مقالات ودراسات
الباحث والناقد المغربي أحمد بلخيري يكتب عن السينوغرافيا.. (1)مفهوم السينوغرافيا عند الإغريق
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
أحمد بلخيري
باحث وناقد مغربي
السينوغرافيا مصطلح مسرحي أساسي في علم المصطلح المسرحي La Terminologie.
هذا المصطلح هو موضوع كتاب فرنسي لباحثة فرنسية متخصصة هي آن سورجيرس Anne SURGERS عنوانه “سينوغرافيات المسرح الغربي” « Scénographies du théâtre occidental » . وكما هو واضح من العنوان، فإن هناك سينوغرافيات في المسرح الغربي وليس سينوغرافيا واحدة. سيكون التعريف هنا بالسينوغرافيا لدى الإغريق اعتمادا على الكتاب المذكور.
في هذا الكتاب، كلمة السينوغرافيا هي جزء من هذه المصطلحات المعنية لها جذور قديمة جدا، وقد اخترقت الزمن مع تغيُّر متدرج في المعنى مع المحافظة على الأقل جزئيا على ذاكرة المعنى الأصلي. لذا، فمن الصعب إذن تحديدها بدقة. ومن أجل معرفة أفضل هذا ودلالاته، من الضروري العودة إلى الجذور. يمكن مقدما تلخيص الاستعمالات المختلفة لكلمتي سينوغرافيا وسينوغراف.
-بالنسبة للعصرين القديمين الإغريقي والروماني، صار اليوم مقبولا بأن السينوغراف هو الذي يرسم الديكورات أو الخشبة، وهذا يتطلب التدقيق وسنراه في هذا الكتاب؛
-في عصر النهضة، حمل مصطلح السينوغرافيا معنى مختلفا، إذ كان يعني فن عرض، أو تنظيم، الفضاء المرئي؛ وإلى حدود بداية القرن العشرين، حافظ مصطلحا سينوغراف وسينوغرافيا، في فرنسا، على هذا الاستعمال ارتباطا بالعرض المرئي؛ -في النصف الثاني للقرن العشرين، وقع تعديل في المعنى في فرنسا.
فالسينوغرافيا كان يُنظر إليها باعتبارها تدخلا في فضاء العرض مرتكزا على تصور سابق على الإنجاز. الجذور الإغريقية تنحدر كلمة سينوغرافيا من الكلمة اللاتينية Scenografia ، وهي نفسها مشتقة من الإغريقية Skénographia. السينوغرافيا تدل على فن رسم-أو كتابة- (graphein) الخشبة (skéné).
تعدد استعمالات المصطلح يعود إلى تركيب هاتين الكلمتين المؤسستين للمصطلح. – graphein يمكن ترجمتها من جهة، في اللغة الفرنسية، ب “كتَب”، أو ب “رسَم، صبَغ”. الترجمتان الأخيرتان توجهان المصطلح نحو معنى عام للتصميم العام،
والترجمة الأولى (كتَب) تعطيه معنى محصورا أكثر في الصناعة؛ – skéné هي في أصلها الإغريقي، من جهة، بناية خشبية تكون خلف فضاء اللعب. أما في فرنسا على سبيل المثال، انطلاقا من القرن الثامن عشر، فإن كلمة scéne، التي تنحدر منها، فتدل على فضاء اللعب حيث صار الممثل شخصية. المعنى الحالي يتعارض مع المعنى الأصلي: الكلمة كانت تدل لدى الإغريق على المكان الخفي للممثل، بينما هي تدل بالنسبة لنا، تقول آن سورجيرس Anne SURGERS ، على فضاء الممثل الظاهر، فضاء العرض واللعب. وُلد فن السينوغرافيا، مثل الكلمة نفسها، في أثينا مع ازدهار المسرح، حوالي القرن الخامس قبل الميلاد.
لقد رسم رسام هو أغاطاركوس دو ساموس Agatharcos de Samos لوحات مرسومة كانت موجودة بدون شك في واجهة السكيني Skéné. رسومات أغاطاركوس تم استيحاؤها في أعمال ديمقريط Démocrite وأناغزاكور Anaxagore. هنا أيضا الترجمة الفرنسية للكلمات الإغريقية تقترب من الخلط. فحينما نتكلم عن فن السينوغرافيا نترجم الاسم الإغريقي techné الذي يشمل هو وحده حقلين دلاليين منقسمين بوضوح في اللغة الفرنسية المعاصرة: الفن من جهة، والتقنية والصناعة من جهة أخرى.
نصادف هذا التناقض واستحالة تقديم ترجمة فرنسية مُرضية في تسمية نشاطين ضروريين لإعداد العرض المسرحي الإغريقي: نشاط السينوغرافي Skeuopios ونشاط الشاعر Poiètès اللذين ذكرهما أرسطو. المصطلحان استُعملا، تقريبا جنب إلى جنب، في الجملة نفسها في الشعرية. وهما معا يتركبان من الجذر اللغوي نفسه Poiein، الذي يدل في الوقت ذاته على “العمل، والصنع، والتصرف، وكن مؤثِّرا”، وكذلك على”توليد، ابتكار، اختراع”.
الترجمات الفرنسية لا تضع في الحسبان الجذر المشترك ل Poiein. وبالمقابل، إنها تلعب على المعنى المزدوج لكلمة Poiein الإغريقية، مع اختيار، في حالة، المعنى التطبيقي ل Skeuopios، وفي حالة أخرى، المعنى المجرد لكلمة Poiètès. الترجمات تقابل أيضا بين السينوغراف Le Skeuopios/صانع الأكسسوار و Poiètès/الشاعر مبدع التراجيديا. ويمكن أيضا ترجمة المصطلحين معا بمبدع الأكسسوار ومبدع الشعر، أو “مبدع” الخيال، و”مبدع” الحكاية أو الشاعر.
أخيرا، إنه من المستحيل تحديد إن كانت السينوغرافيا Le Skénographos الإغريقية بالرسم في الديكور أو معتمَدة في الجزء الفضائي البصري للعرض المسرحي: الفرق بين النشاطين كان، فضلا عن ذلك، غير متصوَّر بدون شك لدى الإغريق، مثلما هو صعب اليوم تصوُّر الخلط عندنا، تقول آن سورجيرس، في مصطلح واحد، بين الوظيفة الفنية والإنجاز التطبيقي. – Anne SURGERS, Scénographies du théâtre occidental, Armant Colin, 2 Ed, 2007.