نصوص

” السجين و الشبح” نص مسرحي.. تأليف: الكاتب الليبي عبدالعزيز الزني


المسرح نيوز ـ القاهرة: نصوص

ـ

 

ـ 1 ـ

السجين و الشبح

الشخوص :

1 / السجين ..

2 / الشبح …..

تأليف

عبد العزيز الزني

درنة

ليبيا

2018

 

المنظر …

زنزانة … تتمثل في مساحة الخشبة بكاملها .. غبش يشمل المكان .. ضوء خافت ينبعث من سقف الزنزانة ، من خلاله يمكننا أن نبصر في مقدمة الخشبة  “جالساً   ”  و كأنه قد تكوم حول نفسه ، سندرك لاحقا ، أنه قد تجاوز الأربعين ، نحيف ضعيف البنية ، به انحناءة ، يلازمه سعال على طول العمل ، يصدر عنه صوتاً غير واضحِ ، سندرك لاحقا أنه يقوم بعملية حسابية ، إذ يقوم بعدّ الأيام و الشهور و الأسابيع ، كل ما يصدر عنه ، من حديث أو حركة ، يغلب عليه  طابع الاضطراب  والقلق و التوتر،  برهة .. تبدأ الموسيقى المصاحبة في التراجع ، مع ارتفاع ملحوظ في درجة الإنارة ، نرى السجين منهمكاً في عملية حسابية ، تستغرقه بالكامل .. سنشير إلى حديث النفس بدائرة سوداء ، حين دخوله في حوار معها .

السجين : ـ سبعٌ و ثلاثون ألف و خمسون … سبعٌ و ثلاثون ألف و واحد و خمسون

سبعٌ و ثلاثون ألف و اثنان و خمسون .. و ثلاث و خمسون

و أربعٌ و خمسون .. و خمسٌ  وخمسٌ ..  لا .. لا.. أخطأت

”                سعال خفيف ”

خمسٌ و خمسون  و قبلها .. آ .. أربعٌ و خمسٌ .. لا لقد .. توقفت عند

سبعٌ و ثلاثون ألف و خمسون .. غير صحيح .. لا .. صحيح .. أخطأت

.. سأبدأ من جديد . الأسبوع الماضي أتممت المليون ، بشكل سليم.. هذا    الأسبوع علي أن أتم المليون الثانية .. كي تكتمل الخطة و يتحقق  ما أريد         لكن ..قبل هذا على ببعض التمارين السويدية ..

”              نراه ينهض بصعوبة و يندمج في تمارين رياضية بسيطة ”

هذا ضروري .. كي أحافظ على حيويتي .. واحد .. اثنين .. واحد ..أثنين

بدون حيوية … أنتهي … واحد اثنين ….. يكفي هذا

”    يعود إلى جلسته السابقة ”

قررت أن أعِيدَ عملية العد .. و احد .. اثنان .. ثلاث .. أربع .. خمس ..

ست .. هذا أسبوع .

”          يستغرقه الفعل بشكل كامل و ملحوظ ”

”             يستعين بأصابعه ”

واحد .. اثنان .. ثلاث .. أربع .. خمس .. ست .. أسبوع ثانٍ ..

واحد .. اثنان .. ثلاث .. أربع .. خمس .. ست .. أسبوع ثالث ..

واحد .. اثنان .. ثلاث .. أربع .. خمس .. ست .. أسبوع رابع ..

هذا شهر .. ثلاثون يوما .. و في العام اثنتا عشر شهراً  ….

يناير .. فبراير .. مارس .. أبريل .. مايو … يونيو .. يوليو .. أغسطس

سبتمبر .. أكتوبر .. نوفمبر .. ديسمبر ..

الشهور العربية .. محرم .. صفر .. جمادى الأول .. جمادى  الثاني .. ربيع ألاول

ربيع الثاني .. رجب .. شعبان .. رمضان .. شوال .. ذي القعدة .. ذي الحجة..

أيام الأسبوع .. السبت .. الأحد .. الاثنين .. الثلاثاء .. الأربعاء .. الخميس .

العطلة .. سبعة أيام …جميل .. جميل .. ما أقوم به .. يدل على أن الذاكرة

نشطة و قوية … جميل … لا خوف عليّ .. جميل .. جميل ..

”  انهيار تدريجي ”

” عبرات تهزه بعنف ”

” أنفاس علية ”

“يكرر لفظة جميل ”

” يطلق صرخات متوالية  حادة يرتج لها المكان ”

” يسقط ”

(يظهر الشبح جالسا في منتصف الخشبة  … على طول العمل يظهر الشبح فجأة  في آماكن  و هيئات مختلفة )

الشبح : أنت لا تجيد العد تخطى دائما و إلا ما كنت هنا

السجين : يدخل في موجة بكاء حاد وتوجع …

الشبح : هذا تجيده تماما                   …

السجين : ـ أريد أن أعرف كم مضى على وجودي هنا …

”         وقفـــــة “مؤكد أنه مضي الكثير ..

الشبح : ـ و كيف عرفت ..  من أين تأتى لك أن تتأكد  ؟

السجين : ـ عندما أتيت إلى هنا ..

الشبح : ـ قف .. أنت لم تأت  إلى هنا ..

السجين : ـ صحيح … لقد جاءوا بي إلى هنا .. حينها .. كان في إمكاني الكثير

مما أستطيع القيام به .. الآن  صرت بالكاد استطيع القيام بأبسط  شي….

كنت أجلس بسرعة و أنهض بسرعة ………….

كنت أجيد التفكير في أمور كثيرة …….

كنت استمتع بما أتخيله …………..

كنت أنظر بعيداً ……………..

كنت أدندن و أغني        ….

”             يتألــم  … يئـن ..

مـا الذي ألم بي ؟

و من يهتم .. بما  ألم  بي ؟

أنا من يطأ النار و أنا من يحسها …

” يبكي ”

الشبح : ألا  فكرت في فعل أخر غير البكاء …

السجين : أفكر كيف اتخلص منك  …

الشبح : ـ  يضحك ) تريد الزنزانة لك وحدك يا لك من بخيل وحقير أيضا

السجين : يردد في هدو  حقير …   حقير …

”           أنفاس عالية ”

”            يتحسس أجزاء من جسده ”

”           ركبتيه .. قدميه ”

”            رقبته .. ذراعيه  ”

بالتأكيد  ليس سبب ما أعانيه التقدم في السن .. ما زلت شاباً .

الشبح : ـ لا لم تعد شاباً .. هذا مؤكد .. و احتمال تقدمك في السن            ..

ربما هو..

السجين : ـ لا … ليس هنا ربما .

الشبح : ـ ماذا هنا  إذا  ؟

السجين : ـ  سبب ما أعانيه …..

”          يتلفت حوله … و في جميع الاتجاهات ”

ليس غير هذا الطنين الذي يملأ  أذناي ..صوت طنين

الشبح : ـ   الطنين ابن الصمت و رفيقه

السجين : ـ   .. لا يُحتمل …

”                       يصرخ ”

”                       يتطلــــع  حولـــــــه ”

تلاشى الطنين …لا طنيــن …

”                         يبتســــــــم ”

”                        يتنفــــــس ”

”                       يعاود الصراخ    فرحا”

اختفى تماماً ..

الشبح : ـ  ”  يضحك بقوة ”

حلت المشكلة إذن … عليك ألا تتوقف عن الصراخ حتى لا تعاني

من ويلات الطنين …

السجين : تريد القول … أن الصراخ فيه حل لي ؟

الشبح : تناوبك بين الصراخ .. والبكاء..  يفيدك .. فيه تنوع .. وكذالك يريحك

وأفضل من استمرارك في الصراخ أو البكاء وبشكل مزعج … حتى انه

لا يثير الشفقة               ………

”                  فجأة تُفتح  بقوة ، نافذة  صغيرة في أعلى باب الزنزانة ”

”                             يرمى منها رغيفا من الخبز ”

”                             ثم صوت صحن يُرمى به من أسفل باب الزنزانة ”

السجين : ـ إنه الصبح … الصبح …

”                  يتحرك نحو باب الزنزانة ”

اسمع أيها السيد … أيها السجان  .. هل لديك  مرآة  ؟  قطعة من

مرآة .. .. أريد أن أرى وجهي ……….

”             وقفة ”

حسناً  هل لك أن تخبرني ، كم مضى على وجودي هنا  ؟ منذ

متى و أنا هنا؟

”                يصرخ ”

هيه .. هيه .. استحلفك بالله   اجبني. كم  مضى على وجودي هنا ؟

هيه .. هيه  أيها السجان .. أيها البغل .. تفوا ..

”                 يتنفس بصعوبة ”

”                 سعال حاد ”

”               يتحرك داخل المكان ”

”               أنفاس عالية ”

إنه لا يجيب أبداً … لا يتكلم …لم أسمع صوته قط ..

”               يتساءل ”

أين الخبز .. ؟ أين الرغيف ..

”             يفتش .. يجده .. يضحك … يشتمه … يتحسسه ”

إنه طريء ..    فرش …

”            يقضمه مستمتعاً ”

خبز الصباح هكذا دائماً  .. فرش ..طريء

هذا يعني أن ذاكرتي … ما زالت جيدة .. لم ينخرها السوس بعد ..

“وقفـــة ”

لينخر السوس ما يشاء … و ليبقي لي الذاكرة .. فقط الذاكرة ..

”            منتشياً ”

حمدا لله ..  ما تزال منتعشة  .. حية .. علي أن أحافظ عليها .. هي كل

شيء  .. هي ما أملك الآن .. حمدا لله .. و الآن شيئا من التمارين ..

”           يؤدي تمارينا .. و قد داخله شيء من التفاؤل ”

واحد .. اثنان .. واحد .. اثنين  .. واحد .. اثنين  …

تمام .. يكفي هذا الآن .. .

”            يصل فجأة صياح ديك ”

”            يصرخ  فرحاً ”

يا الله … يا لروعة  .. يا لروعة ..

”                       يبكي فرحاً ”

”           يعود الصياح”

كنت أعرف أنك ستأتي و في وقتك .. في الموعد تأتي و دائما ..

أتعرف أيها الديك .. ألفت سماعك .. بت أشتاق إليك .. صدقني ..

حقيقة و الله  … ليس لي أن أخفيها .. و لن أفعل .. بل صار يقلقني

ألا أسمعك ..

”            يتكرر الصياح ”

”           في هيام واضح  ”

ممتع أن أصغي إليك … أقسم أنه ممتع …

”             يتنفس .. ”

”           يزداد انتشاء ”

لا شك أن ذاكرتي .. و الأمر هكذا .. يمكن الاعتماد عليها .. ما تزال

متماسكة .. إنه الصبح … الصباح ….

”             يضحك”

وقت الإفطار..

”           يعود الصياح ”

دمْت .. دمْتَ أيها الرائع … رفع الله من شأنك ..

”           يضحك   يغني “. ديكي   ديكي أنت صديقي

أنت  أنيسي  … أنت رفيقي أنت  صديقي   ..

“يعود لصياح”

السجين : ـ    أنت   أيها الديك في الخارج … وصل صياحك إلي

إذا أنت طليق … وصياحك حبيس معي

“يضحك .. يصرخ”

ألان  لابد  أنك سمعت أيها الديك صراخي إذا    صراخي طليق

حتى  وإن كنت سجيناً ……

”                 يضحك يصرخ ”

الشبحْ : ـ      مسكين أنت  والله …

السجين   : ـ “غاضبا”   أتفو … أتفو … أيها الحقود …

الشبح :  ـ     لقد جعل منك السجن فيلسوفا عيك أن تشكرهم …

السجين : ـ  “يصرخ .. ينطلق يعدو خلف من يتوهم  أنه شبح ”

سأمسك بك .. وانهي حياتك .. يا ابن ….. لعنتك كل المخلوقات ..

”                         ينال منه الإرهاق .. سعال حاد .. أنفاس متقطعة..  برهة .. يستعيد

أنفاسه”

الآن  أين الصحن ؟ ..إنه موعد الإفطار ” Break fast time”

”                يضحك ”

”                يفتش ”

أين الصحن … ؟

”                يجده ”

ما أحضرت لي هذا الصباح ؟

كم كان عدد بصقاتك  أيها السجان  ؟  لابد أنها تساوي عدد خطواته

إلى هنا ..  أعرف أنك ماكر ..

”                يشتم ما في الصحن ”

أخ .. رائحته نتنة  …  ستدفع بكل  أمعائي إلى فمي ..أف …

”                   يخاطب الصحن ”

و الله و مهما  قرقرت أمعائي .. لن تصل إليها .

”                 يرمي به غاضباً و بكل قوة إلى الخلف ”

”                  سعال حاد ”

صحن الأمس .. و قبل الأمس كانا أفضل بكثير..

الشبح : ـ إنك  تتخيل … لديك قدرة عجيبة على تصور الأشياء ..

السجين : ـ ليس في هذا ما يعيب …

” يعود الصياح ”

” يصغي في انتشاء ”

” نراه كمن يصغي إلى معزوفة جميلة ..”

لو أصير مثلك ديكاً ….

” يصرخ ”

يا لروعة ….. يا للجمال

”                  الصياح يتكرر”

حنجرتك عجيبة ..

” يحاكيـــه ”

” يجيبــه  الديك ”

” ترتفع درجة انتشائه .. يبدأ الرقص و الغناء ”

ديكي .. ديكي …..  أنت صديقي …

ديكي .. ديكي …

أنت .. أنيسي ….. أنت رفيقي …

ديكي .. ديكي …

أنت .. حبيبي ….. أنت طبيب …

ديكي .. ديكي …

أنت صديقي .. أنت صديقي … أنت صديقي …

”                   يتكرر صياح الديك ”

” تزداد حالة هيامه و انتشائه .. حتى بلوغه حد الهستيريا ”

” يصرخ ”

هكذا .. هكذا … لا تتوقف ..

” سعــال حاد ”

لا تتوقف … رعاك الله .. لا تتوقف ..

” يرقص بعنف ”

” يغني بعنف ”

ديكي … ديكي … ديكي … ديكي ..

” يسقط  مرهقاً ”

” يتنفس بقوة ”

” يبكي … يتألم ”

تلاشى الطنين .. تلاشى .. لكنني أحس أنني سأتمزق .. آه .. آه ..

”  فترة لا يسمع خلالها سوى أنفاسه المتلاحقة ”

ليتني … أصبح ديكا ..

” يحاكي الديك ”

لو أصير ديكاً سأكون  الأفضل بين جموع د يوك  العالم بأسره …

” سعال حاد ”

“يستمر وصول أصوات دجاج و ديكه و كتاكيت ”

سأكون ديكا مثاليا .. قدوة .. يحتذى  به .. لن تحس دجاجة واحدة غبناً

مني أو ظلماً ، سأشملهن جميعا و كتاكيتهن ، بعطفي و رعايتي ، سأضلل

الجميع بجناحي …كيف لا و الكتاكيت أبنائي و بناتي جميعهم من صلبي ..

”                يضحك ”

هذا لاشك فيه ..  لأني سأكون الديك الوحيد في المزرعة ، و لن أسمح

لغيري أن يقترب أو حتى ينظر إليهن …

”              يُصدر صوتا أشبه بصهيل حصان ”

”               ثم نراه يحاكي الزوج الغيور”

أيتها الدجاجة إلى أين تنظرين ؟ أنت ذات اللون البنفسجي اقتربي من ..

أكثر “يضحك” هكذا .. الآن أستطيع أشتمك ..

”       يستنشق ”  …

آه .. هيا..  دلكي لي ظهري ..

”      يتظاهر كمن يستمتع ”

أم .. جميل .. و أكثر من جميل .. إنك تجدين عملك .. ستكونين  أكثرهن

قرباً مني .. سأجعل الغيرة تحرق قلوب الأخريات ..

”     يصيح بقوة مرات متكررة ”

”     يحاكي الديك في خطواته .. و زهوه حين يكون بين جموع الدجاج ”

سأكون مملكة من الدجاج ،  سأكون أنا ،  أجل أنا .. على رأسها .. الديك

الأوحد …

”      يصيح ”

إذن عليّ أن أحافظ على قوتي و متانتي .. أين الخبز ؟

”                    يفتش ”

أين الخبــــز ؟….

”          يجده   يشتمه ” رائحتك منعشة” يقضمه .. بمتعة .. يحدث في الأثناء

ما يثير مخاوفه “يا اللـــه .. ما هذا ؟

”   يتحسس فمه .. و كذلك رغيف الخبز ”

”     يكتشف سقوط إحدى أسنانه ”

غير معقول.. إنها سنٌ ..سن .. كيف حدث هذا ؟ ماذا جرى ؟ّ كنت أظن أن

أسناني جيدة ، و ستبقى دائماً  كذلك .. و سأفتخر بها  يوما  أمام  زملائي .

”    ينظر إلى السن ”

ربما هي ليست سناً .. قد تكون حبة ملح …أو قطعة حجر صغيرة .. هذا

يحدث كثيراً.. فالكثير من الخبازين ..لا يعنيهم الأمر.. و خاصة

المأجورين. لكن هذه سنٌ .. هذا مؤكد …  ما السبب ؟

الشبح : ـ  ربما للأمر علاقة بالتقدم في العمر ..

السجين : ـ ” منزعجا ” أنت هنا .. أخ .. لماذا يحلو لك دائماً الرجوع إلى هذا

الحديث؟

الشبح : ـ و ما الذي يزعجك في؟ هذا كلنا سنشيخ  و نصبح مرتعا

للعجز و الخرف …

السجين : ـ لكن بالنسبة لي يعني .. القفز من الطفولة  تعسة .. إلى  عجز الخرف

لكن دعنا من هذا .. أنا قلت .. ماذا قات ؟ “يتلف ..  أين  الرغيف ..؟

الشبح : ـ ” ساخرا” لقد رميت به ، حين صرت ديكاً .. مثالياً  ..

السجين : ـ أه  صحيح .. صحيح ..

”             يتطلع حوله ”

أين رميت به ؟

”              يستمر …  يتطلع من حوله ”

أين  …؟  أين … ؟

”        يجـــده ”

هــا هـو ..”

”          يتحسسه ”

هذا ليس طرياً … ليس فرشاً.. يبدو أنه أُنضجَ  قبل عدّة  أيام ..

”        يحاول كسره .. لا يستطيع”

خُدعت …

”       سعال حاد ”

”        يرمي برغيف الخبز ”

”        يكرر وهو يتحرك بين حيطان الزنزانة ”

قد خُدعت ….. خُدعت فعلا ..

”           فجأة   …. يضغط على بطنه    .. يتألم ”

يا الله …. يا الله    …

”             يسرع نحو الباب …. يطرقه بقوة ”

”              ما زال يتألم ”

السجين : ـ أيها لسجان … يا صاحب السجن … أريد أن أقضي حاجتي .. سأنفجر

إذا لم أفعل … أيها السجان … حاجتي تقتلني .. أمعائي … أتوسل إليك أيها

السجان … أيه الطيب .. أيها المبجل … يا سيدي ..

” يعــاني ”

“يصرخ ”

”          سعـــال ”

ألا تقضون حاجتكم ؟! … أمً أنكم ملائكة ؟

”          يصرخ ”

قلت لك سأنفجر ..

”         يُسمع طرق قوي متكرر على باب الزنزانة ”

”          ينتبـــه ”

آه … نسيت … حقاً نسيت … ها هنا عليّ أن أقضي حاجتي .. و سأفعل …

كيف أنسى أمراً في غاية الحيوية .

” يتجه صوب مكانٍ عُدّ لهذا لغرض قضاء الحاجة .. ما أن يجلس ، يختفي

تماماً عدا رأسه و جزءًا من كتفيه ”

”  أنفاسه عالية ”

”  معانـــاة ”

النسيان أخطر ما يمكن أن يصيب إنسان ..

”  يتألم ”

هذا الإمساك يأبى أن يغادرني ..

”   سعال ”

الشبح :  ـ فجأة يطلق ضحكات تدوي في أرجاء المكان ونراه يبرز في أكثر

من مكان ..

السجين  : ـ  وقد فوجئ … يصرخ”   هل تراقبني أيها التافه .. آي متعة تجدها في

مراقبتي .. يا أتفه من يدب على الأرض   لو أمسك بك  “من بين أسنانه”

سأتفرغ بالكامل لتقطيعك بأسناني قطعة  قطعة  وكل قطعة بحجم حبة أرز

وهكذا تنتهي وتموت بشكل لم يعرفه ولن يعرفه مخلوق … وأفـشّ             غلّي  هذا المتـقـد أبـداً …

الشبح   : ـ  “يعاود  إلى الضحك في سخرية”

السجين   : ـ  “ما يزال يطل برأسه من مكانه  ” أين أنت أيها التافه .. يا سليل التافهين

سأمسك بك يوما … ثق من هذا … تكون نهايتك تحت أقدامي …..

” تعلو أنفاسه … يتألم…   تنتابه نوبة سعال حاد      ”

يا الله .. سعال و الآن … آه .. على أية حال قد يكون مجدياً ..

”        يصل صياح الديك ”

دعني  و حالي  أيها الديك .. لدي ما يشغلني الآن  … ثم أن قضاء

حاجاتك ،  ليست كقضاء حاجتي .. و لا أظنك عانيت يوماً تبعات

الإمساك .. إنها مزعجة … ماذا أقول .. ؟

”         معــانــاة ”

”         سعــال ”

”        فجأة يُسمع صوت انهمار مطر ”

”       يفرح لهذا و ينسى معاناته ”

”        يصغي .. مبتهجا ”

”       بعد لحظات نراه يلملم نفسه و يغادر المكان .. مغتبطا بسماعه صوت

سقوط المطر …  يردد فرحاً ”

مطــرٌ .. مطــرٌ ..

”       يتحرك .. منتشياً داخل المكان ”

مطرٌ … مطرٌ …

”       كمن يتلقى حبات المطر على وجهه و جسده”

”       يتنفس .. يمسح على وجهه و جسمه ”

لا تتوقف … أيها المطر ….

أمض … أمض …

مطرٌ … مطرٌ ….

مطرٌ … مطرٌ ..

”        ترتفع .. وتيرة ..اندماجه ”

”       يتضح هذا من خلال رقصه  و غنائه بعنف ”

مطرٌ … مطرٌ …

مطرٌ … مطرٌ …

”       تتصاعد .. درجة انهمار المطر ”

”       تتصاعد حدة اندماجه رقصاً و غناءً ”

يا مطر يا  رشراشا …

يا مطر يا  رشراشا ….

هدمي سقف الباشا …

”       يشير إلى سقف الزنزانة ”

يا مطر يا رشراشا …

هدمي  سقف الباشا …

وروي …  ظمأ المسكين ..

وروي … عطش المسكين …

عطش المسكـــــــــــين …. ظمأ المسكـــــــــــين …

”       يتنفس … ”
”      أنفاس عالية … ”

”     المطر لا يتوقف .. ”

الشبح : ـ مسكين .. إنك مسكين …

من  يا ترى يروي عطش المسكين … ؟

يـروي  ظمأ الـمسكين …  ؟

حقاً … إنك لمسكين  .. و عليك أن تعترف أنك مسكين ..

السجين : ـ ” ينتفض  كملدوغ ”

لا لست مسكيناً .. و ما كنت ..

و .. لا يعشق المطر مسكين ..

الشبح : ـ و رب الكعبة مسكين ..

السجين   : ـ ” تغمره عَبْرَة حادة ”

”   بعد أن يسترد شيئا من أنفاسه ”

”              يردد في هدوء ”

أدرك أني مسكين ..

”              ينتبه … لتوقف المطر .. يحس الأسف ”

توقف المطر … توقف الخير

”             يتطلع إلى أعلى ”

ليته ما توقف .. و مضى حتى يوم الخلاص … يوم القيامة ..

”                وقفــة ”

”              ينادي بقوة ”

يا معالي السجان … أريد أن أعرف كم لي هنا ؟

و كم على أن أبقى ؟

يا معالي السجان …. يُهمني أن أعرف …. لا تبخل  ..

”               يتنفـــس”

”              لحظــة ”

هل تعلم ؟ أن معالي السجان لا يتكلم  أعني أنه .. أبكم .. أخرس ..

الشبح : ـ و  كيف  حصلت على هذه المعلومة الطريفة ؟.. سجان أخرس !

السجين : ـ آ .. منذ وصلت إلى هنا لم أسمع منه كلمة واحدة … لم يجبني لم

يشتمني .. لم أسمعه يسعل أو يدندن .. إطلاقا .. إلا أنه كان  يطرق

باب الزنزانة بعنف  .. كان يرمي لي رغيف الخبز بعنف … و

الصحن من أسفل  باب الزنزانة ، كان صوبي يدفعه  بعنف ..

وهذا ديدنه .. منذ تم إحضاري إلى هنا ، و استلامه لي .. ألا يعني

هذا .. أنه أبكم  … أخرس

الشبح : ـ لا ليس بالضرورة .. ربما هو ينفذ أوامر صارمة ، صادرة إليه ،

تقضي بعدم  الحديث معك ..

السجين : ـ هه ..

الشبح : ـ أو ربما و هذا أقرب للصواب أنه ، أُوكل بك كل يوم إلى سجان ، و

هذا السجان  ما كان ليهتم لشأنك خلال  ساعات مناوبته المحدودة

ليكلمك أو يحاورك …

السجين :  ـ ” في سخرية ”

أو  ربما تولى  أمري  .. كل دقيقة  سجان  ..

الشبح : ـ  تخمين غير مستبعد ..وإن كان تافها …..

السجين : ـ هل تستطيع أن تصمت ؟ إذا ما فعلت ..  و التزمت الصمت

أقسم أني  سأتنازل لك ، عن الوجبة القادمة بكاملها  ……..

” ينتابه سعال ”

لو أتخلص من هذا السعال .. سأكون سعيدا …..

” من وسط معاناته”

الغريب أنني لم أدخن في حياتي سوى شهر واحد .. ثم أقلعت عنه .. لكن

كما يبدو أن أثاره اللعينة لم تغادرني …

” يعاوده السعال بعنف ”

” أنفاس عاليه ”

جنة أن تعيش بدون سعال … و جنة أن تتنفس بارتياح ..

”   وقفـــــة ”

” يتساءل  ”

فيما كنت مشغولا ؟ .. آ .. السعال …

الشبح : ـ  أصغي إلي لدقيقة واحدة ..” يظهر الشبح في أكثر من مكان ”

السجين : ـ  أبتعد عني .. أتركني و شأني  لن أصغي إليك .. أيها المخبول ..  الشبح : ـ  وهل تدخلت في شؤونك .. حتى تطلب مني ..

السجين : ـ ” مقاطعاً ” قلت لك دعني و شأني ..

”               نراه يتأهب للعراك ”

”            يشهر ذراعيه كمن يريد الإمساك بشخص ما ”

”    يتطلع حوله في حذر ”

”              يتحرك داخــل المــكان ”

ألم أحذرك .. ؟ ألم أنبهك … إياك و أن تثير غضبي . و ها أنت قد      فعلتها     فلا  تلومن إلا نفسك  ..

”     نراه كمن يجري خلف شخصٍ ما ..

”      يحاول القبض عليه ”

”     يستمر هذا للحظات .. إلى أن يمسك به ”

”      يدخل في عراكٍ معه ”

”      تتوالى الصرخات .. مع توالي العبارات التالية بشكل متداخل ”

  • لا .. لا .. أسنانك .. لا .. هذه أساليب نساء ..

المهم عندي أن أوقفك عند حدك ..

  • كن رجلا .. و اتبع أساليب الرجال ..

سأترك الرجولة لك الآن .. تفاخر بها …

  • كنت أعرف أنك نذلٌ، لكنني لم أتصور أنها تصل بك إلى هذا الحد .

أأنت  تقول هذا عني .. أيها النكرة .. سترى .. سأجعلك ..

”                   ينتابه سعال حاد  فجأة فينهي العراك”

”          يسقط مُرهقاً .. تعلوا أنفاسه ”

لابد أني قاتلك يوماً  ما ..

الشبح : ـ لماذا .. و أنت تدرك ، أنك لا تستطيع الاستغناء عني ..  أنت في

حاجة دائمة إلي …

السجين : ـ ” ما زال على حاله من الغضب و الإرهاق ”

أحتاج إلى أصغر ديدان الأرض و أحقرها  … أمّ أنت فلا ..

”             يعاوده سعال حاد … يستمر معه وحتى يصاب بالإرهاق ”

”               يلهث ”

”                بعد أن يسترد أنفاسه ”

سألتني منذ قليل .. ما جدوى  ؟

الشبح : ـ”يقاطعه ”  أريت .. كيف إنك في حاجة .. و حاجة ملحة إلي

السجين : ـ ” يهم بالثورة ”

قلت لك ….

الشبح : ـ “مقاطعاً ”

حسناً .. حسناً كما تريد أنت لست في حاجة إلي ، و لا  لغيري ،

ارتحت ؟  على أية حال سألتك منذ قليل ،ما جدوى أن تعرف كم

مضى على وجودك هنا ؟

السجين : ـ  ألف جدوى .. إذا ما عرفت كما مضي على وجودي هنا .. و

عرفت  كم من سنوات العمر لي .. حينها  .. و عند ما أضيف

المعرفة الأولى ..  على المعرفة الثانية …

”                بسرعــــــــــــــة”

لا … لا  … لا ليست هكذا .. اختلطت الأمور بعض الشيء ….

”           و قفـــة ”

الشبح : ـ  اختلطت الأمور بعض الشيء أم ارتج عليك …

السجين : ـ ” مقاطعاً ” أصمت .. ما أريد معرفته  باختصار .. حينما أغادر ، كم

ستكون سنوات عمري ؟

”              صمــت ”

الشبح : ـ قل لي …. لماذا لا تطلق زوجتك   ؟

السجين : ـ ” و قد فوجئ ”

أطلق زوجتي …..؟!!

”           و قفــــة ”

ما علاقة هذا بذاك ؟ ثم  لماذا أطلقها ..  ماذا أجني من  أطلاقها ؟

ثم هي لم تطلب مني الطلاق …

الشبح : ـ و كيف تطلبه .. و هي لم تقابلك  ؟

حتى أنها  و منذ وصولك إلى هنا ..  لم تحضر مرة واحدة لزيارتك …. ..

السجين : ـ لأنها  مُنعت من الزيارة ..

الشبح : ـ   من قال هذا ؟

السجين : ـ عدم حضورها  … يقول هذا … ثم قل لي .؟؟

لماذا اقتراحك عليّ بأن أطلقها ؟ هل هي من طلبت منك إبلاغي

برغبتها في الطلاق ؟

الشبح : ـ كيف تطلبه مني و أنا لا أعرفها و لم أرها قط ؟

السجين : ـ إذن في الأمر سر .

الشبح : ـ  لا ليس هناك سر …

السجين : ـ   فيما كان اقتراحك إذن ؟ هل جاءتك أخبار ،  لا أعلمها  ؟

ثم أنني  لم أحاورك يوما في هذا الخصوص ، بل حتى لا أذكر أني

تفوهت يوماً باسمها أمامك …

”           وقفــــة ”

هل هناك ما تخفي عني ..؟

الشبح : ـ  لا .. ليس لدي ما أخفيه ..

السجين : ـ إذن ..

الشبح :  ” مقاطعا بحدة “إياك و الركون إلى أوهام ، تزيد من عذاباتك .

السجين : ـ تطلب مني .. طلاق زوجتي هكذا ..كمن يطلب  من صاحبه  إبعاد

ذبابة عن أنفه  ثم تحذرني  من  الركون إلى أوهام .. قد تزيد من عذاباتي

الشبح : ـ  صاحبي .. كل ما هنالك  .. أردت منك أن تُنصفها  فقط .

السجين : ـ أنصفها!? ..

”             يلفظ الكلمة بإعجاب واضح ”

”            يكرر ”

أنصفــــها … ؟ !

الشبح : ـ أجل … تنصفها ..

السجين : ـ  جميلة هذه اللفظة .. يبدو لي و كأنها ولدت الآن .. لم أسمعها طوال

حياتي قط .. إنصاف !! تُنصفني و أنصفك ..

”              و قفــة ”

و في طلاقي لها إنصاف ؟ !

الشبح : ـ  بالطبع .. كي لا تسجن المسكينة معك . .. ليس بعد هذا إنصاف .

السجين : ـ صحيح ؟

الشبح : ـ بهذا تُتيح لها فرصة .. التعرف على غيرك ..

السجين : ـ تتعرف على غيري !!

الشبح : ـ و ما يدريك .. قد تصبح  إذا ما سارت الأمور سيرا حسنا ، زوجة لها ..

و هكذا تكون قد أنصفتها ..

السجين : ـ و أنا من ينصفني ؟!

الشبح : ـ لا أدري .. ثم  أرى أن في إنصافك لزوجتك إنصاف لنفسك ..

السجين :ـ دعني من أجوائك الفلسفية هذه  .. أعرف أنك تجيد ها بشكل عجيب ..

الشبح : ـ و قد يفيدك في هذا … معالي السجان ..

السجان : ـ يفيدني ؟  كيف ؟

الشبح : ـ يذهب إلى زوجتك  ، و يبلغها بموضوع  طلاقك لها .

السجين : ـ ” و قد انفجر غاضباً ”

اسمع يا هذا … منذ قليل .. سألتك ما إذا كنت تخفي أمر ما ..

و الآن تلميحاتك تؤكد هذا … اخبرني لا تخفي شيئاً ..

فإني أشدُّ صلابة من الصخر … ما علاقة زوجتي بمعالي السجان؟

الشبح : ـ  ” مرتبــكاً ”

لا .. لا .. لا علاقة … أنا لم  أقل ما يشير إلى هذا ..  لا.. و لا تذهب بأفكارك

بعيدا .. أقسم  بشرف أمي أنه لا علاقة  هناك البتة .. فما قصدته ..

السجين : ـ  ” ينتفض غضبا ”

”               يندفع صوب باب الزنزانة ”

”              يدقه …  يصرخ بعنف ”

يا سجان … يا معالي السجان .. أيها التافه .. أيها الدودة ..

أقسم برب السماوات و الأرض .. لو مسست شعرةً منها .. أو مر بخاطرك

ما يتصل بها ..  لرأيت مني عقابا … ما عرفته  البشرية  من قبل …

”           تعلوا أنفاسه ”

”           إرهــــاق ”

”           أنيــــــن ”

”           توجـــــع ”

”           ثم ينفجر ضاحكاً ”

”          بعد أن يسترد أنفاسه ”

لكنني أيها المخبول لست متزوجاً .. مازلت كيوم ولدتني أمي  لا صاحبة لي لأطلقها .. أو أنصفها …

الشيح : ـ  و أنا أعرف هذا  ….

السجين : ـ و أنا أعرف أنك تعرف …

الشبح : ـ   تسخر مني ؟

السجين : ـ أنت من يسخر مني …

الشبح : ـ  صحيـح ؟

السجين : ـ صحيح ..

“تعلو الموسيقى نرى الشبح يرقص بشكل جنوني  يتابعه السجين

إلى أن  يصاب الشبح  بالإرهاق  ويختفي..  هنا نرى السجين

يعانى الإرهاق وأنفاسه متلاحقة  ثم    ينخرط  فى بكاء حاد

… برهة يسترد أنفاسه يتساءل …

كم مضي على وجودنا هنا ؟

الشبح : ـ كم مضى على وجدودك .

” وقفـــة ”

السجين : ـ إذا ما عرفت كم مضى على وجودي هنا   و عرفت المتبقي.

ثم عرفت سنوات عمري  سيتسنى لي حينها ، معرفة ما إذا كان في

إمكاني ، عقب مغادرتي السجن ..أن أصير زوجاً .. موفقاً قادراً على

النهوض بأعباء مطالب الحياة الزوجية ، و كما ينبغي .. فأنا لا

أرضى أرضى أن تصبح  لي زوجة أعرف  مسبقاً أني لا أقدر …..

“وقفـة ”

تدرك الآن و بكل وضوح أيها الشبح  أنني أذكى مما تتصور ، و أنني

لست أنانياً و لكن  للخيانة مذاق  ،  ليس لمخلوق أن يصبر عليه  ….

و لكن  للخيانة مذاق  ، ليس لمخلوق أن يصبر عليه …

” يصل في الحال و فجأة .. نهيق حمار ”

” ينتبه له السجين ”

” تتهلل أساريره ”

” ينسى ما كان  فيه ”

” نراه يتنقل داخل المكان  منتشياً .. فرحاً ”

” يتنفس بارتياح ”

” ثم نراه يندمج في رقصة .. تتصاعد تدريجيا  ، و ببطْء ، حتى حالة

هي  أقرب للجنون .. و الهستيريا ”

” مع استمرا النهيق ”

” يستمر هذا إلى أن يسقط مرهقاً ”

” تنتابه نوبة من السعال الحاد ”

” يسترد أنفاسه ”

” النهيق لا يتوقف ”

دون غيري .. أنا من يقدر هذا .. و يستمتع به ”

أشكركِ .. أيتها الصديقة  الرائعة .. جزيل الشكر أشكرك ”

الشبح : ـ ” ضحكات ساخرة يرتج لها المكان ”

صديقتك .. و الرائع ..  نراه في منتصف الخشبة وقد عقد ذراعيه

على صدره

السجين : ـ   إنها  بالنسبة لي  لـ كذلك .. و لو وجدت و صفاً أكثر من هذا

ما ترددتُ في الجهر به ..

الشبح : ـ ما قصدت هذا ..

السجين : ـ ماذا إذن ؟

الشبح : ـ كيف  تأت لك ، إدراك أنها رائعة و ليست رائعاً .. حمارةً و ليس

حماراً.

السجين : ـ ” يطلق ضحكة عاليةً ”

المسألة في غاية البساطة ، و الفَطنْ يدرك هذا دون  أي عناء ،

فرنين نبرات نهيق الحمار ليست ذاتها يا عزيزي عند الأنثى …

…               الفارق كبير .. و كبير جداً .. و إلا كيف يهتدي الحمار إلى حمارته

و يأتيها  دون غيرها .. حين تناديه  . ومن بعيد ؟ لولا   رنين نبرات الصوت

يا عزيزي …الغبي ؟

”                 يضحك زهواً ” ..

الشبح : ـ تريد أن تقول أن الفارق ..

السجين : ـ ” يقاطعه و بقوة ”

ينحصر في ما يحتويه  نهيق الحمارة من نعومة و أنوثة .. يفتقدها .. نهيق

الحمار المزعج و إلى حد لا يحتمل .. هل استوعبت المسألة أيها الحمار؟

الشبح : ـ المسألة ! لا .. ليس بعد ..

السجين : هل كان عليّ  أن أعيرك أذناي  كي يتسنى لك ..

”             يقاطعه عودة النهيق ثانية ”

أنصت .. أنصت جيداً … لتدرك الفارق  …أيها الحمار ..

”            لحظة  إصغاء ”

هـــــه … هل أدركت الفرق ” ؟

الشبح : ـ أجل كبير و شاسع ، و في منتهى الوضوح ، و أدركت أيضاً

أن صديقتك تعاني .

السجين : ـ تعاني ؟ !

الشبح : ـ نعم .. تبعات الحمل .. صديقتك يا صاحبي حامل .

السجين : ـ ماذا تقول ؟ !

الشبح : ـ و في بطنها جحش …

السجين : ـ و من أبيه ؟

الشبح : ـ شأنٌ لا يعنيك .. فهي صديقتك و ليست .. زوجتك ..

السجين : ـ ” يفتعل الضحك ”

صحيح .. صديقتي و ليست زوجتي .. و إن كنت  لست ممن يؤمنون

بالصداقة بين الجنسين … على أية حال .. هي حامل و ستنجب

جحشاً ..

الشبح : ـ أجل .. سيحدث هذا خلال أيام ..

السجين : ـ ” يحاكي نهيق جحش ”

هكذا نهيق الجحش ..  أبعد ما يكون عن نهيق الكبار … كل صغير

لطيف حتى من الكلاب … فنهيق الجحش لا يخلو من النعومة ..

”                يعاود النهيق ”

”                تصفيق ”

هل تعلم يا صاحبي .. كم هو ثمن الحمار الأن ؟

الشبح : ـ  ليست لدي أي فكرة ..

السجين : ـ هناك مواسم … ترتفع .. خلالها  أسعار الحمير..و تبلع حداً لا

يصدق ..

الشبح : ـ صحيح ؟

” سعال حاد يهز السجين هزاً ”

السجين : ـ ” بعد أن يسترد شيئا من أنفاسه ”

يا الله .. أكاد  أنفجر …

”           أنفاس عالية ”

و مع هذا السعال .. صداع حاد .. و غبش يلازم عيني  و ألم لا

يفارقهما  … يا الله .. أحتاجك .. لا تتخلى عني يا الله … ليس لي

سواك   ..

” يتنفس بصعوبة

إنني أعاني … أعاني .. أعاني يا صاحبي ..

الشبح : ـ و هل تعرف سبب ما تعانيه ..؟

السجين : ـ وهل  تعرف أنت ؟

الشبح : ـ  و بكل وضوح ..

السجين : ـ أخبرني ..

الشبح : ـ  لأنك تعاني من السعال تريد أن يعاني الجميع مثلك ..

و لأنك تعاني  ويلات السجن .. تريد أن يعاني الجميع مثلك ..

و لأنـك …

السجين : ـ  “صارخا بقوة ” كفى .. أصمت …

” يتألم ”

آه … آه .. آه ..

” يقبض على رأسه”

صداع … صداع … عيناي .. غبش … ظلام  … عيناي ..

”    يبدأ عملية دعكهما بشكل شبه مستمر”

”  يستمر في تألمه و توجعه ”

” تعابير تنم  عن مخاوفه و فزعه  ”

عيناي … آه .. عيناي … يا الله .. يا الله .. ماذا أرى ؟ لا شيء .. لا شيء .

” يجري متخبطاً .. داخل المكان .. دون أن يكف عن الصراخ و التوجع ”

أيها السجان …. أيها السجان ..

عيناي .. عيناي .. لا أبصر … لا أرى … عيناي ..

” يهتدي إلى باب الزنزانة ”

” يضربه بقوة و بشكل متتابع .. مع استمرار صراخه  ”

آ … آ …ظلام … عتمة … عتمة .. ظلام دامس .. دامس ..

” يسقط مرهقا تَعبًا .. و قد تعالت أنفاسه .. و تقطعت …

الشبح : ـ عليك أن تتحلى بالشجاعة …

السجين : ـ هه … ماذا تقول ؟ ..أتخلى عنها لك .. مقابل أن أبصر

” يتوجع ”

آه …  ظلام … ظلمة ..

”               نراه كمن يريد أن يقبض على شيء ما ”

ما هذا الذي أمام عيناي .. ؟

”               كمن يحاول إبعاد شيئا أمامه ”

أريد أن أبصر …  أن أرى …

”               أنفاس عالية متقطعة ”

الشبح : ـ ليس هناك ما يستحق أن تبصره أو تراه  ..

السجين : ـ لكنني أريد أن أبصر أريد أن أرى .. ساعدني أتوسل إليك

ساعدني  و لك مني ما تريد .. فقط أن أبصر و أرى …

”             صراخ حاد ”

يا الله … يا الله ….

”             تصدر عنه تعابير تنم عن عدم قدرته على السمع ”

”             يتحسس أذنيه ”

”            كمن يحاول تنظيفهما ”

”             صراخ ”

لا أسمع .. لا أسمع ..

”               صمت يملأ الأجواء ”

يا الله …. يا الله ……

أيها السجان ….. أيها السجان …

لا أسمع … لا أرى …

” تصدر عنه تعابير تنم عن فقدانه القدرة على الحديث ”

” نراه يتحسس رقبته في الوقت الذي يأخذ شكل من يصرخ ”

” ينطلق يعدو داخل المكان على غير هدى ”

” في ذات الوقت الذي يعلو فيه تعاقبا .. صياح ديك .. نباح كلب

نهيق حمار ”

” يستمر السجين في تعابيره العشوائي و خطوه  المتخبط .. يتداخل هذا

مع أصوات الحيوانات الثلاث  ”

” تعلو الموسيقى ”

” نراه بعد لحظات وقد سقط منهاراً ”

”                  يتكوم حول نفسه ”

”                  يتراجع كل شيء عدا أصوات الحيوانات الثلاث ”

”                  الإنارة تختفي بالتدريج … حتى الإظلام التام ”

 

”                               ستار النهاية ”

 

الأربعاء \ 20 \  يونيو 2018م درنة …

عبد العزيز الزني…..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock