حوارات

الفنان والمخرج السوداني الكبير .. علي مهدي: المسرح عندي يفتح الأقواس ويؤجل إغلاقها!


المسرح نيوز ـ القاهرة| حوارات

ـ

حاوره : رئيس التحرير

 صفاء البيلي

 

نعيد نشر الحوار الذي أجريناه مع الفنان الكبير السفير علي مهدي منذ أكثر من عشر سنوات أثناء وجودنا ومشاركتنا في مهرجان البقعة المباركة ..لما يحمله من رؤى وأفكار مهمة وفاعلة ولدوره الكبير في إثراء المسرح العربي.

(إنه.. شخصية مسرحية من الطراز الأول .. يحمل بين جوانحه هما مسرحيا ومشروعا يؤرقه أينما حل ورحل، فتراه منشغلا بالتراث وقضاياه والفنون التقليدية السودانية ..أسس فور تخرجه أول فرقة للتمثيل بمسرح العرائس..ثم انتقل لوزارة الثقافة والاعلام ،بعدها هجر الخدمة العامة ليؤسس مسرح البقعة .. إنه يرى أن الناس تقسو على التراث بإهمالهم له ورغم اتهام البعض له بأن ما يقدمه ليس مسرحا..إلا أنه يفتح ساحته للتجريب ،فالمسرح عنده قوس مفتوح ..لا يغلقه أبدا..إنه يعشق ممثله ويسميه بالمشخصاتي لبراعته ،يحترم جمهوره ويسعى للطفل بكامل حلته وحكاياه الشعبية .. حينما يحدثك بحماس الطفل تشعر كأنه قادم لتوه من كتاب الأساطير منفتحا على عوالم أوسع .. إنه الفنان والمخرج الكبير علي مهدي ..ذلك  الثائر المسرحي الكبير ..كان لمسرحنا معه هذا الحوار عن المسرح السوداني وأحواله.

 

*فور تخرجك من كلية الموسيقى والدراما عملت بالمسرح القومي وتقلدت عدة مناصب بوزارة الثقافة ثم هجرت الخدمة العامة لتؤسس مسرح البقعة عام96..ماذا تعني بمسرح البقعة؟

 

– أولا أود التفريق بين المسرح القومي والوطني ذلك لأن مفهوم القومية أشمل ويفسره البعض خطأ بناحية قطرية كأن يقال المسرح القومي المصري أو السوداني.. وقلت عن المسرح الوطني وهو أول مؤسسة مسرحية خاصة ،استأجرت مبنى وأسست فيه مسرح البقعة، والبقعة تعني اسم مدينة أم درمان ..المدينة التي أسسها الامام المهدي بعد خروج المستعمر عام1800بداية القرن ال19 وأسس دولة سودانية حرة وأسماها “البقعة المضيئة.

 

*أعلم أن مشروعك التنظيري في المسرح السوداني يرتبط بالتراث ويتماس مع مشروع الكاتب المغربي الكبير عبد الكريم برشيد..هلا حدثتني عنه؟

 

– نعم مشروعي يتماس تماما مع مشروع أستاذنا الجليل عبد الكريم برشيد الذي قال بالاحتفالية في المسرح العربي ،أما أنا فقلت:” احتفالية في المسرح العربي الافريقي “،لذلك طرحت مشروع التكوين ..ولا أستعمل منذعام 97كلمة إخراج في انتاجي .

 

*لكن مسرحك كان قبل تلك المرحلة تقليديا ؟

 

– نعم بل كان فوق ذلك تجاريا كوميديا سياسيا ،وقلت في بعض التجليات أنه مسرح الكاباريه السياسي لأننا كنا نطرح من خلاله أفكارنا إبان الديمقراطية الثانية والثالثة.

 

* وماذا عن ركونك الى التراث؟

 

– كان ذلك في بيروت حيث كانت البداية على يد نبيه أبو الحسن ودريد لحام “كاسك يا وطن” لكن في عام 79غيرت مشروعي وارتكزت إلى البحث في التراث وارتباط المسرح بالفرج المسرحية .

 

*ألذلك تستخدم كلمة محفل بدلا من مسرح اتفاقا مع تسمية برشيد؟

 

– نعم لأنني لم أجد معنى يطابق كلمة مسرح في اللغة السودانية .. فالمسرح لغويا هو :” المكان الذي تسرح فيه البهائم   ” لذا اتفقت مع برشيد على التسمية لأن المحفل

هو المكان الذي نحتفل فيه ..وأقول عن مسرحي ” المحفل”حيث مناسبة الاسم لما يقدم من حالات فنية وعروض فرجوية .

*كيف تؤرخ لبدايات المسرح السوداني ..؟

 

– عرف السودان المسرح في شكله الأولي قبل بداية هذا القرن من وجهة نظري باعتباري مدافعا عن قيم التراث في المسرح السوداني وفي عروضي الأخيرة أستخدم في الفرجة كل عناصر التراث من رقص وأغان شعبية وإنشاد ديني وصوفي وحركة.كما أرده إلى زمان الممالك الكنسية .. فقد شهدت الكنائس السودانية القديمة واحدة من أشكال التمثيل وواحدة من أشكال المسرح . والكنيسة كماتعرفين خاصة القديمة في أوربا والتي كان لها دورا كبيرا في إثراء هذه التجارب ، كما عرف المسرح السوداني بشكل مباشر عن طريقين مثلما جاءتنا الكثير من المعارف من مصروسوريا .كذلك عرف السودان المسرح بمدارسه الكلاسيكية من الجاليات العربية بخاصة في المدن التي كانت تتركز فيها نشاط تلك الجاليات مثل :بورسودان على البحر الأحمر.

 

*بالرغم من اعترافك بدور الشام في المسرح السوداني إلا أن لك تحفظا على “يعقوب صنوع” ما مرجع هذا التحفظ؟  

 

– نعم لي تحفظ على الاعتقاد الخاطئ  كون يعقوب صنوع هو المرجع الرئيسي لمسرحنا العربي والنهضة المسرحية لذا بحثت عن فرجة مسرحية بديلة في المسرح.

 

*تعبير”ااستغلال التراث في المسرح” هل توافق عليه بهذه الكيفية؟

 

– هذا تعبير خاطئ فمن المفترض أننا نأخذ المسرح لنغمسه في التراث وليس العكس كما يقال، فعندما تتأملين قول النقاد في :”نجيب سرور” في أغنية”يا بهية وخبريني”أو أستاذنا يوسف إدريس في الفرافير ..أنهما استخدما موتيفات مصرية شعبية ،إلا أنني أقول عكس ذلك ..وأتمنى أن أكون صادقا في مشروعي التنظيري العلمي للمسرح فما أؤكد عليه في أعمالي الأخيرة سواء في ألمانيا أو باريس حيث أخذت العناصر التي تسمى مسرحا وأدخلتها في التراث فلم تلبس التراث ؛بل أصبحت هى التراث.

 

* هل أعتبر هذا توافقا أو تماهيا؟

 

– لو قلنا أنه توافق..إذا كان هناك طرفي نقيض، ولكن في مسرحي لا يوجد ما يشير إلى أنه نقيض التراث بل هو التراث نفسه، فقط أستخدم الفرجة في شكلها الدائري لأنها هى السوق.

 

* إذا ما تقوم به هو إعادة اكتشاف للتراث وتوظيفه عبر العملية المسرحية؟

 

– الناس تقسو على التراث والفنون التقليدية فيقولون :”جمرناها”وذلك عندما جاء برشيد أو عبد الرحمن بن زيدان أو الطيب الصديقي أخذوا التراث الذي كان مطمورا في الطين وقدموه للناس نظيفا .. على اعتبار انه كان قطعة من الماس الملقاة في الطين وهذه قسوة كبيرة.

 

*لكنه كان منسيا بالفعل وجاء هؤلاء الأساتذة وغيرهم فذكروا به

 

– هذا هو التعبير الصحيح فقد كان في خواطر الناس لكنه كان منسيا ،فأنا ليس بيني وبين العصري مسافة أو تباين فأنا عصري في تناولي للتراث.

 

* ربما يقال عنك أنك ضد كوكبية أو عولمة الفن

 

– لا على الإطلاق.. فأنا أتعامل مع الآخر بدليل علاقاتي مع الألمان وتبادلنا المعرفي المسرحي معهم فقد أوفدنا 11 مسرحيا في دورة تدريبية وقدمت فيها معالجة لنص  بريخت”الرجل الطيب من سشوان”

 

*كيف كانت تلك المعالجة؟

 

– كانت في جزئيتين :الأولى الخاصة بدخول الآلهة ومحاولة أن يجد أحدهم سكنا لها فلم يجدوا سوي عند العاهرة ولكننا لا نستطيع أن نقول ذلك في مجتمعاتنا العربية ..فهل من المعقول في معتقداتنا الإسلامية أو المسيحية أن تكون العاهرة أفضل من يسكن لديها الآلهة؟

 

* هل قابلتك أية  مشاكل مع تلقي هذا النص؟

– نعم ..النص وليس بريخت نفسه ككاتب وهذا ما قمت به من معالجة للمشهد بما يتناسب مع ثقافتنا العربية الأفريقية بنفس الشخوص نعم لكن بأجواء أخرى.

 

*الفرق المسرحية السودانية من أين تمول؟

 

– البقعة تساعد وتساهم في تمويل هذه الفرق ولكنه تمويل محدود لأيام المهرجان ،فالفرق التي تصل للمسابقة الرسمية نمنحها مبلغا يقارب 1000دولار لتغطية تكاليف الانتاج ، وهي فرق بسيطة لا تتعدي 12 فرقةكما نقوم بعمل ورشات مركزية لبناء الديكورات وأخرى حول الجسد وكيفية استخدامه بخبير من بولندا وهولندا وورشة حول مسرح بريخت قراءة ومعالجة النص وتحليله وقد شارك في الررشة أكثر من 50 دارسا.

 

* ترى ..هل أثر الراهن السياسي لديكم على واقع الحركة المسرحية؟

 

– نعم أثر على الحياة العامة بأسرها لأنه أكثر تعقيدا يترك آثاره الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأثره على الفنون أعمق لأنها أكثر حساسية.وأرى أنه ليس بالضرورة أن تعبر الفنون عن سياسة الدولة بقدر ما تعبر عن نفسها.

 

* أقصد هل أنتج هذا الراهن نوعا معينا من المسرح .. كمسرح المقاومة مثلا؟

 

– المسرح نشأ لكي يعبر عن الناس ضد من يحكمهم ولكني أفضل أن تسمو الفنون فوق أي تيار ، فالفنون مرآة الوطن فإذا كانت هذه المرآة حمراء أو صفراء فلا أجد نفسي فيها.

 

*نحن نبحث عن المرآة الليبرالية..

 

– نعم بما فيها من حرية وتعبير جيد عن أحلام الناس اقدرتها على استشراف مستقبلهم.

 

* أين ترى الخطوط الحمراء؟

 

– .. إنها موجودة دواخلنا فقط.

 

 *  المسرح التجاري في السودان كيف يسير؟

 

لدينا فرقا مسررحية تجارية لكن ليس فيها خروج فالمجتمع السوداني محافظ.. ونحمد الله أن المسرح موجود ولا نريد أن نخربه بمثل هذا المسرح المسف

 

*أنتقل بك من فرضيتك كمهتم بالتراث إليك كمخرج  وعلاقتك بالممثل؟

 

– انه عندي المشخصاتي وليس الممثل.. فلم أر في المحفل ما يقارب حالة التمثيل ، فبعض الناس الذين درسوا على أستاذنا الراحل “زكي طليمات”فقد درس استنسلافسكي أفضل من الروس وانتقلت معارف طليمات حول الأداء التمثيلي إلى الوطن العربي ثم إلى السودان الذي ترك بصماته على كل الأجيال إلا أنه في المحفل والفرجة لا نحتاج لممثل يتقمص دور عطيل حتى يخنق ديدمونة أو ينتصب الجمهور واقفا من شدة التأثر فهذه زوائد غير مرغوبة.

 

*الجمهور ..كيف يتأطر دوره  في محفلك المفتوح؟

 

–  إنه يحاورنا ونحاوره وأحيانا يدفعنا لتغييرأجزاء في العرض ،فقد قدمناعرض”سينار وعيذاب “بطرق مختلفة تبعا لاختلاف الجمهور فقد قدمناه في ألمانيا،استنبول،الجامعات السودانية ،المسرح القومي وحتى في مكان مفتوح .

 

*إذا محفلك يتأثر في شكله ومضمونه  بنوعية المكان؟

 

– لذلك فالمشخصون وهم يشخصون أدوارهم يبدلون من ثيمات الشخصية التي يؤدونها لتصبح بمثابة البطل الشعبي الذي يتغير بتغير المكان.

 

* في تبنيك لمسرح الاحتفالية والفرجة كيف يمكنك أن تجرب أشكالا فرجوية جديدة مع الاحتفظ بمشروعك الخاص وهويته؟

 

–  في الفرجة.. أجرب كل ما لدي ،التجريب ببعده الإبداعي هو حالة مستمرة داخل الفعل والتجريب ببعده النظري والعملي هو انتظار نتائج فأنا أجرب في إعادة صياغة بريشت بالشكل الذي أراه مناسبا.

 

*هذا عن التجريب في المكان.. فماذا عن التجريب في الجمهور؟

 

– حدث هذا عندما قدمت رواية”سلمان الزغرات سيد سنار”وقبل دخول الجمهور أطلقنا البخورومنعنا الجمهور من الدخول ..ثم أدخلناه بالأذكار فدخلوا بالنوبة الصوفية والأجراس ،وهذا جو خرافي وكان كل ما يعنيني في هذا الأمر هو امتلاك ذلك الجمهور منذ البداية ولا يكون محايدا وأن يصبح جزء من العرض وقد عرضنا نفس العمل بالقاهرة وهذا ما أسميه بـطفرجة بين الحدود”وهى ذات المعالجة التي قمت بها في الرجل الطيب لبريخت وعرضتها في دار الأوبرا المصرية علي المسرح المكشوف وعرضتها في الفضاء عام2005

 

* الطفل جزء من الجمهور ترى أين موقع مسرحه من الخريطة المسرحية؟

 

– حينما كنت طالبا بالجامعة كانت لدي تجربة مسرح الشارع وكنا كلما انتصف الشهر العربي واستدار القمر نذهب للحي الشعبي ساهرين مع الأطفال ومن هنا بدأ مسرح الشارع معهم وخصصت له تجارب في مسرح العرائس وتفاعلنا مع عدد من الخبراء الأجانب من رومانيا ،وأسسنا فرقة مسرح العرائس عام1975

 

*ألست معي أن ذلك  جاء متأخرا؟

 

– نعم لكن كانت لدينا نواة لمسرح الطفل والمتمثلة في مسرحة المناهج.. والأصل في هذا يرجع إلى أن الطفل يميل إلى حكايات الجدة عن فاطمة السمحة ..فيأتي إلى المسرح خاملا في وجدانه تلك الحكايا لهذا فإن أول ما يبحث عنه الطفل في العرض هى تلك الحكايا الشعبية التي رسخت في مخيلته،لذلك فهو يشارك في عروضنا التي تعتمد على ما نسميه بألعاب الصبية وندعو الناس ليلعبوا معنا ومعه، لذا فقد تجد رجلا ذا 50عاما يشارك في لعبة شعبية خاصة بالطفل .

 

*لعل هذا يعود بنا إلى المسرح الأرسطي حيث يخلص ويغسل أوكما يقول كفافيس: التطهيرهل توافقني على هذا؟

 

– نعم .. فالمسرح عندي هو تلك الأقواس التي أؤخر إغلاقها لأتيح عبرها الفرصة للحوار المتنامي الجيد مع الآخر فإذا أقفلته.. فذلك معناه أنني ختمت على إبداع الآخر  وصادرته.

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock