َ فيّ ؟ .
شُرطيّ : قلت لك ِ إخرسي …
أم الحسين : غربتي طالت .. وطال الإنتظار ..
ونحن على هذي الحال .. مابين
ترحال ٍ ، وترحال .. حبس ٌ ،
وسَجْن ٌ ، واعتقال .. الصبرُ طال .
الشبلي : تجلّدي يامؤمنة .
محمـد بن سعيد : اعذُروها .. آلامها المسكينة ،
فوق الإحتمال .
أم الحسين : ياهواني .. ترملت ُ قبل أواني .
شرطي : إخفضى صوتك ياامرأة ، قاتلك الله …
الشبليّ : دعوا المسكينة ..
فهيَ في بعلِها مفجوعة ..
محمـد بن سعيد : ماذا تُريدونَ مِنْ إمرأة ٍ مكلومة ،
على زوجِها موجوعة ؟ ..
نصر القشوري : ومالها وقت َ الوداع ،
سوىَ حريق ِ الإلتياع ..
أم الحسين : يامن تحوّلت بين أنياب الذّئاب ،
إلى كوم تراب ٍ ، معجون ٍ بدم .
الشبلي : الأرملة ُ الثكلىَ زلزلتها الفاجعة ،
رغم أنها كانت مُتوَقَعة .
أم الحُسين : أين هم الأصدقاء ؟ ..
تركوك في العراء ..
ممزقا ً أشلاء ..
عاريا ً بلا كفن .
نصر القشوري : مشهد وليمة .. ذبْح ٌ أليم .
محمـد بن سعيد : إقتات فيها الوحوش ُ ،
على الشيخ المسكين .
ابن عفيف : تركوك تُبحِر ُ وحدك ..
نحو المنار ..
نحو الفنار ..
بلا مجداف .
الجموعة 01 : البحر ُ هائج .. والضباب كثيف .
المجموعة 02 : نرى َ الغيم قادم ، والضباب .
المجموعة : لم نعُد نرى َ غير السراب .
ابن عفيف : أما زلتم في النكران ، والإجحاف .
( أرملة الحلاج ، تتقدم نحو الجثمان ..
يعترضها الشرطيِّ )
شرطيّ : لا عزاء للقتيل .
أم الحسين : أ ُريدُ أنْ أنفرِدَ به .
شرطيّ : إبتعدي ياإمرأة .. ممنوع الإقتراب .
أم الحسين : حرمتموني مِن ْ زوجيَّ حيَّا ً ..
وتحولون بيني وبينه ميِّتا ً ؟ ..
حسبى َ الله ..
القاضى ابن سريج : وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقَلبٍ
ينقلبون .
الشبلي : طوبى لمن ظفر بالأسرار
القاضى ابن عطاء : طوبى لمن أنعم عليه الرحمن ،
بأنوار الكشف والإلهام .
نصر القشوري : سُجِّي ّ َ الجُثمان ..
الشبلي ّ : طُهِّـرَ في النيران
ابن عفيف : مات الحمام
محـد بن سعيد : سَكتِ الكلام .
الشبلي : الموت ليس نهاية القصة ،
بل بدايتها .
ـــ إظـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام ـــ
غناء : ( رثاء ) ياكلمة ُ الحق ِّ ، إملأي الدنيا ..
سماها ، وأرضها ..
وبلّغي البشر .. كل البشر ..
بما قد جرى على أرضها ..
على أرضها ، طبع الشهيد قدم ..
على أرضها ، نزف الحُسين ألم ..
إلى متى تضيع ُ فيك ِ الحقوق يابغداد ؟
وينطفئ النور في الضمير ..
وتختفى نجوم السلام ..
يابغداد إبنك مات في حضنك ،
شهيد .. شهيد .. يابغداد .
المشهد الثاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنظر : الساحة العامة في بغداد
الحلاج : ياخُلاّصي .. ياجُلاّسي .. وياأحباب الله
لا تكونوا أعداء أنفسكم ..
أحد العامة : كيف ؟
الحلاج : بتعصُّبِكُم .. بتطرفكم .. بتمَزِّقُكُم ..
بتَفَرِقُكُم .. بتناحركم ..
تراصوا .. تراصوا .. ولا ترجعوا
بعد الحبيب ِ كُفّارا …
المجموعة : كُفّارا ؟ ..
الحلاج : يضرب بعضكم رقاب بعض ..
والدماء ُ تجري أنهارا ..
هل رأيتم ذئبا ً يأكل لحم أخيه ؟ ..
فلم يأكل بعضكم بعضا ، جَهارا ً نَهارا ؟ ..
المجموعة : العدو مِنّا ، وفينا ..
الحلاج : يابغداد ُ يامرتع الخيّـام ..
عودي لتكوني مدينة الله …
الشبلي : ( مهرولا ً ) ياأخي .. وصفيي .. وخليلي ..
لماذا عُدت ؟ ..
لماذا رحلت عن مكة ، وعدت ؟ ..
لماذا تركت الكعبة ، والمسجد الحرام ؟ ..
الحلاج : رحلت ُ من دار الأمان ..
وعُدتُ إلى دار السلام
الشبلي : لم تعد بغداد دارا ً للسلام ..
بغداد ُ استوفت حظَّها مِن َ النَّوائب ..
بغداد ُ هبطت عليها الشدائد ُ ،
والكوارث ، والمِحَن ..
بغداد ُ لم يعد فيها أمن ٌ ، أو أمان .
الحلاج : ولهذا عُدت .
الشبلي : لماذا عُدت ؟ .. بغداد لم تعد كما تركتها ..
بغداد لم تعُد على حالها .. بغداد تمزقت
أوصالها بين ذئاب ٍ ، وضباع ٍ ، وثعالِب ..
ولكل ٍ فيها مآرب ..
الفُرْقَة تسري كالسُّـم ِفي شرايين البلاد ..
العراق تمزقت أوصالها بين سُنّة ٍ وشيعة ..
وعربٍ وفُرس .. كِلدانيين ، وآشوريين ..
علويين ، ويزيديين .. وكُردٍ وشركس ..
مانائيين ، ودروز ٍ .. صابئة ٍ ، وتُرك ..
العراق تغرق في حروب أهلية .. وبغدادُ
تشتعل بحروب داخلية ..
الحلاج : إلى هذا الحد تصاعدت الأمور ..
الشبلى : الأمور تغلي .. وبلاد الرافدين تمور ،
بين معتزَلة ، وأشاعرة .. وزنج ،
وحنابلة ..
إنأىَ بنفسك ياشيخ عن هذا الصراع
العبثي ّْ.
الحلاج : أتطلب منى ان أرحل عن بغداد ..
ولي فيها أحباب ؟
الشبلي : بغداد ؟ .. لها الله بغداد ..
بغداد الله أعلم بها ..
الله ُ أدرَى َ بحالِها ..
بغداد تعيش الإضطراب السياسي ،
والصراع المذهبي ..
بغداد ملل وطوائف ونِحَل ..
الحلاج : ومن هنا كان الخلَل .
الشبلي ّْ : بغداد فِرَقٌ وجماعات ٌ ومذاهب ،
فعلى أيّ طائفة ٍ ياتُرَىَ سوف تُحسب ؟ ..
ولأي دربٍ أنت ذاهب ؟ .. فلماذا عُدت ؟ ..
الحلاج : لأنثُرَ رحيق الإيمان في آذان أخلائي .
الشبلي : ياشيخ مازلت صافي القلب ، حسن النيّة ..
إلى َ هذا الحدِّ أنت َ ساذَج ؟ ..
الوضع حافل بالتعقيد ..
والأمورُ كلّ يوم ٍ تتفاقم ، وتزيد ..
الحقائق في بغداد ضيعها دخان الأراجيل
الكثيف في مقاهي الفُرات ، وحانات الرشيد ..
نحن في زمن الحق الضائع .. نحن في بلد ٍ
لا يعرف أهل المقتول من قتله ..
الواقع كئيب ٌ سوداوي ..
أصبحنا في غابة ، يفترس فيها الإنسان ُ
الكلب الإنسان الثعلب ..
الحلاج : ياشبلي .. طريق ُ الحق ِ دَوْما ً محفوف ٌ
بالمهالِك .
الشبلي ّ : حتما ً أنت َ هالِك ..
قل لي ياحلاج .. هل قدرنا الإقتتال ، ثم
الإقتتال .. وكأن ّ لا اتفاق ، ولا مصلحة ،
ولا رابطة بين المسلمين ؟ .
الحلاج : على المسلمين الإقتراب ياشبلي ّ ..
على المسلمين إدركَ أهميتهم لبعضهم
البعض ، لكي ّ تُصبِح َ الحياة ُ مُمكِنَة ..
وسِـوى َ ذلك فلن نحصد سِـوى َ المآسي ..
الشبلي ّ : تولانا الله برحمته ..
الحلاج : تلك النزاعات .. ولّدت عندي قناعات ،
بأن سبب شقاء الناس ، وعذاباتهم ،
الإختلافات التي تُوَلّد ُ الخلاف ، وعدم
قبول الآخر .. مصيبتنا عدم تقبَـُـل ِ
الرأي الآخر .. مصادرة الرأيّ الآخر ..
نحن نهوى سماع َ أنفسنا ..
لابد من موقف ياشبلي ..
الشبلي : أنت أضعف من أيّ موقف ياحلاج ..
ستحاربُ طواحين هواء ..
كيف ستجوب المحيط في زورق ؟ ..
حتما ً سوف تغرق .
الحلاج : لا يمكن أن أتقوقع داخل ذاتي ،
كصدفة ملقاه على شاطىء دِجلة ،
أتأمل من حولي رجس العالم …
الشبلي : ماذا نملك ياصديقي غير الكلمة
الحلاج : الكلمة الفعل .. الكلمة الناجِزَة ..
الشبلي : في بغداد ستظل الكلمة عاجزة .
الحلاج : إن الكلمة لو لم يساعدها الفعل ،
فلا قيمة لها .. طحن هواء ..
الكلمة إن لم يصحبها فعل ؛
فلن تردع ظالم .. ولن تُبَدِّل َ
حال ولن تُغيّر واقع ..
الشبليّ : لن يُسمَح لك
الحلاج : سأروي كلماتي دمي ،
كيّ تُزهِرَ أشجارُ الفعل ،
فيطعَمُ مِنها الفقراء .
الشبلي : سوف ينقَضُّون لإجهاض ِ الحُلم ..
وقد يُودِيَ بك .
الحلاج : أنا لا أأبهُ بالموت ،
بل أطلبه للوصول إلى السماء .
الشبلي : ياحلاج .. إنّي يُمَزّقني عجزي عن
تحويل الكلمة إلى فعل .
الحلاج : عجز ٌ فادح ياشبلي ّ .. لكن ، رُبّما
استطعنا يوما ً أن ْ نُسمِع َ كلماتِنا
مَن ْ به ِ صَمم .
الشبليّ : ياحلاج .. أخشى َ أن ْ تخلع َيوما ً
ثوبَ الصوفي ّ .
الحلاج : وما الأهميّة ؟ .. إذا كُنت ُ أ ُغطي
عفن الواقع بزهور ٍ وهمية ؟ .
الشبلي : أ ُنظُر للنور الباطن .
الحلاج : لكن لن أعمى عن عفن الواقع ..
وعن الظُلم الواقع .
الشبلي : ياحلاج .. أرفق بالحلاج ..
إهترأت قدماكَ مِن َ الحفاء ..
أما أضناك َ البحث ُ ، والتطواف ؟ ..
العسس يترصدونك في كل أوان ..
والدرك يتربصونك في كل مكان .
الحلاج : ياشبليّ .. إنّي أسعى للإصلاح ِ بين
الحقِ ، وبين الخلق .
الشبلي ّ : إنّي أنصحُك َ ياحلاج .. بل حذًّرتُـك ..
حُبّا ً لك ْ .. وخوْفا ً عليك .
شرطيّ : من فيكم الحلاج ؟ .. أيُّكما الحلاج ؟
الشبلي ّْ : هذا الذي تُومِض ُ عيناه ُ مثل َ سِراج ..
محمـد بن سعيد : بل مثل البرق .
الشرطيّ : إذن فاتبعني ..
الشبليّ : إلى أين ؟ ..
الشرطيّ : أ ُسكُت أنت .
( للحلاج ) .. فلتتبعني للقصر .
الحلاج : أيّة ُ قصر ؟
الشرطي : أية قصر ؟ ..
قصر الخليفة عديم الفهم .
الشبلي : لقد نفذ السهم ..
كم ْ حذَّرْتُك ؟ ..
هذا ماكنت ُ أخشى منه ..
الحلاج : لا يُغني حذَر ٌ مِن ْ قَـدَر ٍ ياشبلي ّ ..
الشبلي ّ : ماأرهف آذان الشرطة ..
تسمَعُ حتى دبيب النمل .
محمـد بن سعيد : الدولة تنوي أن ْ تبطِش َ بالإمام .
الحلاج : صبرا ً أهل بغداد .. بغداد لكم ..
إنّها لكم ،
وأنتم وارثوها .
ـــ إظـــــــــــــــــــــــــلام ـــ
المشهد الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنظر : غرفة نوم الخليفة ــ الخليفة يدور حول
نفسِه ِفي الغرفة .. قابضا ً على بطنه مِن َ
الألم ْ .. سريرٌ في الغرفة ، بجواره مقعد .
صاحب الشرطة : مولاي خليفة المسلمين .. المقتدر بالله ،
العباسيّ الأمين .. أعزّك الله بالنصرالمبين .
الخليفة المقتدر : ماذا وراءك ياغراب البين .
ص .الشرطة : جئتُك َ بالشخص المطلوب ..
هذا الذي يُدعَى بالحلاج …
الخليفة : لكن .. مظهره لا ينُم ُّ عن جوهره ..
ص . الشرطه : من يدري .. ربما مخبره ، أفضل من
مظهره ِ يامولاى .
الخليفة : ياهذا .. من أنت ؟ .. ولمن تنحدر ؟
الحلاج : ماأنا إلا إبن واحدٍ من الموالي ..
ومن نسلِ واحدٍ من العَوَام .
الخليفة : يُشاعُ عنك في بغداد ، أنك صاحبَ
كرامات .. تُشفى الغليل ..
( مُستَدرِكا ً ) تشفي الغليل ..
ماذا لو أسديت لي من جميل ؟ ..
الحلاج : مم تشكو ياأمير ؟
الخليفة : من علة ٍ في بطني .. داء في جوفي ..
لم يُجدي معه وصفة ، ولا دواء ..
كأنَّ بطني قربة ماء ،
ودوما ً يصدر ُ منها صفير .
الحلاج : ( الحلاج يأخُذُ بيد الخليفة نحو السرير ..
ويضع كفه على بطن الخليفة ، ويقرأ
المعوذتين .. تبدو على الخليفه علامات
الإرتياح )
الخليفه : جعل الله على يديك الشفاء ..
( يستغرق الخليفه في النوم ، فيغطيه
الحلاج ُ بدراء ، ويهُمُّ الحلاجُ
بالإنصراف )
صاحب الشرطة : إلى أين ؟ .. أنت باق ٍ إلى أن يستيقظ
مولانا من النوم ..
قل لي ياشيخ .. هل خطيرة عِلة ُ الخليفة ؟
الحلاج : الأخطر منها عِلّة ُ الخلافة .
الخليفة : أين هو ؟ .. أين أنا ؟ .. أين الإمام ؟ …
ص . الشرطة : هاهو يامولاي .. لقد احتجزته ، حتى
نتأكد ــ والعياذ ُ بالله ــ هل ستعود
من النوم ؟ ..
الخليفة : أعود ُ مِن َ النوم ؟ ..
هل تمنيت ليّ الموت ؟
اللفظ ُ سعد ٌ ياغليظ القول .
صاحب الشرطة : معاذ الله يامولاي .. نحن فداك ..
بالتأكيد خانني التعبير ..
أقصد أحتجزت الأمام حتى نطمئن ..
هل تعافيت ؟ .. أم ْستُعاوِدُ كَ الآلام ؟
الخليفه : ( للحلاج ) قسما ً بحق من أجرى دجلة
والفرات ، أنت مبروك .. لقد برئت ُ على
يديك ، وكنت قبلك مهلوك ، مهلوك ..
لقد شُفيت ُ على يديك .. لقد شفيت .
الحلاج : لقد شُفيت َ بلُطف ِ رب ّ ِ العالمين ياأمير .
الخليفة : ياإلهي .. كم أخشى الموت .. كم كنت
أخشى أن أموت .
ص . الشُرطة : ومن مِنّا لا يخشى الموت ؟
الخليفة : أنتم قد أخذتم نصيبكم من الدنيا ..
أما أنا فلم أعِش حياتي بعد ..
أنتم ليس لديكم ماتخسروه ..
سِيّان َ أن ْ تعيشوا أحياءا ً كالأموات ،
أو أمواتا ً أحياء ..
أما انا .. فلمن أترك بغداد ؟
أخشى عليها من حكم الأوغاد ..
( لصاحب الشُرطة ) ياابن عبد الصمد ،
خذ الشيخ المبروك لسمو الأميرة الكبيرة ..
فهي تعاني كما أعاني .. فإن حالتها جدُّ
خطيرة .
صاحب الشرطة : أيهما ؟ .. من ؟
الخليفة : قلت ُ الكبيرة .. الأميرة الأم ..
المسكينة لا تنام ، من شدّة الآلام ،
وحالتها منذ وفاة الوالد الأمير ،
ليست على مايرام .
ص . الشرطة : سمعا ً ، وطاعة يامولاي ..
نحن ذاهبان إلى جناح الحريم .
الخليفة : إبق أنت ياابن عبد الصمد .
ص . الشرطة : سأريه الطريق .
الخليفه : لا بأس .. لكن عُد بِه ِ إلىّ ،
بعد فحص الوالدة ..
لا تُطلِقهُ .. أحضِرهُ معك .
( يخرجان .. ينهض الخليفة من
الفراش .. يدور حول نفسه فرِحا ً
في حركات ٍصبيانية .. وكأنّهُ لا
يصدق نفسه ، أنّه قد بَرِأَ من
السِقام ) .
الخليفه : هذا الإمام المسكين ، لا يساوي فِلسا ً ..
نعم .. هذا مايبدوا مِن ْ هيئته ِ ..
هذا الذّي حالـَتُه ُ عَدَم ْ ، أعاد َ لي
قوّتي .. حيويتي ..
أشعر الآن كما لو أصبحت ُ فرسا ً ..
فرسا ً ؟ .. الفرس ياعبد المقتدر أنثى
الحصان .. يالك من حمار ..
( يضحك كالبهلول ، وهو يتطلع إلى
نفسه في مرآة .
صاحب الشرطة والحلاج يعودان ،
فيتفاجآن بحركات الخليفة )
صاحب الشرطة : أرايت من يحكموننا ياإمام ؟ ..
مصيبتنا دوما ً في الحُكّام ؟ ..
أقصد مصائبنا تأتي من الحُكّام ؟
الحلاج : ( مُبتسِما ً ) من أعمالِكُم صُلِّت َ عليكم .
الخليفة : حضرتما .. حسنا ً .. بَشِّرا .. كيف حال
السلطانة ؟ .. كيف حال الوالدة ؟ ..
كيف حال الملكة الأم ؟ ..
ص . الشرطة : إنها تغطُّ في النوم .. السلطانة في الأحلام
غرقانة ..
الخليفة : كنت أعرف .. بمجرد أن تباركها يد
الشيخ ستبرأ ..
صاحب الشرطة : يبدو أنها ارتاحت كثيرا ً للشيخ ..
استلطفت الإمام ..
الخليفة : تمام .. تمام ..
( مُستَدرِكا ً ) ماذا تقول ؟
ص . الشرطة : حلّت عليها بركات الشيخ ..
الخليفة : ههههه .. كنا نحيا ببركة الأم ،
فأصبحنا نحظى ببركة الإمام ..
هل تعلم ياشيخ نحن نعيش ببركة
السلطانة .. بدعوات الملكة الأم ..
برضاها عَـنَّـا ، وإلا لكُنّا مع الهالكين ..
ولكان الفاطميون نالوا منّا .. ههههه ..
هاهاها .. يا ابن عبد الصمد ،
قلت لي مااسمه ؟ ..
مااسم الشيخ الإمام ؟
ص . الشرطة : الحلاج .. منصوربن الحسين الحلاج .
الخليفه : حسنا ً .. حسنا ً .. الحلاج ..
هل تحلج قطنا ً .. أم وَبَرَا ً .. أم قزّا ً
يامحتاج ؟ .. أقصد .. ياالحلاج .
الحلاج : الحلاج لقبٌ يامولاي .. وليست مهنة
الخليفة : أعرف .. أعرف .. تماما ً مثل الخليفة ،
أو السلطان .. الخليفة أيضا ً منحة ..
حِرفة .. أقصد مهنة ..
هل سمعت يوما ً عن أي خليفة ، أو
حاكم ، طلبوا منه شهادة خبرة لشغل
المنصب ؟ .. أو ورقة تُسمّى َ.. تُسَمّىَ ..
ماذا تُسَمَّى َ ياعبد المُقتَدِر ؟ ..
أسعِفني ياصاحب الشُرطة .
صاحب الشُرطة : سيرة ذاتيّة يامولاي .
الخليفة : آه .. سيرة شخصيّة ..
ص . الشُرطة : سيرة ذاتية ..
الخليفة : سيرة ذاتية .. سيرة شخصية .. مالفرق ؟ ..
أو .. دخل مسابقة لشغل المنصب ؛
وأ ُختير الأفضل ؟
ص . الشرطة : ( للحلاج ) مولانا يمزح ..
مولانا يهوى َ المزاح ..
( للخليفة ) إنه درويش يامولاي ..
الخليفة : أعرف .. أعرف .. درويش .. درويش ..
( لصاحب الشرطة ) ياجاهل ، إني
أسأل عن المهنة .
ص . الشرطة : درويش يامولاي ..
الخليفة : درويش ؟ .. يصنع الطرابيش ؟ ..
ص . الشرطة : درويش يامولاي .. أي رجل مسكين ..
على باب الله .. من أحباب الله ..
الخليفه : كلنا أحباب الله .. كلنا على باب الله ..
والأبواب كثيرة .. باب الله .. باب الجنة ..
باب خراسان ..
( للحلاج ) وماذا عن باب السلطان ؟
الحلاج : يامولاي .. إنّي رجُلٌ رصدتُ قواي ، منذ
صباي لحُبّ الله .. وللدعوة ..
الخليفة : لابأس .. لابأس .. من منا لا يحب الله ؟ ..
كلنا نحب الله .. لكن كلّ على طريقته ..
كل ُّ على هواه .. إسمع يا …
صاحب الشرطة : حلاج .
الخليفه : نعم .. نعم .. إسمع ياحلاج .. يمم وجهك
تلك المرّة شطر الباب .. الباب العالي ..
باب السلطان .. لا .. لا .. بل وتكون
إقامتك في قصر السلطان .. منذ
مُنذُ اليوم أنت طبيب السلطان ..
وإمام القصر .. وتوأم السلطان ..
تعظ السلطان .. تُهذّب السلطان ..
تُعيدُ تربية السلطان .. يابركة السلطان ..
( يضحك ) هيه هيه .. هاهاها ..
يا ابن عبد الصمد خصص غرفة للسلطان
أقصد للإمام بالقرب من جناحنا الملكي ..
الأمام أصبح واحد من خاصتنا .. بل أهم
شخصية في بلاطنا .. طبعا ً بعد السلطان .
الحلاج : لكن يامولاي .. كل حياتي بين الناس ..
كل حياتي للناس .. نذرت نفسي للناس ..
للبسطاء .. للفقراء .
الخليفة : الناس ؟ .. النّاس .. ونحن أيضاً أ ُناس ..
هل أخبروك أن َّ السلطان من صنف ِالجان ،
أم مِنْ جنسِ الشيطان ؟ ..
الحلاج : لا أقصد يامولاي .. أقصد أنّه ليس بمقدوري
أن ْ أنعزل عن أحبابي ، وليست حياة القصور
مبتغاي .. ولن تكون على هواي .. بطبعي
أعاف ُ سُكنىَ القصور ِ، وحياة الملوك ..
وليس لي مطمح فيها ، ولا مطمع ولا مرتع ..
الخليفة : كفى َ .. ليس لك في حياة القصور مطمع ؟ ..
هه .. هذا كل ماأطمع .. أنت من كنت أبحث
عنه .. سوف تبقى في القصر معي .. إلى
جواري .. جليسي ، و مستشاري .. سميري
وأنيسي .. صفيي وخليلي ..
صاحب الشرطة : دع الشيخ يامولاي على هواه .. دعه لمبتغاه .
الخليفه : إخرس أنت .. لم يبق إلا أنت تدبر عليّ ..
مالك ومال حديث الرجال ؟ ..
( للحلاج ) من قال أنّي سأعزلك عن الناس ؟
الحلاج : أنا لا أنتمي إلى ذاتي .. أنا أتخلى عن ذاتي
للآخرين .
الخليفة : ونحن من الآخرين .. احسبنا من الآخرين ..
أعتبرنا مِنَ الآخرين .
( لصاحب الشرطة ) الحلاج يقيم معنا في
القصر .. هذا أمر .. ويخرج متى َ شاء ..
وكلما شاء .. ووقتما شاء .. وخصصوا له
مجلِسا ً في القصر .. ايه .. مسجدا ً في
القصر .
صاحب الشرطة : مسجدا ً في القصر ؟ .. للصلاة ؟
الخليفة : ياللغباء .. وهل رأبت مسجدا ً للرقص ؟ .
الحلاج : اللهم فرَّغني لِمَ خلقتني له .. ولا تشغَلَني
بما خلقته لي .
ـــ إظـــــــــــــــــــــــــــــلام ـــ