مقالات ودراسات

الاستلهام من “سفر الرؤيا” فى العرض الموسيقى “جسور إلى بابل للمصمم البريطانى “مارك فيشر ”  1997


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

د. راندا اسماعيل طه

 

 

مارك فيشر مهندس معمارى ومصمم مناظر مسسرحيه صمم العديد من التصميمات البارزة التي تركت بصمة في عالم تصميم المناظر المسرحية [1] ، و كان فيشر وراء تصميمات الحفلات الشهيرة لفرقة بينك فلويد، بما في ذلك جولة “The Wall” التي كانت تعتبر من أكثر الجولات الموسيقية إبداعًا وتعقيدًا في تاريخ الموسيقى،

 

كما صمم الكثير من حفلات الروك وعمل فيشر مع فرقة رولينغ ستونز على تصميمات جولاتهم الموسيقية، مثل جولة “Steel Wheels” و”Bridges to Babylon” تميزت تصميماته دائمًا  بالابداع والتميز ، وتضمنت استخدام تقنيات حديثة ومؤثرات بصرية مذهلة ، كما ابتكر فيشرالمناظر لحفلي افتتاح وختام الألعاب الأولمبية في بكين 2008 ولندن 2012. وتميزت تصميماته بكونها مبهرة وجذبت انتباه العالم بأسره [2]

 

عمل فيشر مع فرقة U2 على تصميمات جولاتهم الموسيقية، بما في ذلك جولة “360° Tour” التي كانت تعتبر من أكبر الجولات الموسيقية في التاريخ من حيث الحجم والتعقيد، وصمم فيشر مناظر للعديد من المسرحيات الشهيرة في برودواي، مثل”Starlight Express”، “We Will Rock You” و تصميماته كانت دوما جريئة وتتناسب مع روح النص المسرحي، وعمل فيشر مع مادونا على تصميمات جولات موسيقية مثل “Sticky & Sweet Tour” و”MDNA Tour. [3]

 

تميزمارك فيشر بقدرته على تحويل الأفكار إلى واقع ملموس باستخدام تقنيات حديثة ومؤثرات بصرية مذهلة،و صمم افتتاح وختام احتفالات دورة الألعاب الشتوية بإيطاليا وعرض ” الألفية ” مع بيتر جابريل وعدد من عروض “سيرك الشمس” والعروض التلفزيونية .

 

أقيم عرض “الجسور إلى بابل” (Bridges to Babylon) من خلال جولة موسيقية لفرقة رولينغ ستونز عام 1997، وصمم مارك فيشر المناظر لهذه الجولة، وكانت هذه الجولة واحدة من أكثر الجولات الموسيقية إبداعًا وتعقيدًا في تاريخ الفرقة، حيث تميزت بتصميمات مذهلة ومؤثرات بصرية متقدمة.

   مفهوم التصميمى للعرض الموسيقى:

 

تناولت فكرة فيشر بالعرض نهاية قرن الثقافة الغربية وما تعبر عنه من انحلال واتخاذها لـ”مذهب المتعة hedonism” من قِبل مجتمع خائف كما تَوَعَّد “سفر الرؤيا “، وتحولت تلك الفكرة من “سفر الرؤيا” إلى عرض مسرحى بما يتلاءم مع روح العصر فى شكل بصرى قوى يتحاور مع الجمهور ، [4] ويعنى عنوان العرض التحول من مكان أسطورى يمتلىء بالرفاهية والرذائل ومناخ الانحلال إلى مكان آخر أفضل منه  ، لذا اعتمد مفهوم التصميم الحركى للعرض على فكرة التحول الرمزى من حالة الانحلال إلى حالٍ آخر أفضل من خلال العبور والانتقال من منصة إلى أخرى عن طريق جسر تليسكوبى متحرك.

 

مثلت الحركة من المنصة الرئيسية للعرض لمنصة اخرى اصغر منها تغيراً فى البيئة المكانية و البؤرة البصرية للجمهور بعرض “جسور إلى بابل Bridges to Babylon” ، والذى قدمه فريق ” The Rolling Stones” بألبومه الغنائى الذى عُرف باسم ” جسور إلى بابلBridges to Babylon’ ” فى الاستاد  والذى تمثل الحركة عنده الكثير من المعانى والرؤى الرمزية من خلال تصاميمه التى تمتلىء بالتشكيلات والصور .

 

شكلت الحركة صورة جمالية مليئة بالمعانى ذات كثافة من التتابع الحركى المتداخل ، والتى تمثل فكرة العرض عن مجتمع  يشعر بالخوف من تهديدات وهمية، ونَقل العرض الجمهور إلى عالم من الأسرار يمتلىء بالرفاهية من خلال الأشكال الثرية والمتوهجة من الزخارف المعمارية المفرطة الممثلة للقوة والثروة وظروف ينتج عنها أجواء من الانحطاط. كما عَبَّرت الحركة فى العرض عن إيقاعات بصرية موفقة ومعبرة بذاتها من خلال التشكيلات والصور التي قُدِّمَت في شكل أقرب للوحات التشكيلية .

تقوم الفكرة التصميمية التى تناولها العرض على الثراء الشديد ، وتأثر مارك فيشر بالأفكارالخاصة بالثروة والتوهج  من خلال الطرزالمعمارية التى تستعرض القوة والثروة والمبانى الدينية والكنائس المزينة وطرز الباروك، فاستخدم “فيشر” الحقبة الباروكية الأوروبية فى تصميمه والتأثر بالدين المسيحى واللاهوت فى العمارة ، كالكنائس الكاثوليكية ذات الزخارف وصور القديسين، والفضاء المتسع بشكل مفرط ، وتأثرالمصمم “مارك فيشر” باتجاهات بعض المصممين فى أواخر القرن العشرين المتأثرين بالعمارة الإنسانية بصورها المختلفة ، ومنها العمارة الخيالية ، و”العمارة الشعبيةًpopulus architecture  ”  وهى العمارة التى تستعمل أشكالاً مألوفة سهل التعرف عليها فى الحياة اليومية. [5]

 

الاسكتشات والرسوم التوضيحيه للتصميم:

عبَّر المصمم مارك فيشر عن مفهوم العرض من خلال اسكتشاته التى احتوت على عدد من الأعمدة ذات طرز معمارية باروكية، وأعمدة مستوحاة من براعم البردى على الطرازالمصرى الفرعونى ، والتى عملت كدعائم للشخصيات العرائسية” المنفوخة inflatable” من الرجال والنساء الأشبه بمنحوتات “بوتشينى”على جانبى شاشة الفيديو ، والنحت المنفوخ لعدد من القديسين المحاطين بالملائكة، بالإضافة لصورة المسيح المصلوب، وصليب من النيون وظهروا جميعهم فى أغنية” Saint of Me”

 

تصميم الأشكال النحتية والأسطورية الضخمة

استخدم “فيشر” فى تصميمه التماثيل الثابتة والأشكال النحتية والأسطورية بمقياس ضخم وتكوينات تشخيصية، فيما يُعرف بفن الفانتازيا pop-art ، واختفت المنحوتات الضخمة خلف الستائر فى الأغانى السبعة الأولى، وهى من المجسمات المنفوخة لشخصيتين ، وأدمجت فى المنظر الباروكى والمجسمات الضخمة، بالإضافة لاستخدامه لموضوعات ذات مرجعيات تاريخية ، واستخدامه للأشكال الهندسية المناسبة والجذابة من الموتيفات والشكل البيضاوى لشاشة الفيديو الكبيرة فى الوسط وغيرها من الأشكال الهندسية فى الإضاءة [6].

يحيط بالخشبة برجان للصوت بحجم ضخم ذهبى مغطى بقماش متموج [7] ، و اخفيت جميع هذه العناصر خلف ستائر فضية كبيرة. و جُهزت أنظمة لتحريك الستائر على مسارات كهربائية electrical track systems لسهولة التثبيت والطى ، و استخدمت الستائر بأحجام ضخمة لتغطى الأعمدة ولتعمل كخلفية للمنظر لإعطاء التأثيرات الدرامية .

 

تصميم المنصه :

كانت المنصة ضخمة ومعقدة، تتضمن جسورًا متحركة وأبراجًا عالية، وتحركت تلك الجسور لتغير من شكل المنصة أثناء العرض، مما أضاف عنصرًا ديناميكيًا ومثيرًا.

قام فيشر بتصميم” المنصة القابلة للنقل transportable staging” وهى المنصة الرئيسية فى العرض، واستخدم الشاحنات و التروس فى منتصف الملعب الأرينى لدحرجة المنصة وتثبيتها فى مكانها الصحيح ، ونفذ المشهد بالخشب المعاكس- رغم أن مظهره يبدو من “الصلب الصدأ rusted steel” . “[8].

أطفئت كل الإضاءة فى منتصف العرض ليبدأ ظهور الجسر الرمزى المستلهم من إسم العرض من أسفل المنصة فى منتصف الخشبة الرئيسية ، ليتدلى فوق الجمهور هيكل نصف معلق “لجسر ممتد تلسكوبياً   telescoping bridge”- –  ويرتفع الجسر أثناء العرض لأعلى ليعبر عليه الفريق الغنائى لمسافة 36م وحتى المنصة ” b ” فى منتصف الاستاد ، وأثناء عبور الفريق بشكل بطولى للمنصة ” b ” تبدأ التماثيل الدينية فى الظهور على منصة المسرح الرئيسية، ثم يعود للانسحاب وطى نفسه ليختفى أسفل الخشبة أثناء إحدى أغنيات الفريق. واستغرق وقت امتداد الجسر والخشبة “b” أربعين ثانية ، وقامت الشركة المختصة  بتنفيذ تجهيزات العرض بتثبيت الجسر المنحنى فى مكانه الصحيح فى الخشبة ،

 

ورفعه بعد ذلك لزاوية الالتقاء مع المنصة “b” ثم عمل الامتداد التلسكوبى له، واستخدم محرك ديزل للتحكم فى الأربع محركات الهيدروليكية التى تتحكم بدورها فى حركة العجل المثبت فى المحاور الخاصة بالجسر [9]، وفى نهاية العرض يعود الفريق للمنصة الاولى وتضاء خشبة المسرح بكاملها من الخلف[10].

 

المؤثرات البصرية:

تضمنت الجولة استخدام شاشات ضخمة لعرض مقاطع فيديو ورسوم متحركة تفاعلت مع الأداء الحي. اضافت هذه المؤثرات بعدًا جديدًا للتجربة البصرية للجمهور، و ثُبتت “شاشات LED screen” على المنصة أمام جمالونات الإضاءة ، وعُرضت عليها صور الفيديو وهى عبارة عن مزيج من العرض الحى المصور من خلال ست كاميرات والصور المولدة بالحاسب [11]. وبأعلى المنصة وضعت ستة أشكال مثبت عليها أجهزة الإضاءة ، وتُغير تلك الأشكال الحاملة لأجهزة الإضاءة من موضعها طوال العرض ، ففى مشهد الإفتتاح قامت الثلاثة أشكال الأمامية بالنزول ثم الصعود لأعلى ، ثم هبطت فى الأغنية التالية، ثم الصعود أثناء انتقال الموسيقيين للخشبة b” ” .

 

   الإضاءة المسرحية:

استخدم مصمم الإضاءة “باتريك وودروف ” Patrick woodruff تقنيات إضاءة متقدمة لإضفاء جو خاص على كل أغنية. و تغيرت الأضواء باستمرار لتتناسب مع الموسيقى والأداء، وقام بإحداث التكامل بين الإضاءات ، فركز على إضاءة الخلفية والفريق الغنائى دون التركيز على مقدمة المسرح  ، واستخدم  أجهزة الإضاءة  Lite –Vari ، وأجهزة لتركيز الضوء ذات ألوان مضيئة  [12]. و ثُبتت أجهزة الإضاءة ” السبوت  ” spotفى الأبراج ،

 

بالإضافة لاستخدام صف من أجهزة الإضاءة ” PAR cans ” من أسفل عبر الممر. واستخدم بالعرض عدد من البصريات، بالإضافة لاستخدام اللون الواحد فى العرض  monochromatic show، كاستخدام اللون الأبيض(اللا لونى) والظلال الزرقاء خاصة فى البداية ، ابتكر مصمم الإضاءة شبكة للإضاءة تغطى مساحة المسرح بكاملها ، وعلق عليها كل الاحمال، وتم تقسيمها لقسمين على شكل مثلثين وتم تثبيت كل الإضاءات عليها بالإضافة للإضاءات المتحركة. [13]  وتتغيرحركة الإضاءة من الوضوح إلى التدرج فى الإظلام لترك الجمهور فى مشاعر من الحيرة والغموض عن قصد وإثارة لإنفعالاتهم وفكرهم فى العرض.

أثر عرض “الجسور إلى بابل” تأثيراً كبير على تصميم الجولات الموسيقية التاليه له، وأظهرت كيف يمكن لتصميم المناظر أن يكون جزءًا لا يتجزأ من تجربة الحفل الموسيقي، وأن يضيف قيمة فنية وجمالية للأداء.

 

مراجع

[1] – https://www.imdb.com/name/nm0279667)/

[2] – https://en.wikipedia.org/wiki/Mark_Fisher_(architect)

[3] – https://web.archive.org/web/20210109231742/https://www.thersa.org/about/royal-designers-for-industry/past-royal-designers-for-industry

[4] – Eric Holding, Mark Fisher : Staged Architecture, (Architectural Monographs, No. 52), Wiley Academy, 2000, USA, p74

[5]– http://www.arcspace.com/

[6]-http://www.stufish.com/#Mark/Fisher

[7] – Eric Holding, Mark Fisher: Staged Architecture, (Architectural Monographs, No. 52), Wiley Academy, 2000, USA, p74

[8]-www.architen.com/projects/rolling-stones-bridges-to-babylon-tour-1997

[9]-http://livedesignonline.com/mag/lighting_bridges_babylon_rolling

[10] – Eric Holding, Mark Fisher: Staged Architecture, (Architectural Monographs, No. 52), Wiley Academy, 2000, USA, p62-75

[11]-http://livedesignonline.com/mag/lighting_bridges_babylon_rolling

[12]-Ibid.

[13]-http://livedesignonline.com/mag/lighting_getting_stoned_again


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock