الشاعر الكبير يسري حسان يكتب: “العرض الوحشي.. الكاشف يمارس ألعابه وألاعيبه بقلب جراح أو حتى جزار”
المسرح نيوز ـ القاهرة| يسري حسان
ـ
عرفت علاء الكاشف فى مناسبة دموية أيضًا، كنا قادمين من مدينة السادات إلى مدينة شبين الكوم لمشاهدة عرضه “ستديو” ضمن مشاهدات التصعيد إلى المهرجان الختامي لنوادي المسرح، قالوا لي إنه عرض جيد وسوف تستمع به ، فى الطريق أصيبت الزميلة رنا عبدالقوى فى رأسها نتيجة ارتطامها بسقف السيارة عندما سقطت فى أحد المطبات، سال الدم من رأسها وحاولنا إسعافها فى الطريق ولم نستطع، وعندما وصلنا إلى شبين جاءوا بعلاء الذى لم يكتف بتضميد الجرح بل وصف علاجًا عجل بشفائه تمامًا.
كان عرضًا وحشيًا أيضًا لكنه كان أخف وطأة مما حدث لى فى عرضه “ستديو” الذى شاهدته بالكاد لأنهم لم يعملوا لى حسابا فى العرض فجلست فى الصفوف الأخيرة وبجوار باب لايكاد يغلق حتى يفتح مرة أخرى، وضابط شرطة لا يكف اللاسلكي الخاص به عن تلقي البلاغات والتعليمات، حتى أننى تابعت كل مايحدث فى المنوفية وتوابعها، لست من هواة الجلوس فى الصفوف الأمامية، لكن طبيعة العرض كانت تتطلب الجلوس فيها. غضبت وظن الأصدقاء أن غضبي سينسحب على تقييمي للعرض ، لكني منحته أعلى درجة في الإقليم كله، وكان يستحق، وراهنت عليه فى المهرجان الختامي لنوادي المسرح، وحصل بالفعل على جوائز عدة، وتم ترشيحه للمشاركة فى المهرجان القومي، وتوقعت له الحصول على أكثر من جائزة، لكنه لم يحصل سوى على جائزة أفضل نص، وظلمته لجنة التحكيم الموقرة عندما لم تمنح إحدى ممثلاته (سماسم جامع) جائزة افضل ممثلة، ومنحتها لممثلة أقل منها بكثير، لكننا فى مصر، ولابد أن تمضى الأمور وفق حسابات دقيقة لانعرفها أو لعلنا نعرفها ونتغابى أو نتعامى.
قرأت نصه “العرض الوحشى” فى قعدة واحدة، ليس لأنه نص قصير فحسب ولكن لأنه أيضًا نص مثير ومشوق ومختلف، وهذا فى ظني شئ حسن. فى هذا النص مارس علاء الكاشف ألعابه وألاعيبه، وأقامه على غير مثال، يعنى لم يستنسخ نصًا لغيره، حاول أن يشق مجراه الذى يخصه، وقال لماذا لاألعب وأجرب وأبحث عن مسرح جديد يخصني ويحمل أفكاري، ويناسب ماأسعى إليه من خلال المسرح. أراد علاء الكاشف من خلال نصه، ومن خلال لعبته وألاعيبه أن يطعننا بخنجره، لكنه ليس الخنجر الذى يقتل، هو الخنجر الذى يسعى إلى تنظيف جراحنا أو القضاء – قدر الاستطاعة – على الفيروسات العالقة بأرواحنا. يقول فى توطئته “لو أزاح كل منا الرتاج عن الوحش الكامن بداخله، وأطلق له العنان، لاندهشنا من مدى وحشيتنا، لكن الأسوأ من هذا بكثير، أن نسلم بها” عنده قسوة أكيد، لكنها أفضل كثيرًا من أن يضع ضمادات ملونة فوق هذه الجراح، كان عليه أن يتعامل بقلب جامد، قلب جراح أو حتى جزار ، مؤمنا بمقولة أمهاتنا “وجع ساعة ولا كل ساعة”. اللعبة مشوقة ومبنية – كما ذكرت – على غير مثال،
وتشير إلى أننا أمام نص يكتبه واحد وعينه على خشبة المسرح، فهو يدرك تمامًا الفرق بين النص الأدبي وبين النص المكتوب ليتم تجسيده على خشبة المسرح ، لذلك جاءت لغته متقشفة، لها غرض محدد وواضح ومعروف، وجاء استدعاؤه لشخصيات شكسبير ذكيًا وملامسًا لطبيعة النص ومشتبكًا معها، وباعثًا على إعادة تأملها والربط بينها وبين مانشاهده أمامنا. أقول “نشاهده” لأننى رأيت النص مجسدًا أمامى على خشبة المسرح. وهذه أيضًا من حسنات النص وبراعته. ملاحظتى الوحية على النص تتعلق بما جاء على لسان الممثل فى صفحة 60: “لقد انتهت اللعبة ياسادة.. لقد مات الرجل الطيب.. إلخ ” هى أشبه بخطبة يوضح فيها للجمهور رسالة العرض، وأحسب أنها وصلت إليه من خلال الأحداث، وكذلك من خلال التوطئة،
هل شعر المؤلف أن ماجرى لم يكن كافيًا لتوصيل رسالته فأراد توضيحها اكثر؟ فضلًا عن أن هذه الخطبة أو الدرس الذى يقدمه الممثل يغلق باب التأويل ويجعل الدلالة أحادية، وهو أمر غير مستحب فى ظنى. غير ذلك فنحن أمام نص بديع حقًا، يشير بقوة إلى قدرة كاتبه على أن يكون مختلفًا ومغايرًا وباحثًا عن باب يقوده إلى مسرح جديد .. تمامًا مثل ممثله الذى فى النص.